التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
القادر يحيى بن ذي النون، مقال د. راغب السرجاني، يتناول حياة القادر بالله حفيد المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة بين ملوك الطوائف في الأندلس وثورة شعبه عليه
القادر بالله يحيى حفيد المأمون
مات المأمون بن ذي النون مسمومًا بقرطبة –في حادث سنفصل ظروفه في مقال قادم إن شاء الله- وخلفه من بعده حفيده يحيى بن إسماعيل بن يحيى بن ذي النون وذلك سنة (467هـ=1075م)، وتلقَّب بالقادر بالله، وكان القادر بالله سيئ الرأي، قليل الخبرة والتجارِب، مع أنه يحكم مملكة عظيمة وطَّدها له جدُّه المأمون.
مؤامرة قتل الوزير ابن الحديدي
كان المأمون قبل وفاته قد قَسَّم وظائف دولته وعهد بها إلى وزيراه: ابن الفرج وابن الحديدي، فجعل أمور الجند لابن الفرج، وأمور المشورة والرأي إلى ابن الحديدي، وأخذ عليهما المواثيق والعهود بحُسن الإدارة والنصح، إلا أن القادر بالله وقع تحت تأثير العبيد والخدم ونساء القصر، وطائفة من قرناء السوء وبطانة الشرِّ، ظلُّوا وراءه حتى أوغروا صدره من ابن الحديدي؛ يسعون للفتك به والتخلُّص منه، ولم يكن القادر ليتخلَّص من ابن الحديدي دون تُهَمَة بيِّنة وخيانة ظاهرة؛ حتى يقنع أهل طُلَيْطِلَة بالأمر، فدبَّر مكيدة؛ وهي أن يستظهر جماعة كان جدُّه المأمون قد أودعهم السجن بإيعاز من ابن الحديدي، فأطلق القادر سراحهم ودعاهم إلى مجلسه، ودعا ابن الحديدي إليه أيضًا، فلما حضر ابن الحديدي ورآهم، أيقن بالهلاك، وأسرع إلى القادر يستجيره منهم، إلا أن القادر غادر مجلسه، فتمكَّنُوا منه وقتلوه، وأمر بنهب دور ابن الحديدي، وكان ذلك في أوائل ذي الحجة سنة (468هـ=1076م)[1].
الثورات ضد القادر بالله
لم ينعم القادر بالله منذ أن فتك بابن الحديدي بالأمان؛ إذ صار أعوان الأمس أعداء اليوم، وإذا بمن أوغروا صدره على ابن الحديدي ينقلبون عليه ويكيدون له الدسائس، فلم ينسوا أن المأمون جدَّ القادر هو من أودعهم السجن، وكاد يفتك بهم.
وهكذا بدأت الهموم والمتاعب والثورات تنهال عليه؛ فابن هود صاحب سَرَقُسْطَة يُرهقه بغاراته من ناحية، وأبو بكر بن عبد العزيز صاحب بَلَنْسِيَة استغلَّ الفوضى واستبدَّ بالأمر، وأعلن الثورة والاستقلال، والنصارى يُغيرون على أملاكه، وكادوا أن ينتزعوا قونقة منه، إلاَّ أنه افتداها بمبلغ كبير من المال.
ومن ناحية أخرى أعلن أعوان الأمس الثورة الداخلية للإطاحة به، وفعلاً هرب القادر من طُلَيْطِلَة إلى حصن وَبْذَة، وهنا وجد أهل طُلَيْطِلَة أنفسهم بلا أمير أو حاكم، فاستقدموا المتوكل بن الأفطس ليحكم البلاد سنة (472هـ=1079م)، وظلَّ المتوكل حاكمًا عليه، إلى أن عاد القادر مرَّة أخرى بمعونة ألفونسو ملك قشتالة، وحاصرت قوَّات النصارى طُلَيْطِلَة، وهذا ما اضطر المتوكل بن الأفطس إلى أن يخرج منها بعد أن أخذ ما استطاع من أموال القادر وخزائنه، ونجحت قوَّات ألفونسو الدخول إلى طُلَيْطِلَة وإعادة القادر، ودخل القادر طُلَيْطِلَة في حمى النصارى وجنودهم، وكانت هذه العلاقة المشئومة سببًا في سقوط طُلَيْطِلَة..
فيا ليت حُكَّام المسلمين يعون الدرس، ويعتمدون على ربهم، ولا يتَّكلون إلى عدوِّهم؛ فهذا جزاء الخائنين، وصدق الله إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 51- 53].
التعليقات
إرسال تعليقك