التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أدرك محمد الثاني أن القسطنطينية هي أخطر الجيوب الموجودة في دولته، ولا تسقط بمجرَّد الحصار، فلا بُدَّ إِذَنْ من اقتحامها اقتحامًا حتى تسقط.
يُعَدُّ تولِّي محمد الثاني قيادة الدولة العثمانية أحد أكبر النقلات النوعيَّة في تاريخ الدولة العثمانيَّة؛ بل في تاريخ المسلمين؛ بل لا نُبالغ إن قلنا: إنَّ تولِّيه القيادة كان نقلةً نوعيَّةً في تاريخ العالم بأسره؛ وذلك لأنَّ التغييرات التي حدثت في عهده في أوروبا والعالم كان لها من الآثار ما استمرَّ عدَّة قرون، ومنها ما زال مستمرًّا إلى الآن..
لم يكن من السهل قط أن يتسلَّم شابٌّ في التاسعة عشرة من عمره -مهما كان نابهةً أو نابغة- حُكْمَ دولةٍ مترامية الأطراف كالدولة العثمانيَّة، خاصَّةً مع وجود شبكةٍ كبيرةٍ معقَّدةٍ من العلاقات الخارجيَّة مع عدَّة دولٍ في العالم، وكذلك على المستوى الداخلي مع عدَّة أعراقٍ ومللٍ داخل الدولة، ومع ذلك فمِنَ الواضح أنَّ محمدًا الثاني قد بدأ حكمه بحماسةٍ كبيرةٍ جعلته مُقْبلًا بشكلٍ رائعٍ على مواجهة هذه التحدِّيَّات دون وجلٍ أو اضطراب، ولقد أحسن المؤرِّخ الإنجليزي استيڤين رنسيمان Steven Runciman وصف السلطان عند بداية حكمه بقوله: «كان ذا طاقة وإقدام وقدرة لا تحدها حدود»[1].
وأفضل ما رأيناه من محمد الثاني عند ولاية الأمر أنَّه كان مرتَّبًا في خطواته، منظَّمًا في فكره، فكانت تحرُّكاته منطقيَّة، واختياراته واقعيَّة، فلم يَسْعَ إلى حلِّ كلِّ المشكلات التي واجهته دفعةً واحدة؛ إنَّما حصرها في البداية، ثم حدَّد أولويَّاته، فتعامل مع الأهم ثم المهم، وأجَّل حلَّ مشاكل أخرى إلى حين، ومن هنا نجح في إجراءاته بشكلٍ لافتٍ للنظر.
ومع أنَّ مرادًا الثاني بذل جهدًا كبيرًا في تسليم ابنه دولةً مستقرَّةً فإنَّ دولةً بهذا الحجم والقدر لا يُمكن أن تخلو من مشكلات، وأحسب أنَّ السلطان محمدًا الثاني قام بحصر هذه المشكلات في بداية حكمه، فكانت فيما أعتقد ثلاثًا:
المشكلة الأولى كانت انقسام الدولة إلى قسمين يختلفان عن بعضهما تمام الاختلاف، ممَّا يُعطيها شكل الدولتين المتَّحدتين في دولةٍ واحدة، وهذا لا شكَّ يُضعف الكيان العام للدولة، وأعني بهما القسم الآسيوي المتمثِّل في الأناضول، والقسم الأوروبي المتمثِّل في البلقان، كأنَّ البحر الذي يفصل بين القسمين قد جعل لكلِّ واحدةٍ منهما خصوصيَّةً مختلفة تمامًا عن الأخرى، ولعلَّ أهمَّ هذه الاختلافات هو اختلاف الديموجرافيَّة السكانيَّة؛ فقسم الأناضول يكتظُّ بالمسلمين، وهم يُمثِّلون النسبة الأكبر من السكان؛ بينما يندر وجود المسلمين في القسم الأوروبي؛ فقد ذكرت بعض المصادر الموثوقة أنَّ عدد النصارى في البلقان طبقًا لإحصائيَّة في السنوات (1520-1530م) بلغ 80.7%[2]، وهذا يعني أنَّه في هذه المرحلة التاريخيَّة، أعني 1451م، قد يتجاوز عدد النصارى في هذا القسم 90%، ويختلف القسمان كذلك في التاريخ؛ فالإسلام متجذِّرٌ في القسم الآسيوي منذ ما يقرب من أربعة قرون، بينما عُمْر الإسلام في القسم الأوروبي هو قرن واحد فقط، كما يختلف القسمان في الجغرافيا؛ حيث تُعَدُّ الطبيعة الجغرافيَّة في البلقان أصعب بكثيرٍ من مثيلتها في الأناضول؛ وذلك لكثرة الموانع الطبيعيَّة فيه من جبال وأنهار وبحيرات، ممَّا يجعل السيطرة عليه صعبة للغاية.
كان وجود قسمين بهذا الاختلاف في الدولة يُعرِّضها لخطر الانفصال والشقاق، خاصَّةً أنَّ هناك فاصلًا جغرافيًّا صعبًا يفصل القسمين، وهو متمثِّلٌ في بحر مرمرة ومضيقي الدردنيل والبوسفور، كما أنَّ هناك فاصلًا أخطر من فاصل المضايق البحريَّة، وهو فاصل مدينة القسطنطينية الحصينة، التي تُمثِّل حجر عثرة كبير يعوق اتِّحاد القسمين بشكلٍ طبيعي، خاصَّةً أنَّ القسطنطينية تُمثِّل معقل الدولة البيزنطية، وكذلك معقل الأرثوذكسية في المنطقة؛ بل في العالم، وهذا يُعطيها قوَّةً معنويَّةً تُؤكِّد انفصال الجزأين الآسيوي والأوروبي من الدولة العثمانيَّة.
كانت هذه هي المشكلة الأولى التي رصدها محمد الثاني في دولته عند تَسَلُّم الحكم.
أمَّا المشكلة الثانية فهي وجود جيوب خَطِرة في دولته تُمثِّل ثغرات يُمكن أن يُسدِّد منها الأعداء عدَّة طعناتٍ للدولة العثمانيَّة:
الجيب الأوَّل والأخطر في هذه الجيوب هو ما ذكرناه في النقطة السابقة، وهو مدينة القسطنطينية، التي أصبحت كالجزيرة النصرانية في وسط البحر العثماني المسلم، فلا يُمكن أن يتوفَّر الأمن والأمان للدولة في ظلِّ وجود هذا الكيان العسكري الخَطِر في وسطها، خاصَّةً مع وجود تاريخٍ طويلٍ من العداء بينها وبين المسلمين يتجاوز ثمانية قرون، فوق أنَّها تُمثِّل القيادة السياسيَّة لليونانيِّين والمقدونيِّين وغيرهم من أتباع الدولة البيزنطيَّة على مرِّ العصور، بالإضافة إلى ثرائها، وقوَّة اقتصادها، وقدرتها على المطاولة في الحصار لشهورٍ بل لسنوات.
أمَّا الجيب الثاني فهو بلقانيٌّ كذلك، وهو جيب اليونان؛ فمع أنَّ العثمانيِّين سيطروا على شمال شرق اليونان منذ السنوات الأولى لوجودهم في أوروبا، فإنَّ معظم اليونان -خاصَّةً الجزء الجنوبي- لم يزل في أيدي البيزنطيِّين والبنادقة. نعم يدفع البيزنطيُّون الآن الجزية للدولة العثمانيَّة، ونعم تعقد البندقية معاهدة تجاريَّة معها؛ لكن عدم وجود حكم عثمانيٍّ مباشر لهذه المنطقة يجعلها خطرة بشكل كبير، خاصَّةً مع طبيعتها الجغرافيَّة الوَعِرَة للغاية؛ حيث تتألَّف من مئات بل آلاف الجزر الجبليَّة الصعبة، ولا تخفى أهميَّتها الاستراتيجيَّة من حيث السيطرة على مداخل المضايق المؤدِّية إلى البحر الأسود، وسيطرتها على حركة الملاحة في شمال شرق البحر المتوسط.
لقد ظلَّت اليونان أحد أخطر الجيوب في الدولة العثمانيَّة في كلِّ تاريخها.
وأمَّا الجيب الثالث فهو جيب ألبانيا؛ وقائدُها المتنصر إسكندر بك، والذي يُمثِّل تهديدًا مباشرًا لغرب الدولة العثمانيَّة، بالإضافة إلى تلقِّيه الدعم من أوروبا الغربية.
وأمَّا الجيب الرابع فهو أناضولي، ويتمثَّل في مملكة طرابزون الواقعة في شمال شرق آسيا الصغرى، وهي مملكة، تابعة للدولة البيزنطيَّة، ومطلَّة على البحر الأسود؛ لذا فهي تُمثِّل دعمًا قويًّا للقسطنطينية عن طريق البحر، كما أنَّها تُمثِّل تهديدًا مباشرًا للأملاك العثمانيَّة الإسلاميَّة في الأناضول.
أمَّا الجيب الخامس والأخير في الدولة العثمانيَّة آنذاك فهو الإمارة القرمانيَّة المسلمة في جنوب الوسط من الأناضول، وهي مع كونها مسلمة فإنَّها كانت دائمة الانتقاض والصراع مع الدولة العثمانيَّة، وكان محمد الثاني يعلم أنَّ بقاءها هادئة دون صراعٍ هو أمرٌ مؤقَّتٌ لن يلبث إلَّا قليلًا، وأنَّهم على أتمِّ الاستعداد لقلب نظام حكمه، ولو بالتعاون مع النصارى، أو الإيرانيين، أو غيرهم.
هذه هي الجيوب الخمسة الخَطِرة في دولة محمد الثاني، وكلُّها تحتاج إلى وقفاتٍ حاسمة..
