جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
القدس وإعصار الاستيطان والتهويد الجارف
ما تؤكده الهجمة الاستيطانية الإسرائيلية، التي ارتفعت وتيرتها تحت ظلال مناخات الحوار الفلسطيني والعربي الهادف إلى فرملة حالة الانهيار السائمستوطنات إسرائيليةدة، وتحقيق الحد الأدنى من المصالحة، هو أن ثمة إصرارًا إسرائيليًّا على وضع ألغام من العيار الثقيل أمام هذه المساعي تندرج في إطار المخططات المسبقة الصنع للمضي في تبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية، واستغلال المرحلة الانتقالية المعقدة التي تعيشها المنطقة والعالم، وبالأخص اللوحة الفلسطينية الملطخة بسواد الانقسام والصراع؛ إذ ليس من قبيل المصادفة أن تطفو هذه الهجمة على السطح بعد العدوان على غزة مباشرة، وقبل أن يستفيق الفلسطينيون والعرب من كوابيس الانقسامات والتمزق التي تشكل وصفة مجربة للخراب، ما يشير إلى أن ما يجري راهنًا، يشكل الترجمة الحرفية لتوجهات إسرائيل التي أملت عملية الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات هناك بهدف تحويل القطاع إلى سجن كبير تحت السيطرة البرية والبحرية والجوية الإسرائيلية، ودفع الفلسطينيين باتجاه الاقتتال الداخلي، والتفرغ لتوسيع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، ولا سيما في مدينة القدس التي يعمل على ترسيخها، واقعيًّا، كعاصمة أبدية لإسرائيل، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بعد فصل شمالها عن جنوبها، من خلال جدار الفصل والكتل الاستيطانية وبؤرها المتناثرة والطرق الالتفافية، ومنع أي تواصل جغرافي فلسطيني مع وادي الأردن الذي تنوي إسرائيل ضمه إليها، إضافة إلى الكتل الاستيطانية الكبرى التي يجري تسمينها بشكل متواصل.
وما يعزز ذلك ما حملته تلك الوثيقة المقدمة للاتحاد الأوربي، منتصف كانون الأول الماضي تحت عنوان «تقرير رؤساء البعثات للاتحاد الأوربي»، وجاء فيها أن إسرائيل «بدأت بتسريع خططها الاستيطانية إزاء القدس الشرقية وهي تقوض مصداقية السلطة الفلسطينية وتضعف دعم محادثات السلام». وتتهم الوثيقة الحكومة الإسرائيلية باستخدام وسائل كتوسيع المستوطنات وهدم المنازل وسياسات الإسكان التمييزية والجدار العازل في الضفة كأداة في سعيها الحثيث لتنفيذ خطة الضم غير القانوني للقدس الشرقية.
المستوطنات الإسرائيليةبعض التفاصيل المتعلقة بالمجزرة الاستيطانية الجديدة تفيد أن المنازل الـ88 التي تلقى أصحابها أوامر إخلاء، يعود بناؤها إلى ما قبل عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الشطر الشرقي من المدينة المقدسة، بينما تهدف مصادرة الـ1700 دونم من الأراضي الواقعة بين القدس الشرقية ومدينة الخليل، إلى توسيع مستوطنة «أفرات» وبناء 2500 وحدة سكنية جديدة فيها. أما مخططات وزارة الإسكان المتعلقة ببناء 73 ألف وحدة سكنية، التي أشار إليها تقرير «السلام الآن»، فتتضمن توسيع نحو 15 مستوطنة من بينها «معاليه أدوميم» و«بيتار عيليت» و«عمانويل»، و«أفرات» و«أرئيل»، إلى جانب نحو 5000 وحدة سكنية في القدس الشرقية. وتشير حركة «السلام الآن» إلى أن هذا المخطط الواسع يشكل نحو 20% فقط من مخططات البناء في وزارة الإسكان، ويعني ذلك مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية، وارتفاع عددهم بنحو 300 ألف مستوطن.
في موازاة ذلك، تتواصل أعمال البنى التحتية، وشق شبكة شوارع واسعة، في المنطقة الواقعة بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم التي تضم نحو 30 ألف مستوطن، والهادفة إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، وفصل القدس كليًّا عن باقي أجزاء الضفة الغربية. ووفق صحيفة «هآرتس»، فإن سلطات الاحتلال استثمرت في هذه البنى خلال السنوات الأخيرة نحو 200 مليون شيكل. كما تعتزم هذه السلطات بناء مستوطنة جديدة على مساحة 12442 دونمًا من الأراضي الفلسطينية في مناطق العيزرية والزعيم والطور والعيساوية. ومن المقرر أن تضم هذه المستوطنة 3500 وحدة سكنية ( نحو 14500 مستوطن).القدس وإعصار الاستيطان والتهويد الجارف
ويشير معهد الأبحاث التطبيقية - القدس «أريج» إلى أن معظم المخططات والعطاءات الإسرائيلية التي تم طرحها من قبل السلطات والوزارات المختلفة تركزت في منطقتي القدس وبيت لحم، حيث بلغت نسبة الوحدات الاستيطانية التي طرحت لمنطقة القدس وحدها 76 % من المجموع الكلي لعدد البؤر الاستيطانية، على حين بلغت نسبة البؤر الاستيطانية التي تم طرحها في محافظة بيت لحم 23 %، ما يشير إلى النية الإسرائيلية بإعادة صياغة ديمغرافية المدينة المقدسة عبر زيادة نسبة البناء فيها لاستيعاب المزيد من المستوطنين اليهود، في مقابل تأكيد ألا يتجاوز عدد الفلسطينيين ربع العدد الإجمالي للمدينة بشقيها، وذلك إلى جانب التركيز على إعادة صياغة جغرافية المدينة بما يتناسب مع مخطط الفصل العنصري وعزلها عن باقي محافظات الضفة الغربية، ما يقوض، عمليًا، فرصة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة جغرافيًّا وعاصمتها القدس الشرقية.
