التاريخ الإسلامي

روى مسلم عن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»[1].
 
مرحلة الاصطفاء الأولى: كنانة من ولد إسماعيل عليه السلام:

في هذه المرحلة من الاصطفاء استثنى الله عزوجل معظم العرب المستعربة، ولم يبقَ إلا فرع صغير جدًّا وهو كنانة، وكنانة من ولد إسماعيل عليه السلام، وأولاد إسماعيل تفريعاتهم كثيرة، ولم يبقَ منهم إلا عدنان الجدُّ العشرين للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (عك، ومعد).
 
1- عك: هو الابن الأول من أولاد عدنان، وقد خرجت قبائله وذريته من الاصطفاء، وقبائل عك قبائل عدنانية تسكن اليمن، ومنها قبائل غافق، ولهم دور كبير في فتح مصر، وكذا تواجدوا بقوة في فتوح الشام.
 2- معد: هو الابن الثاني من أولاد عدنان، وهو المصطفى، وهو الجد التاسع عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (نزار- وإياد- ومن المحتمل قضاعة).

1- إياد: هو الابن الأول من أولاد معد، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، وهي قبائل كبيرة كانت في اليمن ثم انتقلت إلى العراق، ومنها قبائل النَخَع، ومن مشاهيرها النخع الأشتر النَّخَعِي، ومنهم إبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد، وهما من التابعين، وغيرهما، وليس منهم صحابة كثيرون لبعد مواطنهم عن المدينة والجزيرة العربية، وقدم وفدهم على النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع من الهجرة. 

2- قضاعة: يحتمل أنه هو الابن الثاني من أولاد معد، وقد خرجت أيضًا قبائله من الاصطفاء، ومن قبائل قضاعة قبائل جهينة، ومنهم عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه الذي كان واليًا ل مصر، ومن قضاعة أيضًا قبائل بَلي، وهم أخوال عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأيضًا من قضاعة قبائل تغلب، ومن تغلب بنو كَلْبِ بن وَبَرَة، ومن أشهرهم زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنه أسامة الحِبُّ بن الحِبِّ، ومن تغلب أيضًا قبائل تَنُوخ، أصحاب مملكة تَنُوخ، وهي كانت مملكة ضخمة في العراق والشام والبحرين وعمان في القرون الثلاثة الثاني والثالث والرابع الميلادي، وكانوا نصارى، وقد اعتنقوا الإسلام متأخرين في زمن الأمويين والعباسيين، ومن تنوخ قبائل لخم، ومن مشاهيرهم موسى بن نصير، وبنو عبَّاد، وهم من ملوك الطوائف بالأندلس بأشبيلية، ومنهم المعتمد بن عبَّاد الأمير الشاعر الشهير، وأيضًا منهم مؤسِّسو دولة المناذرة في العراق.