أمَّا المشكلة الثالثة الكبرى التي واجهت محمدًا الثاني عند ولايته فهي كثرة أعدائه، وتنوُّع توجُّهاتهم وأهدافهم وأيديولوجيَّاتهم؛ فالدَّولة العثمانيَّة دولةٌ جهاديَّة اصطدمت في تاريخها مع أعداء كُثُر، وهذا خَلَق لها تنوُّعًا عجيبًا من الصراعات كان على محمد الثاني أن يُواجهها جميعًا..
ويُمكن لنا في عُجالة أن نطَّلع على قائمة هؤلاء الأعداء، وسنأتي للتفصيل عند حدوث صدامٍ مع أيٍّ من هؤلاء..
في مقدِّمة هؤلاء الأعداء الإمبراطور البيزنطي قُسطنطين الحادي عشر Constantine XI Palaiologos، الذي كان يتحلَّى بشجاعةٍ كبيرة، ورغبةٍ في الحفاظ على ما تبقَّى من إمبراطوريَّته العظمى.
ثانيًا: يلحق بهذا الإمبراطور إمبراطورٌ بيزنطيٌّ آخر هو چون الرابع إمبراطور طرابزون John IV of Trebizond، الذي كانت تُراوده أحلامٌ كبرى في إقصاء العثمانيِّين من الأناضول.
ثالثًا: يلحق بالإمبراطورين السابقين كذلك ديمتريوس وتُوماس حاكما المورة اليونانيَّان التابعان للدولة العثمانيَّة؛ فهما وإن كانا يدفعان الجزية فإن احتمال وقوفهم إلى جوار القسطنطينية في حال صدامها مع العثمانيِّين أمر وارد جدًّا، خاصَّة أن إمبراطور بيزنطة هو شقيقهم!
رابعًا: مملكة المجر بكلِّ تاريخها العدائي مع الدولة العثمانيَّة، وبكلِّ أطماعها في البلقان، خاصة مع قيادة چون هونيادي المجروح من العثمانيين مرتين: في ڤارنا وكوسوڤو.
خامسًا: جمهوريَّة البندقية صاحبة أقوى الأساطيل البحريَّة آنذاك، والمسيطرة على عدَّة جزر ومدن في اليونان، وعلى سواحل دالماسيا Dalmatia الكرواتيَّة، وهي تُمثِّل بذلك حصارًا جنوبيًّا وغربيًّا للدولة العثمانيَّة.
سادسًا: جمهوريَّة چنوة الإيطاليَّة، وهي وإن كانت أضعف من البندقية، فإنَّها تتميَّز بوجود علاقاتٍ قويَّةٍ مع الدولة البيزنطيَّة تجعلها تُمثِّل خطرًا داهمًا على العثمانيِّين، بالإضافة إلى قوَّة أساطيلها، وثرائها الاقتصادي، واحتلالها لبعض الموانئ الخَطِرَة في البحر الأسود.
سابعًا: فرسان القديس يوحنا The Order of Saint John (Knights Hospitaller) المتمركزون في جزيرة رودس القريبة، وتاريخهم العدائي للمسلمين طويلٌ وخَطِر.
ثامنًا: مملكة صربيا بقيادة برانكوڤيتش، وهي إمارةٌ مجروحة تعرَّضت لعدَّة هزائم من الدولة العثمانيَّة قضت على طموحاتها في التوسُّع في البلقان، وقد تسعى لإعادة الظهور على الساحة الأوروبية بعد وفاة مراد الثاني وولاية الشاب محمد الثاني.
تاسعًا: إسكندر بك حاكم ألبانيا المتنصِّر، الذي لم يتمكَّن مراد الثاني من قمع تمرُّده، مع أنَّه حاول ذلك عسكريًّا ودبلوماسيًّا غير مرَّة.
عاشرًا: حكَّام الإفلاق دائمو التمرُّد على الدولة العثمانيَّة.
حادي عشر: وفوق هذه القوى الأوروبية الشرقيَّة هناك أوروبا الغربيَّة بكلِّ دولها المعادية للمسلمين، والمتمثِّلة في دول فرنسا، وإنجلترا، وإسبانيا، وممالك إيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وغيرها. نعم هدأت هذه الجبهة بعد هزيمتهم في ڤارنا عام (848هـ=1444م)؛ أي قبل تولِّي محمد الثاني الحكم بسبع سنوات؛ ولكنَّهم قد يُفكِّرون في إعادة الكَرَّة بالهجوم على العثمانيِّين إنْ وَجَدوا فيهم ضعفًا.
أضف إلى كلِّ هؤلاء الأعداء عدوًّا خطرًا من المسلمين! وهو إبراهيم بك زعيم إمارة قرمان، دائمة الانقلاب والتمرُّد، وعلى الأغلب سيكون من أوائل من يُفَكِّر بالتمرُّد على محمد الثاني فور ولايته لقناعته بصغر سِنِّهِ، وقلَّة خبرته.
كانت هذه مجموعة ضخمة من الأعداء كلُّها يتربَّص بمحمد الثاني، وكان عليه أن يُواجهها جميعًا.. قد يُساعده اختلاف توجُّهاتهم وأهدافهم ممَّا قد يعوق تعاونهم، إلَّا أنَّه في النهاية سيُواجه عددًا كبيرًا من القوى، وهو لا يحتاج فقط إلى قوَّة السلاح وكثرة الجيوش؛ إنَّما يحتاج في المقام الأوَّل إلى عزيمةٍ قويَّة، ودهاءٍ عسكريٍّ وسياسي، ومهاراتٍ دبلوماسيَّة، حتى يتمكَّن من التعامل مع هذه الملفات الخَطِرة.
هذه هي أكبر المشكلات التي واجهت محمدًا الثاني عند ولايته، ولا شَكَّ أنَّ هناك مشاكل أخرى كثيرة على المستوى العسكري، والسياسي، والاجتماعي، والاقتصادي؛ ولكن بروز هذه المشكلات الكبرى يجعله يسعى إلى ترتيب الأولويَّات بشكلٍ حاسمٍ حتى يستطيع أن يتعامل معها بشكلٍ يحفظ كيان الدولة الكبيرة.
ماذا فعل محمد الثاني؟!
لقد كان محمد الثاني محدَّدًا جدًّا في أهدافه؛ ولذلك اختار من هذه المشكلات الكثيرة مشكلة واحدة قرَّر حلَّها في البداية، معتقدًا -وكان اعتقاده صحيحًا- أنَّ الانتهاء منها سيفتح له الباب واسعًا لحلِّ بقيَّة المشكلات، وأعني بها: فتح القسطنطينية.
لقد أدرك محمد الثاني أنَّ القسطنطينية هي أخطر الجيوب الموجودة في دولته؛ لأنَّها مدينة حصينة، ولا تسقط بمجرَّد الحصار؛ فهي تستطيع أن تعيش لسنواتٍ طويلةٍ دون مدد لوجود الماء والغذاء بداخلها، فلا بُدَّ إِذَنْ من اقتحامها اقتحامًا حتى تسقط، وكانت المدينة تُسبِّب له ضغطًا رهيبًا لا يستطيع تجاهله، فهي التي تفصل قسمي دولته عن بعضهما البعض، ولا أمل في دمج القسمين بشكلٍ طبيعيٍّ إلَّا بعد سقوطها في يده، كما أنَّ المدينة تُمثِّل رمزًا دينيًّا مهمًّا لدى نصارى البلقان ممَّا يحفظ لهم نشاطًا ثوريًّا دائمًا قد يُهدِّد الدولة العثمانيَّة، وسقوط المدينة سوف يهبط بالروح المعنويَّة للأعداء إلى أدنى المستويات، كما أنَّ القسطنطينية تُعَدُّ محطَّة متقدِّمة من محطَّات القتال قد يستعين بها الأوروبيُّون الغربيُّون عند التفكير في غزو العالم الإسلامي، وقد حدث هذا قبل ذلك بعدَّة قرون عند الحروب الصليبيَّة، خاصَّةً في الحملة الأولى؛ حيث تعاون الصليبيُّون الغربيُّون مع القسطنطينية في اقتحام آسيا الصغرى ثم الشام[3][4]، وفوق كلِّ ذلك فإنَّ القسطنطينية كانت تُمثِّل مأوًى دائمًا لكلِّ متمرِّدٍ على الدولة العثمانيَّة، وما أكثر المتمرِّدين الذين يلجئون إلى الإمبراطور البيزنطي لحمايتهم في مدينته الحصينة بعد فشل تمرُّدهم؛ بل كثيرًا ما يستخدم الإمبراطور البيزنطي هؤلاء المتمرِّدين لمساومة السلطان العثماني على بعض المصالح والشروط، وكان محمد الثاني يعلم أنَّ الإمبراطور البيزنطي يستضيف في بلاده أميرًا عثمانيًّا اسمه أورخَان، وقد اختلف المؤرِّخون في نسبه[5][6][7]؛ ولكن المهم أنَّه كان يُهدِّد بإطلاقه للمطالبة بالعرش العثماني، وإحداث فتنةٍ في الدولة العثمانيَّة، وهذا أمرٌ ممكنٌ ومتوقَّع؛ بل حدث في حياة أبي محمد الثاني؛ حين أطلق الإمبراطور البيزنطي آنذاك الأمير مصطفى، وهو أخو السلطان محمد چلبي، وعمُّ السلطان مراد الثاني؛ وذلك لإحداث صراعات في الدولة العثمانيَّة، وقد حدثت بالفعل فتنةٌ كبيرة، انتهت بإعدام الأمير مصطفى عام 1422م وإنهاء الفتنة[8]، ولا يضمن محمد الثاني أن يتكرَّر السيناريو المرُّ نفسه، وتتفاقم الأحداث.
وينبغي ألَّا ننسى أنَّه عند صعود محمد الثاني للحكم علا نجم أولئك العسكريِّين الذين كانوا متحمِّسين لفتح القسطنطينيَّة في فترة حكم محمد الثاني الأولى، وهم: شهاب الدين شاهين، وزاجانوس باشا، وتوراهان بك. وهؤلاء كانوا مقتنعين بضرورة فتح القسطنطينيَّة عسكريًّا، أمَّا الصدر الأعظم خليل باشا جاندرلي فإنَّه مع بقائه في منصبه، فإنَّ تأثيره على محمد الثاني صار أقل[9]، وصار دفعه للسلام مع القسطنطينيَّة غير مؤثِّرٍ في حركة الدولة.
