لماذا رفض أبو يوسف المنصور مساعدة صلاح الدين الأيوبي؟
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
ضرب رسول الله المثل الأعلى في احترامه لحقوق اليتيم والمسكين والأرملة، فقد حث صلى الله عليه وسلم على الإحسان إليهم
تميَّزت الشريعة الإسلاميَّة بأنها حفظت حقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وجعلتهم في أمان ورعاية المجتمع المسلم بتكافله معهم معنويًّا ومادِّيًّا؛ فيأمرنا الله U بالرحمة باليتيم، فيقول: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ} [الضحى: 9]. كما يأمرنا بأن نعطي المسكين حقَّه المفروض له من قِبَلِ الله I، فيقول U: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26].
قضاء حوائج المساكين والأرامل
وزيادة في تدعيم حقِّ المساكين[1] والأرامل[2] يرغِّب رسول الله r الأُمَّة كلها بالسعي في قضاء حوائجهم فيقول رسول الله r: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"[3]. فقد رفع رسول الله r قدر الذي يرعى شئونهما إلى درجة لا يتخيَّلها أحد، فأيُّ أجر وأيُّ ثواب أعظم من ذلك؟!
الإحسان إلى اليتيم
كما يحثُّ رسول الله r على الإحسان إلى اليتيم واعدًا بالأجر العظيم؛ وذلك تأصيلاً لحقوق اليتامى في الرعاية والكفالة، فيقول رسول الله r: "أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ[4] فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ". وأشار بأصبعيه، يعني السَّبَّابة والوسطى[5].
بل بلغت درجة الرفق والرحمة باليتيم أن رسول الله r رغَّب أفراد الأُمَّة أن يضمُّوا اليتامى إلى أولادهم، فقال رسول الله r: "مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ"[6].
فالمنهج النبوي الشريف لا ينظر إلى اليتامى والمساكين والأرامل على أنهم يحتاجون إلى متطلَّبات الحياة المادِّيَّة فقط؛ بل ينظر إليه على أنهم بَشَرٌ حُرِمُوا من العطف والحنان.
ولم يقتصر رسول الله r على التشجيع في رعاية وكفالة اليتامى، وإنما ذهب في سبيل ذلك إلى وسائل أخرى أكثر ترغيبًا؛ فترى رسول الله r يقول لرجل أتى إليه يشكو قسوة قلبه: "أَتُحِبُّ أنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، وتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ اليَتِيمَ، وامْسَحْ رَأسَهُ، وأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ، وتُدْرِكْ حَاجَتَكَ"[7].
ومن ناحية أخرى حذَّر رسول الله r من ظلم اليتامى وأكل حقِّهم، فقال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ[8]... وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ"[9].
كما قال رسول الله r مرغِّبًا في إنفاق المال على المسكين واليتيم، فقال r: "... وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ..."[10].
ونجد رسول الله r أيضًا يذمُّ طعام الوليمة الذي يحضره الأغنياء ولا يُدْعَى إليه الفقراء من اليتامى والمساكين، فيقول رسول الله r: "بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيْهِ الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ"[11].
ولم يكتَفِ رسول الله r بذلك كله، وإنما نصَّب نفسه الشريفة مسئوليَّة ولاية اليتامى والفقراء والمحتاجين، فقال رسول الله r يُعلنها كحاكم دولة: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ U، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً[12] فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ..."[13].
وكان رسول الله r أسرعَ الناس إلى تطبيق ما يقول، فقد روى عبد الله بن أبي أَوْفَى t أن رسول الله r كان لا يأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين؛ فيقضي لهما حاجتهما[14].
هكذا أرسى الإسلام قواعد التعامل مع اليتامى والأرامل والمساكين، وكان رسول الله r خير مطبِقٍ لهذه القواعد؛ فكان المثل والقدوة الرحيمة، فما أعظمه!
د. راغب السرجاني
[2] الأرملة: التي مات عنها زوجها، ويطلق على المحتاجة، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/125، وابن منظور: لسان العرب، مادة رمل 11/294.
[3] البخاري عن أبي هريرة: كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (5038)، ومسلم: كتاب الزهد والرقاق، باب الإحسان على الأرملة والمسكين واليتيم (2982).
[4] كافل اليتيم: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية، وغير ذلك. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 10/436.
[5] البخاري عن سهل بن سعد: كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيمًا (5659)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم (2983).
[6] أحمد (19047) وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح لغيره...، والبخاري: الأدب المفرد (78)، والطبراني: المعجم الكبير (670)، وأبو يعلى (926)، والهيثمي: مجمع الزوائد 8/294 وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والسياق له وأحمد باختصار والطبراني، وهو حسن الإسناد. وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (2882).
[7] أحمد (7566)، والبيهقي: السنن الكبرى (6886)، ومسند عبد بن حميد (1426)، وحسنه الألباني. انظر: السلسلة الصحيحة (854).
[9] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا..." (2615)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (89).
[10] البخاري عن أبي سعيد الخدري: كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى (1396)، والنسائي (2581)، وأحمد (11173).
[11] البخاري عن أبي هريرة: كتاب النكاح، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله (4882)، ومسلم: كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة (1432).
التعليقات
إرسال تعليقك