جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
مآسي المسلمين في الفلبين، نعرض في هذا المقال مآسي ومحن مسلمي الفلبين وخاصة في عهد الديكتاتور ماركوس وعصابة الفئران بعد استقلال الفلبين
منذ احتلت إسبانيا الفلبين في القرن السادس عشر الميلادي وحتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ الحكم الإسلامي في الانحسار، وازداد الأمر تعقيداً بمجيء الاستعمار الأمريكي الذي ضم الجنوب المسلم إلى الشمال قبل أن يمنح الفلبين استقلالها عام 1946م، وقد تسبب ذلك في حالة من الشعور بالغبن سادت بين المسلمين في مملكة سولو ومملكة مينداناو، اللتين عملتا على استعادة استقلالهما الذي نعمتا به لقرون.
محنة مسلمي الفلبين
تبدأ المحنة الحقيقية لمسلمي الفلبين بعد الاستقلال ذلك لأن الأمريكان والأسبان عملوا على تنصيب حكام صليبيين على البلاد وعمد القساوسة على إثاراتهم ضد المسلمين وتنصيرهم بصورة قوية، مما حدا بالمسلمين للدفاع عن عقيدتهم ضد الصليبية السافرة والاهتمام بالتعليم فأنشئوا المدارس الدينية و الهيئات التعليمية ونشر الوعي بين المسلمين لمواجهة حملات التنصير المستمرة بمناطقهم[1].
وقد شهدت البلاد بعد الاستقلال نهضة إسلامية، يرعاها اتِّحاد مسلمي الفلبين، وقد نظَّم ثلاثة مؤتمرات لبحث شئون المسلمين في الفلبين، وحضرها ممثلون عن أكثر الدول الإسلامية، وبدأت هذه النهضة تثمر، فحرَّكت الحقد الصليبي، فبدأ العمل ضدَّ المسلمين، واتَّخذ وسيلة شقِّ الصفوف، والاستيلاء على الأراضي.
وإليكم بعض معاناة المسلمين في الفلبين
كان من المفترض أن يكون للمسلمين نصيب كامل في حكم بلادهم بعد الاستقلال في عام 1365هـ/ 4 يوليو سنة 1946م ، والذي شاركوا بقوة وإخلاص في تحقيقه، لكن التبشير ـ قديمه وحديثه- مع دعم القوي المعادية للمسلمين، كان قد أينع وأثمر، فظهرت فئات المثقفين المسيحيين المتعصبين الذين أعدتهم الكنائس، واستولوا علي مقاليد الحكم، وشكلوا حكومات نصرانية متعاقبة، تجاهلت تاريخ وحقوق المسلمين المشروعة والعريقة، فتم إبعادهم عن مناصب الدولة، إلا من تعلم في مدارس الإرساليات وأظهر تنكرا لدينه ومطالب قومه، بل غزوا مناطقهم المسلمة، حربا وتبشيرا، بالكنائس ومدارس التبشير، ومحاربة التعليم العربي والإسلامي، والضغط الاقتصادي، والتلويح لهم بالخبز والتعليم والعمل لمن يترك دينه وينضم لعقيدتهم ومسيرتهم.
نظراً لانحسار الزراعة والارتباط بالأرض ضمن قائمة الأوليّات الاقتصادية والمجتمعية (تحتّمه طبيعة جزر الفلبين وتعرّضها الدائم للفيضانات)، وتركيز المشاريع التنموية في المناطق النصرانية، وتهميش المناطق المسلمة، بل وزحف الجماعات النصرانية علي مناطق المسلمين، والضغط علي المسلمين للهجرة منها، والاستيلاء علي المناطق الحيوية والأراضي الجيدة تحت دعاوي إقامة المرافق والمشاريع الحكومية.
كما اكتشفت في جزيرة مينداناو وفي المناطق الإسلامية جنوب البلاد ثروات طبيعية، مما دعا الحكومة المركزية إلى إشعال الحروب تحت اسم "محاربة الإرهاب"[2].