ومن المهمِّ أن نُلاحظ الفرق بين مشروع فتح القسطنطينيَّة الآن، والمشروع نفسه في فترة حكم محمد الثاني الأولى؛ فالواضح هنا أنَّ محمدًا الثاني قد بلغ درجةً من النضج جعلته يُدرك أنَّ الأمر ليس سهلًا أو عاديًّا، إنَّما يحتاج إلى إعدادٍ طويل، وجهدٍ جهيد، ويظهر هذا في تأخُّر عمليَّة الفتح إلى عامين كاملين بعد ولايته للعرش، وكان هذان العامان في معظمهما يَصُبَّان في عمليَّة الإعداد للفتح، ولئن كان محمد الثاني الآن حريصًا على تحقيق بشارة رسول الله ﷺ في الفتح فإنَّه لم يعد متسرِّعًا، بل تناول الأمر بتؤدة ورويَّة، خاصَّةً أنَّه يعلم أنَّ كثيرًا من قادة المسلمين في التاريخ حاولوا فتح القسطنطينيَّة قبله؛ لكنَّهم لم يفلحوا في ذلك[10].
لقد كان الهدف واضحًا إِذَنْ في ذهن محمد الثاني، وهو تكريس كلِّ إمكانات الدولة العثمانيَّة لفتح القسطنطينية، وفي حالة إتمام هذا العمل الكبير يقوم بعد ذلك بإعادة ترتيب أوراقه وفق المعطيات الجديدة.
وهذا الهدف الواضح لم يكن سرِّيًّا؛ إنَّما أعلنه محمد الثاني بوضوحٍ لطاقم حكمه من الوزراء وقادة الجيش[11]، ولم يكن مفاجِئًا لهم؛ لأنَّهم يعلمون من فترة حكمه الأولى (1444- 1446م) أنَّ هذا أحد أحلامه الكبرى، كما أنَّ فريقًا كبيرًا منهم كان يُوافقه الرأي، ويدعمه في هذا الاتجاه.
ومع ذلك فالأمور لا تسير دومًا وفق ما يتمنَّاه المرء!
إنَّ الأعداء الكثيرين الذين يُحيطون بالدولة ويتربَّصون بها لا يُمكن أن يجتمعوا كلُّهم على الهدوء والسكينة في ظلِّ صعود شابٍّ صغيرٍ إلى الحكم، فمِنَ المؤكَّد أنَّ بعضهم ستراوده الأحلام بضرب الدولة العثمانيَّة في هذا الظرف، وتحقيق بعض المصالح التي سيعجزون عنها إذ تركوا هذا الشاب يستقرُّ في عرشه. ولقد جاءت الأخبار غير السارَّة من عدَّة أماكن، وكان على السلطان الجديد أن يتعامل بحكمةٍ معها حتى يُمكن أن يتفرَّغ بعد ذلك لحلمه الأكبر بفتح القسطنطينية.
هذه الأخبار غير السارَّة أتته من خمسة أماكن تحديدًا:
أمَّا الأول والأخطر، فهو انقلاب إمارة قرمان عليه؛ فزعيمها إبراهيم بك رأى أنَّ صعود محمد الثاني إلى الحكم بعد وفاة السلطان المخضرم مراد الثاني هي أكبر فرصةٍ له للاستقلال بقرمان من تبعيَّة الدولة العثمانيَّة، بل لم يكتفِ بذلك؛ إنَّما أرسل إلى إمارات چرميان، وآيدن، ومنتشه، يدعوهم للانقلاب على الدولة العثمانيَّة، وهذه الإمارات هي أجزاءٌ من الدولة العثمانيَّة تُدار بشكلٍ مباشرٍ منها، وفوق هذا قام إبراهيم بك باحتلال إمارة حميد العثمانيَّة بجيشه[12]، وأخيرًا استقبل مبعوثًا لجمهوريَّة البندقيَّة بغرض التعاون مع الجمهوريَّة في حرب الدولة العثمانيَّة[13].
وكان الخبر الثاني قادمًا من ألبانيا؛ فقد عقد متمرِّدُها إسكندر بك اتفاقيَّة ولاءٍ مع ألفونسو الخامس ملك أراجون ونابولي في 26 مارس 1451م[14]، أي بعد ولاية محمد الثاني بأقلَّ من شهرين، وكان ألفونسو الخامس جادًّا في إعانته لإسكندر بك؛ حيث أرسل قوَّةً عسكريَّةً وإعانةً ماليَّةً في شهر مايو مباشرة، بل عقد في شهر يونيو عدَّة تحالفاتٍ مع بعض القادة الألبان الآخرين[15]، وهذا قد يُنذر بأنَّ عدوًّا جديدًا -هو ملك نابولي، القريبة جدًّا من ألبانيا- بدأ يظهر في الأفق، ولو تُرِك أمر ألبانيا دون حلٍّ فإنَّه من المحتمل أن تنزل بها جيوش إيطاليا لتغزو الدولة العثمانيَّة من هناك، ثم وصلت الأخبار كذلك بأنَّ إسكندر بك بنى قلعةً جديدةً في مودريتش Modrić[16]، وهي قريبةٌ جدًّا من قلعة سڤيتيجراد التي سيطر عليها العثمانيُّون عام 1448م، ممَّا يعني نيَّة إسكندر بك في الهجوم على القلعة العثمانيَّة، وقد يتطوَّر الأمر لغزو مقدونيا القريبة.
وكان الخبر الثالث من القسطنطينيَّة؛ حيث أرسل إمبراطورها قُسطنطين الحادي عشر في شهر أبريل 1451م مبعوثًا إلى البندقيَّة يطلب دعمها في مواجهة محمد الثاني[17]، محاولًا استغلال صعوده إلى العرش لتحقيق مكاسب كبرى لإمبراطوريَّته، مع العلم أنَّه كان يدين بالولاء للسلطان مراد الثاني قبل وفاته.
وجاء الخبر الرابع من صربيا؛ حيث استغلَّ حاكمها چورچ برانكوڤيتش موت مراد الثاني، فحرَّك جيوشه صوب الدولة العثمانيَّة، وضمَّ بعض الأراضي منها، ووصل في اقتحامه إلى مدينة كروشيڤاتس Kruševac[18]، وهي على بُعْد مائةٍ وثلاثين كيلو مترًا فقط من حدود بلغاريا؛ أي أنَّه لم يكن محتلًّا فقط لأجزاء من الدولة العثمانيَّة، بل صار مهدِّدًا لعمقها!
أمَّا الخبر الخامس والأخير فقد جاءه من شبه جزيرة المورة اليونانيَّة؛ حيث قام الأخوان ديمتريوس وتُوماس بالتعدِّي على بعض أملاك البندقيَّة في المنطقة[19]، وهذا وإن لم يكن تعدِّيًا على أرض الدولة العثمانيَّة، إلَّا أنَّه سيجذب الأساطيل البندقيَّة لردِّ العدوان، كما أنَّه سيُؤدِّي إلى تصعيدٍ بين الدولة العثمانيَّة وجمهوريَّة البندقيَّة؛ لأنَّ الأخوين ديمتريوس وتُوماس تابعان للعثمانيِّين؛ ومِنْ ثَمَّ فالدولة مسئولةٌ عن تصرُّفاتهما العسكريَّة والسياسيَّة.
هذه هي الأخبار الخمسة التي وُضِعَت أمام السلطان الجديد، وكان عليه أن يُرتِّب أولويَّاته في التعامل معها..
رأى السلطان محمد الثاني أنَّ أخطر هذه المسائل جميعًا هي مسألة قرمان؛ لأنَّها انشقاقٌ داخليٌّ يُضعف كيان الدولة بشكلٍ كبير، ومن الممكن أن يتفاقم فيُؤدِّي إلى انقسامها، خاصَّةً أنَّ إبراهيم بك يعمل على التواصل مع بقيَّة الإمارات التركيَّة التابعة للدولة العثمانيَّة، وهذا كلُّه يدور في عمق الأراضي العثمانيَّة، وليس في أطرافها كما يحدث في ألبانيا وصربيا، ولهذا قرَّر أن يتعامل مع ملفِّ قرمان بشكلٍ حاسم، بينما يسعى لتسكين الجبهات الغربيَّة في ألبانيا وصربيا إلى أجل.
كان القرار في شأن قرمان هو إخراج حملتين عسكريَّتين في آنٍ واحد؛ كانت الحملة الأولى همايونيَّة -أي سلطانيَّة- بقيادة محمد الثاني نفسه، وهي بذلك تُعَدُّ الحملة الهمايونيَّة الأولى في حياة محمد الثاني كسلطان، وإن كان قد خرج قبل ذلك في ثلاث حملاتٍ عسكريَّةٍ أيَّام أبيه مراد الثاني، وهذه الحملة ستكون متَّجهة إلى إمارة قرمان نفسها لمواجهة إبراهيم بك شخصيًّا، أمَّا الحملة الثانية فستكون إلى إمارة حميد، التي احتلَّها إبراهيم بك، وستكون هذه الحملة بقيادة إسحاق باشا والي الأناضول[20]، وهدفها تحرير الإمارة وما حولها من أراضٍ احتلَّها إبراهيم بك.
كان نجاح الحملتين كبيرًا، واستطاع إسحاق باشا أن يستردَّ كلَّ ما أخذه إبراهيم بك من مدن، وكذلك اخترق السلطان محمد الثاني إمارة قرمان، وحقَّق عدَّة انتصارات، وكانت رغبته كبيرةً في ضمِّ الإمارة بشكلٍ كاملٍ للدولة العثمانيَّة[21][22]، ومع ذلك فقد جاءه عرضٌ من إبراهيم بك بمعاهدة سلامٍ يتعهَّد فيها بعدم إثارة قلاقل من جديد، وبالعودة لتبعيَّة الدولة العثمانيَّة بشكلٍ كامل[23].
ومع أنَّ السلطان محمدًا الثاني كان راغبًا في إنهاء مشكلة قرمان بشكلٍ حاسم، فإنَّ حدثًا جديدًا غيَّر له حساباته؛ فقد جاءه أثناء حملته في قرمان مبعوثٌ من الإمبراطور البيزنطي قُسطنطين الحادي عشر يطلب مضاعفة المبلغ الذي تدفعه الدولة العثمانيَّة لرعاية أورخَان، المطالب بالعرش العثماني، والحبيس لدى البيزنطيِّين، وإلَّا سيُطلق سراحه ويدعمه في مطالبته بالعرش[24].
وَجَد السلطان محمد الثاني أنَّ الوضع خَطِر؛ ومِنْ ثَمَّ قَبِل السلامَ مع إبراهيم بك، وعاد مسرعًا إلى أدرنة العاصمة لينظر في أمر الإمبراطور البيزنطي[25].
أعاد السلطان ترتيب أوراقه، وقد برز الملفُّ البيزنطي على السطح، وإن كانت ملفَّات ألبانيا وصربيا واليونان ما زالت ضاغطةً هي الأخرى، فضلًا عن القوى المعادية الأخرى التي تتربَّص بالدولة، مع احتمال ظهور أعداء جدد نتيجة الوضع الحرج الذي تمرُّ به الدولة بعد وفاة مراد الثاني.
كانت الدولة البيزنطيَّة على عهدٍ مع الدولة العثمانيَّة من زمن مراد الثاني، وكان محمد الثاني حريصًا على الوفاء بالعهد، كما حرص على ذلك أسلافه من السلاطين العثمانيِّين؛ ومِنْ ثَمَّ ففتحه للقسطنطينيَّة كان مرهونًا بمخالفة الإمبراطور البيزنطي لهذا العهد، وقد وَجَد السلطان محمد الثاني الفرصة في هذه المخالفة البيزنطيَّة الأخيرة، وَعَدَّ تهديد الإمبراطور البيزنطي له بإطلاق سراح أورخان، ومطالبته بمضاعفة المبلغ المدفوع لرعايته، فضلًا عن التنسيق مع البندقيَّة لمواجهة الدولة العثمانيَّة، إخلالًا بما تعاهدوا عليه سابقًا؛ ومِنْ ثَمَّ رفض السلطان العثماني طلب الإمبراطور البيزنطي، وأعلن أنَّه في حِلٍّ من المعاهدة التي عُقِدت سابقًا مع البيزنطيِّين، وكان هذا شبه تصريح ببداية سعيه لفتح القسطنطينيَّة[26].
كانت هذه خطوةً مهمَّةً في تاريخ الدولة العثمانيَّة، وكان على الدولة أن تأخذ خطواتٍ جِدِّيَّةً كثيرةً في أكثر من اتِّجاهٍ لضمان نجاح مهمَّة فتح القسطنطينيَّة، وقد شملت هذه الخطوات أخريات عام 1451م، ثم عام 1452م بكامله، وكذلك أوائل عام 1453م، وقد شملت هذه الخطوات أمورًا عسكريَّة، وأخرى دبلوماسيَّة، كما شملت أمورًا خاصَّةً بالحصار المتوقَّع نفسه، وأمورًا بعيدةً عن ملفِّ الدولة البيزنطيَّة؛ ولكنَّها حتميَّةٌ بالنسبة إلى الدولة العثمانيَّة في هذه المرحلة التاريخيَّة، ويُمكن حصر هذه الأمور كلِّها في عدَّة نقاطٍ سأقوم بسردها تبعًا للتسلسل التاريخي قدر المستطاع:
أولًا: حماية ظهر الدولة العثمانيَّة في الأناضول:
سيكون الجيش العثماني مشغولًا بفتح القسطنطينيَّة، وقد لا يتيسَّر له مغادرة الحصار حولها، وستكون هناك فرصةٌ جديدةٌ لإبراهيم بك لكي ينقلب على الدولة العثمانيَّة، ومِنْ هُنا كان من الواجب تأمين الأناضول بشكلٍ قويٍّ حتى لا تنهار خطَّة فتح القسطنطينيَّة في أثناء الحصار، ولأجل تحقيق هذا الهدف فقد نقل السلطان محمد الثاني مركز قيادة الأناضول من أنقرة إلى كوتاهية Kütahya؛ حيث ستكون كوتاهية أقرب إلى مناطق النزاع التي يتحرَّك فيها إبراهيم بك؛ ومِنْ ثَمَّ يُمكن تحريك الجيوش إليه في وقتٍ أسرع في حال غدره، كما أنَّ الطرق العسكريَّة من كوتاهية إلى قرمان أفضل من تلك الموصلة من أنقرة إلى قرمان، فهذا يضمن سلامة الجيوش العثمانيَّة في حال اضطرارها للحرب مع قرمان مرَّةً أخرى[27].
أيضًا يدخل في خطَّة تأمين الأناضول إرسال فرقةٍ عسكريَّةٍ إلى شرق الأناضول لصدِّ هجماتٍ تقوم بها جماعات عسكريَّة منتمية إلى قبلية القرة قوينلو Kara Koyunlu التركيَّة، والقاطنة في إيران في ذلك الوقت، وكانت الدولة التيمورية الحاكمة لإيران قد انقسمت بعد وفاة شاه رخ بن تيمورلنك إلى قسمين؛ صار الأوَّل تابعًا لقبيلة الآق قوينلو Aq Koyunlu (أي الخرفان البيض)، والآخر تابعًا لقبيلة القرة قوينلو (أي الخرفان السوداء)، وكلاهما من القبائل التركيَّة[28]، وكان ذلك في عام 1447م[29]، وقد حدث نزاعٌ كبيرٌ وطويلٌ بين القبيلتين، وكان من نتيجته أن غزت قبيلة القرة قوينلو شرق الأناضول بغية السيطرة على بعض الأماكن التابعة لآق قوينلو؛ ولكنَّها في الوقت نفسه قطعت طرق التجارة في هذه المنطقة، وصارت تُهدِّد الدولة العثمانيَّة في شرقها، فكانت هذه الحملة العسكريَّة العثمانيَّة لتأمين شرق الأناضول، وللحفاظ على حركة التجارة هناك، وقد نجحت هذه الحملة في هزيمة القرة قوينلو، وصار الأناضول إلى حدٍّ كبيرٍ آمنًا في هذه المرحلة[30].
ثانيًا: تهدئة العلاقة مع دولة المماليك:
كانت قرمان موالية في معظم مراحل تاريخها لدولة المماليك في مصر[31][32]؛ ومِنْ ثَمَّ فإنَّه كان من المتوقَّع أن تتوتَّر العلاقة بين الدولة العثمانيَّة والمماليك بعد هذه الحملة العسكريَّة الهمايونيَّة الأخيرة، فأراد السلطان محمد الثاني أن يُلطِّف العلاقة منعًا لأيِّ مفاجئاتٍ غير متوقَّعةٍ تأتي في وقت حصار القسطنطينيَّة، فاستغلَّ فرصة انتصاره على جماعات القرة قوينلو في شرق الأناضول، وأرسل رسائل بشرى إلى السلطان چقمق -سلطان المماليك في مصر والشام- يُبشِّره بالانتصار، وتأمين طرق التجارة هناك، ولمـَّا كان هذا يهمُّ سلطان المماليك كذلك؛ لأنَّ طرق التجارة من حلب المملوكيَّة إلى الأناضول التركي كانت متأثِّرةً بهذه الاقتحامات الإيرانيَّة، فإنَّه ردَّ سعيدًا على السلطان محمد الثاني، وأكَّد رغبته في استمرار التعاون بين الدولتين -العثمانيَّة والمماليك- في القضاء على المفسدين[33]، وهكذا مرَّت الأزمة بسلام.
