الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
أنواع الملوثات البيئة كثيرة، وفي هذا المقال يكشف الدكتور راغب الرسرجاني عن أخطر الملوثات البيئية المعاصرة، فما هي إذن؟
التلوث البيئي هو إحداث تغيُّر في البيئة التي تُحيط بالكائنات الحية بفعل الإنسان وأنشطته اليوميَّة ممَّا يؤدِّي إلي ظهور بعض الموارد التي لا تتلاءم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي ويؤدي إلى اختلاله، وبالتالي نجد أن أنواع الملوثات البيئية كثيرة وهي تتمثل في قسمين رئيسين؛ مصادر التلوث الطبيعية، والمصادر الصناعية، وهي الأغلب لأن المصادر الطبيعية تكون بميزان الخالق فلا تؤثر تأثيرًا مخلًا بالنظام البيئي، أما عند تدخل الإنسان بالشكل الخاطئ فهو ما يسبب الضرر الأكبر بالبيئة، وفي واقعنا المعاصر ظهرت العديد من الملوثات البيئية المؤثرة في النظام البيئي نذكر منها أخطرها على البيئة في الوقت الحالي.
تلوث التربة
نقصد بالتربة الأرض التي يعيش عليها الإنسان والحيوان، وكذلك الأرض الصالحة للزراعة، إضافةً إلى المراعي والغابات والمساحات الخضراء التي تحيط بالإنسان.
ومن البداية يجب أن نعلم أن كل ما يلوث الهواء والماء يلوث التربة؛ حيث إن الهواء والماء من مكوناتها، ولهذا نجد أن مسببات تلوث التربة كثيرة ومتعددة؛ فقد تتلوث نتيجة إسراف الإنسان في استخدام المبيدات والأسمدة الزراعية والمخصّبات الصناعية، أو تسرُّب مخلَّفات نفطية أو صناعية بها، وغير ذلك الكثير من العوامل التي تساهم في تلويث التربة[1].
وسوف نتناول فيما يلي أشدَّ هذه العوامل خطورة على التربة.
1- دفن النفايات الخطرة:
تقدر كمية نفايات المصانع الكيماوية على مستوى العالم بحوالي 2100 مليون طن سنويًّا من النفايات الصلبة، إلى جانب 338 مليون طن سنويًّا من النفايات الخطرة، وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية المورد الرئيسي للنفايات الخطرة في العالم، حيث يخرج منها 275 مليون طن سنويًّا بما يعادل 81% من إجمالي حجم النفايات الخطرة في العالم[2].
وفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي فَزِعَ العالم عندما سُلِّطت الأضواء في أورباوالولايات المتحدة الأمريكية على مشكلة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود؛ حيث تم الكشف أن هناك شحنات من النفايات الخطرة التي تخرج من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل سنوي تقدر بحوالي 230 ألف طن، وحوالي 120 ألف طن تخرج من الدول الأوربية سنويًّا، لدفنها في مقابر أُعدِّت لدفن نفايات العالم الصناعي المتقدم في العالم الثالث؛ حيث استخدمت في ذلك الغرض بعض الدول النامية في قارة إفريقيا وقارة آسيا، وكذلك بعض الدول الفقيرة في أَمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية[3].
ولعل ما كشفه وزير الصحة الفلسطيني في عام 2005م أن سلطات الاحتلال الصهيوني قامت بدفن 80 طنًّا من نفاياتها النووية والذرية والكيميائية على بُعد 300 متر من مدينة نابلس الفلسطينية، خيرُ دليلٍ على أن هذا الخطر ليس ببعيد عن عالمنا العربي والإسلامي[4].
2- التلوث بالفضلات والقمامة:
يشمل هذا الجانب عدَّة أنواع من الملوثات مثل الفضلات الآدمية والحيوانية، والقمامة المنزلية، ومخلّفات المزارع، وبقايا المواد الغذائية الفاسدة.
وتتشكل خطورة هذه الفضلات بما تجذبه من حشرات وقوارض تنقل الأمراض والأوبئة إلى الإنسان والحيوان[5].
التلوث الإشعاعي
يعتبر التلوث الإشعاعي أخطر أنواع التلوث، حيث إن الإشعاع يدخل الجسم دون أن يدري الإنسان ثمّ يُفاجأ بالتدهور السريع في صحته مرَّة واحدة، فقد يصل الإشعاع إلى الجسم عن طريق الفم وذلك بتناول طعام ملوث بالإشعاع، أو عن طريق تنفس الهواء الملوّث، أو عن طريق التعرّض المباشر لمصدر الإشعاع[6].
