المسلمون الجدد
قصة هداية ورشاد
قصص المسلمين الجدد مثيرة للغاية وتبعث على التأمل والتفكر، وتؤكد هذه القصص بما لا يدع مجالًا للشك أن الدين عند الله الإسلام، وأن الإسلام هو الحق وهو دين الفطرة، ومهما حاول أعداء الإسلام إطفاء نوره فلن يستطيعوا؛ إذ الله متم نوره ولو كره الكافرون، وقصص المسلمين الجدد أكبر شاهد على ذلك، وهذه البوابة ترصد المسلمين حديثي الدخول في الدين من الديانات والملل الأخرى، سواء كانوا مشاهير من سايسيين الرياضيين أو فنانين أو علماء أو مفكرين أو شخصيات عامة، تعرض قصة إسلامهم، كيف تعرفوا على الإسلام؟ ولم اعتنقوه؟ وما العوائق التي قابلتهم في رحلة الهداية.
ملخص المقال
كان عبد الله الترجمان قبل إسلامه قسيسًا من جزيرة ميورقة، وهي إحدى جزر البليار التي تتبع حاليًّا دولة إسبانيا، ثم قَدِم تونس وأسلم.
القس إنسِلم تُورميدَا
(عبد الله بن عبد الله الترجمان الميورقي)
Anselm Turmeda
(Abd-Allah at-Tarjuman)
كان عبد الله الترجمان (1355- 1423م) قبل إسلامه قسيسًا من جزيرة ميورقة، وهي إحدى جزر البليار التي تتبع حاليًّا دولة إسبانيا، ثم قَدِم تونس في زمن أبي العباس المستنصر أحمد (772-796هـ= 1370-1394م) حاكم الدولة الحفصية، وأسلم، وولَّاه المستنصر قيادة البحر بالديوان، وبعد إتقانه اللغة العربيَّة صار يترجم من الإيطالية والفرنسية إلى العربية.
قصَّة إسلامه:
ذكر عبد الله الترجمان بنفسه قصَّة إسلامه في الفصل الأوَّل من كتابه «تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب» (والأريب تعني العاقل)، حيث ذكر أنَّه من جزيرة ميورقة، وأنَّ والده كان محسوبًا من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولدٌ غيره، ولما بلغ ست سنواتٍ من عمره أرسله إلى معلم القسيسين، فقرأ عليه الإنجيل حتى حفظ أكثر من شطره (نصفه) في مدَّة سنتين، ثم أخذ في تعلُّم لغة الإنجيل وعلم المنطق مدَّة ست سنوات، ثم ارتحل من ميورقة إلى مدينة لاردة من أرض القطلان (بالقرب من مدينة برشلونة)، وهي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، وتعلم فيها لمدَّة ست سنوات أخر، ثم تصدَّر فيها يقرأ الإنجيل ولغته ملازمًا ذلك مدَّة أربع سنوات، ثم ارتحل إلى مدينة بانولية من أرض الأنبرية (إحدى مدن إسبانيا الحاليَّة)، وهناك عمل في خدمة قسيس كبير في السن والمقام لديهم، وخدم عنده عشر سنوات، وأطلعه ذلك القسيس على حقيقة وجود اسم النبيِّ محمد ﷺ في الإنجيل، وتبشير عيسى عليه السلام به.
فقرَّر عبد الله الترجمان الإسلام بعد معرفته الحق، فعزم على الذهاب لأراضي المسلمين، فرجع إلى مدينته ميورقة، ومنها انتقل إلى جزيرة صقلية، حيث ظلَّ منتظرًا مراكب تحمله إلى بلاد المسلمين، وبالفعل انتقل إلى تونس، وهناك التقى بالسلطان الحفصي أبي العباس المستنصر أحمد (772-796هـ= 1370-1394م) حاكم الدولة الحفصية، وأعلن إسلامه.
وممَّا يدلُّ على عناد أهل الكتاب على الرغم من معرفتهم بحقيقة رسالة النبيِ محمد ﷺ ما ذكر عبد الله الترجمان عند سماعهم نبأ إسلامه، حيث ذكر وهو في مجلس السلطان الحفصي بعد إسلامه: «قلت (أي عبد الله الترجمان) للترجمان، قل لمولانا السلطان: إنه لا يخرج أحد من دينٍ إلَّا ويكثر أهله القول فيه، والطعن عليه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم وتسألوهم عني، وتسمع ما يقولون في غيابي، وحينئذٍ أُسلم (إن شاء الله).
فقال لي بواسطة الترجمان أنت طلبت كما طلب عبد الله بن سلام من النبيِّ ﷺ حين أسلم.
ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم، وأدخلني في بيتٍ قريبٍ من مجلسه، فلمَّا دخل النصارى عليه، قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قَدِم في هذا المركب؟ قالوا: يا مولانا، هذا عالمٌ كبيرٌ في ديننا، وقال مشايخنا: ما رأينا أعلى منه درجةً في العلم والدين في ديننا»، فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟ فقالوا: نعوذ بالله من ذلك، هو ما يفعل ذلك أبدًا..
فلمَّا سمع ما عند النصارى بعث إليَّ فحضرتُ بين يديه وتشهَّدت بشهادة الحقِّ بمحضر النصارى، فكُبُّوا على وجوههم، وقالوا ما حمله على هذا إلا حب التزويج، فإن القسيس عندنا لا يتزوج، فخرجوا مكروبين محزونين، فرتب لي السلطان رحمه الله كلَّ يومٍ ربع دينار، وأسكنني في دار المختص، وزوَّجني بنت الحاج محمد الصفار.
فلمَّا عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبًا وكسوة جديدة كاملة، فابتنيت بها، وُولد لي منها ولد سمَّيته محمدًا على وجه التبرك باسم نبيِّنا محمد ﷺ[1].
[1] عبد الله الترجمان الأندلسي (إنسلم تورميدا): تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، تقديم وتحقيق وتعليق: محمود علي حماية، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة، 1992م، ص15، ص37-48.
التعليقات
إرسال تعليقك