ثالثًا: معاهدت سياسية وتجارية مهمة:
عقد محمد الثاني في النصف الثاني من عام 1451م، وفي النصف الأوَّل من عام 1452م، سلسلةً طويلةً من المعاهدات مع عددٍ من القوى الإقليميَّة والعالميَّة، وكانت هذه المعاهدات تهدف في الأساس إلى أمرين؛ الأوَّل منهما هو عزل القسطنطينيَّة سياسيًّا فلا تجد دعمًا عندما تُحاصَر، والثاني هو تسكين بعض الجبهات حتى لا يدخل الجيش العثماني في صراعاتٍ جانبيَّةٍ قد تشغله عن فتح المدينة الحصينة القسطنطينيَّة، ومع أنَّ محمدًا الثاني يعلم بخبرته أنَّ عهود ووعود الأوروبِّيِّين غير جيِّدة، وما ذكريات خيانتهم لمعاهدة سيجيد عام 1444م ببعيدة، فإنَّه كان متحمِّسًا لهذه المعاهدات؛ لأنَّ أيَّ عدوٍّ يُمكن تجنيبه أو تحييده سيزيد من فرص نجاح حصار القسطنطينيَّة، خاصَّةً أنَّه يعلم أنَّ معظم القوى العالميَّة المعاصرة لن تُساعد القسطنطينيَّة من باب الحبِّ لها، أو الإخلاص لإمبراطورها؛ إنَّما فقط من باب المصالح المشتركة، فلو لوَّح السلطان محمد الثاني ببعض المصالح المشتركة مع الدولة العثمانيَّة لأمكن تحييد ولو بعض هؤلاء الأعداء، ومن هنا جاءت هذه السلسلة الطويلة من المعاهدات، التي شملت هذه القوى:
1. إمارة صربيا: وهذه في الواقع معاهدةٌ واقعيَّة، وإن كانت مؤلمة؛ لأنَّ حاكم صربيا چورچ برانكوڤيتش غزا بعض الأراضي العثمانيَّة، واحتلَّ مدينة كروشيڤاتس، ومع ذلك فقد قَبِل السلطان محمد الثاني عقدَ معاهدة سلامٍ معه[34]، بل تلطَّف معه جدًّا عندما أرسل له مارا برانكوڤِيتش -وهي ابنته- معزَّزةً مكرَّمة، محمَّلةً بالهدايا الكثيرة[35]، ومارا برانكوڤِيتش هي زوجة مراد الثاني أبي محمد الثاني، فأراد السلطان العثماني أن يُؤكِّد لبرانكوڤيتش على صدقه في المعاهدة، فتخلَّى عن أوراق الضغط التي يُمكن أن يحتفظ بها الزعماء في مثل هذه الظروف، وكلُّ هذا ليضمن حياد صربيا أثناء حصار القسطنطينيَّة، خاصَّةً أنَّ الصرب هم القوَّة الأوروبِّيَّة الوحيدة التي يُمكن أن تتحمَّس دينيًّا لنصرة البيزنطيِّين؛ لأنَّهم مثلهم من الأرثوذكس، بينما تنتمي معظم القوى الأخرى إلى الكاثوليكيَّة، فلن يحرصوا على القسطنطينيَّة أكثر من حرصهم على أنفسهم. ومع أنَّ السلطان محمدًا الثاني أبدى هذه الحماسة في هذه المعاهدة، فإنَّني أؤكِّد أنَّها كانت معاهدةً مؤقَّتة؛ لأنَّه لن ينسى أبدًا اجتياح برانكوڤيتش لأرضه، ولا شَكَّ أنَّه سيلتفت إليه ويتفرَّغ له بعد أن ينتهي من ملفِّ القسطنطينيَّة، ولن يمرَّ غدر برانكوڤيتش به في هذا الظرف الصعب دون حساب.
2. إمبراطور طرابزون Trebizond: تبادل محمد الثاني السفارة مع إمبراطور طرابزون چون الرابع John IV[36]، وإمبراطوريَّة طرابزون، وإن كانت بيزنطيَّة، إلَّا أنَّها مستقلَّةٌ عن القسطنطينيَّة، ومع ذلك فمن المتوقَّع جدًّا أن تقوم بمساعدة البيزنطيِّين هناك عند حصارهم؛ لذلك جاءت هذه السفارات محاولةً لتحييد طرابزون عن الصراع ولو مؤقَّتًا، والواقع أنَّ إمبراطوريَّة طرابزون كانت متربِّصةً بالعثمانيِّين، وعلى علاقاتٍ سيِّئةٍ بالدولة، وقد حدث بينهما صدامٌ في عام 1442م زمن مراد الثاني لم يُسفر عن نتائج كبرى[37]، لكنه أورث العداء بين الطرفين، ولقد نقلت المصادر أنَّ چون الرابع فرح لموت مراد الثاني ظنًّا منه أنَّه قد استراح من شأن الدولة العثمانيَّة بعد موت كبيرها، وولاية شابٍّ صغير، إلَّا أنَّ الدبلوماسي المخضرم فرانتزس نبَّه إمبراطور طرابزون إلى أنَّ خبر موت مراد الثاني خبرٌ حزينٌ وليس مفرحًا؛ لأنَّ الشابَّ الذي تولَّى الأمور الآن -يقصد محمدًا الثاني- من أشدِّ أعداء النصرانيَّة منذ طفولته، وسيسعى حتمًا إلى فتح القسطنطينيَّة[38][39]، ولعلَّ هذا التنبيه هو الذي منع چون الرابع من عقد معاهدةٍ محدَّدةٍ مع محمد الثاني على الرغم من تبادل السفارات؛ ومِنْ ثَمَّ ظلَّ الباب مفتوحًا أمام طرابزون لمساعدة القسطنطينيَّة، وهذا سيكون له مردودٌ على محمد الثاني الذي سيسعى إلى حسم المسألة قبل أن يُحاصر القسطنطينيَّة.
3. جمهوريَّة البندقيَّة: على الرغم من معرفة السلطان محمد الثاني بالعلاقات الدبلوماسيَّة بين البندقيَّة والقسطنطينيَّة، وكذلك بينها وقرمان، إلَّا أنَّه سعى للتأكيد على المعاهدة التجاريَّة التي عُقِدَت قبل ذلك في عام 1446م، وقد نجح بالفعل في تأكيد هذه المعاهدة في 10 سبتمبر عام 1451م[40]، وكانت هذه محاولةً منه لتقليل فرصة تعاون البندقيَّة مع القسطنطينيَّة، وإن كانت الاحتمالات تسير بشكلٍ أكبر في اتِّجاه مخالفة البندقيَّة لهذه الاتفاقات؛ لأنَّ مصالحها مع القسطنطينيَّة كبيرة، خاصَّةً أنَّها -أي البندقية- تحتلُّ معظم موانئ اليونان، ونمو الدولة العثمانيَّة في المنطقة يُهدِّد مصالحها بشكلٍ خطر، كما أنَّ سيطرة الدولة العثمانيَّة على المضايق البحريَّة بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط إذا ما فُتِحَت القسطنطينيَّة سيُؤدِّي إلى خنق الحركة الملاحيَّة في هذه المنطقة، وهذا سيُؤثِّر سلبًا على البندقيَّة بلا جدال. غير أنَّه على الناحية الأخرى فإنَّ البندقيَّة كانت تُعاني من هجمات الأخوين ديمتريوس وتُوماس في المورة اليونانيَّة على أملاك الجمهوريَّة، وقد يكون هناك قدرةٌ للدولة العثمانيَّة لمنع هذا التعدِّي بحكم أنَّها تُمارس سيادةً سياسيَّةً على هذين الأميرين البيزنطيَّين.
4. مملكة المجر: عَقَد السلطان محمد الثاني معاهدةً مع چون هونيادي حاكم المجر في سبتمبر 1451م بعد اتِّفاقيَّة البندقيَّة بعدَّة أيَّام، وفيها اتُّفِق على هدنةٍ لمدَّة ثلاث سنوات[41]، وفيها أقرَّ السلطان محمد الثاني بعدم بناء أيِّ قلاعٍ على نهر الدانوب في هذه المدَّة[42]، وهذه في الواقع معاهدةٌ مهمَّةٌ للغاية؛ لأنَّ كراهية هونيادي للدولة العثمانيَّة معروفة، وقد يُحاول الانتقام لهزيمته مرَّتين في ڤارنا وكوسوڤو، وكان من المهمِّ أن يُحيَّد عن الصراع، وإن كان غدره متوقَّعًا كما حدث قبل ذلك في عام 1444م عندما اشترك في نقض معاهدة سيجيد، والواقع أنَّ هونيادي حاول الغدر فعلًا في سبتمبر 1452م عندما تواصل مع إمبراطور بيزنطة بغية التعاون معه ضدَّ العثمانيِّين؛ ولكن لم تنجح المفاوضات[43]، وبالتالي أَمِنَت الدولة العثمانيَّة شرَّه في هذه المرحلة.
5. جمهوريَّة راجوزا (دوبروڤنيك): وقد جُدِّد الاتفاق التجاري معها، مع زيادة الجزية التي كانت تدفعها للدولة العثمانيَّة[44]، ولعلَّ هذه الزيادة بسبب أنَّ جمهوريَّة راجوزا قد خالفت اتِّفاقها السابق مع الدولة العثمانيَّة وقدَّمت مساعدةً اقتصاديَّةً لإسكندر بك زعيم ألبانيا على حربه مرادًا الثاني.
6. إمارة الإفلاق: نقلت المصادر استقبال السلطان محمد الثاني لسفارةٍ من الإفلاق[45]، وهي في الواقع سفارةٌ عجيبة؛ لأنَّ أمير الإفلاق ڤلاديسلاڤ الثاني شارك في الحملة العسكريَّة التي قادها هونيادي على الدولة العثمانيَّة في كوسوڤو عام 1448م، ومن المتوقَّع أن يرفض السلطان محمد الثاني التعامل سلميًّا معه؛ ولكن بمراجعة هذه المرحلة التاريخيَّة نجد أنَّ هناك صراعًا قد نشب في هذا التوقيت بين حاكم المجر هونيادي وڤلاديسلاڤ الثاني أمير الإفلاق[46]، وقد يكون هذا هو الذي دفع ڤلاديسلاڤ إلى محاولة التواصل مع محمد الثاني، والحقيقة أنَّ المصادر لم تنقل الاتِّفاق الذي دار بين الطرفين في هذه المباحثات، وإن كان على الأرجح أنَّه اتُّفِق على الهدنة بين الطرفين، لأنَّنا لم نسمع عن أيِّ صداماتٍ بين الدولة العثمانيَّة والإفلاق في هذه المرحلة، بل نقلت بعض المصادر دعمًا من الدولة العثمانيَّة لڤلاديسلاڤ ضدَّ بعض أعدائه في الإفلاق[47]، ومع ذلك فمن المؤكَّد أنَّه لم يكن يدفع الجزية للدولة العثمانيَّة في هذا التوقيت[48]، وقد قَبِل السلطان محمد الثاني منه ذلك حتى يتفرَّغ للقسطنطينيَّة، على الرغم من أنَّ إمارة الإفلاق تابعةً للدولة العثمانيَّة منذ عام 1395م.
7. فرسان القديس يوحنا في رودس: استقبل السلطان محمد الثاني سفارةً من چيوڤاني دي لاستيك Giovanni de Lastic السيد الأكبر لرودس[49]، وهي سفارةٌ مهمَّةٌ لأنَّ فرسان القديس يوحنا -وهم من أشدِّ المقاتلين، ومن أصحاب التاريخ العدائي الطويل مع المسلمين- كانوا يُسيطرون على جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، وهم قريبون جدًّا من ساحل الأناضول؛ ومِنْ ثَمَّ يمثِّلون خطرًا حقيقيًّا على الدولة العثمانيَّة، فكان الاتِّفاق السلمي معهم مهمًّا لتفريغ الطاقة لفتح القسطنطينيَّة.
