التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يُعتبر السلطان عبد الحميد الثاني من أشهر السلاطين العثمانيِّين بشكلٍ عام، وترجع شهرته لأمور كثيرة ميَّزت فترة حكمه الطويلة.
السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م)
يُعتبر السلطان عبد الحميد الثاني من أشهر السلاطين العثمانيِّين بشكلٍ عام، ولا ترجع شهرته إلى كثرة الإنجازات؛ بل لأمورٍ أخرى كثيرة ميَّزت فترة حكمه الطويلة، التي امتدَّت ثلاثًا وثلاثين سنةً كاملة؛ فقد كان السلطان عبد الحميد الثاني هو آخر الحكام الفعليِّين للدولة العثمانية، وفي عهده فقدت الدولة أراضي كثيرةً للغاية، كما شهدت صراعاتٍ داخليَّةً كبرى، وشهدت -أيضًا- نموًّا ملحوظًا للتيَّار القومي الذي أسَّس جمهوريَّة تركيا لاحقًا. شهدت فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني -أيضًا- مناداته وأنصاره بفكرة «الخلافة الإسلاميَّة»، والتي لم تكن مطروحةً بشكلٍ جدِّيٍّ في كلِّ تاريخ الدولة العثمانية قبل ذلك، و-أيضًا- شهدت صراعًا كبيرًا بين السلطان واليهود من أجل السيطرة على فلسطين، وبين السلطان والأرمن من أجل الحصول على استقلال دولتهم.
لا يتَّفق المؤرِّخون أبدًا على توصيف شخصيَّة السلطان عبد الحميد الثاني؛ فبعضهم يُدافع عنه بكلِّ سبيل، ويجعله من أعظم المصلحين، ويُطلق عليه «السلطان المظلوم»، وبعضهم يُهاجمه بكلِّ طاقته، ويجعله سببًا رئيسًا للخسائر الضخمة التي عانت منها الدولة في زمانه، ويُطلق عليه «السلطان الأحمر»، لاتهامه بالدمويَّة الشديدة، وقليلٌ من المؤرِّخين مَنْ يتوازن بين هذا وذاك[1]! إنها من أكبر الشخصيَّات الجدليَّة في تاريخ المسلمين، وعادةً عندما يوجد فريقان من المؤرِّخين متباعدان بهذه الصورة فإن الحقَّ على الأغلب يكون بينهما! لقد كان السلطان عبد الحميد الثاني رجلًا نزيهًا يريد الخير لدولته والمسلمين، ويعيش حياةً جادَّةً يصرف وقته فيها لصالح أمَّته، ولكنه كان في الوقت نفسه منفردًا في آرائه، لا يرى للشورى أهميَّة، ويحكم بطريقةٍ أوتوقراطيَّةٍ صِرْفة غير مناسبةٍ للعصر الذي يعيش فيه، كما أنه لم يكن سياسيًّا محترفًا، وكانت له أخطاءٌ جسيمة نتيجة قلَّة الخبرة، وعدم الأخذ بآراء الآخرين. في المجمل هو رجلٌ اجتهد -بطريقته- لإصلاح الدولة، ولكنَّه كان يحكم دولةً منهارةً لا سبيل البتَّة لإنقاذها، وكان عليه أن يُشْرِك العقلاء معه في إدارتها كي يخرج بأقلِّ الخسائر الممكنة، ولكنَّه لم يفعل، فحَمَلَ أمام التاريخ أوزار العقود والقرون الضعيفة التي سبقته!
يمكن تقسيم فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني إلى أربع مراحل كبرى، ويندرج في الواقع تحت كلِّ مرحلةٍ أحداثٌ كثيرة. المرحلة الأولى تمتدُّ عبر تسع سنوات، من 1876م إلى 1885م، وهي المرحلة التي شهدت ضغوطًا خارجيَّةً كارثيَّة، وذلك في شكل حروبٍ ضدَّ روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، وفَقَدَت فيها الدولة من الأقطار ما لم تفقده في كلِّ تاريخها! المرحلة الثانية كانت تتميَّز بالهدوء النسبي، وهي تسع سنواتٍ أخرى، من 1885م إلى 1894م، وأبرز فيها السلطان اهتمامًا بالشأن الداخلي، كما شهدت هذه المرحلة تأسيس جماعة الاتحاد والترقي المشهورة. ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي ثلاث عشرة سنةً كاملة، من 1894 إلى 1907م، وفيها تعرَّضت الدولة لفتنٍ داخليَّةٍ كبيرة واضطرابات، ومحاولات انفصالٍ غير ناجحة، كما أنَّها شهدت نشاطًا سياسيًّا بارزًا ضدَّ السلطان، ثم تأتي المرحلة الرابعة والأخيرة، وهي سنتان فقط، ولكنَّهما عصيبتان، من 1907 إلى 1909م، وتفاقمت فيهما الاضطرابات، حتى انتهى الأمر بعزل السلطان من منصبه. وفي هذه المقال سوف نتحدث عن المرحلة الثالثة:
المرحلة الثالثة: الاضطرابات الداخليَّة والفتن (1894-1907م)
شهدت هذه المرحلة اضطراباتٍ كبرى يمكن تلخيصها في أنها أربع محاولات انفصال خطرة، وأنها لم تُحقِّق النجاح في حياة السلطان عبد الحميد الثاني، لوقوفه بشكلٍ صلبٍ تجاهها، ولذلك كان خلع السلطان أو موته هدفًا لأصحاب هذه المحاولات حتى يمكن لهم تحقيق ما أرادوا. والواقع أن خلع السلطان لاحقًا قاد إلى نجاح هذه المحاولات الأربع كلِّها! هذه المحاولات الأربع كانت من الأرمن، واليونانيين، والمقدونيين، واليهود!
