التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يعتبر سليم الثالث من ألمع السلاطين العثمانيين ومن أعظمهم جرأة في الحق، ومن أكثرهم رغبة في الإصلاح على الرغم من استلامه الحكم وهو في السابعة والعشرين.
السلطان سليم الثالث هو ابن السلطان الراحل مصطفى الثالث، وابن أخي السلطان السابق مباشرة عبد الحميد الأول، وكان من حسنات عبد الحميد الأول الكبرى أنه لم يقم بحبس وليِّ عهده[1] كما كان متَّبعًا في الأعراف السلطانيَّة، وهذا أثَّر إيجابيًّا على وليِّ العهد، فجاء مثقَّفًا، ذكيًّا، نشيطًا، عالمـًا بأحوال بلاده، مطَّلعًا على أحوال الدنيا.
يُعتبر سليم الثالث من ألمع السلاطين العثمانيِّين، ومن أعظمهم جرأةً في الحق، ومن أكثرهم رغبةً في الإصلاح والتغيير. على الرغم من استلامه الحكم وهو في السابعة والعشرين من عمره[2]، فإنه كان يملك حكمةً كبيرةً تفوق بكثيرٍ سنوات عمره القليلة. كانت فترة حكمه صاخبةً للغاية. تعدَّدت الأحداث الكبرى، سواءٌ في الدولة العثمانية أم في العالم، بصورةٍ لا تتكرَّر كثيرًا في التاريخ.
لم يتلقَّ مساعدات تُذْكر من الأنظمة البالية في دولته، بل على العكس قاوموه وحاربوه في إصلاحاته، ممَّا عرقل جهوده بشكلٍ محزن. أحسب أنه لو كان في زمن الأوَّلين لكان له شأنٌ كبيرٌ في التاريخ. كانت «الدولة العميقة» شديدة الإعاقة لجهود المصلحين. تلك الدولة المتمثِّلة في قادة الإنكشارية، وحكَّام الولايات، والموظفين الكبار، والقضاة، والعلماء الشرعيِّين، بل والموظفين الصغار الذين نشئوا على النظام البالي الرتيب، والفاسد في الوقت نفسه. كان الأمر يحتاج إلى إصلاحٍ جذري، وثوراتٍ تربويَّة، وتعليميَّة، واجتماعيَّة، فضلًا عن الثورات السياسيَّة، والعسكريَّة. لا يخفى على أحدٍ صعوبة تطبيق هذه الإصلاحات، خاصَّةً مع الضغوط الخارجيَّة، التي بلغت ذروتها في الحرب الروسيَّة النمساوية التي اشتعلت في آخر سنةٍ في فترة حكم السلطان الراحل عبد الحميد الأول.
يمكن تقسيم فترة حكم السلطان سليم الثالث إلى خمس مراحل حسب ما يغلب على كلِّ مرحلةٍ من سمات؛ الأولى تمتدُّ ثلاث سنواتٍ من 1789م إلى 1792م، وفيها استأنف السلطان مضطرًّا ما بُدِئ قبل عهده من الحرب الروسيَّة النمساوية، والثانية ست سنواتٍ من 1792م إلى 1798م، وفيها اجتهد في وضع خططه الإصلاحيَّة، وسعى بقوَّةٍ في تنفيذها، وواجهته مشاكل داخليَّة اجتهد في مواجهتها، ثم المرحلة الثالثة تمتدُّ ثلاث سنواتٍ من 1798م إلى 1801م، وفيها شَغَلَت الحملة الفرنسية على مصر كلَّ اهتمام الدولة، بل والعالم، ثم تأتي المرحلة الرابعة، وتمتدُّ من 1801م إلى 1806م، وفيها واجه السلطان عدَّة مشكلاتٍ داخليَّةٍ كبرى، وكذلك خارجيَّة، ثم أخيرًا تأتي المرحلة الخامسة، وهي آخر سنتين في حكمه، 1806م، و1807م، وفيهما واجه أطماعًا دوليَّة من روسيا، وبريطانيا، ثم عُزِل في آخر هذه المرحلة. وفي هذا المقال سنتناول الحديث عن المرحلة الثانية:
المرحلة الثانية: الإصلاحات الخارجيَّة والداخليَّة، والتحدِّيَّات الكبرى (1792-1798م)
بعد انتهاء هذه الحرب الاضطراريَّة التي وجد السلطان سليم الثالث نفسه غارقًا فيها دون اختيارٍ منه، التفت السلطان إلى بلاده من الداخل. إن السبب الأكبر لهذه الهزائم العسكريَّة، والكوارث السياسيَّة، ليس هو التفوُّق الأجنبي فحسب؛ بل هو -وبصورةٍ أعظم- الضعف الداخلي للدولة. تحتاج الدولة إلى إصلاحاتٍ جذريَّةٍ في أساساتها حتى تتمكَّن من القيام من جديد. هذه الإصلاحات تشمل كلَّ المجالات تقريبًا؛ النظام السياسي، والوضع الاقتصادي، والجيش، والولايات، والتعليم، والعلاقات الخارجيَّة، وغير ذلك من مجالاتٍ حيويَّة. من المعلوم أن هذا يحتاج إلى عقودٍ متتاليةٍ وليس سنواتٍ فقط، كما يحتاج إلى تضافر جهود، فالذي يبنيه الفرد في أعوامٍ يمكن للفساد أن يهدمه في أيَّام! يزيد من تعقيد الموقف أن القُوى الأوروبية صارت مهتمَّةً بالدولة العثمانية في هذه المرحلة بعد أن تيقَّنت من ضعفها، وبالتالي فإن تدخلها المستمر في شئونها الداخليَّة والخارجيَّة سيُمثِّل عائقًا كبيرًا لأيِّ إصلاح. إنها تحدِّيَّاتٌ كبرى حقًّا!
الأوضاع الخارجيَّة:
كانت أمام السلطان سليم الثالث معضلةٌ كبرى لا يبدو لها حلٌّ مقبول! وهي أن العلوم التي يسعى لتحصيلها لكي ترقى بلاده، والتقنيَّات التي يريد إدخالها لكي يُقلِّل الفجوة بينه والجيوش الحديثة، والفنون التي يتمنَّى أن تُدار بها أجهزة دولته؛ كل ذلك بيد أعدائه، وليس هناك دولةٌ على وجه الأرض آنذاك تملك هذه الأمور كبديلٍ لهم! لقد كان عليه أن يتقرَّب إلى بعض أعدائه ليُساعدوه، ولو مساعدة غير مخلصةٍ تمامًا، حتى يمكن أن يتقدَّم قليلًا إلى الأمام، وكان عليه أن يتعامل معهم بحكمةٍ ورفق وهو يرى تقلباتهم العنيفة من الصداقة إلى العداء، ومن التحالف إلى الحرب، وكان عليه أن يفهم الموازنات العالميَّة حتى يستفيد منها قدر الإمكان، وكان عليه أن يتعامل بعقله لا بقلبه، وأن يُعْمِل فِكْره ويتغاضى عن عاطفته؛ فاليوم سيضع يده في يد مَنْ كان يضربه بالأمس، وغدًا سيُعادي مَنْ كان إلى جواره واقفًا! هذه تعقيدات السياسة الحديثة، ولم تعد الأمور مباشرة كما كانت في القرون الأولى من عمر الدنيا!