8. جمهوريَّة چنوة الإيطاليَّة: عَقَد السلطان محمد الثاني عدَّة معاهدات مع قادة جمهوريَّة چنوة، فهناك معاهدات مع أمير جزيرة خيوس، وأخرى مع أمير جزيرة ليسبوس[50]، كما عقد معاهدة مع الچنويين في جالاتا Galata[51]، وهي تُعَدُّ من ضواحي القسطنطينيَّة الشماليَّة، وكلُّ هذه المعاهدات كانت بهدف وقوف چنوة على الحياد في حال الصدام مع الدولة البيزنطيَّة، في مقابل تسهيلاتٍ تجاريَّةٍ تُقدِّمها الدولة العثمانيَّة لتجَّار چنوة.
هذه هي مجموعة المعاهدات والاتِّفاقيَّات التي عقدها السلطان محمد الثاني في هذه المرحلة، والواقع أنَّها كلَّها آتت ثمارها في هذا التوقيت التاريخي الحرج؛ إذ أمَّنَت حدود الدولة العثمانيَّة بشكلٍ كبير، وحيَّدت معظم القوى المعادية للدولة العثمانيَّة، ولم يحدث تجاوزات من هذه القوى، اللهمَّ إلَّا من چنوة؛ فإنَّ غدرها بالعهد كان متوقَّعًا، لكون علاقاتها الاقتصاديَّة والسياسيَّة بالقسطنطينيَّة وثيقة للغاية، بالإضافة إلى أنَّ لها مستعمراتٍ كثيرةً على سواحل البحر الأسود؛ ومِنْ ثَمَّ يهمُّها بشدَّة ألَّا يُسيطر العثمانيُّون على المضايق البحريَّة، ومع علم السلطان محمد الثاني بهذه الحقيقة إلَّا أنَّه عقد هذه المعاهدات مع چنوة كي يُقيم عليها الحجَّة في أيِّ حربٍ مستقبليَّةٍ تقوم بها الدولة العثمانيَّة لمستعمرات چنوة المنتشرة في بحر إيجة والبحر الأسود.
رابعًا: بناء قلعة روملي حصار Rumeli Hisar (صورة رقم 1):
تُعَدُّ هذه الخطوة هي أوَّل خطوةٍ عمليَّةٍ في حصار القسطنطينيَّة؛ حيث قام السلطان محمد الثاني باختيار مكان هذه القلعة بنفسه على الشاطئ الأوروبِّي لمضيق البوسفور، وفي مواجهةٍ مباشرةٍ لقلعة أناضولو حصار Anadolu Hisar المبنيَّة على الشاطئ الآسيوي للمضيق نفسه، وهي على بُعد حوالي ثمانية أميال من شمال القسطنطينيَّة، وقد استغلَّ السلطان محمد الثاني إمكاناته العلميَّة العسكريَّة فقام بتخطيط هذه القلعة، وتحديد أماكن أبراجها، ووضع علامات على الأرض تُحدِّد مساحتها وشكلها، كما شرح للمهندسين العثمانيِّين بعنايةٍ ما يدور في ذهنه من تصوُّرٍ حول وضع التحصينات والمدافع بهذه القلعة[52].
أراد محمد الثاني أن يصرف الأذهان عن بناء هذه القلعة الحيويَّة فنشر شائعات في بداية عام 1452م أنَّه يُجهِّز حملةً عسكريَّةً في اتِّجاه المجر، ممَّا نشر حالةً من الفزع ليس في المجر وحدها بل في أوروبَّا كلِّها، بل فزع لذلك إمبراطور القسطنطينيَّة نفسه، الذي علم أنَّ أوروبَّا ستنشغل بنفسها وتتركه منفردًا أمام العثمانيِّين[53]، ومع ذلك فقد حرص السلطان محمد الثاني على إرسال مبعوثين بعد ذلك لطمأنة أوروبَّا أنَّ هذه مجرَّد شائعات لا أصل لها، وأنَّه على عهوده السلميَّة معها، وفي هذا الوقت الذي تمَّت فيه هذه السفارات كان المهندسون العثمانيُّون قد انتهوا من بناء القلعة الكبيرة!
بدأ العثمانيُّون في بناء القلعة في 15 أبريل 1452م، وأتمُّوه في 31 أغسطس من السنة نفسها، وهذا وقتٌ قياسيٌّ بالنظر إلى حجم القلعة وحصانتها، وقد اشترك في عمليَّة البناء أكثر من خمسة آلاف عامل، وكان السلطان يُشرف على عمليَّة البناء بنفسه[54].
كان بناء القلعة بهذه الصورة إعلانًا شبه صريح بالحرب على الدولة البيزنطيَّة، فمن الآن وصاعدًا لن تمرَّ سفينةٌ في مضيق البوسفور إلَّا بإذن الجيش العثماني، وهذا يعني أنَّ المعونات من إمبراطور طرابزون، أو من مستعمرات چنوة الموجودة في البحر الأسود، ستكون مستحيلةً بغير السيطرة على هذه القلعة؛ لأنَّ كلَّ السفن التي ستمرُّ في المضيق ستكون في مرمى المدافع العثمانيَّة الموجودة في القلعتين: روملي حصار وأناضولو حصار، ومن هنا فإنَّ القسطنطينيَّة بدأت في استعداداتها لتوقَّع الحصار بمجرَّد انتهاء العثمانيِّين من بناء القلعة.
خامسًا: الإعداد العسكري للجيش العثماني:
كان السلطان محمد الثاني مدركًا أنَّ أسوار القسطنطينيَّة هي أحصن أسوارٍ في العالم، وأنَّ تحطيم هذه الأسوار يُمثِّل تحدِّيًا حقيقيًّا لأيِّ جيش؛ ومِنْ ثَمَّ اهتمَّ كثيرًا بتحسين مدفعيَّته وتطويرها لكي يتمكَّن من إحداث بعض الثغرات في هذه الأسوار العملاقة، ثم شاء الله تعالى أن يُبارك في خطواته الجادَّة فيسَّر له مقابلةً مع أحد المهندسين المجريِّين المشهورين في صناعة المدافع العملاقة، وهو أوربان Orban (ويُكتب أيضًا Urban)، حيث سعى هذا المهندس لتقديم خدماته إلى الإمبراطور البيزنطي أوَّلًا، فلم يتم الاتفاق بينهما؛ للمبالغ الباهظة التي طلبها أوربان، بالإضافة إلى عدم توفُّر الموادِّ اللازمة لصناعة مدافعه؛ ومِنْ ثَمَّ اتَّجه المهندس المجري إلى السلطان محمد الثاني الذي أحسن استقباله، وغمره بالمال الوفير، وأمدَّه بما يلزمه من مواد، فصَنَع مدفعًا عملاقًا لا يوجد مثله في العالم في ذلك الوقت[55] (صورة رقم 2)، وقد أسهبت المصادر في وصف قدرات هذا المدفع وحجمه، والقذائف التي يقصفها[56][57]. ومع ذلك فلم يكن هذا هو المدفع الوحيد الذي امتلكته العسكريَّة العثمانيَّة؛ إنَّما حرص السلطان محمد الثاني على تزويد جيشه بمدافع كثيرة تضمن استمرار عمليَّة الحصار، ودكَّ الأسوار.
كذلك اهتمَّ السلطان محمد الثاني بتزويد الجيش العثماني بعددٍ وافرٍ من السفن المقاتلة، وقام بزيادة ترسانة الأسلحة البحريَّة في جاليبولي، وأمر بصناعة عددٍ من السفن يُمكن لها أن تضرب حصارًا بحريًّا حول القسطنطينيَّة، وتسهم في منع سفن أوروبَّا الغربيَّة في حال قدومها من دخول المضايق البحريَّة، وقد ذكرت المصادر أنَّه قام في ربيع 1452م بتصنيع ثلاثين سفينةً حربيَّة، هذا غير السفن المعدَّة للنقل[58].
يُضاف بالطبع إلى هذا الإعداد التقني توفير العدد اللازم من الجنود المدرَّبين على القتال والحصار، وتقديرات العدد في هذا الشأن متفاوتةٌ جدًّا بين المؤرِّخين؛ فالبعض يُقدِّر الجيش بثمانين ألف مقاتل[59]، وذكر آخرون أنَّه مائة ألف[60]، بينما وصل بعضهم بالأرقام إلى مائتي ألفٍ أو أكثر[61]، والتقديرات التركيَّة تميل إلى التقليل، والتقديرات اللاتينيَّة والبيزنطيَّة تميل إلى التكثير، وهذه مبالغاتٌ مشهورةٌ عند المؤرِّخين القدماء، وغالبًا ما تكون الحقيقة بينهما، وغالب الأمر أنَّ الجنود يتراوحون بين مائة ألفٍ ومائةٍ وخمسين ألفًا؛ وذلك بالنظر إلى الأعداد المقاتلة في هذه المرحلة التاريخيَّة من عمر الدولة، ولا يُتصوَّر أن تكون الأعداد كبيرةً بالصورة التي ذكرها المؤرِّخون البيزنطيُّون؛ لأنَّ الدولة العثمانيَّة كانت مشغولةً بمناطق أخرى تحتاج فيها إلى جنودٍ مرابطين، مثل شرق الأناضول، وألبانيا، واليونان، وغيرها من الجبهات، بل إنَّنا سنرى أنَّ هناك بعض المعارك في هذه المرحلة التاريخيَّة كانت متزامنةً تقريبًا مع فتح القسطنطينيَّة؛ ولكن في أماكن أبعد بمئات الأميال عنها! ممَّا يُؤكِّد أنَّ الرقم المنطقي للجيش العثماني في هذا الفتح لا يُمكن أن يتعدَّى مائةً وخمسين ألف مقاتل، وهو رقمٌ كبيرٌ للغاية، خاصَّةً إذا ما قارنَّاه بالحامية المدافِعة عن القسطنطينيَّة، وسنأتي للحديث عنها لاحقًا.
