جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
حوار مع رئيس الجامعة الإسلامية في تايلاند د. إسماعيل لطفي جافاكيا يوضح فيه خطورة المجتمع البوذي على مسلمي تايلاند، ويأمل إمدادهم بالدعاة والدعم
أكد د. إسماعيل لطفي جافاكيا رئيس جامعة جالا الإسلامية في تايلاند ورئيس بعثة الحج التايلاندية أن مساعي الحكم التايلاندي لتذويب هوية شعب فطاني المسلم في المجتمع البوذي تشكل أكبر تحدٍّ يواجه ملايين المسلمين في هذه المنطقة الملتهبة, لافتًا إلى أن الاهتمام والدعم العربي والإسلامي يشكلان طوق نجاة لإفشال مخططات بانكوك داخل الجنوب المسلم، والتوقف عن حملات الاعتقال والتصفية في صفوف المسلمين.
ولفت جافاكيا إلى الأوضاع الصعبة التي يعاني منها مسلمو تايلاند على كافة الأصعدة بسبب ممارسات التمييز والحرمان التي دأبت على تبنيها حكومات تايلاند المتعاقبة في تعاملها مع مسلمي الجنوب، مناشدًا العالم الإسلامي التدخل لدفع هذه الحكومة لتحسين أوضاع المسلمين، والتخلي تمامًا عن نهج التصفية والمواجهات العسكرية، وفتح صفحة جديدة معها.
ومع هذا لم يخف رئيس جامعة جالا الإسلامية تفاؤله باحتمالات تحسن أوضاع مسلمي تايلاند ولو نسبيًّا في ظل تعاطي الدولة بشكل مختلف مع شئون المسلمين في الفترة الأخيرة؛ حيث تعهدت الحكومة بتحسين أوضاع المسلمين والعمل على حل مشاكلهم وتخفيف القبضة الأمنية، وهو ما ظهر جليًّا في موافقتها على طلب بإنشاء عدد من المحاكم الشرعية بمدن الجنوب والعمل على الدخول في مشاورات لترطيب الأجواء.
كما طالب جاكافيا بتكثيف الدعم والاهتمام الإسلامي والعربي بمسلمي بلاده، مشيرًا إلى ضرورة دعم مسار الدعوة الإسلامية عبر مضاعفة المنح المقدمة للطلاب التايلانديين لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية، وتقديم كافة أنواع الرعاية للمؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس إسلامية باعتبارها خط الدفاع الأول عن هوية مسلمي تايلاند.
نقاط عديدة تضمنها الحوار مع رئيس جامعة جالا الإسلامية في تايلاند، نعرضها بالتفصيل فيما يلي:
** في البداية نرجو أن تلقي لنا الضوء بصورة مختصرة عن الكيفية التي وصل بها الإسلام إلى تايلاند؟
- هناك روايات متعددة للطريقة التي دخل بها الإسلام إلى بلادنا، ولكن أدق الروايات تذهب إلى أن الدين الحنيف حطَّ أقدامه خلال القرن الثالث عشر الميلادي عبر سلسلة من التجار العرب والهنود؛ حيث لم يكتف هؤلاء التجار بدورهم الاقتصادي ومارسوا دورًا دعويًّا نشيطًا بشكل أسهم في اعتناق مئات التايلانديين الإسلام، بل وامتدت آثارهم الدعوية إلى جهات متعددة لم تطأها قدم عربي أو مسلم. وساهم احتكاك تايلاند بالمناطق الإسلامية في الأرخبيل الماليزي وخليج البنغال وإندونيسيا في تنشيط الدعوة الإسلامية، وفي وصول مسلمين لمناصب عليا في المملكة؛ حيث أعجب ملوك تايلاند بأخلاق المسلمين وقرَّبوا الكثير منهم.
أما المسلمون في جنوب تايلاند أو ما يُطلق عليه "مملكة فطاني"، فهم مواطنون أصليون لم يتصل نسبهم بالتجار العرب والمسلمين، بل نجحوا قبل ذلك في تأسيس مملكة إسلامية قوية استمرت لعدة قرون حتى مطلع القرن السابع عشر؛ حيث استقبلت المملكة أول هجوم تايلاندي بغرض إسقاطها كان بداية لصراع طويل بين الفطانيين وتايلاند استمر لأكثر من 86 عامًا، نجحت بعدها القوات التايلاندية في السيطرة على المملكة واحتلال جميع مناطقها.
