الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
خرج الرسول إلى حرب هوازن يقود اثني عشر ألف مقاتل، وهو أكبر عددٍ يُقاتل به المسلمون حتى هذه اللحظة. التقى المسلمون وكفار هوازن في وادي حنين.
غزوة حُنَيْن:
قام مالك بن عوف النصري زعيم هوازن بتجميع معظم بطون القبيلة في حربٍ شاملةٍ ضدَّ المسلمين، وأمر الجيش بإحضار نسائهم وأولادهم وأموالهم لتُوضَع خلفهم في المعركة لتحفيز الجنود على الثبات. خرج الرسول ﷺ إلى حرب هوازن يقود اثني عشر ألف مقاتل، وهو أكبر عددٍ يُقاتل به المسلمون حتى هذه اللحظة. التقى المسلمون وكفار هوازن في وادي حنين، وللمرَّة الأولى في تاريخ المسلمين يَغْتَرُّ المسلمون بأعدادهم، وحسبوا أنَّ العدد ينفعهم ويمنع عنهم الهزيمة، ولم يَرُدُّوا الأمر إلى الله تعالى، فحدث ما لم يكن متوقَّعًا قطُّ من هذا الجيل؛ إذ فرَّ جُلُّ الجيش عند الصدام مع المشركين، ولم يثبت مع رسول الله ﷺ إلَّا مائةٌ فقط!
ثبت رسول الله ﷺ ثباتًا عجيبًا، وأمر العبَّاس أن يُنادي على أهل بيعة الرضوان، فنادى عليهم فثابوا إلى رسول الله ﷺ، وعلم المسلمون أنَّ اغترارهم بالعدد كان السبب في هزيمتهم فرجعوا إلى إيمانهم، ولجئوا إلى ربِّهم، فتاب عليهم وأيَّدهم؛ ومِنْ ثَمَّ عادوا إلى القتال الحاسم، وما هي إلَّا لحظات حتى حقَّقوا النصر المبين، وهُزِم العدو، وفرُّوا من أرض القتال، ومعهم زعيمهم مالك بن عوف، تاركين وراءهم كلَّ ما يملكون من مال ونساء وذريَّة، فغَنِم المسلمون ما لم يغنموه في حياتهم كلِّها! كان فرار جُلِّ المشركين إلى مدينة الطائف، بينما فرَّ بعضهم إلى وادٍ قريبٍ اسمه أوطاس.
وَثَّق الله هذه المعركة في كتابه فقال:﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ` ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ` ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 25 - 27].
جمع المسلمون الغنائم والسبي ولكن لم يُقسِّمه رسول الله ﷺ على الفور؛ إنَّما أجَّله لحين الانتهاء من أمر قبيلة هوازن التي فرَّت من أرض القتال إلى وادي أوطاس والطائف.
سرية أوطاس:
بعث رسول الله ﷺ سريَّةً من حنين إلى وادي أوطاس لتتبُّع الفارِّين من هوازن، وكانت السريَّة بقيادة أبي عامر الأشعري، وحقَّقت السريَّة نجاحًا كبيرًا، وقتلت دريد بن الصمَّة، وهو الشيخ الكبير الذي كان يتزعم هذه المجموعة. كان هذا الانتصار على حساب استشهاد قائد المسلمين أبي عامر الأشعري [1].
[1] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص397- 400.
التعليقات
إرسال تعليقك