سادسًا: مسألة ألبانيا:
كان الوضع في ألبانيا منذرًا بالخطر، أنَّ محمدًا الثاني تلقَّى فور ولايته أنباء اهتمام ملك نابولي وأراجون بشأن ألبانيا، ودعمه العسكري لها، وبناء قلعة مودريتش قريبًا من قلعة سڤيتيجراد، واحتمال غزو مقدونيا، ولم يكن محمد الثاني قادرًا على التعامل مع هذا الملفِّ في ظلِّ التطوُّرات المزعجة التي حدثت في الأناضول، سواءٌ من إمارة قرمان أم من قبيلة القرة قوينلو، ممَّا اضطرَّه إلى تأجيل الملفِّ الألباني إلى حين. استقرت الأوضاع في الأناضول، وعُقِدَت المفاوضات والمعاهدات مع القوى الأوروبِّيَّة، وصار السلطان محمد الثاني مهتمًّا بشكلٍ كبيرٍ بقضيَّة فتح القسطنطينيَّة، لكنَّه لم ينسَ مسألة ألبانيا، ولقد جاءته الأنباء في مارس 1452م بأنَّ الأوضاع في ألبانيا مضطربةٌ داخليًّا، وأنَّ هناك خلافًا حادًّا قد حدث بين إسكندر بك وبقيَّة نبلاء ألبانيا، و-أيضًا- هناك بوادر حربٍ بين البندقيَّة وإسكندر بك لخلافهم في بعض المسائل في شمال ألبانيا، ممَّا قد ينقض حالة السلام بينهما[62]، فاستغلَّ السلطان محمد الثاني هذه الأحداث وأرسل فرقةً عثمانيَّةً إلى ألبانيا لمحاولة السيطرة على الأمور هناك، وكانت الفرقة تحت قيادة حمزة باشا، وكانت الخطَّة تتضمَّن انقسام الجيش إلى قسمين عند وصولهم إلى ألبانيا؛ ليسلك كلُّ قسمٍ طريقًا مختلفًا بهدف تشتيت المقاومة الألبانيَّة، ثم اللقاء بعد ذلك في كرويه Krujë عاصمة ألبانيا، وكان ذلك في أبريل 1452م[63]. والواقع أنَّ الخطة كانت طموحة أكثر من اللازم؛ فقد كانت الفرقة مكوَّنة من خمسةٍ وعشرين ألف جندي[64]، وهو رقمٌ لا يُمكن أن يُتوَقَّع معه نجاحٌ في مهمَّة إسقاط كرويه، خاصَّةً إذا ما استرجعنا ذكريات حملة ألبانيا السابقة في زمن مراد الثاني عام 1450م عندما فشل الجيش العثماني الضخم -الذي كان بقيادة مراد الثاني نفسه، ومعه ابنه الأمير محمد الثاني- في إسقاط كرويه، فكيف لهذه الفرقة الصغيرة أن تُحقِّق النجاح؟
نعم كان السلطان محمد الثاني مضطرًّا إلى إرسال فرقةٍ صغيرةٍ نسبيًّا لكون الجيش العثماني الأساسي مشغولًا بالاستعداد لفتح القسطنطينيَّة، لكن كان من الأفضل -والله أعلم- أن يتوجَّه هذا الجيش إلى قلعة سڤيتيجراد لتقوية الحامية العثمانية هناك، وليُدافع عن مقدونيا، وذلك دون محاولة التوغُّل في ألبانيا، ودون الانقسام إلى قسمين، وكذلك دون محاولة التوجُّه نحو كرويه تحديدًا، التي يقوم ملك نابولي وأراجون بحمايتها فضلًا عن قوَّات إسكندر بك.
استطاعت المخابرات الألبانيَّة أن تكتشف الخطَّة العثمانيَّة، وعَلِم إسكندر بك بانقسام الجيش إلى نصفين، فتوجَّه بقوَّاته إلى القسم الأول الذي كان تحت قيادة حمزة باشا، والتقاه عند مدينة مودريتش Modrić وهي المدينة التي بنى عندها إسكندر بك قلعته الجديدة، وللأسف هُزِم الجيش العثماني، بل أُسِر قائده حمزة باشا[65].
توجَّه إسكندر بك بجيشه المنتصر إلى القسم الثاني من الجيش العثماني، وقام بهزيمته كذلك عند مدينة ميچاد Meçad، وقتل قائده تاهيب باشا Tahib Pasha[66].
دُفِعَت فديةٌ قدرها ثلاثة عشر ألف دوكا ذهبيَّة لفكِّ أسر القائد حمزة باشا[67]، وذكرت المصادر الألبانيَّة أنَّ قتلى الجيش العثماني في المعركتين بلغ سبعة آلاف، بينما فَقَدَ الألبان فيهما ألف رجل[68].
جاءت هذه الحملة بنتائج عكسيَّة تمامًا؛ فبينما كان السلطان محمد الثاني يُريد استغلال الخلاف الذي حدث في ألبانيا بين نبلائها ليفرض سيطرته من جديد على القطر المنشق، إذا بانتصار إسكندر بك في هاتين المعركتين يرفع جدًّا من أسهم القائد الألباني هناك، حتى اضطرَّ بقيَّة النبلاء إلى الانضواء تحت قيادته، وتوحَّدت المقاومة الألبانيَّة بدلًا من انفراط عقدها[69]!
سابعًا: حملة عسكريَّة إلى المورة:
كانت الخسارة العثمانيَّة في ألبانيا ثقيلةً على السلطان محمد الثاني، ومع ذلك لم تجعله هذه الهزيمة ينسى مهمَّته الأكبر، وهي فتح القسطنطينيَّة، ومِنْ ثَمَّ طوى أحزان هذه الخسارة وسعى لتوفير أكبر فرص النجاح لعمليَّته القادمة. رأى السلطان أنَّ خطر طرابزون ومستعمرات چنوة في البحر الأسود قد تضاءل بعد بناء قلعة روملي حصار، وأنَّ المساعدة للقسطنطينيَّة ستكون منعدمة من هذا الاتِّجاه، لكن المساعدة من المورة ما زالت محتَمَلة؛ فمن المتوقَّع للأخوين ديمتريوس وتُوماس أن يهبَّا لنجدة أخيهما الإمبراطور قُسطنطين الحادي عشر عند حصاره في القسطنطينيَّة، ولذلك استغلَّ السلطان التعدِّيَّات التي قام بها الأخوان تجاه أملاك البندقيَّة، والتصرُّف السياسي والعسكري الذي قاما به منفردين على الرغم من تبعيَّتهما للدولة العثمانيَّة، وقام بتحريك الجيش العثماني إلى المورة بقيادة القائد المخضرم توراهان بك Turahan Bey، ومعه ولداه أحمد وعمر؛ بهدف السيطرة على الطرق التي تقود من المورة إلى القسطنطينيَّة، وكان ذلك في خريف 1452م[70]. حقَّق الجيش العثماني انتصارًا في شمال شرق اليونان، واستطاع السيطرة على مدينة نيوكاسترو Neokastro، وهي مدينة محوريَّة في الطريق من اليونان إلى القسطنطينيَّة، ووضع حاميةً عسكريَّةً هناك، ومع تعرُّض الجيش العثماني لهزيمةٍ عند ممرِّ ديرڤيناكي Pass of Dervenaki وأسر القائد أحمد بن توراهان بك، إلَّا أنَّ الجيش العثماني ظلَّ مسيطرًا على الطرق الأساسيَّة في المنطقة[71]، وهذا أدَّى إلى عزل اليونان عن القسطنطينيَّة بنجاح.
ثامنًا: تصعيد حربي مع البندقيَّة:
كان أوَّل اختبارٍ واقعيٍّ لقلعة روملي حصار في يوم 25 نوفمبر 1452م، عندما أرادت سفينةٌ بندقيَّةٌ أن تمرَّ من البحر الأسود إلى البحر الأبيض عن طريق مضيق البوسفور، فأمرها الجيش العثماني بالتوقُّف لدفع الجمارك التي فُرِضَت على المارِّين من هذه المضايق، فرفضت السفينة التوقُّف، فهدَّدها الجيش بالقصف، فعاندت ومرَّت، فعُدَّ هذا خرقًا للسيادة، وإعلانًا للحرب، ومِنْ ثَمَّ قُصِفَت السفينة، فأُغْرِقَت بطلقة مدفعيَّة واحدة، وقُتِل طاقمها بالكامل[72][73][74]. كان هذا هو الاختبار الحقيقي الأوَّل لقلعة روملي حصار، ومدى كفاءتها في منع وصول المدد من البحر الأسود إلى القسطنطينيَّة، وكان في الوقت نفسه تصعيدًا حربيًّا مع البندقيَّة.
بعد هذا الحدث الصادم عَلِم الجميع أنَّ جدِّيَّة الدولة العثمانيَّة في حصار القسطنطينيَّة حقيقيَّة، وأنَّ المسألة لن تتعدَّى شهورًا من وقت قصف سفينة البندقيَّة، ومِنْ ثَمَّ يُمكن اعتبار هذا الحدث أنَّه المقدِّمة الفعليَّة لعمليَّة فتح القسطنطينيَّة؛ إذ إنَّ الدولة البيزنطيَّة ستأخذ في إجراءات مقاومة الحصار بطريقةٍ متسارعةٍ منذ هذه اللحظة، كما سيبدأ السلطان محمد الثاني في رسم خطواته العمليَّة لإتمام عمليَّة الفتح[75].
[1] Runciman Steven A History of the Crusades: The Kingdom of Acre and the later crusades [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 1979.vol. 3, p. 466.