كذلك اتبعت الحكومة الفلبينية بعض السياسات الصليبية ضد المسلمين ومنها[3]:
احتلال أرض المسلمين
من خلال تهجير المسيحيين من شمال الفلبين المجدب إلى جنوب الفلبين الخصب، الذي يمتلكه المسلمون، وفي كل عام يهاجر حوالي 500 أسرة مسيحية من الشمال إلى الجنوب، وبذلك صار أكثر من 70 % من مسلمي الفلبين لا يملكون أرضا.
عدم الاهتمام وتقديم الخدمات
فالحكومة الفلبينية لا تقدم أي خدمات صحية ولا مشروعات الصرف الصحي والري للمسلمين.
كما تخلو مناطق المسلمين من مراكز التدريب المهني، بينما توجد بكثرة متنوعة في المناطق المسيحية.
في الشئون العسكرية
لا تقبل حكومة الفلبين النصرانية الصليبية أي مسلم للالتحاق بالخدمة العسكرية أو بالكلية الحربية، فلا يوجد الآن مسلم واحد في المؤسسة العسكرية الفلبينية.
في الشئون الدينية
تتعصب الحكومة الكاثوليكية في الفلبين، فلا تسمح للمسلمين بممارسة شعائرهم الدينية، وكثيرا هي نقاط الالتقاء بين مأساة المسلمين في الفلبين مع مأساة المسلمين في فلسطين.
الديكتاتور ماركوس
جاء عهد الرئيس الصليبي المجرم ماركوس (11 سبتمبر 1917 - 28 سبتمبر 1989)، الذي عمل بجد ونشاط على إبادة المسلمين والإجهاز عليهم بإيعاز من اليهود والدول الصليبية وعلى رأسها الولايات المتحدة فنظم ماركوس عصابات لإرهاب المسلمين ونهب ممتلكاتهم وطردهم من أراضيهم، وكان من أهم هذه العصابات عصابة الأخطبوط وعصابة الفئران (ميليشيا إلاجا)، اللتين توغلا في أراضي المسلمين وارتكبوا مجازر وحشية بالمسلمين وذلك لجعل المسلمين يفرون من مناطقهم لإحلال النصارى مكانهم لإخلال التركيبة السكانية بتلك المناطق، وذلك سنة 1390هـ/ 1970م.
وقد أوجد النصارى وهؤلاء المجرمون أسبابًا للهجوم على المسلمين، إذ طالبوا بتطبيق القانون المدني على المسلمين؛ إذ به يُمْكِن للنصارى أن يتزوَّجوا من المسلمات، وقد رفض المسلمون تطبيق هذا القانون، وهذا ما دعا إلى مصادرة أراضيهم والاستيلاء عليها، وبالتالي جرَّ المسلمين إلى قتالٍ وهُمْ غيرُ مستعدين له.
وقد بدأ الزحف النصراني من الشمال، وبدأ الاستيلاء على الأراضي بمساحات محدَّدة ومنتقاة، وبدأت الدولة تسجيل هذه الأراضي المستولَّى عليها بأسماء مغتصبيها، على حين رفضت من قبلها تسجيلها المسلمين، وبدأ الإرهاب مع الاستيلاء على الأراضي: اغتيالات، حرق مزارع، اختطاف، إلقاء السم بآبار مياه الشرب، قتل الحيوانات، هتك أعراض، وبذا شُرِّد ستُّون ألف أسرة مسلمة، التجأت إلى الغابات والجبال.
وبدأت حرب الإبادة تارة بجمع الشباب في معسكرات باسم التدريب ثم إبادتهم، وتارة من المساجد أثناء تأدية صلاة الجمعة، وثالثة بالإغارة على المدن والعمل بإبادة الموجودين في الأسواق وأماكن تجمُّع السكان.
ومما يؤسف له أن أجهزة الإعلام من إذاعات وصحف في بعض البلدان الإسلامية تتجاهل المجازر التي تقوم بها الحكومة الفلبينية بل أنها كانت تشيد بهذه الحكومة وتتحدث عن إصلاحات (ماركوس) وانجازاته. رغم ما تقوم به الدوريات السعودية من مجلات شهرية وأسبوعية وجرائد يومية بمعالجة هذه القضية وأبعادها كقضية إسلامية. وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من دور كبير في تنبيهها لهذه القضية ودعمها.