هذا الكلام مهمٌّ لنفهم بعض الأحداث والعلاقات الغامضة في ثنايا قصَّة سليم الثالث، وسنراها في قصَّة مَنْ جاء بعده من السلاطين، آخذين في الاعتبار أننا نتحدَّث عن دولةٍ دخلت أطوار ضعفها، وليست دولة قويَّة تُملي إرادتها على مَنْ حولها. إن السلطان الحكيم الآن سيُحاول فقط الخروج بأقلِّ الخسائر، لأنه غالبًا سيكون في كل الأحوال خاسرًا! هذا كلامٌ حزين، لكنَّه واقعي، والذي لا يفهمه سيُدْخِل نفسه وبلاده في متاهاتٍ هي أشبه بالانتحار.
ما القُوَى التي يُتوقَّع لسليم الثالث أن يلتقيها في الفترة القادمة؟ وما السياسة التي ينبغي أن ينتهجها في التعامل معها؟ العالم في ذلك الوقت يتَّهم الدولة العثمانية بالعزلة، وعدم القدرة على التواصل مع الشعوب الأخرى، وهذا في الواقع اتِّهامٌ صحيحٌ إلى حدٍّ كبير، وكم خسرت الدولة العثمانية بسبب هذا الانعزال عن العالم! أدرك سليم الثالث أن عليه أن ينتهج سياسةً مخالِفةً لما دَرَج عليه آباؤه وأجداده، وأن عليه أن يفتح قنوات تواصلٍ واسعةٍ مع الجميع. لن يكون هذا سهلًا بالطبع، وستكون المقاومة لهذا السلوك كبيرةً في الخارج والداخل. في الخارج سيستغربون التواصل مع الأتراك المسلمين الذين يحاربونهم منذ خمسة قرون تقريبًا، وفي الداخل لن تَقْبَل القُوى التقليديَّة من الوزراء والعلماء، التواصل مع أعداء الماضي، أو بشكلٍ عامٍّ مع «غير المسلمين». هذا واقعٌ مرٌّ لا بُدَّ للسلطان سليم الثالث أن يتعامل معه.
أقوى دولة في العالم في هذا التوقيت هي بريطانيا، وليس لها تاريخ عداءٍ مع الدولة العثمانية حتى هذه اللحظة، وعليه ينبغي إقامة العلاقات الدبلوماسيَّة معها. ليست بريطانيا قوَّةً عسكريَّةً فقط؛ إنما هي رائدة الصناعة في العالم، وأحد أهمِّ البلاد التي تَبْنِي مؤسَّساتها على أسسٍ علميَّةٍ سليمة، ولذا فالتواصل معها مفيدٌ للغاية. نعم هي تبحث عن مصالحها في الأساس، ويوم تكون مصلحتها في إيقاع الأذى بالعثمانيين ستُوقِعه دون تردُّد، لكن ينبغي في كلِّ الأحوال التواصل. قرَّر السلطان سليم الثالث فتح سفارةٍ دائمةٍ في لندن، وهذه هي المرَّة الأولى التي تقوم فيها الدولة العثمانية بمثل هذا الاجراء. كان ذلك في عام 1793م[3]، بعد انتهاء الحرب الروسية النمساوية بعامٍ واحد.
القوَّة الثانية في العالم في هذه الحقبة هي فرنسا، وفرنسا صديقٌ قديمٌ للدولة العثمانية، وإقامة العلاقات معها أسهل من إقامتها مع غيرها، ولكن كانت المشكلة في تغيُّر النظام السياسي في فرنسا من ملكيَّة إلى جمهوريَّة بعد الثورة الفرنسية الشهيرة، التي قامت في عام 1789م. لقد كانت أوروبا كلُّها تقريبًا رافضةً لهذه الثورة؛ لأن معظم الأنظمة فيها قائمةٌ على الملكيَّة، واعتراف أوروبا بالنظام الجمهوري الفرنسي قد يدعم تكراره فيها، ولذلك رفضوا ذلك بشدَّة، ومن أمثلة هذا الرفض الصريح ما قام به إمبراطور النمسا ليوبولد الثاني مع إمبراطور بروسيا فردريك وليام الثاني Frederick William II من إعلانهما الاتفاق على مساعدة ملك فرنسا لويس السادس عشر في العودة إلى عرشه، ولو تطلَّب ذلك الحرب المباشرة مع فرنسا، وهو ما عُرِفَ بإعلان بيلنيتز Declaration of Pillnitz نسبةً إلى القلعة الألمانيَّة التي تم فيها الإعلان[4].
على الرغم من هذا التوجُّه الأوروبي لمعاداة فرنسا، ثم فشل الزعماء الأوروبيين في إعادة مَلِكها إلى العرش، بل فشلهم في منع إعدامه، فإن السلطان سليم الثالث سار عكس التيار، ولم يدعم هذا التوجُّه الأوروبي، بل أخذ قرارًا جريئًا بالتواصل المبكِّر مع الحكومة الفرنسيَّة الجديدة! هذا على الرغم من أنه كان مستنكرًا لإعدام الملك الفرنسي لويس السادس عشر[5].
أعلن السلطان في عام 1795م اعترافه بالجمهوريَّة الفرنسيَّة، مع كون النظام في الدولة العثمانية مَلَكِيًّا صِرْفًا، وجدَّد لها الامتيازات التجاريَّة في العام نفسه، بل عقد معها اتِّفاقيَّة تحالف[6]، واستقبل في 1796 أول سفيرٍ «للجمهوريَّة» الفرنسيَّة في إسطنبول، وهو الجنرال أوبِرت دي بايت Aubert du Bayet[7]، واتَّفق مع الفرنسيين في العام نفسه على القيام بتحديثاتٍ كبيرةٍ في سلاح المدفعيَّة على وجه الخصوص[8]. من الطريف أن نعرف أن الضابط الفرنسي الذي كُلِّف بهذا التحديث كان نابليون بونابرت، ولكن استُبقِي في باريس قبل سفره إلى إسطنبول بأيَّامٍ لاحتياجاتٍ عسكريَّةٍ له في فرنسا، وقام بالمهمَّة ضابطٌ غيره[9]! -أيضًا- افتتح سليم الثالث في يوليو 1797 سفارةً دائمةً في باريس، وكان السفير العثماني الأوَّل هو سيد علي أفندي، وقد ذهب إلى باريس بطاقمٍ دبلوماسيٍّ كبير مكوَّن من ثمانية عشر موظَّفًا[10]! هذه قراراتٌ جديدةٌ تمامًا على السلوك العثماني المتحفِّظ، وكان من الواضح أن السلطان الجديد يقوم بثورةٍ فكريَّة في الدولة. إنه -في رأيي- أجرأ سلطانٍ عثمانيٍّ منذ زمن الفاتح والقانوني.
