جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
القوى والحركات ذات التأثير في إقليم دارفور، مقال يتناول أبرز الحركات والقوى في السودان, فما هي؟ وإلى أي مدى كان تأثيرها في إقليم دارفور؟
القوى والحركات ذات التأثير في إقليم دارفور عديدة، ومن بين هذه الحركات: "جبهة تحرير دارفور" وكانت عضويتها مقصورة على بعض أبناء قبيلة الفور الإفريقية, وبعدما انفتحت على أبناء القبائل الأخرى بالإقليم أطلقت على نفسها الاسم الحالي, وذلك يوم 14 مارس/ آذار 2003م. وهو التنظيم الأكثر نشاطًا, والذي تنسب له معظم العمليات العسكرية, وجناحها العسكري "جيش تحرير السودان", يترأس الجبهة محامٍ سوداني شاب هو عبد الواحد محمد نور الذي ينتمي إلى قبيلة الفور، بينما يحتل "أركو مناوي" موقع أمينها العام، ومعظم القادة العسكريين في صفوف الحركة كانوا ضباطًا سابقين في الجيشين السوداني والتشادي..
تتحدث البيانات السياسية لحركه تحرير السودان عن التهميش الذي تعرض له إقليم دارفور واستبعاد أبنائه من قسمة السلطة، وانعدام الخدمات الأساسية فيه، كما تنتقد هيمنة ما تسميه بالوسط النيلي على أقدار السودان، وتنادي بحكم ذاتي موسع، وإعادة بناء السودان على أسس جديدة، وتقول بأن الاضطهاد الوحشي والتطهير العرقي المدعوم من قبل النظم الحاكمة في الخرطوم, ترك سكان دارفور بدون أي خيار سوى اللجوء إلى المقاومة المسلحة.
وقد أصبح للحركة حضور عسكري حينئذ حيث استطاعت انتزاع بلدة قولو غرب دارفور من أيدي القوات الحكومية نهاية فبراير/ شباط 2003م، كما احتلت بلدة الطينة على الحدود التشادية نهاية مارس/ آذار التالي.
والملاحظ أن حركه تحرير السودان تتشابه إلى حد كبير مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، سواء في الاسم المعلن لها أو تقسيم الأدوار بين جناح سياسي وآخر عسكري, أو في المطالب المرفوعة والخطاب السياسي الذي تتخذه جسرًا لتحقيق أهدافها.
- حركة العدل والمساواة:
هي إحدى حركات التمرد في إقليم دارفور, وهي ثاني أهم تشكيلة سياسية عسكرية بعد حركة تحرير السودان, وإذا كان الفور هم من أسس حركة تحرير السودان, فإن أبناء قبيلة الزغاوة قد أسسوا حركة العدل والمساواة.
نشأت الحركة في ظل انشقاق عرفته حركة تحرير السودان سنة 2001م, ويرأس تلك الحركة الدكتور خليل إبراهيم محمد، وهو وزير سابق للأمن في دارفور لفترة طويلة في عهد الإنقاذ، حيث كان قياديًّا وسيطًا في تنظيم الجبهة القومية الإسلامية إلا أنه -وبعد العديد من التطورات- أعلن في مارس 2003م تأسيس حركة "العدالة والمساواة" التي أصدر بيانها الأول من لندن باللغة الإنجليزية.
وبدا واضحًا أنه يريد أن يتخلى عن عبء أطروحاته الإسلامية السابقة؛ ولذا مال إلى تبني طرح علماني، وبدا حريصًا على إبعاد نفسه وحركته بقدر كافٍ عن الثقافة العربية الإسلامية، حيث انخفضت نبرة الخطاب الديني لصالح تزايد مساحات الخطاب الإثني والقبلي لكي يتلاءم مع الجغرافيا الثقافية لمنطقه غرب السودان.
وتدعو "حركة العدالة والمساواة" إلى فصل الدين عن الدولة, وبناء سودان جديد مدني وديمقراطي، كما تتحدث عن تحالف المهمشين ضد سلطة المركز, وإتاحة دور أساسي للمهمشين في عملية إعادة الصياغة هذه.
أصدر خليل إبراهيم -قبل تأسيس الحركة- مؤلفًا بعنوان: "الكتاب الأسود" عام 1999م, وتم توزيعه سرًّا, ولم يكن يحمل اسم مؤلفه.
ويحتوي الكتاب على تقويم عرقي للوظائف والمناصب العليا في السودان، ذاهبًا -حسب ما في الكتاب- إلى أن مجموعة سكانية صغيرة تسيطر على البلاد, وأن سكان أغلب المناطق وعلى رأسها إقليم دارفور مهمشون.
كما يبين أن 800 من أصل 887 وظيفة، يشغلها موظفون شماليون, وقد اتُّهم الترابي وأنصاره بتأليف الكتاب, حتى أكد رئيس حركة العدل والمساواة أنه هو من أصدره.