3- نزار: وهو الابن الثالث من أولاد معد وهو المصطفى وهو الجد الثامن عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (ربيعة، ومضر).
 1- ربيعة، وهو الابن الأول من أولاد نزار، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، وهي قبائل كثيرة، وأهمها اثنان: قبائل عبد القيس، ومنهم الأشج عبد القيس الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ»[2].[3].
ومن ربيعة أيضًا قبائل بكر بن وائل، وهي ضخمة، وانقسمت إلى قبيلتين كبيرتين: بنو شيبان، ومنهم المثنى بن حارثة، ومجزأة بن ثور، بنو حنيفة، ومنهم ثمامة بن أثال، ومنهم بالطبع مسيلمة الكذاب.
2- مضر: هو الابن الثاني لنزار وهو المصطفى، وهو الجد السابع عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (قيس عَيْلَان، وإلياس).
1- قيس عَيْلَان: وهو الابن الأول من أولاد مضر، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، وكانت قبائله كثيرة أهمها خمسة:
أ- قبائل هوازن: ومنها قبائل ثقيف، ومن ثقيف عروة بن مسعود، والمغيرة بن شعبة، ومن هوازن أيضًا عامر بن صعصعة، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث أمهات المؤمنين وزوجات النبي صلى، أيضًا من هوازن قبيلة سعد بن بكر الذين نشأ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم حليمة السعدية.
ب- قبائل غطفان: ومن غطفان تأتي قبيلة أشجع، ومنها نعيم بن مسعود، وقبيلة عبس، ومنها حذيفة بن اليمان وقبيلة ذبيان والتي منها قبيلة فزارة، ومن فزارة عيينة بن حصن، ومنها أيضًا سمرة بن جندب.
ج- قبائل باهلة: وهي امرأة معن بن مالك، ومنها أبو أمامة الباهلي
د- قبيلة عَدْوان: كانت فيهم الإفاضة منذ أيام سيطرة خزاعة على البيت وإلى الإسلام.
ه- بنو سليم: وهم من أكبر قبائل قيس عيلان عددًا، ومن أقواهم جندًا، روى الطبراني وهو صحيح عَنْ سَيَابَةَ بن عاصم السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: "أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ"[4]. قَالَ قُتَيْبَةُ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاث جَدَّاتٍ مِنْ سُلَيْمٍ؛ اسْمُهُنَّ عَاتِكَةُ، فَكَانَ إِذَا افْتَخَرَ قَالَ: "أَنَا ابْنُ الْعَوَاتِكِ". قَالَ البيهقي في الدلائل: بَلَغَنِي أَنَّ إِحْدَاهُنَّ أُمُّ عَبْدِ مَنَافٍ، وَالْأُخْرَى: أُمُّ هَاشِمٍ، وَالثَّالِثَةُ: جَدَّتُهُ مِنْ قِبَلِ زُهْرَةَ)[5]، وهناك تفسيرات أخرى للعواتك.
ومن بني سليم أيضًا: رِعْل، وذكوان، وعُصَيَّة التي دعا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَيَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[6].
هذا دعاء مؤقَّت بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: «اللهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِي يُوسُفَ، اللهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ»[7].
2- إلياس: هو الابن الثاني من أولاد مضر، وهو المصطفى، وهو الجد السادس عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (طابخة، وقمعة، ومدركة).
1-  طبخة: هو الابن الأول من أولاد إلياس، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، ومنها قبيلة تميم، وزعيمهم الأقرع بن حابس، ومنهم عاصم بن عمرو التميمي، وأخوه القعقاع، ومن طابخة أيضًا قبيلة مزينة، ومنها النعمان بن مقرِّن، ومن طابخة كذلك الرباب، ومنها قبيلة تيم، المعروفة بتيم الرباب، ومن طابخة كذلك الغوث، وكانت فيهم الإفاضة أحيانًا.
2-  قمعة: هو الابن الثاني من أولاد إلياس: وقد خرجت أيضًا قبائله من الاصطفاء، ومن قمعة قبائل خزاعة، ومن خزاعة بنو المصطلق، ومنهم أمُّ المؤمنين جويرية بنت الحارث.
3- مدركة: هو الابن الثالث من أولاد إلياس وهو الجدُّ الخامس عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (هذيل، وخزيمة).
 1- هذيل: هو الابن الأول من أولاد مدركة، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، ومنها عبد الله بن مسعود، ومنها أيضًا قبائل لَحْيَان.
2- خزيمة: هو الابن الثاني من أولاد مدركة وهو المصطفى: وهو الجد الرابع عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وله من الأولاد (أسد، والهُون، وكنانة).
1- أسد: هو الابن الأول من أولاد خزيمة، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء، ومنهم أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش وأخوها عبد الله بن جحش، وأختها حمنة بنت جحش، وهم حلفاء بني عبد شمس، وأولاد أميمة بنت عبد المطلب عمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم أيضًا خريم بن فاتك، وهو بدري.
2- الهُون: هو الابن الثاني من أولاد خزيمة، وقد خرجت قبائله من الاصطفاء أيضًا ومنها قبائل عضل، وقبائل القارَة، ومن القارة ابن الدَّغِنَة الذي أجار أبا بكر الصديق عندما فكَّر في الهجرة من مكة.
3- كنانة: أما كنانة فهو الابن الثالث من أولاد خزيمة، وهو المصطفى، وهو الجد الثالث عشر للنبي صلى الله عليه وسلم.
هذه هي قبائل كنانة بفروعها، وهي أفضل بني إسماعيل، أو أفضل مجموعة من البشر عرِقًا، والقبائل الكبرى من عدنان غير كنانة تبلغ 45 قبيلة، يعني كنانة تمثِّل 2.2 % تقريبًا من أولاد عدنان!، ومع ذلك فليس كلُّ الفروع متساوية، ونحسب أن كنانة أكبر من كثير من بقية القبائل، ولذلك يمكن أن نرتفع بالنسبة إلى 5 بالمائة، أو كحدٍّ أقصى 10%، فإذا قلنا إن العرب المستعربة في العالم 100 مليون تقريبًا، فكنانة تبلغ اليوم تقريبًا من 5 مليون إلى 10 مليون![8].
 
 


[1] مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، (2276).
[2] مسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بالأيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه (17).
[3]  الحلم: العقل، الأناة: التثبت وترك العجلة.
[4] الطبراني في المعجم الكبير (6740).
[5] صهيب عبد الجبار: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، 14/ 207. 
[6] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه (4094).
[7] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة (675).
[8] لمشاهدة الحلقة من على يوتيوب اضغط هنا: اصطفاء كنانة1، اصطفاء كنانة2.
 

http://97.105.52.213/ar/artical/3409918/اصطفاء-كنانة