القوَّة الثالثة في العالم آنذاك كانت روسيا، والتواصل الدبلوماسي معها يكاد يكون مستحيلًا في عُرف الجميع، ومع ذلك لم يغلق السلطان سليم الثالث هذا الباب، مع علمه أن الروس سينتهزون أقرب فرصةٍ لمواصلة الحرب على دولته. لم يفتح السلطان سفارات في موسكو، لكنه لم يُصَعِّد العداء، ورضي منها بالتسكين، وساعده في ذلك موت الإمبراطورة كاترين الثانية في 17 نوفمبر عام 1796م، وولاية ابنها بول الأول Paul I[11]، الذي كان على عكس والدته تمامًا، حيث كان محبًّا للسلام، كارهًا للحروب التوسُّعيَّة، إلى درجة أنه سحب بمجرَّد ولايته الجيوشَ الروسيَّة التي كانت متَّجهةً لحرب إيران[12]، وكذلك أوقف المساعدات العسكريَّة التي كانت أمُّه قد وعدت بها إنجلترا ضدَّ فرنسا، على الرغم من كراهيَّته الشديدة لفرنسا، ولكنه كان يكره الحرب بصورةٍ أكبر[13]. هذا التغيُّر السياسي في روسيا أتاح لسليم الثالث هدوءًا نسبيًّا مع هذه الدولة العنيدة، وهذا الهدوء سيُثمر علاقات تعاونٍ عجيبة في عام 1798م.
القوَّة الرابعة في أوروبا كانت بروسيا، وهي قوَّةٌ واعدةٌ وعظيمة، وعلى الرغم من موت زعيمها الأشهر فردريك الثاني في 17 أغسطس عام 1786م، وولاية الإمبراطور الضعيف نسبيًّا فردريك وليام الثاني Frederick William II، الذي أضعفت سياساتُه اقتصادَ الدولة وجيشَها[14]، فإن تواجدها على الساحة الأوروبية لا يمكن أن يُتجاهل، وقد رأى السلطان سليم الثالث بنفسه أثر الضغط البروسي على النمسا في معاهدة سيستوڤا عام 1791، كما أن بروسيا معاديةٌ بشكلٍ عامٍّ للقوى الأوروبية الأخرى، وقد يكون التواصل معها مفيدًا لرغبة بروسيا الصادقة في الوقوف في وجه تنامي روسيا، أو بريطانيا، أو فرنسا، أو النمسا. هذا دفع السلطان سليم الثالث إلى فتح سفارةٍ دائمةٍ في برلين عاصمة بروسيا في عام 1795م[15].
القوَّة الخامسة في أوروبا آنذاك كانت النمسا، وهي آخر دولةٍ يمكن أن يَتوقَّع أحدٌ أن يفتح معها السلطان سليم الثالث علاقاتٍ دبلوماسيَّةً ثابتة، وذلك للعداء الطويل بين الدولتين، لكن سليم الثالث لم يكن يفكر بهذه الطريقة؛ فلعله قرأ في معاهدة سيستوڤا رغبة النمسا في إقامة سلامٍ دائم، ولعله قرأ -أيضًا- الضعف الذي بدأ يطرأ عليها. لقد تولَّى قيادة الإمبراطوريَّة في عام 1792م فرانسيس الثاني Francis II، فخاض مضطرًّا معارك ضدَّ فرنسا وهُزِم فيها، وانتهى به المطاف إلى عقد معاهدة سلامٍ معها في عام 1795م، على الرغم من العداء التاريخي الشديد بين الدولتين[16]. هذا التطوُّر قد يُنبئ عن تغييراتٍ كبيرةٍ على الساحة الأوروبية. لم يشأ السلطان سليم الثالث أن يكون بعيدًا عن الأحداث في هذه التعقيدات المتشابكة، لذا آثر بناء علاقات التواصل السياسي الهادئ مع النمسا على الرغم من الذكريات المرَّة بين البلدين، وفَتَح سفارةً دائمةً في ڤيينا، وكان ذلك في عام 1795م[17]، وحرص في خلال فترة ولايته على العلاقات الطيِّبة مع الدولة، وعَلِمَ أن استرجاع المجر أو غيرها من الأراضي التي أخذتها النمسا من الدولة العثمانية خلال العقود الماضية هو أمرٌ غير واقعي، على الأقل في هذه المرحلة، فلم يشغل نفسه بأفكار العداء الذي يدفعه إلى تجديد الصدام؛ إنما بحث عن المشتركات بين الدولتين، وحاول أن يدعم هذه المشتركات.
بقيَّة القوى الأوروبية لم تكن في وضعٍ جيِّدٍ في هذه الفترة؛ فقد بدأت إمبراطوريَّات إسبانيا والبرتغال وهولندا، في الاضمحلال، واختفت بولندا من على الخارطة بتقسيمها بين روسيا، وبروسيا، والنمسا، ومع ذلك بقيت السويد تحافظ على شيءٍ من مكانتها السابقة، وقد أقام معها سليم الثالث علاقاتٍ تجاريَّة، وفتح معها باب التواصل العلمي، فاستقدم مهندسين وخبراء سويديِّين لإقامة بعض المشاريع في الدولة[18]، وقد زادت هذه الصلات وتوثَّقت بتعيين سفير سويدي نشيط في إسطنبول عام 1795م، هو إجناتيوس مورادچيا Ignatius Mouradgea، وهو سويدي من أصول أرمينيَّة، وكان همزة وصلٍ جيِّدة مع السويد، كما اتَّخذه السلطان سليم الثالث مستشارًا في كثيرٍ من الإصلاحات المدنيَّة والعسكريَّة[19].
إصلاح الجيش والبحريَّة:
هذه أصعب مهامِّ الدولة! في دولةٍ تعرَّضت لعدَّة هزائم عسكريَّة حديثًا لا بُدَّ أن يلفت الانتباه ضعفُ جيشها. هذا كلامٌ مؤسفٌ عن الجيش العثماني الذي أيقن الأوروبيون لعدَّة قرونٍ أنه لا يُهْزَم، ولكنها كانت الحقيقة التي لا فكاك منها. كان الجيش، وخاصَّة الإنكشارية، هو أسوأ مؤسَّسات الدولة[20]. قد يظن ظانٌّ أن الجيش «محبطٌ» لهزائمه، ولذا فإصلاحه عسير، لكن الأمر كان أصعب من ذلك! لم يكن الجيش محبطًا إنما كان «فاسدًا»! النفوس المحبطة يمكن أن تُبَثَّ فيها الأمل فتنهض، أمَّا النفوس الفاسدة فهي لا ترغب في الإصلاح أصلًا، لأنها في الحقيقة تستفيد من الفساد! دأبت الإنكشاريَّة في العقود الأخيرة -بل في القرنين السابقين- على السلب والنهب، وعلى استغلال النفوذ، وعلى تهديد الوزراء، والصدور العظام، وأحيانًا السلاطين. لا شَكَّ أن من كانت هذه صفته فهو لا يرغب في تغيير الوضع إلى الأفضل؛ لأنه لا يبحث عن مصلحة الدولة أو الأمَّة، إنما يبحث فقط عن مصلحته الفرديَّة.