إعادة تأهيل
** ما هي أعداد المسلمين في تايلاند ومناطق تواجدهم؟
- يبلغ عدد المسلمين في تايلاند حوالي عشرة ملايين نسمة ينتشرون في مختلف أنحاء البلاد، ويمثلون أكثرية في المحافظات الجنوبية وهي فطاني وجالا ونارتيوات وستول وسونجكلا، ويبلغ عدد المساجد في تايلاند حوالي 4000 مسجد أغلبهم في المحافظات الجنوبية، وتحتاج لإعادة تأهيل وترميم، إضافةً إلى وجود أكثر من 356 مسجدًا في المنطقة الوسطى والعاصمة بانكوك بنيت أغلبها بجهود أهلية، وإن كان النذر القليل منها قد بُني بدعم حكومي. ولا تقتصر أنشطة المساجد على الصلاة بل تُعد مقرًّا لجمع الزكاة وتوزيعه على المستحقين، وكذلك الإعلان عن مطالع الأشهر العربية وبدء الصيام، والاحتفال بعيدي الفطر والأضحى، فضلاً عن وجود كُتَّاب لتعليم الأطفال القرآن وحفظه ومعرفة أحكامه.
خطر الذوبان
** دائمًا ما تطالب منظمة المؤتمر الإسلامي الحكومة التايلاندية بالتدخل لتحسين أوضاع المسلمين، فما هي أبرز المشاكل والتحديات التي تواجههم؟
- يواجه المسلمون حزمة كبيرة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، لعل أبرزها على الإطلاق خطر الذوبان في المجتمع البوذي، وهو ذوبان يتم وفق مخطط بطيء لكنه مؤثر على المدى الطويل، غير أن وجود تنظيمات إسلامية قوية حال دون نجاح مخطط التذويب المشئوم، وهو ما ردت عليه الحكومة التايلاندية بطرد زعماء المسلمين للخارج؛ وذلك لإضعاف أي مقاومة لهذا التذويب الممنهج.
** هذا على الصعيد الاجتماعي، فماذا عن الجوانب الأخرى؟
- فيما يتعلق بالتعليم يعاني مسلمو تايلاند من نفس المشكلة؛ فالأطفال في المدرسة الابتدائية مضطرون للذهاب إلى المدارس البوذية الإلزامية، وما ينتج عنها من اكتساب التلاميذ لعادات غير إسلامية، وهو ما تحاول المؤسسات الإسلامية التصدي له عبر محاولة ربطهم بدينهم وإلزامهم بدراسة القرآن الكريم قراءة وحفظًا وتفسيرًا، والاطلاع على سيرة الرسول r. غير أن انتقال هؤلاء الطلاب إلى المراحل الأعلى من التعليم تجعلهم يصطدمون بمدارس ومعاهد إسلامية تفتقد للإمكانات والطاقات البشرية المؤهلة في هذا المجال، ولا تتوفر لها المناهج الخاصة بالتعليم الإسلامي، وتعاني ندرة الكتب الإسلامية، ووجود سياسات تعليمية معادية من قبل الحكومة التايلاندية؛ بغرض إبقاء المسلمين أسرى للتخلف التعليمي والاقتصادي.
حرمان واستهداف
** الأجواء التي تتحدث عنها تشير لنوع من التمييز على الصعيد السياسي يعاني منها مسلمو تايلاند منذ سنوات؟
- لا شك أننا عانينا من التمييز والحرمان من الحقوق السياسية لعقود طويلة ومن الحصول على وظائف في مؤسسات الدولة العامة، ومن استهداف أمني لمساجدنا ومؤسساتنا ومن عمليات تصفية أمنية في صفوفنا إلا أن هناك شعورًا في أوساط المسلمين بوجود نوع من التحسن في سبل تعاطي الدولة مع شئون المسلمين؛ حيث تعهدت الحكومة بتحسين أوضاع المسلمين والعمل على حل مشاكلهم وتخفيف القبضة الأمنية، وهو ما ظهر جليًّا في موافقتها على طلب بإنشاء عددٍ من المحاكم الشرعية بمدن الجنوب.
تخفيف القيود
** هل هناك مظاهر أخرى بتحسن سبل التعاطي الحكومي مع مشاكل المسلمين؟
- هناك تخفيف للقيود التي كانت مفروضة على العمل الدعوي عبر السماح بعودة عدد من علماء المسلمين المنفيين في الخارج، وتقديم دعم حكومي لعدد من الجامعات الإسلامية والبدء في رعاية عدد من الطلاب المبتعثين للدراسة في الجامعات الإسلامية الكبرى، وهو ما أسهم في خفض أجواء التوتر بين الحكومة والمواطنين المسلمين.
** لكننا من آن لآخر نسمع عن مواجهات دموية بين قوات الأمن والمواطنين المسلمين في الجنوب؟
- بالفعل هناك مواجهات من آن لآخر، لكن وتيرتها تراجعت لحد كبير بعد أن كانت سلوكًا يوميًّا لأجهزة الأمن بفعل مجموعة من التغييرات السياسية التي شهدتها تايلاند، وابتعاد المجموعات المعادية للمسلمين عن السلطة، وتنامي مظاهر العمل السلمي في أوساط المسلمين لاستعادة حقوقهم، وهو ما نأمل أن يجد صدى للحكومة التايلاندية؛ لإنهاء جميع مظاهر التمييز التي عانى منها المسلمون ومناطقهم طوال العقود الماضية، وتخصيص موازنات كبيرة لإعادة تأهيل هذه المناطق وحل مشاكلها.
