ملخص المقال
كشفت أزمة الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها الصحيفة الدانماركية عن وجود ازدواجية كبيرة داخل الغرب في التعامل مع الآخر
كشفت أزمة الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم والتي نشرتها الصحيفة الدانماركية عن وجود ازدواجية كبيرة داخل الغرب في التعامل مع الآخر، حيث أيدت بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأوروبية الموقف الدنماركي استنادا إلى حجة حرية التعبير، وهي حجة داحضة في ضوء القواعد الدولية، كما أن التذرع بهذه الحجة لتبرير هذا الموقف يدل على ازدواجية المعايير الغربية والكيل بمكيالين في هذا الشأن. وهو نهج دأب عليه الغرب وأصبح ديدنه، وندلل على ذلك بالسوابق التالية:
1- أقامت وسائل الإعلام البريطانية والغربية الدنيا ولم نقعدها حين نشر الدكتور غازي القصيبي، عندما كان سفيرا للسعودية في بريطانيا، قصيدته التي أشاد فيها بالفدائية الفلسطينية الشهيدة وفاء إدريس، واعتبرتها وسائل الإعلام الغربية قصيدة تحرض على الأعمال الانتحارية ضد الصهاينة، وتجاهل الإعلام الغربي أن هذه القصيدة كانت ردة فعل مواطن عربي لواقع احتلال الصهاينة الأراضي العربية وممارستها أبشع أنواع القمع والإرهاب وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
2- في سنة 2004م صرح ألان مينارغ مدير الأخبار في إذاعة فرنسا الدولية، بأن الصهاينة دولة عنصرية، فشنت المنظمات الصهيونية ضده حملة شعواء أدت إلى استقالته من منصبه ولم يسعفه مبدأ حرية الرأي والتعبير في مواجهة تلك الحملة.
3- في 18/11/2005م اعتقلت السلطات النمساوية المؤرخ البريطاني الشهير ديفيد إيرفينج بتهمة معاداة السامية، لأنه نفى وجود أفران الغاز والمحرقة النازية لليهود، ولم ينقذه مبدأ حرية الرأي والتعبير من الاعتقال.
4- عندما نشر الكاتب البريطاني، الهندي الأصل، سلمان رشدي روايته المسماة "آيات شيطانية"، والتي تتضمن إهانة بالغة للإسلام والمسلمين، وصدرت في إيران فتوى بهدر دم المؤلف المذكور، ثارت بعض الدول الأوروبية وطالبت حكومة إيران بإلغاء هذه الفتوى بحجة حرية الرأي والتعبير، بينما داست هذه الدول على حرية الرأي والتعبير، عندما أصدرت قوانين منحت بموجبها اليهود والحركة الصهيونية الحصانة التاريخية المطلقة التي تحظر مناقشة مزاعمها وأساطيرها، وتعاقب كل من يخالف هذا الحظر بالحبس والغرامة المالية.
5- قامت حكومة النمسا بتقديم اعتذار علني وصريح عقب رسم بعض الفنانين لوحة تضم صورا شاذة لكل من ملكة بريطانيا إليزابيث والرئيس الأمريكي جورج بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك. ولم يقل أحد إنه ما كان ينبغي على حكومة النمسا الاعتذار استنادا إلى حرية التعبير.
هذا غيض من فيض لمعايير الغرب المزدوجة. ومن الغرائب التي قيلت بشأن هذه الرسوم الشنيعة، تصريح دان فرايد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا، حيث قال إن رد فعل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه الجدل بشأن هذه الرسوم ينبغي أن يكون بتكثيف الجهود من أجل الإصلاح في الشرق الأوسط. وكأن المسؤول الأمريكي يريد أن يقول إنه إذا استطاعت أمريكا وأوروبا "إصلاح" الشرق الأوسط وفقا للمفاهيم الغربية، فإن العرب والمسلمين لن ينتفضوا غضبا إذا ما مست مقدساتهم وعقيدتهم بأي إساءة أو إهانة، لأن الإصلاح الغربي سيجعلهم يتقبلون أي إهانة بقبول (ديمقراطي) حسن.
ولو راجع هذا المسئول كتب التاريخ لوجد أن العدوان على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أيا كان نوعه ومهما كان عاتيا، لا يميتها وإنما يبعث فيها روح المقاومة ويجدد قدرتها على التصدي للمعتدين، وما ردة الفعل لدى المسلمين حيال إساءة الجريدة الدنماركية إلى رسولهم الكريم إلا دليل واضح على ذلك.
وأكدت الأزمة أن هناك جهات معينة تسعى نشر الرسومات المسيئة للإسلام، وبالتحديد هناك قوة صهيونية تستهدف خلق حالة من الصدام بين القوة المسيحية والقوة الإسلامية بقصد التضييق على الوجود الإسلامي في الغرب.
ولذلك فان مفهوم حرية التعبير مرتبط أساسًا بإكساب قوى المعارضة القدرة على المراقبة ومساءلة الجهاز التنفيذي، وأن المفهوم أيضًا يتسع ليشمل حرية النقاش الفكري، فلا معنى أن يكون مضمون حرية التعبير عند الغرب منصرفًا نحو الإساءة لمشاعر المسلمين في الوقت الذي لا يسمح فيه الغرب بحرية النقاش والبحث العلمي في قضية تاريخية تتعلق بمحرقة اليهود على يد النازية.
وأوضحت الأزمة تأخر ظهور رد فعل المسلمين على هذه الرسوم، وهو أمر طبيعي بحكم المراحل التي مرت بها الأحداث، ويؤكد بالمعطيات الدقيقة أن هناك جهة تستهدف إثارة الاحتجاجات واستغلالها سياسيًّا.
كما أكدت الأزمة ان المقاطعة الاقتصادية للدانمارك رسالة إلى كل من يتجرأ على المسلمين، وفي نفس الوقت يجب الحذر وعدم السقوط في فخ الصدام مع الغرب ومع المسيحيين، فالدفاع عن المقدسات أمر واجب، غير أن المسلمين ينبغي ألا تنام أعينهم عن تتبع مقاصد الصهاينة الذين يريدون زرع الفتنة والصدام بين المسلمين والمسيحيين.
كما فتحت الازمة أفاق لاستثمار الفرصة للقيام بعمل إيجابي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفتح حوار حقيقي مع الغرب والتواصل مع عقلائه من أجل نصرة القيم الإنسانية؛ حيث دعى "المؤتمر العالمي لنصرة النبي" لإنشاء "منظمة عالمية لنصرة النبي"، واسمها "المنظمة العالمية لنصرة النبي" صلى الله عليه وسلم، لتكون الإطار الجامع والمنظم لاستمرار وتواصل أعمال المؤتمر،
وامتد قرار إنشاء "المنظمة العالمية لنصرة النبي" ليشمل إقامة 4 مكاتب مساندة لها تتولى الشؤون القانونية والاقتصادية والإعلامية، إضافة إلى "صندوق عالمي لنصرة الرسول" عليه الصلاة والسلام.
كما أعلن عن إنشاء "مركز النصرة الاقتصادية" الذي سيتولى شؤون المعلومات والدراسات الاقتصادية، وسيكون مرجعية موثوقة لأعمال النصرة الاقتصادية التابعة للمنظمة، وفعاليات المقاطعة الاقتصادية على وجه الخصوص.
وقرر المؤتمر إنشاء "الصندوق العالمي لنصرة الرسول" صلى الله عليه وسلم، وسيتبع المنظمة العالمية لنصرة النبي، ويمول مشروعاتها وأنشطتها.
التعليقات
إرسال تعليقك