أزمة الأرمن:
الأرمن عرقيَّة منفصلة[2][3]، ولهم كذلك كنيسةٌ مستقلَّة، وإن كانت منبثقةً من الأرثوذكسية الشرقيَّة[4]، وكانت لهم في السابق مملكةٌ كبرى في شرق الأناضول ومناطق القوقاز[5]، ولكنها قُطِّعت على مدار التاريخ بين ثلاث دول؛ الدولة العثمانية، وإيران، وروسيا[6][7]. كان الأرمن يعيشون في سلامٍ في الدولة العثمانية على مدار عدَّة قرون[8]، وكانت كثافتهم السكانيَّة الكبرى في شرق الأناضول[9]، وإن كانوا يتواجدون بكثرةٍ كذلك في إسطنبول منذ الأيَّام الأولى لفتح المدينة على يد السلطان محمد الفاتح[10]. لم تظهر في كلِّ تاريخ الدولة العثمانية أيُّ مشكلةٍ مع الأرمن، ولكنَّ الأمور بدأت تتغيَّر في أعقاب مؤتمر برلين 1878م.
سعت العرقيَّات النصرانية المختلفة في البلقان إلى التحرُّر من الدولة العثمانية، وجاءت الحرب الروسية (1877-1878م) محقِّقةً لآمالهم، وأقرَّ مؤتمر برلين الاستقلال أو الحكم الذاتي لمعظم أقاليم البلقان، ولكنَّ الأوروبيين اكتفوا في المؤتمر بطلب تنفيذ إصلاحاتٍ في مناطق الأرمن دون استقلاليَّة[11]. تحرَّك الأرمن بعد المؤتمر أوروبِّيًّا بغية الحصول على دعمٍ يُحقِّق لهم الاستقلال. تنافست بريطانيا وروسيا على دعم الأرمن، ولكن أحجمت روسيا لاحقًا لخوفها من إنشاء دولة أرمينية تدفع أرمن روسيا إلى الانقلاب على الروس، فصارت بريطانيا هي الداعم الأساس لهم. هكذا نجد بريطانيا في كلِّ أزمةٍ عثمانية في هذه الحقبة التاريخيَّة! قام الأرمن بعدَّة تعدِّيَات على الموظفين العثمانيِّين[12]، وقامت بينهم وبين القبائل المسلمة المجاورة عدَّة احتكاكات، وبدأ الأمر يأخذ شكل المذابح المحدودة بدايةً من عام 1890م[13]. في مواجهة هذا التمرُّد شكَّل السلطان عبد الحميد الثاني عدَّة كتائب عسكريَّة من الأكراد في المنطقة عُرِفَت «بأفواج الفرسان الحميديَّة» نسبةً إلى عبد الحميد، وقامت هذه الكتائب بقمع حركات التمرُّد[14].
كان الأمر محدودًا حتى عام 1894م عندما قام الأرمن بمذبحةٍ في مدينة ساسون بولاية بدليس شرق الأناضول، وردَّت أفواج الفرسان الحميديَّة بمذابح مماثلة، وتفاقم الأمر[15]، وتناقلت وسائل الإعلام الأوروبية الأحداث بقوَّة، متبنِّين وجهة النظر الأرمينيَّة[16]. طلبت الدول الكبرى تشكيل لجنةٍ دوليَّةٍ للتحقيق، ووافق السلطان عبد الحميد الثاني. تشكَّلت لجنةٌ من محقِّقين من بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وقدَّمت بعد الفحص عدَّة مقترحاتٍ لإصلاح وضع الأرمن. بعد دراسة المقترحات أعلن السلطان في 3 يوليو 1896م رفضه لمعظمها؛ لأنها في الواقع كانت تعني استقلالًا ذاتيًّا لأرمينيا.
على الرغم من رفض السلطان فإن الصراع الأوروبي الداخلي منع حدوث ردِّ فعلٍ تجاه الدولة العثمانية؛ لأن فرنسا وروسيا وقفتا مع الدولة العثمانيَّة ضدَّ بريطانيا، ونتيجة هذا الاختلاف توقَّف الدعم الأوروبي[17]. رأى الأرمن أن هذا الحلَّ الدبلوماسي لم يُحقِّق طموحاتهم، ولذا قاموا في عام 1896م بعدَّة مذابح في العاصمة، وهاجموا البنك المركزي العثماني، والقصر الحاكم، والسوق القديم. ردَّت الدولة العثمانية بتنفيذ حملة اعتقالاتٍ واسعة، مع القيام بعمليَّاتٍ انتقاميَّة في يومي 27 و28 أغسطس 1896م. تفاعلت أوروبا مع الأحداث، وتوسَّطوا عند السلطان، الذي قَبِلَ بتهدئة الأجواء، وإجراء إصلاحات، وزيادة عدد الإداريِّين الأرمن في الحكومة في المناطق الشرقيَّة، وإصدار عفوٍ عام[18][19].
هدأت الأمور على السطح بعد هذه الأحداث، لكن سعى زعماء الأرمن إلى تحقيق طموحهم عن طريق التواصل السياسي من وراء الستار مع الجهات المعارضة للسلطان عبد الحميد الثاني بغية عزله، على أمل أن تكون الحكومة بعده أقلَّ صلابةٍ في مواجهة طموح استقلال قطرهم[20]، ومع ذلك فلم يكن الأسلوب السياسي هو وسيلتهم الوحيدة؛ فقد فقاموا بتصعيدٍ كبيرٍ في إسطنبول في 21 يوليو عام 1905م، حين حاولوا اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني عن طريق إلقاء قنبلةٍ على موكبه، ولكنَّه نجا منها[21][22]. كان المسئول عن محاولة الاغتيال الفاشلة، التي راح ضحيَّتها ثلاثون مرافقًا للسلطان، مؤسَّسةٌ أرمينيَّةٌ اسمها «الاتحاد الثوري الأرمني» the Armenian Revolutionary Federation[23]، وهي مؤسَّسةُ أرمينيَّةٌ سرِّيَّة نشأت في روسيا عام 1890م، ومارست المقاومة المسلحة ضدَّ الدولة العثمانية[24]. ستكون هناك تطوُّراتٌ كبيرةٌ في قصَّة الأرمن مع مرور الوقت، وبعد انتهاء فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني.