وقد ظهرت خطورة هذا التلوث بعد اكتشاف الطاقة النووية، وإدراك قدر الضرر والتلوث الذي تلحقه بالبيئة، ولعل من أكبر الحوادث التي جعلت العالم يفطن للحجم الكارثي الذي يسببه التلوث الإشعاعي ما حدث في مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين من تلوث إشعاعي دامت آثاره لعشرات السنين[7].
وتعدُّ التفجيرات النووية التي تصاحب الأبحاث العلمية من أهم مصادر التلوث الإشعاعي، إضافةً إلى ما يحدث من تسريبات من المفاعلات النووية، وما يتصاعد من نواتج الانشطارات في حالات الانفجار للمفاعلات النووية، مثل ما حدث في كارثة مفاعل تشيرنوبل (Chernobyl) في الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1986م[8]. (صورة رقم 17).
وكانت كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبلفي 26 إبريل من عام 1986م أكبر كارثة نووية شهدها العالم حتى يومنا هذا؛ حيث لقي 36 شخصًا مصرعهم وأصيب أكثر من 2000 شخص، وبلغت الخسائر المادية أكثر من ثلاثة مليار دولار، والأخطر من ذلك أنه عقب الانفجار وخوفًا من أضرار التلوث الإشعاعي أعلنت السلطات في أوكرانيا أن منطقة تشيرنوبل منطقة منكوبة، وتم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل[9].
ورغم ذلك فقد تسببت الكارثة في وفاة عدد كبير في السنوات التالية متأثرين بالإشعاع وخاصة أمراض سرطان الغدة الدرقية، وتلوثت التربة في معظم الدول المجاورة، وكذلك المحاصيل الزراعية، والحيوانات ومنتجاتها، وانتقلت نواتج الانشطار إلى معظم دول العالم، حتى بلغت جنوبإفريقيا[10]!!
ولعظم الأمر فقد أعلنت هيئة الأمم المتحدة يوم 26 إبريل من كل عام يومًا عالميًّا لذكرى ضحايا الحوادث والكوارث النووية[11].
تلوث الغذاء
تعد مشكلة تلوث الغذاء من أكثر المشكلات ذات الأثر المباشر على صحة الإنسان والحيوان، وتتعد الأسباب التي تؤدي إلى تلوث الغذاء ويصعب حصرها، كما أنها تزداد بشكل مضطرد مع زيادة تقدّم الإنسان وارتفاع مستوى معيشته، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الإفراط في استخدام الأصباغ الصناعية والمواد الحافظة في الصناعات الغذائية وصناعة الحلوى، وقد أدى تراكم هذه الإضافات في جسد الإنسان نتيجة تناوله لهذه الأطعمة إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض الكبد[12].
وإلى جانب المواد الحافظة ومكسبات الطعم واللون نجد أن الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية للقضاء على آفات المحاصيل الزراعية يكون له أخطر الآثار على صحة الإنسان، نتيجة تركز هذه المبيدات في الأنسجة النباتية، مما ينشأ عنه حالات تسمم شديدة لمن يتناول الخضروات والفواكه الملوثة، وتختلف حدَّة التسمم الناتج عن تلك المبيدات باختلاف نوع المبيد ودرجة تركيزه[13].
وللأسف كثُرت في واقعنا المعاصر الحوادث بل الكوارث التي كان السبب الرئيسي فيها التلوث الغذائي، ولعل آخرها الفضيحة التي هزّت العالم بكامله؛ حينما أعلنت الحكومة الصينية في سبتمبر 2008م عن إصابة 53 ألف طفل بالتسمم نتيجة تناولهم لحليب ملوثبمادة الميلامين السامة، والميلامين منتج كيميائي يستخدم في صنع أنواع من اللاصق والبلاستيك، التي تضيفها بعض مصانع الحليب المجفف -من معدومي الخلق والضمائر- بهدف الغش لإعطاء انطباع بأن الحليب غنيّ بالبروتين!!
والأدهى أن هذا الحليب الصيني يجري تصديره بكميَّات هائلة إلى مختلف دول العالم، مما دعا إحدى كبرى شركات الأغذية في الياباناستعادة الآلاف من الأرغفة الصغيرة التي يدخل الحليب الصيني في تصنيعها.
