ملخص المقال
مجزرة ريو دي جانيرو واستهداف مسلمي البرازيل مقال بقلم الشيخ خالد تقي الدين، يوضح حقيقة هذه المجزرة وطبيعة استهداف الجالية المسلمة في البرازيل
في حادث مؤسف تألمت له الجالية المسلمة في البرازيل وقع صبيحة يوم الخميس 7/4/2011م، قام المدعو ولينغتون مينيزيس دي أوليفيرا (42 عامًا) بدخول مدرسة البلدية "تاسو دا سيلفيرا" بحي بمدينة ريو دي جانيرو، حيث إنه كان طالبًا سابقًا بالمدرسة، وقام بفتح النار على طلاب المدرسة؛ مما أدى إلى قتل 12 شخصًا وجرح 13 آخرين، ثم أطلق الرصاص على نفسه قبل أن تتمكن الشرطة من إلقاء القبض عليه.
سارعت بعض وسائل الإعلام غير المسئولة داخل البرازيل للحديث حول ديانة الذي قام بالعملية وتقول إنه مسلم، وأنه قد ترك رسالة يقول إنه أقدم على هذا الفعل للفوز بالجنة، وأنه لا يريد أن يمسه أحد غير طاهر بعد موته.
يأتي هذا الحدث بعد أسبوعين من التحريض ضد التعاليم الإسلامية التي قامت به مقدمة البرامج الشهيرة "إيبي"، منتقدة المرأة المسلمة والثقافة الإسلامية، ثم كان التحريض الأكبر من مجلة "فيجا" البرازيلية واسعة الانتشار، والتي عنونت على ظهر صفحتها الأولى "شبكة الإرهاب في البرازيل"، قالت: إن تنظيم القاعدة له خلايا وصلات ببعض أبناء الجالية المسلمة في البرازيل، وقد احتل التقرير المساحة الرئيسية في غلاف المجلة ليكون موضوعًا رئيسيًّا، بما يشكل نوعًا من الاستعداء ضد الجالية.
إنني لا يمكن بحال من الأحوال أن أفصل بين الأحداث أو المقدمات التي سبقت هذا الحدث، فواضح أن هناك نوعًا من التحريض ضد الجالية المسلمة في البرازيل، يريد خلق نوع من الفوضى والخوف من الإسلام، والتضييق ضد هذه الجالية التي تعد نموذجًا للتعايش السلمي داخل البرازيل.
المتابع لاستهداف الجالية المسلمة في البرازيل يجد أن الاستهداف الأخير لم يكن هو الأول من نوعه، حيث سبق وأن تعرضت الجالية وخصوصًا في منطقة المثلث الحدودي لنوع من الإرهاب عقب تفجيرات الأرجنتين الشهيرة ضد المعبد اليهودي، ولم تفلح جهود أمريكا المضنية ولا اللوبي الصهيوني في إقناع السلطات البرازيلية بوجود خلايا إرهابية في البرازيل، بعد أن قامت السلطات البرازيلية بجهود مضنية للبحث والتحري، وصرح أكثر من مسئول حكومي برازيلي بتبرئة الجالية المسلمة في البرازيل من هذه التُّهم.
نفس الأمر تكرر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتم استهداف الجالية بشكل يدل على عدم المعرفة وبشكل تحريضي يدل على وجود "دوافع خارجية" تضغط باستمرار للإساءة للجالية المسلمة، واتخاذ هذا الأمر ذريعة للتضييق عليها، وبنفس الحكمة قامت السلطات البرازيلية بالتحري من الأمر، وصرح أكثر من مصدر بعدم وجود هذا الخوف من الجالية.
هذه الاتهامات نفاها رئيس جمهورية البرازيل آنذاك "فرناندو إنريكي كاردوزو" حيث قال في أثناء زيارته لأمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر: "إن جنوب البرازيل (تقيم في هذه المنطقة الجالية العربية المسلمة المنتمية للهجرة الحديثة) هي أكثر أمنًا وأقل عرضة لخطر الإرهاب من عاصمة الولايات المتحدة نفسها".
وقد تلت هذه التصريحات المفندة لادعاءات الولايات المتحدة، تصريحات أخرى لمسئولين حكوميين برازيليين، من بينها:
الخطاب الذي ألقاه وزير الدفاع البرازيلي "جيرالدو ماخيلا دا كروز" في المؤتمر الخامس لوزراء دفاع القارة الأمريكية الذي عقد في سانتياجو عاصمة التشيلي في 19-11-2002م، والذي جاء فيه:
"إنني أعبر عن انشغالي لبعض الأخبار الرائجة حول احتمال وجود أشخاص لهم علاقة بأنشطة إرهابية في البرازيل، مع أنه -وكما صرح رئيس الجمهورية- ليس هناك أي دليل على وجود أنشطة لها علاقة بالإرهاب في المنطقة (يقصد الحدود الثلاثية). إن هذه المنطقة متعددة الأعراق، تضم جالية عربية، من بين مكوناتها العديد من الفلسطينيين، وأعداد مهمة من المسلمين، وكل هؤلاء يعيشون في سلم وأمان، وفي انسجام تام مع محيطهم؛ لذا فإن القيام بأي خطوة متسرعة، أو اتخاذ أي قرار من دون أساس ضدهم، يعتبر عملاً عنصريًّا، والبرازيل وتماشيًا مع أحد مبادئها الدستورية، والداعية إلى مصلحة الفرد وكرامته من دون إقصاء أو تهميش، تدين هذه التصرفات، وهذه الأحكام الجاهزة ضد الجالية العربية".
ماذا تريد منا الأيادي الخفية التي تعمل على الإساءة للجالية المسلمة في البرازيل؟
أستطيع أن أؤكد أن هناك أيادي خفية وسياسة مبرمجة تستهدف توريط الجالية المسلمة في عمليات لا تمت للإسلام بصلة؛ فالجالية المسلمة هنا تتمتع باحترام واسع، وهي تشارك في نهضة البرازيل، وأظن أن هذا الأمر لا يتوافق مع أهواء بعض "الجهات الخارجية" التي تريد أن تزرع الخوف في كل ما هو إسلامي، أو يمت للإسلام بصلة.
إن الواجب علينا أن نسمِّي الأمور بمسمياتها، وهذا يدعونا للتوحد داخل الجالية المسلمة بطوائفها المختلفة ضد هذه الهجمة الجديدة، وكذلك ضرورة التواصل مع جهات القرار المختلفة داخل الحكومة البرازيلية ووسائل الإعلام، وحثهم على توخي الحذر من مغبّة التحريض ضد الجالية المسلمة في البرازيل، وضرورة العمل معًا ضد أي نشاط أو عمل يهدد سلامة الوطن البرازيلي.
أنعم الله على البرازيل بالأمن والسلام، وجنَّب الجميع الفتن والمصائب المدبرة من أعداء البرازيل وأعداء الإسلام والمسلمين.
الشيخ خالد رزق تقي الدين[1]
التعليقات
إرسال تعليقك