كان السلطان سليم الثالث يُدرك ذلك جيِّدًا، وقد رأى بنفسه الأداء السيِّء للجيش العثماني في الحرب الروسية النمساوية الأخيرة، وتوقَّع السلطان أن يجد مقاومةً من الجيش، ومن الإنكشارية تحديدًا، لأيِّ محاولة إصلاح، ولذلك فكَّر بطريقةٍ جديدة. لقد عزم السلطان الموهوب على ألا يصطدم بالإنكشارية، أو بفرق الجيش الكبرى؛ إنما سيعمل في الإصلاح بشكلٍ غير مباشر، فقرَّر تأسيس فرقة جيشٍ جديدةٍ تمامًا أطلق عليها اسم «النظام الجديد»، وجعلها من فرق المشاة[21] حتى لا يغار منها الإنكشارية أو السباهية الخيَّالة، ونسَّقها على النظام الأوروبي الحديث، وكان يختار جنود هذه الفرق الجديدة من فلاحي مقاطعات الأناضول، ووصل عددهم في عام 1801م إلى تسعة آلاف وثلاثمائة، ثم زاد العدد في عام 1806م إلى أربعةٍ وعشرين ألفًا، كلهم يستوعب المهامَّ العسكريَّة بكفاءةٍ عالية، ويدين بولائه للدولة. تُشير عدَّة مصادر إلى أن هذا الإعداد كان يتمُّ بصورةٍ سرِّيَّةٍ حتى لا يواجه معارضةً من الإنكشارية الفاسدة[22][23]. لقد كان الهدف الرئيس من إنشاء هذه الفرق هو إحلالها مكان الإنكشارية في وقتٍ ما[24]؛ لأن السلطان كان يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لا أمل في إصلاح الإنكشارية، وقد كان في الواقع محقًّا في ذلك.
كانت هذه الفرق تحت قيادة عمر أغا، وهو ضابط عثماني قضي فترةً من عمره كأسيرٍ في السجون الروسيَّة[25]، ولعله اطَّلع على بعض الطرق الحديثة التي يستخدمها الروس في تدريب الجيوش. يؤكِّد المؤرِّخ الأميركي ستانفورد شو Stanford Shaw أن هذه الفرق نالت إعجاب كلِّ الأوروبيين العسكريِّين الذين شاهدوها[26]، ممَّا يُثْبِت أنها أُسِّست بشكلٍ علميٍّ سليم.
لم يكن إنشاء هذه هي الفرق هو الوسيلة الوحيدة لإصلاح الجيش، بل أنشأ السلطان سليم الثالث كذلك «المدرسة الإمبراطورية للهندسة العسكرية» في عام 1795م، وهي أول مدرسةٍ في الإمبراطوريَّة كلِّها تُقام على النظم الأوروبية الحديثة في التدريب والتعليم[27]. -أيضًا- حرص السلطان على متابعة انتظام فرق الجيش التقليديَّة من السباهية وغيرها، وفَصَل بين الأمور الإداريَّة والعسكريَّة، وشدَّد على الانتظام في التدريب، ومنع المحسوبيَّة في إعطاء الأراضي لقادة الجيش[28].
اهتمَّ السلطان كذلك جدًّا بالبحريَّة، فاختار لقيادتها رجلًا من أكثر المخلصين له، وهو القبودان (رئيس البحرية) كوچك حسين باشا Küçük Hüseyin Pasha، وأعطاه مهمَّة تحديث البحريَّة. أصلح حسين باشا الثغور، وبنى القلاع الحصينة في الموانئ، وأنشأ عدَّة سفنٍ حربيَّةٍ على غرار السفن الإنجليزيَّة والفرنسيَّة، واستقدم عددًا من المهندسين من فرنسا والسويد للإشراف على تصنيع المدافع المستخدمة في السفن، وطوَّر من مدرسة البحريَّة، واستجلب لها عددًا كبيرًا من الكتب المتخصِّصة، وحرص على الاهتمام بالبيئة العلميَّة التي يمكن أن تربط الطلاب في المدارس العسكريَّة بكلِّ ما هو جديدٌ في عالم الحروب[29]. يعتبر كوچك حسين باشا هو مؤسِّس البحريَّة التركيَّة الحديثة[30].
الإصلاحات المدنيَّة:
لم تكن الإصلاحات المدنيَّة في هذه الحقبة على المستوى نفسه الذي شهده المجال العسكري، ولا بالعمق نفسه، ولكنها كانت موجودةً على كلِّ حال. وسَّع السلطان سليم الثالث الديوان، وأضاف وظائف جديدة متخصِّصة، كما حرص على تحديد عدد الوزراء لكيلا يهدر موارد الدولة، أو ينشأ تعارض بين الإدارات، وحارب الرِّشوة بكلِّ وسيلة، وبدأ بنفسه فألغى الهديَّة التي كان يُقدِّمها الوزراء للسلطان عند اختيارهم للوزارة، على أمل أن يكون هذا الفعل منه قدوةً للوزراء، فلا يقبلون هديةً من مرءوسيهم[31].
أنشأ السلطان خزانةً جديدةً لتمويل الإصلاحات[32]، فكانت كأنها وزارة ماليَّة موازية، وجعل لها مواردها الخاصَّة لكيلا يتضرَّر الناس من إنفاق المال على عمليَّات التطوير والتحديث. أدرك السلطان كذلك أن أحد أكبر اهتمامات المواطنين، وأحد أكبر أدوار الدولة، هو توفير الأمن لأفراد الشعب، فاهتمَّ جدًّا بقوَّات الشرطة، وحرص على متابعتها بدقَّة، وحَفِظ الأمن في المدن المختلفة بشكلٍ لافت، وأمر بإعداد قوائم مفصَّلة للسكان، واهتمَّ بوجود «كفيل» للعمال الذين يأتون إلى المدن من خارجها، وأجلى مَن لا يتوفَّر لهم هذا الكفيل إلى بلادهم الأصليَّة حتى يمكن ضمان الحفاظ على الأمن في البلد[33].
افتتح السلطان عددًا من المدارس والمعاهد، واهتمَّ بالعمليَّة التعليميَّة، واهتمَّ كذلك في هذه المدارس بالتطبيق العملي للقواعد النظريَّة[34]. -أيضًا- رفع السلطان من مستوى العناية الطبِّيَّة في الدولة بشكلٍ عام، وفي مؤسَّسات الجيش بشكلٍ خاص، وهو الذي أمر بإنشاء مستشفى القوَّات البحريَّة، الذي قام على إدارته عددٌ من الأطبَّاء الإيطاليين[35]. تحدَّث السلطان عن تفكيره في إلغاء نظام الالتزام الذي صار يُثْقِل كواهل الفلاحين في ظلِّ الفساد المنتشر في الدولة، ولكنه لم يقم بإلغائه مباشرةً خوفًا من تذمُّر قوى الأعيان، الذين صاروا يتحكمون في قطاعاتٍ كبيرةٍ في الدولة[36]، فكان هذا الحديث منه كتمهيدٍ لِمَا يمكن فعله لاحقًا، وهذه حكمةٌ منه. أعاد السلطان -أيضًا- تقسيم الولايات، وراجَع طرق إدارتها، بحيث يُعطيها شيئًا من الذاتيَّة، في محاولةٍ أوليَّةٍ لتخفيف عبء المركزيَّة الذي يضع الجهد كلَّه على عاتق الحكومة في إسطنبول[37].