وأعلنت المفوضية الأوربية أنها طلبت من دول الاتحاد الأوربي تعزيز مراقبتها على الحدود على مستوردات منتجات الحليب بعد فضيحة تلوث الحليب الصيني.
وبالطبع لم يسلم العالم العربي والإسلامي من هذه الكارثة فقد تم ضبط 88 طنًّا من الحليب الصيني الملوث بالملامين في أسواق المملكة العربية السعودية، دخلت إلى البلاد بطرق غير شرعية[14].
التلوث الضوضائي
الضوضاء إحدى عوامل الإجهاد الذهني والعصبي وتلعب دورًا مهمًّا في إعاقة العمل والإنتاج، كما تعتبر الضوضاء أحد أسباب أهم التوتر والقلق في مجتمعاتنا المعاصرة.
وقد قسَّم العلماء الصوت إلى مستويات مختلفة يتم قياسها بوحدات تسمى "الديسيبل"، وكل مستوى له مدى معين من "الديسيبل"، فإلى درجة 90 ديسيبل تعتبر ضوضاء بسيطة، بشرط عدم التعرّض لها أكثر من ثماني ساعات يوميًّا، أمَّا ما على ذلك فتعد ضوضاء خطرة[15].
وتتعدد مصادر الضوضاء من الضجيج الذي تحدثه الآلات في المصانع، وأصوات الأجهزة الكهربائية المختلفة في المنازل وأماكن العمل، إلى ضجيج أبواق السيّارات ووسائل المواصلات والنقل، ومكبّرات الصوت والموسيقى الصاخبة.
وقد كشفت دراسات علمية أجراها المركز القومي للبحوث بالقاهرة حول أثر الضوضاء على قوة السمع لدى العاملين بالمجالات غير الصناعية، أن علامات مبكرة ومنذرة بفقدان السمع تهدد 62% من العاملين بمهبط مطار القاهرة الدولي، ونسبة 14% من الموسيقيين، كما تهدد 8% من رجال المرور وسائقي السيارات بنسبة 8%[16].
وكذلك أثبتت الدراسات وجود تناسب طردي بين درجة فقدان السمع ومدى التعرض للضوضاء.
كما نبَّهت الدراسات أن مشكلة المرور في مصر تعد أهم أسباب التلوث السمعي؛ بسبب الضوضاء التي تسببها آلات التنبيه والتي تصل قوتها إلى 150 ديسيبل، وهي الدرجة التي من الممكن أن يصاب الإنسان عندها باختلال في العقل، وأضرار كبيرة على جهازه السمعي والعصبي أيضًا.
وأشارت الدراسات إلى أن 62%من سكان القاهرة يتعاطون العقاقير المهدئة، وأن ضغط الدم يرتفع لدى المعرضين للضوضاء بنسبة 33%كما ينخفض الإنتاج بمعدل 14%[17].
________________________________________
[1] ضياء الدين محمد عطية: مواجهة الإسلام للتحديات المتصلة بالبيئة، ص119.
[2] مجلة الدوحة، أغسطس 2009م، السنة الثانية، العدد 22، ص74.
[3] مجلة الدوحة، أغسطس 2009م، السنة الثانية، العدد 22، ص74.
[4] صحيفة القدس العربي اللندنية، 16 مايو 2005م.
[5] محمد نبهان سويلم: التلوث البيئي وسبل مواجهته، ص85.
[6] بدوي محمود الشيخ: قضايا البيئة من منظور إسلامي، ص149.
[7] محمد نبهان سويلم: التلوث البيئي وسبل مواجهته، ص105.
[8] عبد الرحمن جيرة: الإسلام والبيئة، ص101.
[9] مجلة الدوحة، أغسطس 2009م، السنة الثانية، العدد 22، ص78.
[10] عبد الرحمن جيرة: الإسلام والبيئة، ص101.
[11] قناة روسيا اليوم الفضائية (RT) 26 إبريل 2009م www.rtarabic.com.
[12] ضياء الدين محمد عطية: مواجهة الإسلام للتحديات المتصلة بالبيئة، ص114.
[13] عبد الرحمن جيرة: الإسلام والبيئة، ص77.
[14] صحيفة الرياض السعودية - 9 يناير 2009م - العدد 14809.
[15] محمد نبهان سويلم: التلوث البيئي وسبل مواجهته، ص113.
[16] هيئة الخط الأخضر الخليجية لشئون البيئة www.greenline.com.
[17] هيئة الخط الأخضر الخليجية لشئون البيئة. www.greenline.com.
التعليقات
إرسال تعليقك