شهدت البوسنة في السنوات الأخيرة إقبالاً ملحوظًا من الفتيات على ارتداء الحجاب، الذي تزداد وتيرته بين طالبات المدارس الثانوية والجامعات وموظفات الدوائر الحكومية والبنوك والشركات الخاصة،
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
أتي الفرج والنصر بعد رفض قبائل دخول الإسلام، أتى الأنصار لرسول الله، ستة نفر من الخزرج، فيسلمون، فماذا عن مميزاتهم؟ ومن يكونون؟
اختار الله عز وجل مجموعة من الرجال العقلاء الحكماء أصحاب الأخلاق الرفيعة حتى يسمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا اللقاء المهم، فكان لقاء الرسول مع الخزرج، فكانوا أنصار بعدها.
كانوا شبابًا:
كان هؤلاء الخزرج غالبًا من الشباب حديثي السنِّ، إذ لم يكن فيهم مِنْ هو معروف بالسيادة في قومه، وبالتالي لم يكن فيهم مَنْ له الرغبة في منع التآلف بين القبيلتين الكبيرتين في يثرب؛ وذلك لدوافع الثأر والغلِّ والحقد المتوارث عبر الأجيال، والحقُّ أننا نجد كثيرًا -في مراحل تاريخية مختلفة- أن الذي يعوق الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وأحيانًا بين أبناء الدين الواحد، هم الزعماء الكبار الذين تزعَّمُوا العداوة بين الفريقين مدَّة طويلة من الزمان، أما معظم الشباب فهم على العكس من ذلك؛ إنهم لا ينظرون إلى هذا التاريخ المظلم، إنما ينظرون إلى الواقع المرِّ الذي يعيشونه، وليس عندهم مانع من إلقاء كل هذا التاريخ البغيض وراء ظهورهم؛ وذلك من أجل السعي إلى مستقبل مشرق؛ وهذا ما دفع الشباب الخزرجي إلى إعلان الرغبة في الوحدة مع الأوس؛ وذلك مع أن موروثاتهم التاريخية تحمل -بلا شك- كل كراهية لهم.
هؤلاء الستة هم: أسعد بن زرارة، وجابر بن عبد الله بن رئاب[1]، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر -وهما ليسا أخوين- رضي الله عنهم أجمعين.
وقد تميَّز هؤلاء الستة بأمور في غاية الأهمية فوق ما تميزوا به من عقل وحكمة وذكاء.
فقد تميزوا أولًا بقدرتهم على أخذ القرار الحاسم غير المتردِّد، فاستطاعوا في لحظات أن يأخذوا أهم قرار في حياتهم على الإطلاق؛ وهو تغيير الدين والدخول في الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القرار الذي أعقبه سعادة الدنيا والآخرة.
وتميزوا كذلك بأعلى درجات الإيجابية؛ فهؤلاء بعد أن اعتنقوا هذا الدين لم يكتفوا بإيمانهم، بل قالوا قولًا عجيبًا -مع أنه لم يمضِ على إيمانهم إلا دقائق!- فقد قالوا: فسنقدَمُ على قومنا يا رسول الله، فَنَدْعُوهُمْ إلَى أَمْرِكَ، وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللهُ عَلَيْهِ فَلَا رَجُلَ أَعَزَّ مِنْكَ!
هكذا في بساطة أصبحوا دعاة إلى الله عز وجل، وأخذوا على عاتقهم تغيير الأوضاع كُلِّيَّة في يثرب، هكذا بعلمهم القليل، وفقههم المحدود، فهذه قمَّة الإيجابية، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً..»[2].
وبالفعل انطلق المؤمنون الستة إلى يثرب يحملون الرسالة الجديدة، فكما يقول الرواة: لم تبقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]، فقد قام هؤلاء الدعاة الجدد بدور التعريف بهذه الدعوة العظيمة، نعم لم يُؤمن من أهل يثرب الكثير؛ لكن أصبح معظم أهل البلد يعرفون هذه الرسالة، وعندما يأتي بعد ذلك مصعب بن عمير رضي الله عنه -كما سنشرح بإذن الله- ليقوم بأمر الدعوة هناك سيجد أرضًا خصبة جدًّا لها؛ فقد مهَّد له هؤلاء الستة، نَعَم هم قليلون في عددهم؛ ولكن ما أثقلهم في ميزان الله عز وجل، وما أبلغ أثرهم في تاريخ البشرية، وليتنا نستوعب درس السبق في هذا المقام.
