الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
لو يعلم الناس قدر الصدقة عند الله لأنفقوا كل أموالهم في سبيله! وقد جعل الله الحسنة بعشر أمثالها ولكنه جعل أجر الصدقة سبعمائة ضعف أو يزيد
لو يعلم الناس قدر الصدقة عند الله لأنفقوا كل أموالهم في سبيله سبحانه! وفي الوقت الذي جعل الله فيه الحسنة بعشر أمثالها جعل أجر الصدقة سبعمائة ضعف أو يزيد؛ فقد قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]، وستكون سعادة المسلم بها يوم القيامة لا تُوصف؛ فقد روى ابن حبان -وقال الألباني: صحيح- عن يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". أَوْ قَالَ: "حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ".
فإذا عرفتَ قدر اقتراب الشمس من الناس يوم القيامة أدركتَ قيمة أن تكون لك صدقة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -فيما رواه مسلم عن الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه-: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ". -قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ- قَالَ: "فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا". قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
وهذا التصوير الرهيب هو الذي دفع الصالحين إلى الحرص على الصدقة؛ فيقول يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: "فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ -وهو أحد رواة الحديث- لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لاَ يَتَصَدَّقُ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً وَلَوْ بَصَلَةً".
وأروع شيء أن يستمرَّ أجر الصدقة حتى بعد موت الإنسان، وهي ما تُعْرَف بالصدقة الجارية؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".
فلْيبحث كلُّ مؤمن عن فكرةِ صدقةٍ تجعلها مستمرَّة بعد وفاته، كمستشفى، أو مدرسة، أو غرس، أو ماء، أو غير ذلك.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك