طالب متحدثون أجانب خلال "مؤتمر فلسطينيي أوروبا السابع" الذي انطلق أمس السبت في مدينة ميلانو الإيطالية بمحاكمة قادة إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
ما هي حدود الحركة في الصلاة؟ وكيف يتعامل المصلي مع المواقف الطارئة؟ وكيف كان هدي النبي في ذلك؟
حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واختياراته هي المعيار الأمثل لما ينبغي أن يفعله المؤمنون؛ لأن الله عز وجل خلق الإنسان بطاقات معينة، وقدرات محدودة، وعلى قَدْرِ هذه الطاقات والقدرات أنزل الشريعة المناسبة لهما، وقال في كتابه: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، ثم علَّم رسوله صلى الله عليه وسلم الأسلوب الأمثل في العبادة، وهذا الأسلوب الأمثل يستطيعه كل الناس، وهو أسلوبٌ مُيَسَّر ورفيق، ولا يتعارض بحالٍ مع الفطرة البشرية، وهو الذي ينبغي أن نلتزم به كمؤمنين، فالرسول لم يكتفِ بالأمر بالتيسير وتطبيق الرُّخَص الشرعية بل طبَّقها بنفسه، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بأُمَّته، وهو قبل ذلك من رحمة ربِّ العالمين ولطفه بعباده؛ وقد قال تعالى: {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ}[الشورى: 19]، وسوف نقوم في هذا المقال بجمع بعض المواقف اللطيفة من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ التي قام فيها ببعض الأعمال والتحرك -وهو يُصَلِّي- لكي يُيَسِّر على المسلمين حياتهم.
◄ فتح الباب المغلق أثناء الصلاة
أحيانًا يدقُّ البابَ زائرٌ أو فردٌ من أفراد البيت؛ بينما لا يُوجد في المنزل إلا واحدًا فقط يُصَلِّي! وإذا لم يفتح الباب أحدٌ فلعلَّ الطارق يقلق، أو يزيد من الدقِّ متوقِّعًا نوم أهل البيت، أو لعلَّه ينصرف فلا تنقضي مصلحة، أو غير ذلك من أمور قد تكون لها نتائج سلبيَّة، وتحت ظلِّ كل هذه التوقُّعات قد يذهب خشوع المصلي، فتضيع المصلحة والخشوع معًا! ولذلك شرع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للمصلي أن يفتح باب البيت إذا كان بمفرده فيه، وكان الباب قريبًا من المصلي ولا يحتاج إلى عملٍ كثيرٍ ليفتحه؛ خاصَّة إذا كان الباب في اتجاه القبلة، ولن يُغَيِّر المصلي من اتجاهه وهو يفتح الباب، فعَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «جِئْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ، وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَمَشَى حَتَّى فَتَحَ لِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ. وَوَصَفَتِ الْبَابَ فِي الْقِبْلَةِ»[1]. وعنها أيضًا قَالَتْ: «اسْتَفْتَحْتُ الْبَابَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي تَطَوُّعًا، وَالْبَابُ فِي الْقِبْلَةِ، فَمَشَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى فَتَحَ الْبَابَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّلَاةِ»[2].
◄ردُّ السلام بالإشارة
من أجمل الأعمال التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها في الصلاة أنه كان يردُّ السلام بإشارة من يده، وأحيانًا برأسه على مَنْ ألقاه عليه، فهذا نوع من الإيناس والترحيب والمودَّة تسمح به الشريعة دون أن يُفسد الصلاة، وقد وردت في السُّنَّة قصة لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما توضِّح مدى الأثر النفسي لردِّ السلام من عدمه، فعَنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قَالَ: أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى بَنِي المُصْطَلِقِ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ[3] بِيَدِهِ- ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي هَكَذَا -فَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ أَيْضًا بِيَدِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ- وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «مَا فَعَلْتَ فِي الَّذِي أَرْسَلْتُكَ لَهُ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي»[4]. وجاءت القصة نفسها برواية ثانية وضَّحت بعض الجوانب الأخرى في المسألة؛ فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ[5] عَلَيَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ المَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: «إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي». وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ[6]. ففي هذه القصة بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الردَّ على السلام في الصلاة يكون بالإشارة باليد دون الكلام؛ لأن الكلام بغير القرآن والذِّكْر يُفسِد الصلاة؛ ولكن جابر رضي الله عنه لم يكن يعرف أن الإشارة باليد تعني الردَّ عليه، فحزِن لذلك، وظنَّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاضب عليه، ومن أجل مَنْع هذه المشاعر السلبيَّة شَرَع رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ السلام في الصلاة بالإشارة.
وقد تكرَّر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ردُّ السلام بالإشارة أثناء الصلاة في أكثر من موقف؛ فعن نابل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صهيب رضي الله عنه قال: «مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إِشَارَةً، قَالَ[7]: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ[8]: إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ»[9]. وقال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ»، قَالَ: «فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي»، قَالَ: «فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟»، قَالَ: «يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ». وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ، وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ[10]. وعَنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لمَّا قَدِمْتُ مِنَ الْحَبَشَةِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ[11].
◄إيقاظ النائم بحركة خفيفة
قد يحتاج المصلي لإيقاظ أحد النائمين جواره لمصلحة خاصة بالصلاة أو بغيرها، فيمكن له عندئذٍ أن يغمزه بيده غمزة خفيفة لتنبيهه؛ وذلك دون أن يخرج من الصلاة؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ[12].
◄ تهيئة مكان السجود بحركة يسيرة
أحيانًا يبدأ المصلي في صلاته، ثم عند سجوده يكتشف أن مكان وضع الجبهة غير مهيَّأ لذلك، فإذا سجد عليه بهذه الصورة فقد لا يستطيع تمكين جبهته من الأرض، أو قد يفقد خشوعه وتركيزه؛ لهذا كان من السُّنَّة النبوية أن تُهَيِّئ المكان بحركة خفيفة حتى يصير ملائمًا؛ فعَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ»[13]. وعن مُعَيْقِيبٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: «إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً»[14]. فهاتان حركتان خفيفتان ساعدتا على تهيئة المكان تهيئة مناسبة؛ وهما: وضع الثوب، ومسح الحصى مرَّة واحدة، وهما يهدفان إلى توفير وضع أفضل للسجود فلا تعارض بينهما وبين الخشوع في الصلاة.
◄ قتل الحية أو العقرب
إذا تعرَّضت حياة المسلم للخطر برؤية حيَّةٍ أو عقرب أثناء الصلاة جاز له أن يقتلهما وهو يُصَلِّي دون أن يخرج من صلاته؛ وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ»[15]. وقال عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ: «رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَأَى رِيشَةً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهَا عَقْرَبٌ»[16]. وذكر البغوي رحمه الله أن هذا الحكم يلحق بكل الحشرات الضارة التي أُبيح قتلها، فقال: «وَفِي مَعْنَى الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ كُلُّ ضَرَّارٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَالزَّنَابِيرِ، وَالشِّبْثَانِ[17]، وَنَحْوِهَا»[18].
◄ منع الناس من المرور بين يدي المصلي
ويكون هذا المنع بمدِّ اليدِّ لتنبيهه بعدم المرور، فإن أصرَّ على المرور جاز دفعه باليد، أو «مقاتلته»؛ وذلك كله دون الخروج من الصلاة، فعن أَبِي صَالِحٍ السَّمَّان، قَالَ: رَأَيْتُ أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ[19]، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ[20]، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ[21]»[22].
◄خلع النعل إذا رأى به قَذَرًا
قد يكتشف المصَلِّي أن وسخًا في شيء من ثيابه يمكن له أن يتخلَّص منه، فلا بأس حينئذٍ من خلع الشيء المتسخ دون الخروج من الصلاة؛ فعَنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا -أَوْ قَالَ: أَذًى-»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»[23]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَضَعْ نَعْلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ، فَتَكُونَ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ، وَلْيَضَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ»[24].
في هذه الأحاديث عرفنا أن خلع النعل أثناء الصلاة لا يُفسدها، وأنه ينبغي لنا أن نضع النعل بين أرجلنا لكي لا نُؤْذِي به مَنْ يجاورنا في صلاة الجماعة، أما الإمام، وكذلك المنفرد في الصلاة، أو الذي يُصَلِّي في أقصى يسار الصفِّ وليس على يساره أحد، فكلُّ هؤلاء يمكن لهم وضع النعل عن يسارهم، ويمتنع المسلم عن وضع النعل عن يمينه تكريمًا لليمين.
واستنبط الْخَطَّابِيُّ من الحديث «أَنَّ مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ مُجْزِيَةٌ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ»[25].
هذه إذن بعض الأعمال التي يمكن للمُصَلِّي أن يفعلها أثناء صلاته دون أن تفسد الصلاة أو تتعارض مع الخشوع، ويجمعها جميعًا أنها كلها من السُّنَّة النبوية التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أقرَّها، وأنها لم تكن تتكرَّر كثيرًا في الصلوات، وأنها تُؤَدِّي إلى مصلحة شرعية أراد الله عز وجل تحقيقها، وكان من الممكن أن تَقْضِي الشريعةُ بفساد الصلاة التي حدثت فيها مثل هذه الأعمال؛ ومن ثَمَّ إعادتها، لولا الروح السمحة لهذا الدين العظيم، وهذا اليُسر الذي نراه في كل تشريعاته، وصدق الله الرحيم إذ يقول: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الترمذي: كتاب الصلاة، في أبواب السفر، باب ذكر ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع، (601)، وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود (922)، وأحمد (24073)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وحسنه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 4/77 (855).
[2] النسائي: كتاب السهو ذكر ما ينقض الصلاة وما لا ينقضها، المشي في الصلاة (523)، وأحمد (26014)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وابن حبان (2355)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. وأبو يعلى (4406)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (2715).
[3] هو: زهير بن معاوية بن حديج بن الرحيل، أبو خيثمة الجعفي الكوفي، أحد رواة الحديث.
[4] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، (540).
[5] وَجَدَ؛ أَيْ غَضِبَ. انظر: ابن حجر: فتح الباري 3/87.