حرب اليونان (1897م):
في أبريل 1897م، ودون مقدِّمات، اجتازت القوَّات اليونانيَّة الحدود العثمانية بغية زيادة مساحة المملكة اليونانيَّة على حساب الدولة العثمانية[25]! فوجئ اليونانيون بأن الجيش العثماني صار بعد التحديثات الألمانيَّة أقوى بكثيرٍ من العقد الماضي! حقَّق العثمانيون النصر على الجيش اليوناني في كلِّ المواقع تقريبًا[26]. استمرَّت المعارك شهرًا[27]، وانتهت بفتح العثمانيِّين للطريق إلى أثينا[28]! استنجدت اليونان بأوروبا وروسيا لوقف الجيش العثماني. استجاب الروس والإنجليز سريعًا وأرسلوا إلى السلطان عبد الحميد الثاني يطلبون وقف القتال[29]. وافق السلطان على وقف القتال في مقابل أن تُعيد اليونان للدولة العثمانية إقليم تساليا الذي أخذته بعد مؤتمر إسطنبول عام 1881، وأن تدفع اليونان غرامةً حربيَّة[30]. ضغطت بريطانيا في اتجاه أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وذلك دون إعادة الإقليم، وتحت الضغط قَبِلت الدولة العثمانية، ولم تُحقِّق الحرب إلا تغيُّرًا طفيفًا على مستوى الحدود لصالح الدولة العثمانية[31][32]، لكنها حقَّقت نصرًا معنويًّا للعثمانيِّين، والمسلمين عامَّة، كانوا في أشدِّ الحاجة إليه.
السلطان عبد الحميد الثاني والصراع مع اليهود حول فلسطين:
يُعتبر وقوف السلطان عبد الحميد الثاني في وجه أطماع اليهود في فلسطين هو أشهر مواقفه على الإطلاق، ويزيد من قيمة هذا الموقف حدوثه في هذه الحقبة التاريخيَّة التي شهدت ضعفًا عثمانيًّا ظاهرًا، واحتياجًا شديدًا للدعم المالي والسياسي، ولكن نخوة السلطان منعت -أو أجَّلت- الاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين.
اجتهد اليهود في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في تجميع أنفسهم من الشتات العالمي بغية إقامة وطنٍ قوميٍّ لهم، وكانت أمام زعمائهم اختياراتٌ كثيرة؛ مثل الأرجنتين، وأوغندا، وقبرص، وسيناء، مع الخيار الأهمِّ مطلقًا وهو فلسطين[33]. كان البعد الديني لفلسطين مغريًا لليهود ليُقدِّموها على غيرها، بالإضافة إلى ضعف الدولة العثمانية، وغلبة الأمم الأوروبِّيَّة عليها، وكثرة ديونها، وكل هذه عوامل تجعل فرصة التسلل إلى فلسطين التابعة لها أمرًا ممكنًا.
كانت معدلات الهجرة اليهوديَّة إلى فلسطين محدودةً حتى عام 1881م[34]. في هذا العام اغتيل الإمبراطور الروسي ألكسندر الثاني، واتُّهمت جماعة «أحباء صهيون» بقتله، ومِنْ ثَمَّ قامت حملة تطهير عرقي كبيرة في روسيا ضدَّ اليهود، ممَّا دفع اليهود إلى الهجرة خارج روسيا بأعدادٍ كبيرة، وحيث إن الدولة العثمانية كانت دومًا ملجأً للمضطهدين دينيًّا في العالم، وخاصَّةً اليهود المكروهين في أوروبا، فقد كانت اختيارًا أوَّلًا لليهود في هذه الهجرة. أراد اليهود ضرب عصفورين بحجر؛ النجاة من الاضطهاد الروسي، وتأسيس وطنٍ في فلسطين، فطلبوا الهجرة إليها تحديدًا. قرأ السلطان عبد الحميد الثاني المخطَّط اليهودي، وأعلن قبوله لقدوم اليهود إلى أيِّ إقليمٍ عثمانيٍّ باستثناء فلسطين، كما أصدر قرارًا بمنع اليهود الأجانب من دخول فلسطين بتاتًا[35][36]! حاول اليهود توسيط السفراء الأوروبِّيِّين، ولكنَّ السلطات العثمانيَّة رفضت[37].
لقد كان السلطان حاسمًا في هذا الشأن بصورةٍ لم نشهدها معه في قضيَّةٍ أخرى. أقصى ما وصل إليه السفراء الأوروبِّيُّون هو أخذ موافقة السلطان في عام 1884م على دخول اليهود فلسطين لأجل الحجِّ، والمكوث في القدس لشهرٍ واحد، زِيدَ بعد ذلك في عام 1888م إلى ثلاثة شهور[38]. واقع الأمر أن هذه القرارات كانت بخصوص اليهود الأجانب، أمَّا اليهود من رعايا الدولة العثمانية فكانوا يتحايلون على النظام والقوانين، ويقومون بشراء الأراضي داخل فلسطين، وقد أدرك السلطان عبد الحميد الثاني صعوبة السيطرة على الإدارة الفاسدة، فأصدر في عام 1887م قرارًا بتحويل القدس إلى «متصرفيَّة» تتبع إسطنبول مباشرة، بدلًا من تبعيَّتها لدمشق، وهَدِفَ من وراء هذا القرار إلى جعل الرقابة على فلسطين أكبر، وذلك لمنع التحايل اليهودي لشراء الأراضي[39]. في عام 1892م أصدر السلطان قرارًا بمنع بيع الأراضي الحكوميَّة لليهود حتى لو كانوا عثمانيِّين من رعايا الدولة[40].
