الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
من المبادئ التي قامت عليها حضارة الإسلام، أنها جمعت بين حاجة الجسم وحاجة الروح، وقد وردت نصوص نبوية كثيرة تفتح المجال أمام المسلمين ليتعلموا الطب.
من المبادئ التي قامت عليها حضارة الإسلام، أنها جمعت بين حاجة الجسم وحاجة الروح، واعتبرت العناية بالجسم ومطالبه ضرورية لتحقيق سعادة الإنسان، ومع أنه ليس من مهمات الأنبياء عليهم السلام أن يعلِّموا الناس الطب، ولا القيام بإيضاح العلوم الكونية؛ حيث إن ذلك متروك لجهود البشر وتجاربهم وأبحاثهم العلمية، إلا أنه قد وردت نصوص نبوية بيِّنة تفتح المجال أمام المسلمين ليتعلموا الطب، وليتمرَّسوا فيه، وتهيئ لهم الطريق ليصحِّحوا المسار ويستفيدوا من سابقيهم والنابغين في ذلك المجال.
فإذا كان الرسول قد أوضح أن الأمور الكونية تستند إلى علوم لا تدخل في مهمة رسالته، فإنه كان يشمل هذه الأمور بالتوجيه الخُلُقي الإنساني الرباني، حتى تستخدم لمنفعة الإنسان وصالح الإنسانية ضمن الإطار الأخلاقي، وقد قال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ»[1].
ولعل من النصوص النبوية البارزة في التطبُّب وممارسة الطب التجريبي العلمي، ما رواه جابر عن رسول الله أنه قال: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[2].
وروى أسامة بن شريك قال: قال رسول الله: "تَدَاوَوْا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يَضَعْ دَاءً إلا وضع له دَوَاءً غيرَ داءٍ واحدٍ الهرَمُ"[3].
وعن ابن مسعود أن رسول الله قال: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"[4].
وكان الرسول يأمر بالعلاج والتداوي، وكان يأمر بالأمهر والأتقن في صنعة الطب، وقد روى الإمام مالك أن رجلًا من الصحابة أصيب بجرح، فدعا النبي رجلين من بنى أنمار فنظروا إليه، فسألهما رسول الله: أيُّكُمَا أَطَبُّ (أي أمهر في الطب)؟ فقالا: أوَ في الطب خيرٌ يا رسول الله؟ فقال: "أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الأَدْوَاءَ" يعني الله[5].
ولذلك كان الحكم على من عالج مريضًا فأذاه ولم يكن معروفًا عن هذا المعالِج أنه ماهرٌ بالطب متمرسٌ فيه، فإنه يتحمل المسئولية عن ذلك، بينما لا يقع ذلك الحكم على الطبيب الذي عُرف عنه الإتقان والمهارة في صنعته.. فروى عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ»[6].
وقد أمر الرسول أن يعالَج سعد بن معاذ عند الصحابية الجليلة رفيدة؛ لأنها ماهرة بالطب، مع أن البيئة في ذلك الوقت لم تكن بعدُ ألفت معالجة المرأة للرجال، ولكن لعلمها بالطب وإتقانها له كانت لها هذه المكانة السامية.
كما أمر الرسول سعد بن أبي وقاص أن يأتي الحارث بن كلدة، الطبيب العربي المعروف -وهو من قبيلة ثقيف- ليعالَج عنده، مع أن هذا الطبيب لم يثبت إسلامه بعدُ.. ولكن لإتقانه لحرفته وصنعته ومهارته فيها، قَبِل رسول الله أن يعالَج عنده المسلم، وهذا وقد عُرف عن رسول الله التداوي بالعسل والتمر والأعشاب الطبيعية، وغيرها مما عُرف بـ"الطب النبوي"[7].
[1] مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي، (2363).
[2] مسلم: كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي (2204).
[3] أبي داوود: كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى (3855).
[4] أحمد (399).
[5] الإمام مالك: الموطأ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1406هـ= 1985م، 2/ 944.
[6] أبي داوود: كتاب الديات، باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت، (4586).
[7] دكتور راغب السرجاني: قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، ص15، 16.
التعليقات
إرسال تعليقك