الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
علاقة المسلم مع الآخر من هدي الرسول مقال بقلم د. محمد القويز، يبين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعايش مع الآخر
بنيت علاقة المسلم مع الآخر على أسس واضحة، تجعلني أستغرب الطرح المخالف لها أيًّا كان صاحبه.
ولا يشكك أحد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأفقه في دين الله؛ ولهذا سأسترشد بِهُداه ومواقفه، بدءًا بموقفه من حلف الفضول الذي كان في الجاهلية، فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت". ثم علاقته مع عمِّه أبي طالب إلى أن مات عمه (التجأ لمشرك لحمايته والذود عنه)، ثم الهجرة الأولى إلى الحبشة (النصارى) طلبًا للنصرة، ثم حلفه مع خزاعة (القبيلة المشركة)، وحلفه مع اليهود.
وللرسول صلى الله عليه وسلم مواقف مع الآخر على امتداد الرسالة، وهذا بعضها:
1- الموقف الأول: هزيمة الروم (النصارى) من قبل فارس وحزن المسلمين لذلك. وقد أنزل الله آيات يعزي فيها المسلمين بهزيمة الروم، ويبشرهم بأن النصر سيكون حليفهم في المستقبل القريب. قال تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 1, 4]. يفرح المؤمنون بنصر الروم برغم الممارسات الشركية التي كان جُلّ النصارى -إن لم يكن كلهم- يمارسها آنذاك. ولهذا دلالة كبيرة على أن علاقتنا بالمسيحيين تصل إلى درجة أن تسوءنا هزيمتهم ويفرحنا نصرهم.
2- الموقف الثاني: صيام يوم عاشوراء، وهو يوم كانت العرب تصومه في الجاهلية. ولما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد اليهود يصومونه، فلما سألهم عن سبب صيامه قالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون. فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه.
3- الموقف الثالث: موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة عند فتحها، وكان ذلك قبل وفاته بسنة وأشهر. فقد نهى عن مقاتلة المشركين إلا من قاتل المسلمين، وإذا استثنينا من أهدر دمهم وهم أربعة رجال وقيل ستة رجال وأربع نساء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمَّن المشركين على أموالهم وأعراضهم، وضمن لهم حرية المعتقد في أقدس البقاع وأشرفها.
4- الموقف الرابع: في غزوة حنين طلب النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية -وكان مشركًا آنذاك-: "يا أبا أمية، أعرنا سلاحك نلقى فيه عدونا". فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك". فأعطاه مائة درع.
بل لقد انتقل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى رحمة ربه ودرعه مرهون عند يهودي.
هذه الأمثلة وغيرها كثير لم تكن في فترة محددة ولا مكان محدد، بل لقد غطت الرسالة زمانًا ومكانًا؛ لترسم لنا الطريق الأمثل في التعامل مع الآخر (غير المسلم)، وهذا يعارض ما يذهب إليه المتشددون في ذلك المجال من معاصرينا ومن سبقهم.
ومن الأهمية بمكان أن نشدِّد هنا على أن ذلك الموقف المتسامح من المسلم تجاه الآخر موقف دائم، ولكنه لا يتعارض مع آيات الجهاد لتحرير الأرض والدفاع عن أنفس المسلمين وأموالهم وأعراضهم، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].
ولهذا فليس غريبًا -برغم كثرة الغزوات في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن لا يتعدى قتلى جميع المعارك من المشركين واليهود 803 قتلى.
أسوق هذه الرؤية لكي يطلع المسلمون على الكيفية التي كان يتعامل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلم على امتداد الرسالة.
المصدر: موقع الإسلام، نقلاً عن جريدة الرياض.
روابط ذات صلة:
- العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين
- فن التعامل النبوي مع غير المسلمين
- منهج التبشير النبوي مع غير المسلمين
- المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين
التعليقات
إرسال تعليقك