كان فكرة بناء وطن لليهود تسير بمعدلاتٍ بطيئةٍ إلى أن ظهر تيودور هرتزل Theodor Herzl، الذي حوَّل القضيَّة إلى قضيَّةٍ عالميَّة! كان هرتزل صحفيًّا يهوديًّا مجريًّا يعيش في ڤيينا، وقد عانى من ازدراء الأوروبِّيِّين لليهود[41]، ورأى أن الحلَّ الأمثل لهذه المشكلة المزمنة هي خروج اليهود من أوروبا إلى وطنٍ يجمع شتاتهم، وكتب في هذا الصدد كتابًا هو «دولة اليهود» The Jewish State، نُشِر في ڤيينا في فبراير 1896م، وقد انتشرت أفكار هرتزل بسرعةٍ في الأوساط اليهوديَّة[42]، ووجد دعمًا قويًّا من أثرياء اليهود في أوروبا وأميركا، بل وجد دعمًا من حكومات دولٍ أوروبِّيَّة، خاصَّةً بريطانيا[43]. كان هرتزل شابًّا في السادسة والثلاثين من عمره يوم نشر كتابه[44]، ولكنَّه كان صاحب علاقاتٍ كثيرةٍ مكَّنته من عَقْد لقاءاتٍ مع شخصيَّاتٍ عالميَّةٍ كبرى فتحت له الطريق لتحقيق بعض الإنجازات[45]. تمكَّن هرتزل من السفر إلى إسطنبول في 1896م، ونجح في لقاء عددٍ من الشخصيَّات القياديَّة في الدولة، كالصدر الأعظم وبعض الوزراء، لكنَّه فشل في لقاء السلطان.
عرض هرتزل في البداية على الحكومة العثمانيَّة أن تُدْخِل بعض الإصلاحات والتعديلات على قوانين هجرة اليهود إلى فلسطين في مقابل أن يُساعد اليهودُ في العالم الدولةَ العثمانية في تجاوز أزمتها مع الأرمن، وذلك عن طريق التواصل مع زعماء الأرمن لتهدئتهم، وكذلك التواصل مع الحكومات الأوروبية لتُخَفِّف من دعمها للأرمن سياسيًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا، ولقد وافق السلطان متحمِّسًا على عرض هرتزل من حيث المبدأ، وأجاب بكلمةٍ واحدةٍ هي: ممتاز[46]! لم تتحدَّث المصادر عن التعديلات المقترحة في قوانين هجرة اليهود، ولكن كان من الواضح أن ضغط القضيَّة الأرمنيَّة على السلطان كبير، ولهذا رأى أن تقديم شيءٍ من التنازل في مسألة هجرة اليهود قد يُوازي المكتسب من دعمهم له أوروبِّيًّا. لا أعتقد أن هذا القبول منه كان جيِّدًا، ولكن على العموم لم يحدث الاتفاق لأنَّ اليهود فشلوا في تحقيق نتيجة في القضيَّة الأرمنيَّة على أرض الواقع؛ لشدَّة الهجوم الإعلامي الأوروبي على الدولة العثمانية في هذا التوقيت، خاصَّةً في بريطانيا[47][48]. هذا الفشل دفع اليهود إلى سلوك طريقٍ جديدٍ لإغراء السلطان بالموافقة على هجرتهم لفلسطين، وهو طريق الدعم المالي للاقتصاد المنهار. عرض هرتزل على الدولة العثمانية المساعدة في سداد ديونها في مقابل السماح لهم بوطنٍ في فلسطين تحت التبعيَّة العثمانية لكنَّ السلطان رفض هذا العرض[49][50].
وجد هرتزل أن الأمر ليس سهلًا، ولن يأتي بصورةٍ مباشرة، فعمل على تجميع جهود اليهود في العالم للحصول على أقوى نتيجة. جمع هرتزل زعماء اليهود في العالم في مؤتمرٍ عامٍّ بمدينة بازل Basel السويسريَّة في 23 أغسطس 1897م، فيما عرف بالمؤتمر الصهيوني الأول، وفيه أسَّسوا «المنظمة الصهيونية العالمية» World Zionist Organization (WZO)، واتَّفقوا على السعي لتأسيس وطنٍ لليهود في فلسطين[51].
تكرَّر انعقاد المؤتمر سنويًّا، وزادت إمكانات المنظمة الصهيونية[52]، وتمكن هرتزل في 17 مايو 1901م من تدبير لقاء مع السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول، وعرض عليه أن يدفع اليهود ثلاثة ملايين جنيهًا إنجليزيًّا إلى الدولة العثمانية، في مقابل السماح لهم بالهجرة إلى فلسطين، وإقامة وطنٍ تابعٍ للدولة العثمانية يدفعون فيه الجزية لها، ولكن السلطان رفض بإصرار[53][54]. غادر هرتزل إسطنبول، لكنَّه لم ييأس، بل أرسل مع بعض المقرَّبين يُقدِّم عرضًا ماليًّا جديدًا[55]. هنا قال السلطان كلمته الشهيرة التي أغلق بها باب الحديث مع هرتزل والصهاينة: «انصحوا الدكتور هرتزل (مُنِح درجة الدكتوراه في القانون من جامعة ڤيينا[56] بألَّا يتَّخذ خطواتٍ جدِّيَّةً في هذا الموضوع؛ فإنِّي لا أستطيع أن أتخلَّى عن شبرٍ واحدٍ من الأرض، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمَّة الإسلاميَّة التي جاهدت في سبيلها، وروتها بدمائها. فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مُزِّقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أمَّا وأنا حيٌّ، فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من الدولة الإسلاميَّة، وهذا أمرٌ لا يكون. إنَّني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة»[57][58].
هذا من أعظم مواقف السلطان عبد الحميد الثاني، ومن أشدها صلابة.
لم يتوقف تيودور هرتزل عن الطموحات على الرغم من هذا الصدِّ المستمر! في مايو 1902م طلب من السلطان السماح بإنشاء جامعةٍ عبريَّةٍ في مدينة القدس، ولكن السلطان رفض، وفي 1903م حاول اليهود عقد مؤتمرهم الدولي في فلسطين، فرفض السلطان كذلك[59]. في 3 يوليو 1904م تُوفِّي تيودور هرتزل، وهو في الرابعة والأربعين من عمره[60]، دون أن يُحقِّق هدفه، لكنَّه كان قد وضع أقدام الصهاينة على الطريق، وقد أدرك أتباعه أن تحقيق هدفهم في إقامة وطنٍ في فلسطين مرهونٌ بخلع السلطان عبد الحميد الثاني، فكانت هذه خطتهم في المرحلة القادمة!
