الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
الدوائر الخبيثة نظرية جديدة وضعها الدكتور راغب السرجاني من خلال الحديث عن المشترك الإنساني النظرية الأكبر للتقارب بين الشعوب.
ماذا يحدث لو غَلَّب الإنسان رغبة المصلحة الفرديَّة؟ ولم ينظر إلى المصالح المشتركة مع البشر؟ وماذا سيكون شكل الأرض حينئذٍ؟
إن نظر الإنسان إلى مصلحته الفرديَّة دون النظر إلى مصالح الناس سيُؤدِّي لا محالة إلى "التصادم"، فكما ذكرنا قبل ذلك أنَّه ليس هناك قرارٌ يأخذه إنسانٌ إلَّا ويتأثَّر به غيره، فلو لم "يحرص" الإنسان على تجنُّب الضرر للآخرين فإنَّه -أي الضرر- سيقع بهم على وجه التأكيد.
وإذا وقع الضرر على الناس، بمعنى إذا تعدَّى أحدٌ على المشتركات الإنسانيَّة التي ذكرناها في النظريَّة، فإنَّه لا شَكَّ سينتفض لذلك، ويحدث الصدام.. ولو تكرَّر الأمر، ووقع ضررٌ جديد، وبحث الإنسان نفسه عن مصلحته الفرديَّة دون مراعاة مصالح الآخرين، فإنَّ الصدام سيتكرَّر..
وتكرار الصدام سيُؤدِّي إلى تحدٍّ وعنادٍ عند الطرف الأوَّل، ومِنْ ثَمَّ يعود مرَّةً ثانيةً للبحث عن مصلحته الفرديَّة بشكلٍ أكبر غير مكترثٍ بالصدام وآثاره، وهذا بلا ريب سيزيد من وتيرة الصدام.. وهكذا وهكذا حتى ندخل فيما أُسمِّيه "بالدائرة الخبيثة"! وهي دائرةٌ مغلقةٌ كذلك، مثل الحالة التي رأيناها في الدائرة النبيلة.. فالبحث عن المصلحة الفرديَّة يُؤدِّي إلى تصادم، والتصادم يستفزُّ الآخرين للبحث عن المصلحة الفرديَّة بشكلٍ أكبر، فيدفع هذا إلى صدامٍ جديد.. وهكذا.
فإذا استمرَّت هذه الدائرة الخبيثة فترةً من الزمان، وصار الصدام متكرِّرًا، وحدث اعتداءٌ متزايدٌ على المشتركات الإنسانيَّة التي ذكرناها في النظريَّة- فإنَّ عنصرًا ثالثًا يدخل في الدائرة، وهو عنصر "الكراهية"!
فمن البدهي أنَّ الصدام المتكرِّر -خاصَّةً إذا كان نتيجة التعامل مع أشخاص أنانيِّين لا ينظرون إلَّا إلى مصالحهم- لا بُدَّ أن يُؤدِّي إلى بغضٍ وكراهية، وفي هذا الجوِّ من الكراهية لن يبحث أحدٌ عن المصالح المشتركة أبدًا؛ بل سيترسَّخ عند الناس البحث عن المصالح الفرديَّة، ومِنْ ثَمَّ يزيد الصدام، وكذلك الكراهية.. وهكذا، فإذا استمرَّت هذه "الدائرة الخبيثة" في الدوران دون أن يقطعها عاقل أو مصلح أو حكيم، دخل في الدائرة عنصرٌ رابعٌ هو "البخل"!
والبخل خلقٌ ذميم، فيه يضنُّ الإنسان بما يملك عن المحتاجين، حتى لو كان هذا الذي يملكه فائضًا عليه، أو غير محتاج إليه.. وهو من أسوأ الأخلاق؛ لأنَّه يمنع خيرًا عن الناس في حين أنَّ هذا الخير لا يضرُّه..
والتعامل مع البخلاء أمرٌ بشع، ويكرهه عامَّة الخلائق، فظهور مثل هذا الخُلُق يدعو الناس إلى التنافر والتباعد، وهنا لن يبحث أحدٌ إلَّا عن مصلحته الفرديَّة فقط، وهذا سيزيد وتيرة الصدام، فتزداد الكراهية، ويزداد الناس بالتبعيَّة بخلًا!
فإذا استمرَّت "الدائرة الخبيثة" أكثر وأكثر، وعَمَّ البخل في المجتمع، وسادت أجواء التباغض والتشاحن، دخل عنصرٌ خامسٌ قاتلٌ في الدائرة، وهو كفيلٌ بتدمير أيِّ مجتمع، وبنسف أيِّ حضارة، وهو عنصر "الحسد"!
والحسد أشدُّ من البخل ضررًا بالمجتمع؛ فالبخيل يمنع ما يملكه من خير عن الناس، حتى لو لم يكن هذا الخير يضرُّه هو، أمَّا الحسود فهو يتمنَّى زوال النعمة عن الناس، حتى لو لم يكن له هو علاقةٌ بالأمر! وهذا من أبشع الأخلاق.. وهو مهلكٌ للفرد والجماعة. ومجتمعٌ ساد فيه الحسد لن تُوجد فيه أيُّ مصالح مشتركةٍ من أيِّ نوع، ولن يبحث فيه الناس إلَّا عن المصلحة الفرديَّة، وسيتكرَّر فيه الصدام، وتنتشر الكراهية، ويسود البخل، ومن جديد يتكرَّر الحسد..
إنَّها دائرةٌ شيطانيَّةٌ خبيثة، تهلك الأمم، وتُسقط الحضارات..
فأيُّ الدوائر نُريد؟
إمَّا دائرةٌ نبيلة، وإمَّا دائرةٌ خبيثة، وليست هناك دوائر ثالثة!
وما قلناه في هذه الفقرات عن قلب الإنسان وما فيه من رغبات، ينطبق تمامًا على الشعوب والحضارات.. فما هذه الشعوب ولا تلك الحضارات إلَّا مجموعةٌ من الأفراد.. فإذا غلب على قومٍ حبُّ الخير والبحث عن المصالح المشتركة فإنَّهم يلجئون إلى "التعارف"، الذي يقود إلى الحبِّ فالكرم ثُمَّ الإيثار.. وإذا غلب على قومٍ حبُّ الشرِّ والأثرة فإنَّهم يبحثون عن مصالحهم الفرديَّة، ومن ثَمَّ يلجئون إلى "التصادم"، الذي يقودهم إلى الكراهية فالبخل ثُمَّ الحسد.
والإنسان هو الذي يختار في النهاية..
فماذا تُريد أيها الإنسان؟ وما شكل الحياة التي تتمناها؟!
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
التعليقات
إرسال تعليقك