[6] البخاري: أبواب العمل في الصلاة، باب لا يرد السلام في الصلاة، (1159).
[7] قال الخطابي: قال قتيبة: ولا أعلمه إلاَّ قال إشارة بأُصْبُعِهِ. انظر: معالم السنن 1/219، وقال المباركفوري: (وَقَالَ) أَيْ نابل. انظر: تحفة الأحوذي 2/303، وقال العظيم آبادي: (قَالَ)؛ أَيْ نَابِلٌ... وَقَالَ النَّسَائِيُّ: نَابِلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ. وَنَابِلٌ هُوَ صَاحِبُ الْعَبَاءِ، وَيُقَالُ: صَاحِبُ الشِّمَالِ. سمع من ابن عُمَرَ. انظر: عون المعبود وحاشية ابن القيم 3/137، وقال محمد بن علي الإثيوبي: (ولا أَعْلَمُهُ) لم يتبين لي قائل «ولا أعلمه»، وصرَّح في «تحفة الأحوذي» بأنه نابل، وذكر صاحب «المنهل» أنه قتيبة، ولم يذكر كل منهما حجة لما قاله، فالله تعالى أعلم. انظر: ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 14/163.
[8] قال المباركفوري: (لا أَعْلَمُ إلاَّ أَنَّهُ) أي ابن عُمَرَ. انظر: تحفة الأحوذي 2/303، (وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ)؛ أي ابن عُمَرَ. عون المعبود وحاشية ابن القيم 3/137.
[9] أبو داود: كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة، (925)، والترمذي (368)، والنسائي (1109)، وأحمد (18951) وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. وابن حبان (2259)، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود، 4/81 (858).
[10] أبو داود: كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة، (927)، والترمذي (368)، وقال: حديث حسن صحيح. والبيهقي: السنن الكبرى (3536)، وقال النووي: صحيح، رواه أبو داود وغيره بهذا اللفظ. انظر: خلاصة الأحكام 1/508، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود 4/83 (860)، وفي رواية: «فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا وَكَانَ مَعَهُ». ابن ماجه (1017)، والبيهقي: السنن الكبرى (3535)، والطبراني: المعجم الكبير (7308)، والدارمي (1362)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. وأبو يعلى (5638)، وفي رواية: «قَالَ: فَقُلْتُ لِبِلاَلٍ أَوْ صُهَيْبٍ». البيهقي: السنن الكبرى (3537).
[11] البيهقي: السنن الكبرى، (3541)، وابن أبي شيبة: المصنف (4819)، وأبو داود: المراسيل (49).
[12] البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش، (382)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، (512).
[13] البخاري: أبواب الصلاة في الثياب، باب السجود على الثوب في شدة الحر، (378)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، (620).
[14] البخاري: أبواب العمل في الصلاة، باب مسح الحصا في الصلاة، (1149)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة، (546).
[15] أبو داود: تفريع أبواب العمل في الصلاة، باب العمل في الصلاة (921)، واللفظ له، والترمذي (390)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (520)، وابن ماجه (1245)، وأحمد (7178)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات. والدارمي (1504)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. وابن حبان (2352)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود 4/76 (854).
[16] البيهقي: السنن الكبرى (3578)، واللفظ له، وبلفظ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، رَأَى ابْنُ عُمَرَ رِيشَةً وَهُوَ يُصَلِّي فَحَسِبَ أَنَّهَا عَقْرَبٌ فَضَرَبَهَا بِنَعْلِهِ. ابن أبي شيبة: المصنف (4971)، وقال المباركفوري: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. تحفة الأحوذي 2/335.
[17] نوع من العناكب.
[18] البغوي: شرح السنة 3/268.
[19] فليدفعه؛ أي بالإشارة ولطيف المنع. وقيل: يردُّه إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتسبيح. وقيل: إذا مرَّ لا يردُّه لئلَّا يصير مرورًا ثانيًا. انظر: ابن حجر: فتح الباري، 1/583، والنووي: المنهاج، 4/223.
[20] فليقاتله؛ أي يزيد في دفعه الثاني أشدَّ من الأول، قيل: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يُقاتله بالسلاح؛ لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها. وفيه تفصيل انظر: ابن حجر: فتح الباري، 1/583.
[21] فإنما هو شيطان؛ أي: فِعْلُه فعلُ الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش على المصلِّي، وإطلاقُ الشيطان على المارد من الأنس سائغ شائع؛ وقد جاء في القرآن قوله تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: 112]. ابن حجر: فتح الباري، 1/584، والنووي: المنهاج، 4/224.
[22] البخاري: أبواب سترة المصلي، باب يرد المصلي مَنْ مرَّ بين يديه، (487)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، (505).
[23] أبو داود: كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل (650)، وأحمد (11169)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والدارمي (1378)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. وابن حبان (2185)، والطبراني: المعجم الأوسط (5017)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 2/56، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود 3/220 (657).
[24] أبو داود: كتاب الصلاة، باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما؟ (654)، والحاكم (954)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: صحيح أبي داود 3/226 (661).
[25] الخطابي: معالم السنن 1/181.
التعليقات
إرسال تعليقك