وقد أدت تلك العمليات الإرهابية والمحاولات المستمرة للقضاء على المسلمين بشن الحملات العسكرية إلى انتشار الفقر والجهل والأمراض بين المسلمين، مما جعلهم فريسة لحملات التبشير والشيوعية – وللمؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ورغم ذلك بقيت شعلة الإيمان متوهجة؛ فالمجاهدون يسيطرون على جميع المناطق الإسلامية ما عدا بعض المدن. وسارعت بعض الدول العربية بتقديم المساعدات التعليمية للمسلمين في الفلبين، فهناك حوالي 30 مدرساً من الأزهر، وعدد كبير من المدرسين من المملكة العربية السعودية، وتساهم رابطة العالم الإسلامي في ذلك.
وبقيت في المناطق الإسلامية مئات المدارس الابتدائية والمتوسطة وعشر مدارس ثانوية، وجامعة إسلامية تضم ست كليات تدار بالجهود الذاتية، وتحاول الحكومة جاهدة أن تضم هذه المؤسسات التعليمية إليها. ومن المؤسسات التعليمية: (معهد مندناو العربي الإسلامي) وتتبعه 316 مدرسة، و(معهد ماداواي الإسلامي) وتتبعه 52 مدرسة، و(كلية فكاسم) في مدينة مداراوي ويتبعها عدد من المعاهد وتقدم تعليما باللغة العربية، ويضاف إليها (جامعة الفلبين الإسلامية) وكانت تسمى معهد كامل الإسلامي، ولها فروع في عدة مدن.
وبالفلبين (مركز الملك فيصل للدراسات العربية الإسلامية)، ويوجد ضمن (جامعة مندناو)، وهناك (المدرسة التجريبية لتعليم اللغة العربية) التي تتبع (مركز الملك فيصل).
جرائم ماركوس في حق المسلمين
وخلال حكم ماركوس قامت الحكومة الفلبينيَّة بين عامي 1972م و1984م بارتكاب الآتي في حق المسلمين في البلاد[4]:
أولاً: قتل أكثر من 30 ألف شهيد؛ معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
ثانيًا: اغتصاب ستة آلاف مسلمة على أيدي الجنود الفلبينيين.
ثالثًا: تشريد أكثر من مليوني مسلم (إجمالي مسلمي الفلبين أصلاً حوالي ما بين 5 إلى 6 ملايين مسلم؛ أي أنه تم تشريد ما بين 34% إلى 40% من إجمالي سكان الفلبين من المسلمين).
رابعًا: فرار حوالي 300 ألف نسمة، واضطرارهم إلى الهجرة إلى البلاد المجاورة، وبخاصة ولايَّة صباح التابعة لماليزيا.
خامسًا: إحراق 300 ألف منزل من بيوت المسلمين.
سادسًا: تدمير مائة قريَّة ومدينة إسلاميَّة.
سابعًا: سرقة معظم أراضي المسلمين الخصبة، وإعطائها الفلاحين الكاثوليك.
ثامنًا: تدمير أكثر من 500 مسجدًا للمسلمين.
ونتيجة لاتهام المسلمين الحكومة الفلبينية بدعم جماعات مسيحية مسلحة، تفجر الوضع العسكري بين الجانبين عام 1390هـ/ 1970م، وعندها ظهرت الجبهة الوطنية لتحرير مورو سنة 1392هـ/1972م ليدافع المسلمون على أنفسهم في حرب الإبادة واندلعت حرب طويلة بين الجيش الفلبيني الصليبي ومسلمي مورو وعلى الرغم من تفوق سلاح الجيش ومساندة اليهود لهم إلا أن المسلمين حققوا عدة انتصارات أجبرت الحكومة الصليبية على الجلوس على مائدة المفاوضات مع المسلمين[5].
[1] المسلمون في الفلبين - موقع مفكرة الإسلام.
[2] ناصر أحمد سنه: عندما دخل الإسلام الفلبين - موقع الألوكة.
[4] أدهم صلاح الدين: ماليزيا والحل الإسلامي لمشكلة مسلمي الفلبين - موقع هدي الإسلام.
[5] المسلمون في الفلبين - موقع مفكرة الإسلام.
التعليقات
إرسال تعليقك