العدل والمساواة والتمرد:
أصدرت الحركة بيانها التأسيسي عام 2001م, وبدأت نشاطها العسكري في فبراير/ شباط 2003م إلى جانب حركة تحرير السودان.
وتذهب الحركتان إلى أن حكومة الخرطوم تهمش إقليم دارفور بعدم السعي إلى تنميته, وعدم العدالة في توزيع ثرواته، كما تزعمان أن الحكومة ترعى مليشيات الجنجويد المتهمة من قبل الحركتين بأنها تشن غارات على القرى المسكونة من طرف القبائل الإفريقية.
من جانبها تتهم القبائل العربية في الإقليم حركة العدل والمساواة بأنها تمارس ضدها ما تدعي الحركة أن الجنجويد تقوم به ضد القرى الإفريقية.
الحركة الإسلامية في السودان "الإخوان المسلمون":
تأثرت السودان كثيرًا بمصر، ومن هنا استقبلت بترحاب مبادئ وأفكار جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، فمنذ زيارة الأستاذ عبد الحكيم عابدين –السكرتير العام لجماعة الإخوان المسلمين– في مصر ومعه جمال الدين السنهوري للسودان عام 1946م، وحتى تكوين الجبهة الإسلامية للإنقاذ واستيلائها على السلطة عام 1989م، لم يتوان أصحاب الاتجاه الإسلامي في السودان، ولم يستسلموا حتى عند اغتيال الشيخ حسن البنا في القاهرة، فقد واصلوا السير في سبيل الدعوة والإصلاح، وبنفس القوة والروح التي بذلوها في سبيل الجهاد والمقاومة..
حتى عندما تقدم علي طالب الله إلى السلطات عام 1948م بطلب لتسجيل الحركة الإسلامية في السودان تحت مسمى "الإخوان المسلمين" رفضت السلطات الاستعمارية هذا الاسم, متأثرة بالأحداث السياسية والأمنية في مصر, وخشية من انتقالها إلى السودان.
وأعادت الحركة طلبها مرة أخرى, ولكن مع تغير مسمى الحركة إلى "حزب التحرير الإسلامي", وقد اختير هذا الاسم كرد مضاد لحركة التحرر الوطني الماركسية التي كانت تسيطر على أكبر التجمعات والنقابات الطلابية في السودان، خاصة في جامعة الخرطوم، إضافة إلى أن هذا المسمى جاء منسجمًا مع التوجه نحو محاربة "الاستعمار"؛ لإقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة, فهي إذن "حركة تحرير إسلامي".
ولكن في عام 1953م دبَّ أول خلاف في صفوف "حزب التحرير الإسلامي" نتيجة لدعوة الأستاذ بابكر كرار، ومعه مجموعة من الإسلاميين، إلى عقد مؤتمر لإنشاء قيادة جديدة متأثرًا بالعمل التنظيمي لدى الحركة الماركسية، إلا أن هذه الدعوة قد جوبهت بدعوى مضادة من الأستاذين عبد العزيز كامل، وياسين عمر, من خلال تقديم مذكرة لعقد مؤتمر عام يحضره كل أعضاء الحركة الإسلامية؛ لحسم قضية الاسم وتعيين القيادة، وصياغة الهيكل التنظيمي.
وبالفعل عقد المؤتمر العام في أم درمان عام 1954م, وإن كان بابكر كرار قد ترأس بعد ذلك تنظيمًا منشقًّا تحت مسمى الجماعة الإسلامية.
ولقد اتفق المجتمعون على تسميته باسم الإخوان المسلمين، كما تم إقرار استقلال حركة الدعوة، وعدم ارتباطها بالأحزاب، وإيجاد كيان خاص بالدعوة والاهتمام بالدستور الإسلامي، كما تم تكوين الهيئة السياسية للحركة في السودان التي ضمت العديد من القيادات، ولقد استمر هذا التنظيم عدة سنوات محافظًا على هيكلته العامة مع التغيير الجزئي, بحيث يخرج ثلثا الهيئة القديمة ليعاد انتخاب أعضاء جدد بدلاً عنهم.
وأمام الإصرار الشعبي والحركي السوداني، والتأكيد على مبدأ الاستقلال أعلن البرلمان السوداني في ديسمبر 1955م استقلال السودان، وفي أول يناير عام 1956م رفرف العلم السوداني على القصر الجمهوري, وطوى علما دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر.
كان لهذا الحدث المهم والبارز في تاريخ السودان أثره الإيجابي على حركة الإخوان في السودان, حيث أعلنت الحركة عن نفسها, متخذين من الصحف العامة منابر لنشر أفكارهم، والمشاركة في المناقشات السياسية العامة, خاصة فيما يتعلق بشعار الحكم الإسلامي الذي بدأ الحديث عنه من خلال "جبهة الدستور الإسلامي", وهو تحالف اجتمع فيه الإخوان المسلمون مع عدة قوى وجماعات إسلامية عام 1955م.
