جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الوجود المصري في دارفور مقال على موقع قصة الإسلام إشراف د.راغب السرجاني بعنوان الوجود المصري في دارفور منذ عهد أسرة محمد علي، واستقلال السلطان علي
أسرة محمد علي باشا
قام حاكم مصر محمد علي باشا بضم مملكة دارفور، حيث بدأت المعارك بين الجانبين في 16/4/1821م في مدينة بارا، وهزم جيش الفور، واستطاع محمد علي السيطرة على كردفان التي كانت تابعة لدارفور في ذلك العام.
وحاول محمد علي مصالحة سلطان دارفور لحاجة مصر لمعدن النحاس من دارفور، من خلال اتفاقية في هذا الشأن، لكنه لم يستطع، وكان عهد محمد سعيد باشا بداية لانفتاح في العلاقات بين الجانبين، أما عهد الخديوي إسماعيل فكانت العلاقة فيه ملتبسة بعض الشيء، فرغم التبادل التجاري بين الجانبين فإن سلطان دارفور شعر بوجود أطماع مصرية في مملكته، ولذا قام بتجنيد عشرة آلاف جندي وسلحهم بأسلحة حديثة، وتم إدخال المدفعية في جيش دارفور لأول مرة.
وفي عهد الخديوي إسماعيل قرر السيطرة على دارفور، وأن يكون غزوها من جهتين، وهو ما دفع سلطان دارفور للدخول في تحالف مع سلطنة وداي المجاورة لتوحيد الدفاع والمقاومة، لكن قوة الجيش المصري حسمت الأمر، فتم إسقاط مملكة دارفور والسيطرة عليها في 24/10/1874م، ودارت عدة معارك كبيرة في دارفور ساعد فيها "الزبير رحمة" أحد كبار تجار الرقيق في منطقة بحر الغزال المصريين، واستطاع الزبير أن يهزم سلطان دارفور "إبراهيم قرض" في معركة منواشي في 25/10/1874م، وقتل في هذه المعركة المئات من أمراء دارفور وكبار أعيانها، وأُطلق على هذه الهزيمة "مذبحة منواشي".
ثورة بوش بن محمد
كانت فكرة الاستقلال مترسخة في أذهان أهل دارفور، فعقب هزيمة منواشي لم تضعف روحهم القتالية، بعد مقتل سلطانهم، فقاموا بتشكيل حكومة ظل تحملت عبء مسؤولية النضال من أجل الاستقلال، واستمر النضال حوالي تسع سنوات ونصف حتى تم لدارفور الاستقلال عن الحكم المصري، قامت خلالها عدة ثورات عنيفة، منها ثورة السلطان "حسب الله" في جبل مرة الذي استسلم دون مقاومة للزبير بن رحمة مما أثار غضب أهل دارفور، فقاموا بتتويج الأمير "بوش بن السلطان محمد الفضل" سلطانا على دارفور في مارس 1875م وكلفوه بمواصلة النضال من أجل التحرير.
وخاض الزبير بن رحمة حربا ضارية ضد الأمير بوش استمرت خمسة عشر يوما، خسر فيها بوش كثيرا من رجاله وعتاده فاضطر للانسحاب من جبل مرة، ثم ما لبث بوش أن ُقتل أثناء مطاردة الزبير له.
في عهد سلاطين باشا
لكن روح النضال لم تهدأ وتولى حكومة الظل في دارفور السلطان "هارون بن سيف الدين" الذي قام بثورة كبيرة وناهض الحكم المصري التركي لكنه قتل عام 1880م، وقامت ثورة أخرى بقيادة الزعيم "مادبو"، كما قامت قبيلة "بني هلبا" بثورة في جنوب دارفور.
وانتهى الأمر بالحكم المصري في دارفور بعد أن أرسلت القاهرة رسالة سرية إلى الحاكم المصري في دارفور "سلاطين باشا" تأمره أن يجمع قواته المتفرقة في دارفور في منطقة الفاشر، ثم عليه أن يسلم الحكم في دارفور إلى الأمير "عبد الشكور عبد الرحمن شاتوت" وهو من أمراء دارفور، وشاءت الأقدار أن يتوفى "عبد الشكور" قبل أن يصل إلى دارفور قادما من القاهرة، وأن تقوم الثورة المهدية في تلك الفترة.
ثورة أبي جميزة
بعد رحيل المصريين خضعت دارفور لحكم المهديين، وكان أول من تولاها من المهديين الأمير "محمد خالد زقل" بعدما سيطر عليها في (15 يناير 1884م) وكان أمراء دارفور يرفضون أن يخضعوا للمهديين، وأعلن الأمير "دود بنجة" بأنه لا يقبل بوجود أي نفوذ لدولة المهدي بدارفور، وساندت كثير من القبائل "دود بنجة" فيما ذهب إليه، وهو ما جعل العلاقات متأزمة مع المهديين، لكن معنويات "دود بنجة" ما لبثت أن خارت واعترف بسلطة المهدية وقابل المهدي وأقر بالولاء له وانضم إلى صفوف جيشه.
وقد دارت معارك من أجل استقلال دارفور عن المهدية، منها معركة دارة، ومعركة ود بيرة في 22 يناير 1888م؛ وهو ما أربك موقف المهديين في دارفور.