ثورة مقدونيا (1903م):
لم تكن منطقة مقدونيا واضحة المعالم الجغرافيَّة تمامًا في زمن الدولة العثمانية. يرجع ذلك إلى أنها كانت في وسط الأملاك العثمانيَّة حيث تُحيط بها من كلِّ جانب ولاياتٌ عثمانيَّةٌ أخرى؛ في الشرق بلغاريا، وفي الشمال صربيا، وفي الجنوب اليونان، وفي الغرب ألبانيا. -أيضًا- لم يكن يسكنها عرقٌ واحد؛ إنما عاش على أرضها عدَّة أعراقٍ من هذه الدول الأربع التي تحيط بها[61]. عندما بدأت القوميَّات المختلفة في التحرُّر من الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر رَغِب المقدونيون في التحرُّر كغيرهم، لكن كانت تواجههم مشكلتان بسبب الوضع الجغرافي، والديموجرافي للإقليم؛ فجغرافيًّا لا توجد حدودٌ معروفةٌ تمامًا للإقليم ممَّا سيُؤدِّي إلى نزاعاتٍ حتميَّةٍ مع الدول المجاورة[62]، خاصَّةً بعد انفصال صربيا واليونان وبلغاريا عن الدولة العثمانية، وديموجغرافيًّا من المتوقع أن تُسَبِّب التركيبة السكانيَّة المعقدة للإقليم حدوثَ مشاكل كبرى عند الانفصال.
في عام 1893م تكوَّنت منظمةٌ في مقدونيا تحت اسم «المنظمة الثورية المقدونية الداخلية» Internal Macedonian Revolutionary Organization (IMRO)، وأخذت في تحفيز الأهالي على الانضمام إليها للاستقلال لاحقًا عن العثمانيِّين. كانت هذه المنظمة تعتمد على المقدونيين من أصولٍ بلغاريَّة، ومع ذلك كان شعارها «مقدونيا للمقدونيين»[63]، ولم تكن تُنادي بقضيَّة بلغاريا، ومع ذلك توجَّست اليونان من أمرها، وشعرت أنها ستضمُّ مقدونيا لاحقًا إلى بلغاريا. وحيث إن اليونانيين كانوا على خلافٍ كبيرٍ مع البلغاريين، خاصَّةً بعد انفصال الكنيسة البلغاريَّة عن اليونانيَّة في 1870م، فقد قامت اليونان بدعم المقدونيين من ذوي الأصول اليونانية ضدَّ المقدونيين البلغاريين. سرعان ما قامت الحرب الأهليَّة بين هذا وذاك على أرض مقدونيا، ودخلت صربيا في الصراع أحيانًا[64].
في عام 1903م تطوَّر الأمر سريعًا؛ حيث ثار المقدونيون البلغاريون على الحكم العثماني[65]، وأعلنوا في 2 أغسطس قيام جمهوريَّةٍ لهم، وامتدَّت ثورتهم حتى شملت أماكن كثيرةً خارج مقدونيا[66]. كان ردُّ الدولة العثمانيَّة سريعًا وحاسمًا، واستطاع الجيش العثماني الثالث أن يُسيطر على الثورة في غضون شهرٍ واحدٍ تقريبًا[67]! لم يتمكن المقدونيون من القيام بثورةٍ بعد هذه الأحداث، واكتفوا بحملاتٍ خاطفةٍ على الجيش العثماني في شكل حروب العصابات، لكنَّها في الواقع لم تكن مؤثِّرة، ثم هدأت الأمور بعد عقد العثمانيِّين لاتفاقيَّة سلامٍ مع بلغاريا في 24 مارس 1904م تعهَّدت فيها بلغاريا بعدم دعم ثوَّار مقدونيا في مقابل أن تقوم الدولة العثمانية بإصلاحاتٍ مدنيَّةٍ في الإقليم[68].
هذه الأحداث تُفسِّر لنا الخلاف الدائر إلى يومنا هذا بين المقدونيين واليونانيين.
النشاط السياسي المعارض للسلطان عبد الحميد الثاني:
كان الوضع المتدهور للدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر داعيًا إلى ظهور أفكارٍ متعدِّدةٍ للإصلاح، وكان الكثيرون من أصحاب هذه الأفكار يرون أن أحد أسباب التخلف العثماني في الآونة الأخيرة هو الطريقة الفرديَّة الاستبداديَّة التي تُدار بها البلاد، التي بلغت ذروتها في عهد السلطان عبد الحميد بإلغائه الدستور، وحلِّه للبرلمان، ومنعه للصحافة، ورفضه التام للمعارضة[69]. هذه الأجواء دفعت المعارضين إلى تكوين خلايا سرِّيَّة تعمل على إعادة الحياة الدستوريَّة، وسبيلهم في ذلك هو إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني عن الحكم. كانت أشهر هذه المنظمات السرِّيَّة اثنتين؛ تركيا الفتاة، والاتحاد والترقي.
كانت تركيا الفتاة تميل إلى أن تكون جماعةً فكريَّةً أدبيَّة[70]، وهي الأقدم في التكوين (1865م)[71]، أمَّا جمعية الاتحاد والترقي فقد نشأت لاحقًا -كما ذكرنا- (1889م)، وكانت ذات توجُّهٍ سياسيٍّ واضح، بل تميل إلى العسكريَّة بحكم أنها نشأت في المدرسة الطبِّيَّة العسكريَّة. بعد جهودٍ بطيئةٍ في البداية كثر أعضاء هاتين الجماعتين[72]، وشهدت التسعينيَّات من القرن التاسع عشر نشاطًا ملحوظًا للمعارضين، واكتشف السلطان أمر كثيرٍ منهم، وعُقِدت عدَّة محاكماتٍ لهم[73]، وكانت النتيجة نفي عددٍ كبيرٍ منهم خارج البلاد. أتى هذا النفي بنتيجةٍ عكسيَّة؛ إذ انتشرت الأفكار المعارضة للسلطان خارج الدولة، وذلك في عدَّة مدن؛ أهمها باريس، وجنيف. بالإضافة إلى المنفيِّين كانت أوروبا تستقبل كذلك المعارضين القادمين بغرض الدراسة، أو الهرب من الملاحقة الأمنيَّة العثمانيَّة[74].