نجاحات.. ولكن
** ترأسون جامعة إسلامية في تايلاند، فما دور هذه الجامعة في تنمية الوعي الديني لدي مسلمي تايلاند؟
- من وظائف جامعة جالا الإسلامية تخريج كوادر دينية وشرعية قادرة على رفع مستوى الوعي الديني لمسلمي تايلاند، وزيادة ارتباطهم بدينهم، وإفشال محاولات تذويبهم في المجتمع البوذي، وهو ما نحاول التصدي له بكل قوة، وقد نجحت جامعة جالا وعدة جامعات إسلامية في إيجاد نوع من الصحوة الإسلامية تبدو مظاهرها في الإقبال على الصلاة والصيام وارتداء الفتيات للحجاب وصوم رمضان، رغم نقص الإمكانات وعدم وجود عدد كبير من كوادر هيئات التدريس، وهو ما نحاول التغلب عليه بإيفاد مبعوثين إلى الجامعات الإسلامية العالمية، ومحاولة الحصول على عدد كبير من المنح من قبل دول إسلامية لطلابنا.
دعم كريم
** كيف تجدون رد الفعل من جانب الدول الإسلامية على المطالب بدعمكم؟ وما حجم تواجد المنظمات الإغاثية الإسلامية في مناطقكم؟
- هناك تعاطي إيجابي من جانب بعض الدول الإسلامية وفي الطليعة منها المملكة العربية السعودية وماليزيا مع مطالبنا فيما يتعلق بزيادة عدد المنح لطلابنا المبتعثين، وإرسال الكتب الدينية، وإقامة الدورات التدريبية لتأهيل الدعاة، وتقديم مساعدات مالية للجامعات والمؤسسات الإسلامية في الجنوب التايلندي وترميم المساجد. أما المؤسسات الخيرية الإسلامية فتقف على رأسها رابطة العالم الإسلامي، والتي لم تكف عن تقديم الدعم بكافة أشكاله للمسلمين في تايلاند بحثِّ الحكومة التايلاندية على وقف العمليات العسكرية ومناشدة الدول الإسلامية بإقامة علاقات مع تايلاند، واستغلال وجودها الدبلوماسي لتحسين أوضاع المسلمين، وافتتاح مراكز ثقافية إسلامية هناك، ناهيك عن تأمين الاحتياجات الضرورية لها من مراجع ومصاحف وكتب تراث بشكل يحفظ لهم شخصيتهم الإسلامية.
** هل تقف رابطة العالم الإسلامي وحدها في هذا المجال؟
- بالطبع لا، فهناك جمعيات إغاثية عربية وإسلامية تقدِّم خدمات جليلة للمسلمين منها الرئاسة العامة لإدارة البحوث والإفتاء والدعوة الإرشاد بالمملكة العربية السعودية، حيث تكفل العديد من الدعاة والمدرسين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، إضافة لتوزيع المصاحف والكتيبات إلى عدد كبير من المساجد والمعاهد الإسلامية الأهلية. كما تقدم هيئة الإغاثة الإسلامية خدمات جليلة في مجالي التعليم والدعوة تحظى بتقدير مسلمي تايلاند، إضافة إلى دور مهم تمارسه الندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمجلس العالمي للدعوة والإغاثة، وجمعية الوقف الخيري الكويتية.
شوق وإقبال
** تشغلون منصب رئيس بعثة الحج التايلاندية إلى الأراضي المقدسة، فكيف ينظر مسلمو تايلاند لهذه الفريضة؟
- هناك شوق كبير وإقبال متنام من قبل مسلمي تايلاند على أداء فريضة الحج، لدرجة أن الأعوام الماضية شهدت زحامًا رهيبًا على المؤسسات المنظمة للحج، وعجزًا من هذه المؤسسات على الاستجابة لطلبات الحج التي تجاوزت السقف المحدد للمسلمين، وهو أمرٌ لمسه القائم بالأعمال السعودي في بانكوك، ونقله لحكومة خادم الحرمين الشريفين، وهو ما استجيب له بمكْرُمةٍ ملكية من العاهل السعودي، تضمنت زيادة الحصة المقررة لنا بألفي تأشيرة حج، وهو ما كان محل تقدير من قِبل المسلمين في تايلاند، مع أنه كرم ليس غريبًا على العاهل السعودي وحكومته.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.
التعليقات
إرسال تعليقك