من الواجب أن نذكر أن السلطان لم يكن يفعل كلَّ ما سبق وَفْقَ هواه أو هوى المصلحين معه؛ إنما لجأ إلى أساليب كانت فريدةً في عصره، أذكر منها أسلوبين؛ الأوَّل هو عقد اجتماعٍ كبيرٍ ضمَّ أكثر من مائتي شخصيَّةٍ متميِّزة، من العلماء، والقضاة، وكبار المدرسين، والإداريِّين، وكبار قادة الجيش، والوزراء، وطلب من كلِّ واحدٍ أن يُقَدِّم رؤيته لأسباب ضعف الدولة، ومقترحاته للإصلاح، وجمع كلَّ هذه المقترحات وبدأ في تنفيذ المناسب منها[38]. هذا الأسلوب لم يكن متعارفًا عليه في زمنٍ كانت الفرديَّة والدكتاتوريَّة هي الأساس. أمَّا الأسلوب الثاني، الجديد على عصره كذلك، فهو إرسال البعثات العلميَّة المتخصِّصة إلى بعض البلاد الأوروبية ليتعلموا أفضل ما وصل إليه العلم في كلِّ مجال[39]، وهذا من حسناته الكبرى؛ إذ إن التغيير على أسسٍ علميَّةٍ أكثر رسوخًا من الطرق العشوائيَّة المبنيَّة على الرغبات الشخصيَّة، ولو كانت هذه الرغبات مخلصة!
الولايات العربيَّة:
كلُّ ما ذكرناه من إصلاحاتٍ في الصفحات الماضية كان منحصرًا في إسطنبول والأناضول وحدهما تقريبًا، أمَّا الولايات العربيَّة العثمانية فكان حالها مختلفًا! يمكن القول إنه في هذا التوقيت، وبعد الحرب الروسية النمساوية -أي في عام 1792م،- لم تكن هناك ولايةٌ عربيَّةٌ تقع تحت الحكم الفعلي للدولة العثمانية، اللهمَّ إلا حلب ودمشق في سوريا! إننا نتكلم عن «شبح الإمبراطوريَّة» فعلًا! إنها تبدو كبيرةً جدًّا في أعين الناظرين، ولكن الواقع أنها لا تملك شيئًا من أمر الجانب الأكبر من ولاياتها، ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحًا في الولايات العربيَّة، وهو كذلك -أيضًا- في كثيرٍ من ولايات البلقان.
ولايات الشمال الإفريقي؛ الجزائر، وتونس، وليبيا، كانت كلها شبه منفصلةٍ منذ زمن، ولا يربطهم شيءٌ بالدولة المركزيَّة، ولا يدفعون شيئًا للخزانة العامَّة، ولا يُرسلون جندًا في الأزمات الكبرى التي تمر بالدولة. وللأسف كان مصدر الرزق الأساس لهذه الولايات في هذه المرحلة التاريخيَّة هو القيام بأعمال القرصنة على السفن التجاريَّة المارَّة في البحر المتوسط، أو فرض إتاوةٍ عليها لتحميها من القرصنة[40]، ولم يكن الأمر جهادًا في سبيل الله لمهاجمة السفن المعادية للمسلمين؛ إنما كانوا يفعلون ذلك مع دولٍ لا علاقة لها بالمسلمين كأميركا مثلًا، ويفعلون ذلك -أيضًا- مع دولٍ تتحالف مع الدولة العثمانية.
لم يكن للسلطان العثماني أيُّ دخلٍ بهذه الأعمال، وإن كان وجود هذه الولايات «على الورق» تحت اسم الدولة العثمانية يوقعها في حرجٍ كبير، وقد يُصيبها بالضرر. كمثال لهذه الاستقلاليَّة في هذه الفترة ما حدث بين هذه الولايات الثلاث وأميركا من تعدِّيَّات، ثم معاهدات، فحروب! تمكَّنت الجزائر من الإيقاع ببعض السفن الأميركيَّة، والإمساك ببعض البحَّارة، ثم ساومت الحكومة الأميركيَّة عليهم في مقابل مبالغ ماليَّة، فأُطلِقوا في عام 1795م[41]، ثم وقَّعت أميركا في 4 نوفمبر 1796م معاهدة حماية لسفنها مع ليبيا، وصدَّقت الجزائر على هذه المعاهدة في يناير 1797م، ثم عقدت أميركا معاهدةً منفصلةً مع تونس في 28 أغسطس عام 1797م. وفي تطوُّرٍ مفاجئٍ في عام 1801م طلب حاكم ليبيا من أميركا زيادةً في الإتاوة، ولما رفضت قامت الحرب بين أميركا من ناحية، وولايات الشمال الإفريقي الثلاث، بالإضافة إلى المغرب، لمدَّة أربع سنوات من 1801م إلى 1805م[42]! هذا كلُّه دون الرجوع إلى السلطان العثماني! لم تكن هذه الولايات إذن تابعةً للدولة العثمانية على وجه الحقيقة، بل كانوا يُضَيِّعون على الدولة العثمانية فرصة صداقة مع الدولة الأميركيَّة، مع العلم أن أميركا كانت معاديةً لبريطانيا، وكان من الممكن أن تُحقِّق توازنًا يخدم الدولة العثمانية في وقتٍ من أوقات عدائها للإنجليز.
الأسوأ من ذلك أن هذه الولايات العربيَّة كانت تُهاجم أحيانًا سفنًا من دولٍ تسعى الدولة العثمانية لصداقتها والاستفادة من علومها، وهذا ما حدث مع السويد مثلًا؛ فقد أعلنت ليبيا «العثمانية» الحرب على السويد ثلاث مرَّاتٍ في الفترة من عام 1796م إلى عام 1801م، ممَّا دفع السويد أخيرًا إلى إعلان حربٍ لم تكن ترغب فيها على ليبيا في عام 1801م، ثم قامت في عام 1802م بالاشتراك مع الأسطول الأميركي في حربٍ ضدَّ ليبيا، وهي الحرب التي استمرَّت إلى عام 1805م، وانتهت بانتصارٍ كاسحٍ لأميركا، وكانت السفن التجاريَّة الأميركيَّة تتعرَّض للهجمات نفسها من القراصنة الليبيين[43]. هذا كلُّه كان يحدث في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية تجتهد في استقدام المهندسين السويديين لإقامة المشروعات فيها!