ومن الثورات التي أرهقت المهديين "ثورة أبي جميزة" واسمه محمد زين من قبيلة أرينقة في غرب دارفور، وكان رجلا صوفيا فصيحا، وأعلن "أبو جميزة" أنه عازم على تخليص البلاد من المهدية التي أرهبت الناس وأساءت استخدام السلطة، وأعلن أن ثورته على الكتاب والسنة، وكان لهذه الثورة أهداف وأبعاد دينية وسياسية، وساندتها بعض السلطنات المجاورة مثل سلطنة وداي وسلطنة دار سيلا، واستقطبت ثورة أبو جميزة اهتماما عالميا، لكن وفاته أعاقت هذه الثورة.
وفي ظل الحكم المهدي لدارفور قامت حكومة ظل ثانية بقيادة السلطان أبو الخيرات إبراهيم قرض الذي قام بتصعيد المقاومة وساعده في هذه المقاومة جيش أبو جميزة وعدد كبير من القبائل ودارت معارك طاحنة بين الجانبين، هزم فيها جيش أبو الخيرات، لكنه لم يهدأ وأخذ في التحريض على الثورة حتى اغتيل في 9 فبراير 1891م.
السلطان علي دينار
بعد اغتيال أبو الخيرات اختار أهل دارفور علي دينار ليتولى قيادة سلطنة دارفور ورئاسة حكومة الظل لتحرير دارفور من المهدية وخاض معارك عنيفة مع المهديين منها معركة كرري التي استمرت ستة أيام في 2 من سبتمبر 1898م.
وفي هذه الأثناء تمكن السلطان حسين محمد عجيب أبو كودة من القيام بثورة والإطاحة بسلطة المهديين في دارفور في إبريل 1898م وأعلن استقلال سلطنة دارفور الإسلامية، وقال أمام الجموع الحاشدة من أهل دارفور: "يا أهلنا ربنا خلصنا من التركية والمهدية، وكل زول (أي شخص) يعيش حرا بدون عبودية، ربنا يا أهلنا أكرمنا وعتقنا".
وكانت العلاقة بين أبي كودة وبين علي دينار من العلاقات الشائكة التي تحتاج إلى تحديد دقيق في كيفية التعامل معها؛ ولذا استشار أبو كودة رجاله الثقات في هذا الأمر، ورأى هؤلاء المستشارون أن يحارب أبو كودة الأمير علي دينار.
وقد طلب علي دينار من أبي كودة أن يتنازل عن زعامة سلطنة دارفور وأن يتعاون معه في إدارتها، وكانت تلك الرسالة هي التي أشعلت نار الحرب بين الرجلين، وجمع علي دينار جيشا كبيرا للزحف على دارفور، وتيقن أبو كودة أنه ليس في وسعه المقاومة، فأرسل إلى علي دينار معتذرا ومعترفا له بالسلطة في دارفور.
أدرك السلطان علي دينار أن هناك رغبة من حكومة السودان (التي كانت تخضع لسيطرة الإنجليز وقتها) في ضم دارفور إليها، وتقويض استقلالها؛ لذا أرسل إلى حاكم السودان "كتشنر" يعلن قبوله بالتبعية الاسمية لحكومة السودان شريطة الاعتراف به سلطانا على دارفور، إلا أن سياسة حكومة السودان في تلك الفترة هي عدم التدخل في شؤون دارفور، حيث قرر الإنجليز أن يرضوا بسيادة اسمية على دارفور وترك أمرها لواحد من أبنائها؛ لذا تم الاعتراف بعلي دينار سلطانا على دارفور في مايو 1901م شريطة أن يرفع العلمين المصري والإنجليزي في عاصمته الفاشر، وأن يدفع جزية سنوية مقدارها 500 جنيه.
وقد قام علي دينار بإصلاحات في دارفور وأقام نظاما إداريا متطورا لتسيير دفة الحكم، فكون مجلسا للشورى، وعين مفتيا لسلطنته، ومجلسا للوزراء وأسس جيشا وأوكل تدريبه لضابط مصري، وخاض عددا من النزاعات الداخلية لتثبيت سلطته، منها عصيان بعض القبائل، واحتلال الفرنسيين لسلطنة دار وداي المجاورة 1909م، واستسلام سلطنة دار سلا للفرنسيين.
وأثناء الحرب العالمية الأولي التي خاضتها الدولة العثمانية ضد الحلفاء جاهر علي دينار بعدائه لحكومة السودان، بل جهز جيشا لاختراق حدود السودان بقصد احتلال كردفان، وأعلن استقلاله التام عن السودان.
استشهاد علي دينار
وقد قررت حكومة السودان السيطرة على دارفور والإطاحة بعلي دينار الذي ناصر الخلافة العثمانية ضد الحلفاء، ووقعت عدة معارك بين الجانبين استخدم فيها الإنجليز الطائرات، واستطاعت القوات الغازية أن تدخل العاصمة الفاشر بعدما تحالف بعض أعضاء مجلس الشورى ضد علي دينار، فطلب السلطان "السلام" فرد عليه القائد الإنجليزي بأن: "السلام يتطلب الاستسلام"، وانتهى الأمر بمقتل علي دينار في 6 من نوفمبر 1916م وهو يؤم المصلين في صلاة الصبح، وأعلن في 1/1/1917م ضم سلطنة دارفور إلى السودان.
وقد قامت ثورات في دارفور بعد ضمها للسودان منها ثورة عبد الله السحيني عام 1921م، لكنها فشلت وأعدم السحيني شنقا.
التعليقات
إرسال تعليقك