ولم تعط الحركة الإسلامية الفرصة طويلاً كي تشاهد نتائج أعمالها، وتستريح من عناء وتداعيات العمل السياسي السري, إذ قام الفريق إبراهيم عبود في عام 1958م بانقلاب عسكري أغلقت على إثره كل الصحف، ومنها صحيفة "البلاغ" التي كانت تصدرها الجبهة الإسلامية للدستور..
ونتيجة لذلك الواقع الجديد اضطرت الحركة الإسلامية إلى العمل السري، على الرغم من أن مؤرخي الحركة وصفوا فترة حكم وسياسة عبود بأنها محافظة ومعتدلة، ولم يستخدم خلالها القهر السياسي بإفراط، وهذا ما يفسر استمرار الحركة الطلابية في عملها العلني المعارض للنظام آنذاك، مع بعض التحركات النشطة للنقابات بشكل عام، والعمالية بشكل خاص.
كما بدأت الحركة في أواخر عهد النظام تتخذ مبادرات في التحريض بالمنشورات والندوات, وتشجع طلابها على قيادة الثورة على النظام.
وفي عام 1964م اتخذت الحركة قرارًا بمقاومة النظام العسكري, وبدأت القيادات في الحركة الإسلامية بعقد الاجتماعات واللقاءات النقابية بشكل مكثف، كما قام عناصر الحركة في مختلف القطاعات الجماهيرية بتوزيع منشورات تحريضية تهاجم فيها الحكم العسكري، وتطالب بالإضراب العام، وشكل هذا الوضع المتأزم داخل السودان، والمتزامن مع تزايد نشاطات حركة التمرد وضعًا محرجًا للنظام العسكري القائم آنذاك.
ولتدعيم الأثر الجمهوري للإضراب والتحركات النقابية قررت الحركة تكليف الدكتور حسن الترابي بمهاجمة الحكومة أثناء المحاضرات، وفي شهر أكتوبر من عام 1964م، وتنفيذًا للقرارات السابقة داخل الاتحاد الطلابي التابع للحركة, وبالتحالف مع الاتجاه اليساري بإقامة ندوة في جامعة الخرطوم ألقاها الدكتور حسن الترابي – عميد كلية الحقوق بالجامعة – حيث برز نجمه السياسي آنذاك.
وفي شهر ديسمبر 1964م تم تكوين "جبهة الميثاق الإسلامي" لتكون إطارًا جديدًا, يتم من خلاله التعبير عن أهداف ورؤى الاتجاه الإسلامي.
ويري أعضاء الحركة أن حل مشكلات السودان تكمن في الاتجاه للدين والوحدة, والبعد عن نقاط الخلاف, والعمل على إبعاد الآيادي الخارجية التي تعبث بالبلاد، وتدعو إلى تدخل عربي وإسلامي في مناطق النزاع .
حزب التحالف الفيدرالي:
هو التنظيم الثالث المشارك في أحداث دارفور الذي يتزعمه أحمد إبراهيم دريج، وهو سياسي سوداني من غرب السودان ينتمي إلى قبيلة الفور، وقد لعب دريج أدوارًا بارزة في السياسة السودانية, منذ النصف الثاني للستينيات إلا أن حزبه بقي على الدوام يحمل مطالب دارفور.
ويبدو أن أحمد إبراهيم دريج الذي يقيم الآن في لندن قد لحقه بعض التعب والملل من الحياة السياسية في السودان, فأصبح "شريف حرير" نائبه في الحزب هو الشخصية الأكثر نشاطًا, و"شريف حرير" ينتمي إلى قبيلة الزغاوة..
وأصدر بيانات ينسب فيها العديد من الأعمال العسكرية الجارية إلى حزبه، ثم عاد وذكر أن العمليات العسكرية تعبّر عن تحالف عريض من أبناء دارفور، وإن كان من الواضح أن علاقة "حزب التحالف الفيدرالي" غير ودية مع "حركه العدالة والمساواة"، حيث يلجأ "شريف حرير" إلى الإشارة الدائمة للانتماء الإسلامي لخليل إبراهيم.
وهكذا فمن الواضح أن ما يحدث في دارفور تقوم به مجموعات متعددة، بعضها ذو طابع قبلي تنتهي أجندته في حدود جغرافية دارفور، والبعض الآخر يتمدد حتى يصل إلى الخرطوم وكل السودان.
ومن الواضح أيضًا أن المجموعات القائدة للعمليات العسكرية ما زالت في مرحلة تذويب الخلافات العسكرية والسياسية وإن كانت تلتقي مع بعضها البعض، وأيضًا مع الحركة الشعبية في مسعى مشترك هو محاولة إنشاء حزام أو طوق دائري يعتمد على تجميع الأطراف؛ للقضاء على مركزية الوسط السوداني.
وعلى الرغم من أن حركتي "تحرير السودان" و"العدالة والمساواة" قد قامتا ببعض المعالجات التوضيحية أو التصحيحية لنفي صفة القبلية أو الإثنية عنهما؛ لأنهما يدركان أنهما لا يمكن النظر إليهما خارج سياق الصراع القبلي في دارفور.
التعليقات
إرسال تعليقك