جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الجمعية الشرعية صارت قامة مرتفعة في العمل الخيري والدعوي والإغاثة منذ ما يقارب القرن، يدرك العاملون عليها دورها جيدًا
الجمعية الشرعية صارت قامة مرتفعة في العمل الخيري والدعوي والإغاثة منذ ما يقارب القرن، يدرك العاملون عليها دورها جيدًا، وحاجات المجتمع القريب والبعيد، بل أدركوا جميعًا أن لهم دورًا عبر الحدود نحو إخوة لنا اعتدى عليهم أعداء الله تدميرًا وتنكيلاً، فهبت الأيدي المتوضِّئة تجاوبًا مع الحدث بأكبر حملة في مصر لنقل المعونات إلى قطاع غزة؛ بما تحمل من ثقة الناس بها، وبمسيرتها الطويلة على أرض مصر، وأماكن أخرى وصلت إليها يد العطاء .
فلم تعُدْ مجرد جمعية خيرية، بل حملت على عاتقها هم العمل الدعوي الإغاثي كأنشط جهة تعمل في هذا المجال بإسلام عملي يقرن القول بالفعل؛ لتخفِّف معاناة المصابين والمحتاجين.
وكان هذا اللقاء مع فضيلة الدكتور المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية بمصر، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
** ماذا تعني غزة بالنسبة للمسلمين؟ وماذا تمثل أرض فلسطين لكل مسلم؟
- غزة أرض إسلامية فُتحت بدماء المسلمين وأصبحت أمانة في أعناق الأمة، وهي وقف على أهلها لا يجوز التصرف فيها أو بيع جزء منها، وفلسطين أرض الرباط التي أوصانا النبي بالحفاظ عليها، وهي مسرى الرسول وبها بيت المقدس ثالث الحرمين وأولى القبلتين، وكل ما حول بيت المقدس - ومنه غزة - هو من أكناف بيت المقدس الذي بارك الله حوله؛ ففلسطين كلها أرض مباركة ولها قدسية خاصة، إضافةً إلى قدسية الدماء والأعراض والأموال التي هي مكفولة لكل مسلم، وقاطنو فلسطين لهم على المسلمين حقوق الأُخُوَّة، وهي ألا نسلمهم ولا نخذلهم ولا نترك عدوًّا ينفرد بهم.
** هل يعني هذا أن يدافع المسلمون كافة عن غزة؟
- الدفاع عن غزة واجب ديني شرعي، وهو كذلك واجب قومي ووطني.. وإذا كان الإسلام يفرض على المؤمنين أن يقاتلوا الفئة الباغية من المؤمنين، حتى ترجع إلى الحق، فكيف إذا كانت الفئة الباغية هي أعدى أعدائنا وشر مَن في الأرض.. أفلا يجب علينا الوقوف مع المظلوم - وهم من المسلمين - حتى ينالوا حقهم؟! وإذا تشبث الظالم بظلمه واستمر في بغيه فيجب على الأمة مقاتلته حتى يرجع إلى الحق، ويكف عن الظلم، ولا بد من تلاحم أفراد الأمة لردِّ الحقوق إلى أهلها، والقيام بواجــب الأخَّوة في الله.
** وما الذي قامت به الجمعية لتقديم الدعم الإغاثي لقطاع غزة؟
- منذ يوم الأحد 30 من ذي الحجة 1429هـ وحتى يوم الخميس 18 من محرم 1430هـ والجمعية الشرعية تقوم بواجبها في الجهاد بالمال لمساعدة إخواننا المجاهدين الصامدين، وهي تشعر بالتقصير نحوهم، ونعاهدهم على الاستمرار في تقديم ما يحتاجون إليه إلى أن يمنَّ الله عليهم بالنصر ودحر العدو. ومجمل ما وصل إليهم في هذه المدة: 125 شاحنة، و6 حاويات تحمل1700 طن، وتفصيل ذلك 45 شاحنة، و6 حاويات (كونتينر) تحمل260 طنًّا من الأدوية، إضافةً إلى تجهيزات طبية لثلاثة مستشفيات ميدانية. وقد وصلت هذه المعونات الطبية عن طريق معبر رفح.. أما ما وصل إليهم عن طريق معبر العوجة فهي معونات غذائية وأغطية على الوجه الآتي:72 شاحنة تحمل 1440 طنًّا، و8 شاحنات تحمل 20 ألف بطانية، و20 ألف جلباب. وقد قمنا بزيارات متتابعة للجرحى في مستشفيات مصر، وإجراء 6 عمليات جراحية كبرى، هذا هو جَهْد المُقِلّ، ندعو الله أن يغفر لنا تقصيرنا نحوهم.