ومع أن من السذاجة التوقف أمام إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف إيهود أولمرت، وفي أوج الهجمة الاستيطانية على القدس، أنه لن يكون هناك سلام أبدًا من دون تقاسم القدس التي «يجب أن يصبح قسم منها» عاصمة لدولة فلسطينية، لكون هذا الإعلان يندرج في إطار عملية الخداع الإسرائيلية التي تتمحور حول ضرورة توسيع حدود القدس نحو الشرق، وضم بعض القرى إليها، ولا سيما بلدة أبو ديس التي يمكن الزعم بأنها يمكن أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المفترضة، كما أن من العبث العودة إلى الوقوف على الأطلال، وإطلاق القنابل الصوتية الشاجبة والمستنكرة التي ساهمت، عمليًّا، في تشجيع إسرائيل على المضي قدمًا في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، إلا أن ما يلفت في التعاطي الفلسطيني حيال هذا الملف الذي يقرر، فعليًا، مستقبل شكل وطبيعة الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، هو أن ثمة إهمالاً مريبًا لقضية توسيع عمليات الاستيطان، وبشكل أكثر تحديدًا في مدينة القدس التي استبيحت بلدتها القديمة بمعظم أحيائها وبيوتها، وبات مسجدها الأقصى معلقًا في الهواء نتيجة الحفريات المتواصلة في أسفله، حيث لم تجد السلطة الفلسطينية من وسيلة أفضل لحماية القدس سوى الشجب والاستنكار، ودعوة المجتمع الدولي إلى إجبار إسرائيل على وضع حد لعمليات الاستيطان، والإطناب في الحديث عن أهمية القدس التاريخية والدينية لأصحاب الديانات السماوية الثلاث، والتكرار بأنها جوهر «عملية السلام»، وعاصمة الدولة العتيدة المستقبلية، والمبادرة، مؤخرًا، إلى التحضير للاحتفال بها، عبر بضع فعاليات لا تقدم ولا تؤخر، كعاصمة للثقافة العربية خلال العام الجاري.
* مأمون الحسيني - صحيفة الوطن السورية.
كل ما صدر، حتى الآن، عن السلطة الفلسطينية ومختلف الأطراف العربية والإسلامية، ردًّا على الخطوات الاستيطانية المسعورة التي تقوم بها قوات الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المقدسالاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، والتي تشير بوضوح إلى أن إسرائيل تنوي تنفيذ جميع مشروعات التهويد التي أعدت للمدينة المقدسة خلال العقود الماضية، يساوي الفضيحة الكاملة.
إذ إن كل المعلقات الإنشائية التي انهمرت كالسيل الجارف، عبر موجات الأثير، عقب إعلان سلطات الاحتلال مصادرة 1700 دونم في الجزء الشمالي من مستوطنة «أفرات» في الضفة الغربية باعتبارها أراضي دولة، وتسلَّم أصحاب 88 منزلاً في حي البستان الواقع إلى جنوب المسجد الأقصى، يعيش فيها نحو 1500 مواطن مقدسي، أوامر من بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة بإخلاء منازلهم تمهيدًا لهدمها، بحجة عدم وجود تراخيص لبنائها، ومِن ثَم إصدار الحكومة الإسرائيلية قرارًا بهدم 55 منزلاً فلسطينيًّا في مخيم شعفاط للاجئين شمال القدس المحتلة، وتلقى أصحاب 13 مبنى سكنيًّا في حي الطور في القدس تضم نحو 489 شخصًا، وتوزيع العديد من أوامر الهدم الأخرى لأصحاب منازل فلسطينية في أحياء الشيخ جراح (العباسية وبيت حنينا) الأشقرية والعيساوية ومخيم عناتا وضاحية السلام.
وكذلك كشف «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» عن عزم سلطات الاحتلال وأذرعها التنفيذية حفر نفقين أرضيين جديدين، أحدهما بطول 56 مترًا والآخر بطول 22 مترًا بهدف ربط «حي الشرف» في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة، وبين ساحة البراق غرب المسجد الأقصى.
كل هذا الكلام الذي ترافق مع بعض الإجراءات الشكلية ذات الطابع الإعلامي والدعائي كإعلان السلطة الفلسطينية إضرابًا عامًّا، ومنح اتحاد إذاعات الدول العربية الذي يضم 51 فضائية عربية الفلسطينيين حيزًا فضائيًّا مفتوحًا، يوم 27/2 الماضي، للحديث عن مدينة القدس، لم يزحزح الموقف الإسرائيلي بوصة واحدة نحو الخلف، لا بل إنه، ووسط الصراخ المشفوع بالحديث عن أهمية القدس، تاريخيًّا ودينيًّا وثقافيًّا، فضلاً عن البعد السياسي المباشر المتعلق بمشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية المستهدفة بالهجوم الإسرائيلي الاستيطاني لحسم عملية استكمال تهويدها قبل استئناف عملية التفاوض مع الجانب الفلسطيني، كشفت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية أن وزارة الإسكان تخطط لإقامة 73000 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية، قسم منها حصل على موافقة الجهات المختصة، وقسم آخر ما زال في مراحل التخطيط. وهي، بالمناسبة ووفق ما تؤكد الحركة، جزء يسير من مخططات البناء الاستيطاني التي تعدها، إضافة إلى وزارة الإسكان، مجموعة من السلطات المحلية ومنظمات وجمعيات استيطانية أخرى.
التعليقات
إرسال تعليقك