الوضع في مصر كان أخفَّ نسبيًّا لكنه كان سيئًا كذلك! في عام 1792م عاد المملوكيَّان مراد بك وإبراهيم بك إلى الحكم في مصر، وطردا الباشا العثماني[44]. خرجت مصر بذلك من حكم الدولة العثمانية في هذه المرحلة، وصارت تحت حكم المماليك، وسيستمر هذا الوضع ستَّ سنواتٍ كاملة، أي إلى عام 1798م عندما تأتي الحملة الفرنسية. أي أن الحملة الفرنسية ستحتلُّ مصر وهي خارجةٌ فعليًّا عن حكم العثمانيين، وهذا له بعض التطبيقات كما سيأتي. كان المماليك يتعاملون بانفراديَّةٍ كاملةٍ عن السلطان، ولقد قاموا في عام 1794م بعقد اتفاقاتٍ تجاريَّةٍ منفصلةٍ مع بريطانيا[45]، مع أن العلاقات العثمانيَّة الإنجليزيَّة مستمرَّة، ولكن بدا الحال أن بريطانيا تتعامل مع كيانين منفصلين. هذه الأوضاع تُبرز مدى الوهن الذي كانت عليه العلاقة بين الولايات العربية والدولة العثمانية، وليس عجيبًا أن ترى الشعوب تتقبَّل بعد ذلك الانفصال الكامل عن العثمانيين عند انهيار الدولة في القرن العشرين؛ لأنهم منفصلون عنها بالفعل منذ القرن الثامن عشر!
الوضع في الجزيرة العربية كان أسوأ من كلِّ ما سبق! إذا كنَّا نتحدَّث في ولايات الشمال الإفريقي ومصر عن انفصالٍ واقعيٍّ عن الدولة يضرُّ بها، فإن الأمر حتى هذه اللحظة لم يصل إلى صدامٍ مع الدولة العثمانية ذاتها، ولكن في الجزيرة العربية حدث مثل هذا الصدام، وكانت له آثارٌ مؤسفة!
ذكرنا قبل ذلك قيام الدولة السعودية الأولى في منطقة نَجْد عام 1744م، وذكرنا أن قيامها كان في أراضٍ لم تكن تحت سيطرة الدولة العثمانية، ومِنْ ثَمَّ لم يحدث صدامٌ بين الكيانين، ولكن الأمر في عهد سليم الثالث تطوَّر إلى غير ذلك، ولكي نفهم هذا التطوُّر ينبغي أن نأخذ فكرةً يسيرةً عن جغرافيَّة الجزيرة العربية، وتاريخها القريب.
يمكن من أجل تقريب الصورة وتيسيرها أن نُقَسِّم الجزيرة العربية إلى أربعة أقاليم رئيسة؛ الأول وسط الجزيرة العربية وهو إقليم نَجْد، والثاني في غربه وهو إقليم الحجاز، وهو الفاصل بين نَجْد والبحر الأحمر، والثالث في شرقه، ويمكن أن نُسميه البَحْرَيْن، وهو الفاصل بين نَجْد والخليج العربي، والرابع والأخير هو إقليم اليمن في الجنوب، وهو الفاصل بين نَجْد وخليج عدن. من الناحية التاريخيَّة، وبخصوص المراحل التي نتحدَّث عنها، يقع إقليم الحجاز تحت الحكم العثماني المباشر منذ عام 1517م[46]، ويكتسب الإقليم أهميَّةً خاصَّةً جدًّا عند الدولة العثمانية لكونه يضمُّ مكة والْمَدِينَة. بالنسبة إلى إقليم البَحْرَيْن الشرقي فإن بعض أجزائه كانت تابعةً للدولة العثمانية منذ عام 1550م[47]، ولكنه صار تحت حكم قبائل بني خالد منذ عام 1669م[48].
أما إقليم اليمن الجنوبي فهو خارج عن الحكم العثماني من عام 1636م. قامت الدولة السعودية الأولى في عام 1744م في منطقةٍ صغيرةٍ في وسط إقليم نَجْد (الدرعية)، ومع الوقت بدأت في التوسُّع في الإقليم نفسه، حتى ملكته كله تقريبًا في الثمانينيَّات من القرن الثامن عشر، ومِنْ ثَمَّ التصقت حدودها بالدولة العثمانية في ناحيتين؛ الغرب في الحجاز، والشمال الشرقي في العراق (التابع للدولة العثمانية رسميًّا، ولكنه تحت حكم مماليك العراق المنفصلين واقعيًّا عن العثمانيين). عند هذا التماسِّ للحدود بدأت المشاكل!
كانت الدولة السعودية في ذلك الوقت تحت قيادة عبد العزيز بن سعود الذي كان متحمِّسًا لزيادة مساحة الدولة. في عام 1793م هاجم السعوديون الكويت التابعة في ذلك الوقت لإقليم البصرة العثماني، ولكنهم لم يتمكنوا من ضمِّها[49]. تكرَّرت المناوشات بين الطرفين في عام 1797م، وعلى الرغم من دعم سليمان الكبير والي بغداد المملوكي لحاكم البصرة، فإن النتائج لم تُحْسَم لأحد الطرفين[50][51]. لم تكن هذه التوترات ذات قيمةٍ على أرض الواقع في هذه المرحلة، ولكن الأمر سيتعقَّد مستقبلًا عندما تسيل الدماء بغزارة، وكذلك عندما يتصارع الطرفان على مكة والْمَدِينَة.
العراق كان منفصلًا واقعيًّا عن الدولة العثمانية. لم يكن هناك دعمٌ من الدولة للعراق، ولكن لم يكن هناك عداء. هذا الانفصال شجَّع السعوديين على دخول العراق، وسيتطوَّر الوضع لاحقًا إلى الأسوأ!
كان الوضع في الشام أفضل نسبيًّا، ربما لقربها من الأناضول. في فلسطين وجنوب لبنان صار أحمد باشا الجزار حاكمًا فعليًّا للبلاد. لم يعلن الانفصال رسميَّا لكنه لم يكن مطيعًا تمامًا للحكومة المركزيَّة. أبقته الدولة لقوَّته، وسيطرته على القبائل المختلفة، وإن كانت طريقته لا تخلو من قسوة. في دمشق قَوِيَ شأنُ آل العظم، وفي جبل لبنان كان الشهابيون مسيطرين دون إعلان انفصال[52].
اليمن كانت لا تزال -كما مرَّ بنا- تحت حكم الأئمة الزيدية، ولا علاقة للدولة العثمانية بها.
هكذا يمكن اعتبار الدولة العثمانية في هذه المرحلة التاريخيَّة بلا علاقةٍ تقريبًا بمعظم الدول العربيَّة، ممَّا سيكون له أثرٌ كبيرٌ على السنوات المقبلة.