شعب مصر.. وغزة
** هل كان هناك تفاعل بين الشعب المصري وأحداث غزة؟
- لقد وجدنا إقبالاً غير مسبوق لدرجة تجعلنا نضاعف الجهد لمواكبة هذه التبرعات؛ لأن شعب مصر لديه عاطفة إيمانية قوية جدًّا، وشعوره عظيم بمعاناة إخوانه، وقلوب الناس محترقة من أجل ما يحدث في غزة، لدرجة أن سيدة فاضلة كانت تقود سيارتها وما إن لمحت عنوان الجمعية الشرعية على سيارتي حتى ألقت إليَّ ألف جنيه ولم تنتظر الإيصال الرسمي الذي استخرجته باسم فاعلة خير. وكذلك أرسلت إلينا سيدة كريمة بما ادّخرته للحج بالرغم من أنها لم تحج من قبلُ، فتبرعت بثلاثين ألف جنيه وقالت: هذه حَجَّتِي.
** وماذا عن تخوُّف مصر من فتح المعابر، وترديد البعض أنه من الممكن أن يدخل الغزاويون مصر ويخرجون؟
- إخواننا الفلسطينيون مرتبطون بأرضهم مرابطون فيها، بل من كان منهم في مصر ترك مصالحه ووقف بباب المعبر ينتظر الإذن له بالدخول إلى غزة للجهاد مع إخوانه، والذود عن أرضه وأهله، رغم كونه يراها محترقة مدمَّرة.. هذا شعور أبناء فلسطين تجاه بلدهم، فهم يتجهون للداخل لا للخارج، وهناك حوالي مائة وسبعين شخصًا في آخر إحصائية يقفون الآن في انتظار الإذن لهم بالدخول طلبًا للموت على أرض غزة والشهادة.
** الدكتور مختار المهدي- وما الرسالة التي توجِّهها للشعب المناضل الصابر في غزة؟
- أقول لهم ما قاله الله تعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186].
وأقول لهم: إن صمود المقاومة بالرغم من إمكانياتها المحدودة أمام أعتى قوة تدميرية تمتلكها إسرائيل برًّا وبحرًا وجوًّا، وتعينها الدولة الكبرى، وصبركم أمام الفظاعة التي يتعامل بها العدو مع العُزّل... هذا يرعب أعداءكم، ويُعلِي من شأنكم في الدنيا والآخرة، ويؤكد وصف الله لليهود بأنهم جبناء {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111]. فهم لا يستطيعون النصر في حرب مكشوفة {وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح: 22، 23]. وأقول لهم: إن هذه الحرب ميزت بين الطيب والخبيث، والمتعاونين مع العدو والمخلصين لدينهم.
** كلمة توجِّهها إلى العالم الإسلامي؟
- هذا وقت امتحان إيمانكم بدينكم وأمتكم، فهيّا أقيموا شرع الله، ولا تخشوا أحدًا إلا الله {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. أقول لهم: السلام سلام الأقوياء لا سلام الضعفاء، بمعنى أن الأقوياء هم الذين يوافقون على السلام ليسوا هم من يطلبونه؛ فالله تعالى يقول: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]. والجنوح يعني الضعف، فحينما يضعفون ويطلبون السلام نستجيب لطلبهم.
** هل من صور مشرقة في التاريخ الإسلامي عن نجدة المسلمين بعضهم لبعض؟
- هناك الكثير والكثير... ومنها تلك المرأة التي ظلمها الرومان فنادت "وامعتصماه"، فقامت لأجلها حرب عَمُّورِيَّة ضد الروم، وهي امرأة لا دولة بأسرها تستغيث. ومن قبلُ حين اعتدى بنو قينقاع - وهم يهود - على امرأة مسلمة، أخرجهم النبي وأجلاهم من المدينة. وآخر ما تعاون فيه العرب المسلمون هو في حرب رمضان 1393هـ، التي كان فيها الانتصار بسبب الإيمان والتعاون ووَحْدة الهدف.
** ماذا ترون في الأوضاع في غزة؟
- لم تمر ولم تحدث مجزرة في التاريخ الحديث مثل التي حدثت في غزة، وأنا أقول لإسرائيل: ستدور الدائرة عليكم مهما كان لديكم من عدد وآلات جهنميّة؛ لأن الله أقوى وأعز {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 79]، {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق: 8، 9]. أقول لها: ما حدث لعاد وثمود ليس ببعيد عنكم، والله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
أفيقوا واتحدوا
** وأخيرًا ماذا تتمنى للعالم الإسلامي؟
- أتمنى أن تقوى عقيدة الأمة، وعلى عالمها الإسلامي أن يستشعر أن الكفر كله ملة واحدة، وأن يوقن بأن هناك تآمرًا على الإسلام وأهله في كل مكان، وخاصة في البلاد التي تتمسك بدينها. وهدف الكفر سلخ الأمة من الدين، وصدق الله تعالى {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]. آملُ أن نستشعر الخطر، ونتعاون، ونتَّحِدَ، ونربِّي أبناءنا على الجهاد.
التعليقات
إرسال تعليقك