كما تميَّز هؤلاء النفر بأمر ثالث مهمٍّ، إلى جانب الحسم والإيجابية، وهو القلب الرقيق، والعاطفة الجياشة، وهي صفات لا تُميِّز هؤلاء فقط؛ بل تُميِّز معظم أهل يثرب، الذين أصبحوا بعد ذلك «الأنصار»، وقد يرجع هذا إلى جذورهم اليمنية، فإن أهل اليمن اشتهروا برقَّة القلب، وقد أكَّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم الأشعريون من اليمن فقال: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا»[4]. ولا يخفى على أحد أن أصحاب القلوب الرقيقة أقرب إلى الإسلام من غيرهم؛ لأن القرآن الكريم يخاطب -إلى جوار العقل- قلب الإنسان، فكان تأثُّرهم بكلام الله كبيرًا؛ ومن ثَمَّ أقبلوا على الإسلام دون تردُّد.
إن خلاصة العام الحادي عشر تبدو في عيون الكثيرين غير مُطَمْئِنَة؛ حيث إننا لو جمعنا السمات الرئيسة لهذا العام -كما ذكرناها في الصفحات الماضية- ستُعطي انطباع أن الدعوة مُقْبِلة في الفترة القادمة على سنواتٍ أصعب؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لن يكون مدعومًا بعد ببني هاشم، وإجارة المطعم بن عدي له غير آمنة؛ مما يُمَثِّل خطورة على حياته صلى الله عليه وسلم، ويزيد من هذه الخطورة أن غضب الكافرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قد ازداد في الآونة الأخيرة، وتفاقم هذا الغضب بعد الجدب الذي أصاب مكة، ثم انكسار كبريائهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل مكة قد أَلِفوا مشاهد الإنكار على الإسلام، وصار معظمهم -إن لم يكن كلهم- رافضًا للتفكير أصلًا في مبدأ اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن الدعوة الإسلامية فقدت أكثر من نصف أفرادها العاملين حيث هاجروا إلى الحبشة، ولم يكن معلومًا بأي صورة من الصور متى سيعود هؤلاء المهاجرون من رحلتهم البعيدة.
وينبغي أن نُضيف إلى كل ما سبق أن حصيلة دعوة القبائل غير المكية في هذا العام كانت قليلة؛ حيث إن معظم القبائل لم يستجب منها أحد، ولقد رأينا المفاوضات التي تمَّت مع قبائل كندة، وبني كلب، وبني حنيفة، وبني عامر بن صعصعة، وبني شيبان، ووصلت كلها إلى طريق مسدود، فلم يقبل أحدهم بالإسلام فضلًا عن النصرة، وكان يمكن للعام الحادي عشر أن ينتهي كله دون أي حصيلة لولا أن الله عز وجل مَنَّ على المسلمين بإيمان ستة من الخزرج.
إن الناظر المحلِّل لأحداث هذه الفترة قد يعتقد أن النصر بعيد، وأن الظروف صعبة، لدرجة يستحيل فيها قيام أُمَّة الإسلام إلا بعد عقود أو قرون؛ ولكن في الوقت الذي تعثَّرت فيه المفاوضات مع القبائل الكبيرة القوية التي كنَّا نتوقَّع أن إسلامها قد يُغَيِّر من طبيعة الأحداث في الجزيرة العربية، أراد الله عز وجل أن يرزق المسلمين نصرًا من حيث لا يحتسبون، فجعل من إيمان الستة الخزرجيين سببًا في تحقيق خيرٍ ما كان يُراود أحلام المسلمين! وسوف يمرُّ عامان فقط أو أكثر قليلًا، وسيُصبح للمؤمنين دولة، فهل تصدقون؟!
[1] هو ليس الصحابي المشهور جابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنهما.
[2] البخاري: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، (3274)، والترمذي (2669)، وأحمد (6486).
[3] ابن هشام: السيرة النبوية 1/430، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/170، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 2/355، وأبو نعيم: دلائل النبوة ص299، وابن حزم: جوامع السيرة ص56، والبيهقي: دلائل النبوة 2/435، وابن الجوزي: المنتظم 3/21، وتلقيح فهوم أهل الأثر ص303، والكلاعي: الاكتفاء 1/259، وابن كثير: البداية والنهاية 3/183.
[4] البخاري: كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، (4127)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه، (52).
التعليقات
إرسال تعليقك