برز من أولئك العثمانيِّين الزائرين لباريس أحمد رضا، وهو أحد الموظفين العثمانيِّين الكبار في مجال التعليم، وكان في زيارةٍ لباريس فالتقى وأعضاء جمعيَّة الاتحاد والترقي في عام 1894م، ثم ما لبث أن انضمَّ إليهم، بل صار رئيسًا لشعبة باريس[75]، وقرَّر عدم العودة إلى الدولة العثمانية، وأصدر في آخر عام 1895م جريدة «المشورة» في باريس[76]، وفيها كان ينشر المقالات الكثيرة التي يهاجم فيها السلطان عبد الحميد الثاني، وكانت مقالاته تحمل الحقَّ في أحيان[77]، وتنشر الافتراءات في أحيانٍ أخرى[78]، ولكن في العموم كان انضمامه إلى المعارضين نقطة تحوُّلٍ زاد بعدها عدد المنضمِّين إلى سلك المعارضة[79]. صدرت صحفٌ أخرى كثيرةٌ معارضة للسلطان، وكان بعض هذه الصحف والمقالات يصل سرًّا إلى إسطنبول والمدن العثمانية[80]، وخلقت هذه الحركة أجواء من المعارضة للسلطان على نطاقٍ أوسع.
لم تكن مجابهة السلطان لهذه المعارضة مجديةً تمامًا. اعتمد السلطان على أساليب قمعيَّة في البلاد[81]، أمَّا في الخارج فكان يحاول عن طريق سفرائه أن يضغط على الحكومات الأوروبية لعدم إعطاء مساحةٍ للمعارضين[82]، وكأنه غير مدركٍ إلى أن الدول الأوروبية راغبةٌ هي الأخرى في إقصائه؛ أولًا بسبب إسلاميَّته المعلنة، وثانيًا بسبب الدعايات الأرمينيَّة واليهوديَّة ضدَّه، ومِنْ ثَمَّ كانت المساحة الممنوحة للمعارضين في باريس -وغيرها من المدن الأوروبية- تتزايد مع الوقت.
في عام 1900م تلقَّت المعارضة للسلطان دعمًا جديدًا بانضمام الأمير صباح الدين بن محمود، وهو حفيد السلطان عبد المجيد الأول من الأم[83]، وكان قد هرب من إسطنبول -هو وأبوه وأخوه- في 1899م[84]، بعد أن كاد السلطان عبد الحميد الثاني يعتقله لمعارضته[85]. كان صباح الدين من المفكرين المتخصِّصين في علم الاجتماع، وهو صاحب مدرسةٍ فكريَّة، وكان له الكثير من المتابعين[86].
في عام 1902م عُقِد مؤتمرٌ كبيرٌ للمعارضين من شتَّى الاتجاهات في باريس[87]، وكانت المداولات الفكريَّة فيه تتناول شكل الدولة بعد إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني، وظهر اتجاهان فكريَّان كبيران؛ أحدهما يتزعمه أحمد رضا، ويتبنَّى مركزيَّة الحكومة، ويدعم القوميَّة «التركيَّة» Turkish Nationalism[88]، والآخر يتبنَّاه صباح الدين، ويتبنَّى مبدأ الحكومة اللامركزيَّة؛ حيث يعطي صلاحيَّاتٍ كبيرةً للأقاليم، ويتبنَّى مبدأ «العثمانيَّة» Ottomanism لا «التركيَّة»؛ أي الانتماء للدولة العثمانيَّة كلِّها بكافَّة أعراقها لا الانتماء للعرقيَّة التركيَّة فقط، وهؤلاء يرون أن تكوين الدولة من أعراقٍ كثيرةٍ أفضل من الاعتماد على العرق التركي فقط. كان لكلِّ مدرسةٍ مؤيِّدون، وتصاعدت حدَّة الخلاف بين الفريقين حتى وصل إلى الصدام. هذا الخلاف عطَّل مسيرة المعارضة عدَّة سنوات[89].
في 1906م حدث تطوُّرٌ مهمٌّ في حركة المعارضة؛ فقد أصدر أحمد رضا كتيِّبًا صغيرًا بعنوان «الجندي.. الواجب، والمسئولية»، وكان الكتيِّب يُخاطب الجيش العثماني، ويدعوه إلى القيام بأدواره تجاه الأمَّة، وأحد هذه الأدوار هو توجيه الدولة سياسيًّا ناحية الأفضل[90]، كان من الواضح أن الكتيِّب يدفع في اتجاه إقصاء السلطان؛ حيث إنَّه -كمستبدٍّ كما وصفه الكتيِّب[91]- يمنع مشاركة الشعب في الحكم عن طريق البرلمان، كما يمنع الدستور. كان الكتيِّب مقنعًا لقطاعاتٍ كبيرةٍ من العسكريِّين الشباب، وتزايدت أعداد الضبَّاط والجنود المنضمِّين إلى جمعيَّة الاتحاد والترقي، وكان أبرز المنضمِّين هو الجيش الهمايوني الثالث، والمتمركز في مقدونيا[92][93]. -أيضًا- استجاب لهذا الفكر ضبَّاطٌ آخرون في دمشق، في مقدِّمتهم ضابطٌ صغيرٌ هو مصطفى كمال[94] (أتاتورك لاحقًا)، الذي أسَّس جمعيَّةً سرِّيَّةً أطلق عليها اسم «الوطن والحرِّيَّة»[95]، التي ما لبثت أن التحقت بالاتحاد والترقي[96].
