الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
هدي النبي في صلاتي الجمعة والعيد.. بماذا كان يقرأ النبي في صلاتي الجمعة والعيد؟ وما مدى قصر وطول كل صلاة منهما؟ وما الفارق بين القراءة في الصلاتين؟
المتتبع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن للنبي صلى الله عليه وسلم هديًا مخصوصًا في صلاتي الجمعة والعيد، وهذه الروايات توضح ذلك:
قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عمار بن ياسر رضي الله عنه، فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ؛ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ[1]. فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا»[2].
ومع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإطالة صلاة الجمعة؛ فإن الأمر نسبيٌّ كما ذكرنا قبل ذلك؛ لهذا كان الضابط لهذه الإطالة هو معرفة السور التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في هذه الصلاة.
عَنِ النعمان بن بشير رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ». قَالَ: «وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالجُمُعَةُ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلَاتَيْنِ»[3]. فصياغة هذه الرواية توحي أن الأمر لم يكن مرَّةً أو مرَّتين؛ إنما كان شيئًا متكرِّرًا.
وعَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أبا هريرة رضي الله عنه عَلَى المَدِينَةِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ: إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ. قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الجُمُعَةِ»[4].
وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَتَبَ الضحاك بن قيس رضي الله عنه إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه يَسْأَلُهُ: أَيَّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، سِوَى سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ»[5].
فهذه الروايات وَضَّحت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالأعلى والغاشية، أو بالجمعة والمنافقون، أو بالجمعة والغاشية، فهذا هو المقياس، ومن المؤكَّد أن القراءة بغير هذه السور جائزة، ولكننا ذكرناها لكي نُكْثِر منها في صلاة الجمعة، وكذلك لكي نعرف القدر المناسب للقراءة فيها.
أمَّا بخصوص صلاة العيد فقد ذكرت إحدى الروايات السابقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بالأعلى والغاشية، ووردت رواية أخرى تُحَدِّد سورتين غيرهما في بعض صلوات العيد الأخرى؛ فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلَنِي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَمَّا قَرَأَ بِهِ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ الْعِيدِ؟ فَقُلْتُ: «بِـ{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}[القمر: 1]، وَ{ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ}[ق: 1]»[6].
ومن مجموع هذه الروايات نتبيَّن أن القراءة في الجمعة والعيدين كانت في الأغلب قصيرة، وأن الإطالة المقصودة في الصلاة ليست إطالة القراءة؛ ولكنها إطالة الركوع والسجود، أي إتمام الصلاة كما ينبغي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تَنَفَّسْت؛ أَيْ أَطَلْت قَلِيلًا، وتوسَّعت في الكلام ومددت أنفاسك فيه، وهو مشبَّه بمد النفس. انظر: ابن قرقول: مطالع الأنوار على صحاح الآثار 4/198، والنووي: المنهاج 6/158، وابن الجوزي كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/347.
[2] مسلم: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، (869).
[3] مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، (878).
[4] مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، (877)، وأبو داود (1124)، والترمذي (519)، وابن ماجه (1118).
[5] مسلم: كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، (878)، وأبو داود (1123)، والنسائي (1737).
[6] مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، (891).
◄◄ هذا المقال من كتاب كيف تخشع في صلاتك للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك