الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
في ذي القعدة من العام السابع الهجري خرج الرسول ﷺ مع أصحابه إلى مكة لأداء العمرة، وسُمِّيت هذه العمرة بعمرة القضاء.
عمرة القضاء:
في ذي القعدة من العام السابع الهجري خرج الرسول ﷺ مع أصحابه إلى مكة لأداء العمرة، وسُمِّيت هذه العمرة بعمرة القضاء؛ لأنَّها قضاءً عن عمرة الحديبية، وفيها تحقَّق وعد الله لرسوله ﷺ وصحابته بدخول المسجد الحرام آمنين؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح: 27].
أخلى أهل مكة البلد وتركوها إلى الجبال المحيطة يراقبون المسلمين من بعيد، ودخل المسلمون مكة الخالية لمدَّة ثلاثة أيَّام، وكان أوَّل أعمالهم فيها أداء العمرة؛ كان المشركون قد أشاعوا أن المسلمين ضعفوا نتيجة تغيُّر البيئة في المدينة، فأراد الرسول ﷺ أن يكشف للكفار عن قوَّة أجساد المسلمين، فأمر الصحابة بكشف الكتف الأيمن في الطواف لإظهار الجسد القوي، وأمرهم كذلك بالرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، والرَّمَل هو الجري الخفيف، وهو كالمشية العسكريَّة؛ فهو يُبرز اللياقة البدنيَّة عند المسلمين. كانت هذه رسالةً نفسيَّةً مهمَّة بعثها الرسول ﷺ إلى أهل مكة، وقد أصابت هدفها، وتناقل المشركون الأخبار عن قوَّة المسلمين!
مرَّت العمرة بهدوء دون أيِّ تصعيد؛ بل شهدت أجواءً مبهجة؛ إذ تزوَّج الرسول ﷺ في هذه الرحلة من ميمونة بنت الحارث الهلاليَّة ل، وهي أخت لبابة الكبرى الشهيرة بأم الفضل ل زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ الرسول ﷺ، الذي كان لا يزال مشركًا على الأغلب، وكان العباس وليًّا عن ميمونة ل في هذا الزواج.
كانت هذه العمرة، بهذا الاستقرار الملحوظ، ثمرةً من ثمرات صلح الحديبية الذي كان المسلمون يرفضونه! أدرك المسلمون يقينًا معنى الكلمة العميقة التي قالها رسول الله ﷺ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلح الحديبية ردًّا على اعتراض الصحابة على بنوده: «يَا ابْنَ الخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا»[1][2].
[1] البخاري: أبواب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر، (3011)، عن سهل بن حنيف t، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية، (1785).
[2] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص389، 390.
التعليقات
إرسال تعليقك