يمكن القول: إنه في هذا الوقت صارت جمعية الاتحاد والترقي شاملةً لكلِّ أعضاء تركيا الفتاة، وقد صاروا بشكلٍ عامٍّ معروفين «بالاتحاديين» Unionists، ومن الملاحظ أن انضمام ضباط الجيش بكثرةٍ للجمعيَّة جعل قيادتها عسكريَّةً بشكلٍ كبير، وهذا هو الذي سيمضي بالخطوات «سريعة» في اتجاه التغيير. هذا سيسلمنا إلى المرحلة الأخيرة في فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني[97].
[1] العزاوي، قيس جواد: التباسات الكتابات العربية عن التاريخ العثماني: المستور في «محافظة» عبد الحميد الثاني و«حداثة» مدحت باشا، دار بدائل للطبع والنشر والتوزيع، الجيزة-مصر، الطبعة الأولى، 2018م.صفحة 43.
[2] استارجيان، ك . أ .: تاريخ الأمة الأرمنية، مطبعة الاتحاد الجديدة، الموصل، 1951م. صفحة 46.
[3] عزت، يوسف: تاريخ القوقاز، تعريب: عبد الحميد غالب، مطبعة عيسى البابي الجلبي وشركاه، القاهرة، 1352هـ=1933م. صفحة 20.
[4] Augusti, Johann Christian Wilhelm; Rheinwald, Georg Friedrich Heinrich; Siegel, Carl Christian Friedrich & Others: The Antiquities of the Christian Church, Translated and Compiled from the works of Augusti, with Numerous Additions from Rheinwald, Siegel, and Others. By Lyman Coleman, Gould, Newman & Saxton, New York, USA, 1841.., 1841, p. 466.
[5] استارجيان، 1951 صفحة 62.
[6] خانجي، انطون: مختصر تواريخ الأرمن، دير الاباء الفرنسيسكانيين، القدس، 1868م. صفحة 276.
[7] عزت، 1933 صفحة 20.
[8] أوزتونا، 1990 صفحة 2/129.
[9] بكديللي، كمال: الدولة العثمانية من معاهدة قينارجه الصغرى حتى الانهيار، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م. صفحة 1/119.
[10] أوغلو، يوسف حلاج: تهجير الأرمن 1914 – 1918 (الوثائق والحقيقة)، ترجمة: أورخان محمد علي، قدمس للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2010م. صفحة 25.
[11] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. الصفحات 696، 697.
[12] أوغلو، 2010 صفحة 36.
[13] استارجيان، 1951 صفحة 284.
[14] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م. صفحة 446.
[15] مكارثي، جستن: الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين (1821 - 1922م)، ترجمة: فريد الغزي، دار قدمس للنشر والتوزيع، (دون سنة طبع). صفحة 140.
[16] أوغلو، 2010 صفحة 38.
[17] Kirakossian, Arman J.: Introduction, In: Kirakossian, Arman J.: Introduction: The Ottoman Empire and the European Powers, The Armenian Massacres, 1894-1896: U.S. Media Testimony, Wayne State University Press, Detroit, Michigan, USA, 2004, pp. 25-26.
[18] أوغلو، 2010 صفحة 39.
[19] الشناوي، عبد العزيز محمد: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1986م. الصفحات 3/1578-1582.
[20] أوغلو، 2010 صفحة 39.
[21] استارجيان، 1951 الصفحات 307، 308.
[22] أوغلو، 2010 صفحة 39.
[23] Tucker, Spencer C. (Editor): Middle East Conflicts from Ancient Egypt to the 21st Century: An Encyclopedia and Document Collection, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2019., vol. 1, p. 11.
[24] Libaridian, 2004, p. 103.
[25] ييلافيتش، تشارلز؛ وييلافيتش، بربارا: تفكيك أوروبا العثمانية (إنشاء دول البلقان القومية) 1804 – 1920، إشراف: بيتر شوجر، دونالد تريد جولد، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار العالم الثالث، القاهرة، 2007م. صفحة 198.
[26] العظم، حقي: تاريخ حرب الدولة العثمانية مع اليونان، مطبعة الشرقي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1319هـ=1902م. الصفحات 115–212.
[27] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 صفحة 198.
[28] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 2/139.
[29] Miller, William: The Ottoman Empire and its Successors 1801 – 1927, Frank Cass & Co. LTD, London, UK, 1966., p. 437.
[30] أوزتونا، 1990 صفحة 2/138.
[31] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 صفحة 199.
[32] Miller, 1966, pp. 437-438.
[33] Kanj, Jamal Krayem: Children of Catastrophe: Journey from a Palestinian Refugee Camp to America, Garnet Publishing Ltd, Southern Court, UK, 2010., p. xiv.
[34] حلاق، حسان علي: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897 – 1909م، الدار الجامعية، بيروت، 1986م.الصفحات 78-105.
[35] شو، ستانفورد ج.: يهود الدولة العثمانية والجمهورية التركية، ترجمة وتقديم وتعليق: الصفصافي أحمد القطوري، دار البشير للثقافة والعلوم، مصر، الطبعة الأولى، 1436هـ=2015م. صفحة 334.
[36] الشناوي، 1986 الصفحات 2/974-976.
[37] مانويل، فرانك أ.: بين أميركا وفلسطين، تعريب: يوسف حنا، دار الثقافة والفنون–وزارة الثقافة والإعلام الأردنية، عمان-الأردن، 1967م. صفحة 25.
[38] حلاق، 1986 صفحة 96.
[39] علي، محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد: خطط الشام، مكتبة النوري، دمشق، الطبعة الثالثة، 1403هـ=1983م. صفحة 3/228.
[40]منسي، محمود حسن صالح: تصريح بلفور، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970م.صفحة 84.
[41] كوهين، إسرائيل: هذه هي الصهيونية، دار المعارف، القاهرة، (دون سنة طبع).الصفحات 40، 41.
[42] Stefon, Matt (Editor): Judaism: History, Belief, and Practice (The Britannica Guide to Religion), Britannica Educational Publishing, New York, USA, First Edition, 2012., p. 345.
[43] Ayalon, Yaron: The Middle East, In: Messitte, Zach P. & Grillot, Suzette R.: Understanding the Global Community, University of Oklahoma Press, Norman, Oklahoma, USA, 2013., p. 197.
[44] Kornberg, Jacques: Theodor Herzl: From Assimilation to Zionism, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, 1993., p. 13.
[45] Rose, Norman: 'A Senseless, Squalid War': Voices from Palestine; 1890s to 1948, The Bodley Head, London, UK, 2009., p. 2.
[46] Baer, Marc David: Sultanic Saviors and Tolerant Turks: Writing Ottoman Jewish History, Denying the Armenian Genocide, Indiana University Press, Bloomington, Indianapolis, USA, 2020., p. 61.
[47] الشناوي، عبد العزيز محمد: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1983م.الصفحات 3/1575، 1576.
[48] Baer, 2020, pp. 61-62.
[49] هرتزل، تيودور: يوميات هرتزل، إعداد: أنيس صايغ، تعريب: هيلدا صايغ، بيروت، 1973م، الصفحات 34-45.
[50] شو، 2015 صفحة 334.
[51] Reich, Bernard: The Founding of Modern Israel and the Arab-Israeli Conflict, In: Baskin, Judith R. & Seeskin, Kenneth: The Cambridge Guide to Jewish History, Religion, and Culture, Cambridge University Press, New York, USA, 2010., p. 260.
[52] كوهين، (دون سنة طبع)، الصفحات 47، 48.
[53] طربين، أحمد: فلسطين في خطط الصهيونية والاستعمار 1897 – 1922م، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1970م. الصفحات 56-57.
[54] الشناوي، 1986 الصفحات 2/988-990.
[55] طربين، 1970 صفحة 49.
[56] Tucker, 2019, vol. 2, p. 522.
[57] عبد الحميد الثاني: مذكرات السلطان عبد الحميد، ترجمة: محمد حرب، دار القلم، دمشق، 1412هـ=1991م. صفحة 142.
[58] هرتزل، 1973، صفحة 35.
[59] الشناوي، 1986 الصفحات 2/991-995.
[60] Elon, Amos: Herzl, Holt, Rinehart and Winston, New York, USA, 1975., pp. 400–401.
[61] أوزتونا، 1990 صفحة 2/160.
[62] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م.صفحة 596.
[63] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 صفحة 240.
[64] Dragostinova, Theodora K.: Between Two Motherlands: Nationality and Emigration among the Greeks of Bulgaria, 1900–1949, Cornell University Press, New York, USA, 2011., pp. 31-32.
[65] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 صفحة 241.
[66] Poulton, Hugh: Who are the Macedonians?, C. Hurst & Co. Publishers, London, UK, Second Edition, 2000., p. 57.
[67] أوزتونا، 1990 صفحة 2/161.
[68] Detrez, Raymond: Historical Dictionary of Bulgaria, Rowman & Littlefield Publishing Group, Lanham, Maryland, USA, Third Edition, 2015., p. 246.
[69] لويس، برنارد: ظهور تركيا الحديثة، ترجمة: قاسم عبده قاسم، سامية محمد، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2016م. صفحة 235.
[70] رامزور، ارنست أ .: تركية الفتاة وثورة 1908، قدم له وراجعه: نقولا زياده، ترجمة: صالح أحمد العلي، مؤسسة فرانكلين المساهمة للطباعة والنشر، بيروت–نيويورك، 1960م. صفحة 40.
[71] لويس، 2016 الصفحات 190، 191.
[72] طقوش، محمد سهيل: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، دار النفائس، بيروت، الطبعة الثالثة، 1434هـ=2013م. صفحة 507.
[73]لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م. صفحة 394.
[74] رامزور، 1960 الصفحات 54-65.
[75] الخالدي، محمد روحي: أسباب الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة، عني بتصحيحها: السيد حسين وصفي رضا، مكتبة المنار، القاهرة، 1326هـ=1908م. الصفحات 123-127.
[76] رامزور، 1960 الصفحات 55، 56.
[77] الخالدي، 1908 الصفحات 51، 52.
[78] علي، أورخان محمد: السلطان عبد الحميد الثاني.. حياته وأحداث عهده، إسطنبول، الطبعة الرابعة، 2008م. الصفحات 213، 214.
[79] لويس، 2016 الصفحات 245، 246.
[80] أوزتونا، 1990 صفحة 2/170.
[81] رامزور، 1960 صفحة 47.
[82] بيهم، محمد جميل: فلسفة التاريخ العثماني، بيروت، 1954م.صفحة 2/165.
[83] لويس، 2016 صفحة 249.
[84] آصاف، 1995 صفحة 135.
[85] رامزور، 1960 صفحة 84.
[86] Bozarslan, Hamit: Le Prince Sabahaddin (1879-1948), Revue Suisse d'histoire = Schweizerische Zeitschrift für Geschichte = Rivista storica svizzera, Schwabe Verlag, Basel, Switzerland, Volume 52, Issue 3, 2002., pp. 287–301.
[87] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 452.
[88] رامزور، 1960 صفحة 99.
[89] Özavcı, Hilmi Ozan: Intellectual Origins of the Republic: Ahmet Ağaoğlu and the Genealogy of Liberalism in Turkey, Brill, Leiden, Netherlands, 2015., p. 17.
[90] ﭼورﭼو، فرانسوا: النزاع الأخير (1878 - 1908)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م. الصفحات 2/233، 234.
[91] طقوش، 2013 صفحة 509.
[92] رامزور، 1960 صفحة 117.
[93] Akmeșe, Handan Nezir: The Birth of Modern Turkey: The Ottoman Military and the March to World War I, I.B. Tauris & Co Ltd, London, UK, 2005., pp. 50-51.
[94] لويس، 2016 صفحة 252.
[95] إسماعيل، محمد صادق: التجربة التركية... من أتاتورك إلى أردوغان، العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013م .صفحة 93.
[96] Karabekir, Kâzım: İttihat ve Terakki Cemiyeti 1896-1909 (In Turkish), Haz: Faruk Özerengin, Emre Yayınları, İstanbul, Turkey, 1994., p. 322.
[97] انظر: دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 1157- 1169.
التعليقات
إرسال تعليقك