ولايات البلقان:
كانت سيطرة العثمانيين على البلقان -بشكلٍ عام- أفضل في كلِّ تاريخهم من سيطرتهم على الدول العربيَّة. قد يعود ذلك إلى طول تاريخ العثمانيين في هذه البقاع؛ فهو يسبق وجودهم في العالم العربي بقرنين تقريبًا، وقد يعود ذلك -أيضًا- إلى أن الدولة العثمانية كانت تحكم هذه المناطق حكمًا مباشرًا عن طريق ولاةٍ عثمانيين، بينما أُوكِلت الدول العربيَّة فعليًّا إلى حكامها السابقين تحت رعايةٍ عثمانية، فلم يكن ارتباطها كبيرًا بالدولة على عكس أقاليم البلقان. كانت الأغلبيَّة العظمي للسكان في البلقان نصرانيَّة أرثوذكسيَّة، وكانت الشعوب بشكلٍ عامٍّ هادئة، وعاشت في ظلِّ السلم العثماني دون اضطراباتٍ أغلب الأوقات في الفترة ما بين القرن الرابع عشر والقرن الثامن عشر، أي أربعة قرونٍ كاملة. الآن في نهاية القرن الثامن عشر، وأثناء القرن التاسع عشر تغيَّر الحال كثيرًا، وبدأ البلقان يموج بالاضطرابات.
لماذا اضطرب البلقان؟!
في رأيي أن هذا لم يكن بسبب أوضاع اقتصاديَّة متردِّية، أو مظالم أوقعها العثمانيون بهم. أعرف أن الإدارة العثمانية صارت أسوأ بلا جدال في هذه المرحلة التاريخيَّة، وأعرف -أيضًا- أنه كانت تحدث مخالفات تجاه الشعوب نتيجة الفساد، ولكن في كلِّ الأحوال كان الحكم العثماني أهون وأشفق عند الشعوب البلقانيَّة من الحكم النمساوي، أو المجري، أو البولندي، ولذلك كانت الشعوب النصرانية تقبل بسهولة الحكم العثماني، ولو كان مسلمًا، حتى لو حدثت فيه بعض التعدِّيَّات.
الآن الوضع تغيِّر لأكثر من سبب!
أولًا كان ضعف الدولة العثمانية -الذي ظهر واضحًا بعد الحرب الروسيَّة النمساويَّة الأخيرة- مُغريًا لهذه الشعوب في التفكير في استقلاليَّتها، وبالتالي الاستفادة من كلِّ مقدرات أقطارهم بدلًا من تسليم النصيب الأكبر من دَخْلِ القُطر إلى العثمانيين، وثانيًّا كان نجاح الثورة الفرنسية ملهمًا لهذه الشعوب في محاولة التخلص من الحكم الملكي الوراثي، والوصول إلى حكم «الجمهوريَّة» الذي يُتيح للشعب أن يختار مَنْ يريد دون التقيُّد بعائلةٍ معيَّنة، وثالثًا نموُّ الشعور «القومي» عند الشعوب بعد الثورة الفرنسية كذلك، مع العلم أن القوميَّات التي نشأت في البلقان بشكلٍ خاص، وفي أوروبا بشكلٍ عام، لم تكن متقيِّدةً تمامًا بالقوميَّات التي كانت موجودةً قبل ضمِّ هذه الأقطار إلى الدولة العثمانية، بل صارت متقيِّدةً بالوضع الجغرافي الذي آلت إليه البلاد بعد الفوضى الديموجرافيَّة التي أصابت البلقان كلَّه نتيجة الحروب المتكرِّرة في المنطقة؛ فأهل المجر مثلًا هاجروا إلى بلادٍ بلقانيَّة أخرى غير المجر، وكذلك فعل الصرب، واليونانيون، والمقدونيون، والألبان، وغيرهم.
ولم تعد العرقيَّات القديمة هي التي تحكم تجمُّعات الشعوب، ومِنْ ثَمَّ كانت القوميَّات الجديدة التي نشأت مرتبطةً إلى حدٍّ كبيرٍ بالديموجرافيَّة الحديثة التي وصلت إليها البقعة الجغرافيَّة المعيَّنة بعد هذه الحروب والهجرات؛ فالقوميَّة المقدونيَّة مثلًا صارت تضمُّ مقدونيين أصليين، بالإضافة إلى يونانيين، ومجريين، وألبان، وصرب وغير ذلك من عرقيَّات، هاجرت إلى مقدونيا قديمًا، وهكذا. -أيضًا- يُضاف سببٌ رابعٌ مهمٌّ لحدوث الاضطرابات في البلقان، وهو تدخُّل البلاد الأوروبية -وخاصَّةً روسيا- في هذه البلاد، ودفعها إلى محاولة التحرُّر من العثمانيين، وإغرائها بإقامة دولٍ مستقلَّةٍ تحت رعايتها، ودعمها، وذلك بهدف تفكيك الدولة العثمانية.
إذا كان هذا الكلام منطبقًا على ولايات البلقان، أي الولايات الواقعة جنوب الدانوب، فهو أشدُّ انطباقًا على الولايتين الواقعتين في شمال الدانوب، وهما الإفلاق الرومانيَّة، والبغدان المولدوفيَّة؛ لأنهما كانتا تداران بشكلٍ غير مباشرٍ من الدولة العثمانية، وكان الذي يتولى الإدارة في هذه المرحلة التاريخيَّة هم الفناريون اليونانيون، وهذا كان يُقلِّل من صلابة هذه الوحدات الإقليميَّة لعدم الترابط بين الحكام والشعوب، وهذا أحد العوامل في سهولة وقوع هذين الإقليمين تحديدًا، تحت الاحتلال الروسي، أو النمساوي، وقديمًا المجري، بشكلٍ متكرِّر.
كانت ملامح هذه الاضطرابات قد بدأت في الظهور في أخريات القرن الثامن عشر، ولكنها ستبدو أكثر وضوحًا وصراحةً مع السنوات الأولى في القرن التاسع عشر[53].
[1] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 صفحة 1/643.
[2] إبراهيم أفندي: مصباح الساري ونزهة القاري، بيروت، الطبعة الأولى، 1272هـ=1856م.صفحة 234.
[3] مانتران، روبير: بدايات المسألة الشرقية (1839-1774)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م (د). صفحة 2/15.
[4] ديورانت، ول: عصر نابليون، ترجمة: عبد الرحمن عبد الله الشيخ، المجمع الثقافي-أبو ظبي، دار الجيل-بيروت، 2002م. صفحة 1/105.
[5] مانتران، 1993 (د) صفحة 2/17.
[6] De Groot, Alexander Hendrik: Dragomans' careers: The change of status in some families connected with the British and Dutch embassies at Istanbul, 1785-1829, In: Hamilton, Alastair; De Groot, Alexander Hendrik & Den Boogert, Maurits H. Van: Friends and Rivals in the East: Studies in Anglo-Dutch Relations in the Levant from the Seventeenth to the Early Nineteenth Century, Brill, Leiden, Netherlands, 2000., p. 230.
[7] Thiers, Louis Adolphe: The History of the French Revolution, D. Appleton and Company, New York, USA, 1866., vol. 3, p. 294.