[2] Barkan Ömer Lütfi Essai Sur Les Données Statistiques Des Registres De Recensement Dans L'Empire Ottoman Aux XVe et XVIe Siècles [Book]. - [s.l.] : Journal of the Economic and Social History of the Orient I, 1958., pp. 7-36.
[3] Asbridge, 2004, pp. 110-113.
[4] راغب السرجاني قصة الحروب الصليبية من البداية إلى عهد عماد الدين زنكي، القاهرة، شركة أقلام للنشر والتوزيع والترجمة، 1434هـ= 2013م، الصفحات 61-87.
[5] إبراهيم بك حليم: تاريخ الدولة العثمانية العلية (التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية)، - بيروت، لبنان : مؤسسة الكتب الثقافية، 1988م. الطبعة الأولى، 1988م صفحة 64.
[6] ول ديورانت قصة الحضارة: المترجمون زكي نجيب محمود، وآخرين و تقديم: محيي الدين صابر- بيروت لبنان، دار الجيل – بيروت لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1988م.صفحة 23/36.
[7] Kritovoulos, 1954, p. 248.
[8] إسماعيل سرهنك حقائق الأخبار عن دول البحار- مصر: مطابع الأميرية، بولاق، الطبعة الأولى.، 1895م صفحة 1/500.
[9] İnalcık Halil Mehmed the Conqueror (1432-1481) and His Time [Article] // Speculum. - Chicago, USA : The University of Chicago Press, 1960., vol. 35, no. 3, p. 410.
[10] حرص المسلمون منذ زمن على تحقيق نبوءة الرسول r بفتح القسطنطينيَّة؛ فبداية حاصرها مُعَاوِيَة بن أبي سفيان ب بقيادة ابنه يزِيد سنة (49هـ =669م)، ثم حاصرها معاوية بن أبي سفيان ب مرَّةً أخرى بانضمام سفنٍ بقيادة جنادة بن أبي أميَّة سنة (54هـ= 674م)، وقيل: استمرَّ الحصار في سنة 57هـ، 59هـ. وحاصرها مَسْلَمَة بن عبد الملك فِي زمن أخيه سليمان بن عبد الملك سنة (98هــ=718م). وجرت بضعة مُحاولاتٍ أُخرى لم تبلغ المدينة نفسها؛ بل وصلت ضواحيها ثُمَّ ارتدَّت عنها، وقد وضعها بعض المؤرِّخين من جُملة المـُحاولات الإسلاميَّة لفتح القسطنطينيَّة، منها: حصارها في خلافة محمد المهدي العباسي بقيادة ابنه هارون الرشيد سنة (165هـ=781م). وفي العصر العثماني حوصرت ثلاث مرَّات؛ في عهد بايزيد الأوَّل (796هـ=1393م)، وأخرى في زمن الفترة على يد موسى بن بايزيد سنة 816هـ، وثالثة في عهد مراد الثاني سنة (825هـ =1422م). الطبري، 1967م صفحة 5/232، 293، 308، 315، 6/530، 8/152، ابن الأثير، 1997م صفحة 3/56، 91، 106، 113، 4/86، 5/238، ابن كثير، 1986م صفحة 8/32، 66، 81، 94، 9/174، 10/147، القرماني، 1992م صفحة 3/28، 29، فريد، 1981م صفحة 139، 148، 153، 164، سرهنك، 1895م صفحة 1/495، 500.
[11] Setton, 1976, vol. 2, p. 108.
[12] Har-El Shai Struggle for Domination in the Middle East, The Ottoman-Mamluk War, 1485-1491 [Book]. - Leiden, Netherlands : Brill, 1995., p. 76.
[13] Setton Kenneth Meyer The Papacy and the Levant, 1204-1571: The fifteenth century [Book]. - [s.l.] : American Philosophical Society, 1976., vol. 2, p. 108.
[14] Frashëri Kristo Gjergj Kastrioti Skënderbeu: jeta dhe vepra, 1405–1468 [Book]. - [s.l.] : Botimet Toena, 2002., p. 309.
[15] Frashëri, 2002, pp. 318-319.
[16] Schmitt Oliver Jens Skanderbeg: Der neue Alexander auf dem Balkan (in Germany) [Book]. - Regensburg, Germany : Verlag Friedrich Pustet,, 2009., p. 280.
[17] Setton, 1976, vol. 2, p. 108.
[18] Setton, 1975, vol. 4, p. 322.
[19] Setton, 1976, vol. 2, p. 108.
[20] Har-El, 1995, p. 76.
[21] حليم، 1988م صفحة 64.
[22] القرماني أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، تحقيق: الدكتور أحمد حطيط، الدكتور فهمي السعيد- [مكان غير معروف] : عالم الكتب، الطبعة الأولى.، 1992م صفحة 3/27.
[23] Har-El, 1995, p. 76.
[24] Angold Michael The Fall of Constantinople to the Ottomans: Context and Consequences [Book]. - New York, USA : Routledge, 2014., p. 5.
[25] Har-El, 1995, p. 76.
[26] Angold, 2014, p. 5.
[27] Har-El, 1995, p. 77.
[28] Woods John E The Aqquyunlu: Clan, Confederation, Empire [Book]. - Salt Lake City, USA : University of Utah Press, 1999., p. 128.
[29] يلماز أوزتونا تاريخ الدولة العثمانية/ المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/129.
[30] Har-El, 1995, p. 76.
[31] ابن فضل الله العمري مسالك الأبصار في ممالك الأمصار- أبو ظبي - الإمارات : المجمع الثقافي، 1423هـ، 2002م صفحة 3/315.
[32] ابن تغري بردي النجوم الزاهرة في تاريخ مصر والقاهرة - مصر : وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، ۱۹۳۹م الصفحات 9/78.
[33] فريدون بك، 1848م الصفحات 1/265-266.
[34] Imber Colin The Ottoman Empire, (1300-1481) [Book]. - Istanbul : Isis Press, 1990., p. 145.
[35] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978., p. 66.
[36] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009., p. 21.
[37] Miller William Trebizond; the last Greek empire of the Byzantine era 1204-1461 [Book]. - Chicago, USA : Argonaut, 1926., p. 85.
[38] Sphrantzes Georgios Memorii 1401 – 1477 [Book]. - Bucharest, Romania : Editura Academiei Republicii Socialiste Romania, 1966., p. 77.
[39] Crowley Roger 1453: The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West [Book]. - New York : Hyperion , 2005., p. 53.
[40] Nicol Donald M Byzantium and Venice: A Study in Diplomatic and Cultural Relations [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 1992., p. 392.
[41] Freely, 2009, p. 21.
[42] Tracy, 2000, p. 314.
[43] Babinger, 1978, pp. 99-100.
[44] Freely, 2009, p. 22.
[45] Babinger, 1978, p. 66.
[46] Rezachevici Constantin Vlad Țepeș – Chronology and historical bibliography [Book Section] // Dracula: Essays on the Life and Times of Vlad Țepe / book auth. Treptow Kurt W. - East European Monographs, Columbia University Press : [s.n.], 1991., p. 254.
[47] Giurescu Constantin C. Istoria Românilor (The History of Romanians) in Română [Book]. - București : Fundația pentru literatură și artă "Regele Carol II", 1937., vol. 2, p. 14.
[48] Munoz Jesus Holy Dracula… The Christian Knight [Book]. - boomington, IN, USA : Author House, 2013., p. 151.
[49] Babinger, 1978, p. 66.
[50] Freely, 2009, p. 22.
[51] فاتان، 1993م صفحة 1/121.
[52] Freely, 2009, p. 25.
[53] Babinger, 1978, p. 99.
[54] Setton, 1976, vol. 2, p. 110.
[55] Horowitz Michael, C. The diffusion of military power: Causes and consequences for international politics [Book]. - Princeton, USA : Princeton University Press, 2010., p. 208.
[56] سرهنك، 1895م صفحة 1/507.
[57] McGuire Brian Patrick War and Peace in the Middle Ages [Book]. - Copenhagen, denmark : Reitzel, 1987., p. 230.
[58] Freely, 2009, p. 25.
[59] Venning, 2006, p. 736.
[60] أوزتونا، 1988م صفحة 1/133.
[61] Runciman Steven The Fall of Constantinople 1453 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1965., p. 215.
[62] Frashëri Kristo Gjergj Kastrioti Skënderbeu: jeta dhe vepra, 1405–1468 [Book]. - [s.l.] : Botimet Toena, 2002., pp. 319-321.
[63] Brackob A. K Scanderbeg: A History of George Castriota [Book]. - las vegas, N V, USA : Histria, 2018., p. 99.
[64] Francione Gennaro Skënderbeu, një hero modern : (Hero multimedial) [Skanderbeg, a modern hero (Hero multimedia)] (in Albanian) [Book] / ed. Aliaj Donika and Aliaj Tasim. - Tiranë, Albania : Naim Frashëri, 2003., p. 105.
[65] Brackob, 2018, p. 99.
[66] Francione, 2003, p. 106.
[67] Brackob, 2018, p. 99.
[68] Francione, 2003, p. 106.
[69] Noli Fan Stilian George Castrioti Scanderbeg (1405–1468) [Book]. - New York, USA : International Universities Press, 1947., p. 100.
[70] Setton, 1976, vol. 2, p. 146.
[71] Pitcher Donald Edgar An historical geography of the Ottoman Empire from earliest times to the end of the sixteenth century with detailed maps to illustrate the expansion of the Sultanate [Book]. - Leiden : E. J. Brill, 1973., p. 86.
[72] Venning, 2006, p. 724.
[73]Silburn Percy Arthur Baxter The Evolution of Sea-power [Book]. - London, UK : Longmans, Green and Co, 1912., p. 71.
[74] Gregory Timothy E. A History of Byntizaum [Book]. - west Sussex, UK - Wiley-Blackwell, Malder, M A, USA : Wiley- Blackwell, 2010., p. 392.
[75] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441ه= 2019م، 1/ 137- 159.
التعليقات
إرسال تعليقك