[8] Creasy, Sir Edward Shepherd: History of the Ottoman Turks: From the beginning of their Empire to the present time, Richard Bentley, London, UK, (vol. 2, 1856)., 1856, vol. 2, p. 335.
[9] Lehmanowsky, John Jacob: History of Napoleon, Emperor of the French, King of Italy, Etc., John A.M. Duncanson, Washington, USA, 1832., p. 4.
[10] مانتران، 1993 (د) صفحة 2/17.
[11] Hötte, Hans H.A.: Atlas of Southeast Europe: Geopolitics and History, Brill, Leiden, Netherlands: 1699-1815, Edited by: Béla Vilmos Mihalik, 2017, vol. 2, p. 12.
[12] Haukeil, Henry A. & Tyrrell, Henry: The History of Russia from the foundation of the Empire to the War with Turkey in 1877–78, The London Printing and Publishing Company, Limited, London, UK, 1879., vol. 1, p. 349.
[13] McGrew, Roderick Erle: Paul I of Russia, 1754-1801, Oxford University Press, New York, USA, 1992., p. 282.
[14] Chisholm, Hugh & Garvin, James Louis: The Encyclopædia Britannica: A Dictionary of Arts, Sciences, Literature & General Information, Cambridge University Press, Cambridge, UK, Eleventh Edition, 1911., vol. 11, p. 65.
[15] مانتران، 1993 (د) صفحة 2/17.
[16] Stollberg-Rilinger, Barbara: The Holy Roman Empire: A Short History, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, USA, 2018., p. 134.
[17] مانتران، 1993 (د) صفحة 2/17.
[18] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 371.
[19] Thomasson, Fredrik: The Life of J. D. Åkerblad: Egyptian Decipherment and Orientalism in Revolutionary Times, Brill, Leiden, Netherlands, 2013., pp. 159-161.
[20] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م.صفحة 374.
[21] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م. صفحة 476.
[22] Shaw, Stanford Jay: The Origins of Ottoman Military Reform: The Nizam-I Cedid Army of Sultan Selim III, The Journal of Modern History, The University of Chicago Press Journals, Chicago, USA, Vol. 37, No. 3, 1965., pp. 291–306.
[23] Tucker, Spencer C. (Editor): Middle East Conflicts from Ancient Egypt to the 21st Century: An Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2019., vol. 3, p. 1137.
[24] Aksan, Virginia: Ottoman war and warfare 1453-1812, In: Black, Jeremy: War In The Early Modern World, 1450-1815, Routledge, London, UK, 2005., p. 169.
[25] Findley, Carter Vaughn: Enlightening Europe on Islam and the Ottomans: Mouradgea d’Ohsson and His Masterpiece, Brill, Leiden, Netherlands, 2019., p. 297.
[26] Shaw, Stanford Jay: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808, Volume I, Cambridge University Press, New York, USA, 1976., vol. 1, p. 262.
[27] Tucker, 2019, vol. 3, p. 1137.
[28] مانتران، 1993 (د) صفحة 2/13.
[29] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م. الصفحات 1/644، 645.
[30] أوزتونا، 1988 صفحة 1/647.
[31] Shaw, 1976, vol. 1, pp. 264-265.
[32] Hanioğlu, M. Şükrü: A Brief History of the Late Ottoman Empire, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, USA, 2008., p. 46.
[33] Başaran, Betül: Selim III, Social Control and Policing in Istanbul at the End of the Eighteenth Century: Between Crisis and Order, Brill, Leiden, Netherlands, 2014., pp. 2-3.
[34] Aktan, Sümer: Curriculum Studies in Turkey: A Historical Perspective, Springer, New York, USA, 2018., pp. 95-96.
[35] Shefer-Mossensohn, Miri: Hospitals and Medical Institutions, In: Kalin, Ibrahim: The Oxford Encyclopedia of Philosophy, Science, and Technology in Islam, Oxford University Press, New York, USA,., 2014, p. 295.
[36] Richmond, J. C. B.: Egypt 1798-1952: Her Advance Towards a Modern Identity, Routledge, New York, USA, 2013., 2013, p. 62.
[37] Hanioğlu, M. Şükrü: A Brief History of the Late Ottoman Empire, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, USA, 2008., p. 50.
[38] Başaran, Betül: Selim III, Social Control and Policing in Istanbul at the End of the Eighteenth Century: Between Crisis and Order, Brill, Leiden, Netherlands, 2014., p. 81.
[39] كينروس، 2002 صفحة 472.
[40] شريف، محمد الهادي: الجزائر وتونس وليبيا: العثمانيون وورثتهم، ضمن كتاب: أوغوث، ب. أ.: تاريخ أفريقيا العام (أفريقيا من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر)، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام (اليونسكو)، 1997م.5/291-303.
[41] سبنسر، وليم: الجزائر في عهد (رياس) البحر، تعريب وتقديم: عبد القادر زبادية، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2006م. الصفحات 185، 186.
[42] العربي، إسماعيل: فصول في العلاقات الدولية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1990م.الصفحات 82-111.
[43] Östlund, Joachim: The Swedish Consulate in Tripoli and Information-Gathering on Diplomacy, Everyday Life, and the Slave Trade, 1795-1844, In: Suonpää, Mika & Wright, Owain: Diplomacy and Intelligence in the Nineteenth-Century Mediterranean World, Bloomsbury Publishing, London, UK, 2019., p. 21.
[44] الإسكندري، عمر؛ وحسن، سليم: تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر، مراجعة: أ. ج. سفدج، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م.الصفحات 85، 86.
[45] Hoskins, Halford Lancaster: British Routes to India, Routledge, New York, USA, 2019., p. 43.
[46] أوزتونا، 1990 صفحة 2/814.
[47] Peterson, John E.: Chronology, In: Peterson, John E.: The Emergence of the Gulf States: Studies in Modern History, Bloomsbury Publishing, London, UK, 2016., p. 363.
[48] أبو علية، عبد الفتاح: العثمانيون وبنو خالد في الأحساء: الولايات العربية ومصادر وثائقها في العهد العثماني، القسم العربي: بحوث المؤتمر الخامس للجنة العالمية للدراسات ما قبل العهد العثماني والفترة العثمانية، 13-18 سبتمبر 1982، مركز البحوث والدراسات عن الولايات العربية في العهد العثماني، تونس، 1984م. صفحة 33.
[49] أبو علية، عبد الفتاح: محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، دار المريخ، الرياض، الطبعة الثانية، 1411هـ=1991م.الصفحات 88، 89.
[50] زاده، محمد عطاء الله شاني: شاني زاده تاريخي، مطبعة سي، إستانبول، 1290هـ=1873م.صفحة 1/237.
[51] غازي، علي عفيفي علي: الجزيرة العربية والعراق في استراتيجية محمد علي، دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2016م.صفحة 18.
[52] Reilly, James A.: The Ottoman Cities of Lebanon: Historical Legacy and Identity in the Modern Middle East, Bloomsbury Publishing, 2016., p. 36.
[53] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 933- 948.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك