الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
التأليف في علم معرفة الرجال، مقال يرصد جهود المسلمين في علم الجرح والتعديل الذي نشأ لخدمة السنة النبوية
لما كان علمُ معرفة الرجال وذكرُ سيرِهم وأخبارهم من العلوم التي نشأت لخدمةِ السُّنةِ النَّبوية المطهرة أولاه علماء المسلَمين عنايةً خاصةً. فظهرت كُتُب معاجم الصحابة والتابعين وتواريخهم وأخبارهم، سَجَّلوا فيها كل من ثَبَتَ له صُحَبَةٌ للنَّبي صلى الله عليه وسلم، ثم كُتُبُ "عِلَلِ الرِّجال" أو كُتُبُ "الجرح والتعديل" لتَوثيق مَنْ صحّت روايته، ولا يكون موثقًا إلا إذا عُرفت سيرته وحياته. فأولى علماءُ الحديث هذا الجانب عنايةً تامةً، وأبدعوا في معرفة أخبارِ الرِّجال وسيرِهم ووصلوا بهذا العِلم إلى منزلة لم يبلغها أحد تَقَدَّمهم من الأمم السابقة.
وتعددت طرق التأليف فيه وتشعَّبت إلى أقسامٍ كثيرةٍ.
فمن كتب "الجرح والتعديل" كتب "معرفة الثقات" إلى الاهتمام بالمواليد والوفيات للرواة ليعلم السابق من اللاحق إذا اتحدت أسماء المُحدثين، أو تَشابهت أنسابهم، كما ألَّفوا كُتُبَ "الأنسابِ" و"الألقابِ" و "الكُنى" و "المُؤتلف والمُختلف".
وذكر كلّه خدمةً لعلمِ الرِّواية لكي لا تتداخل روايةُ موثَّقٍ بروايةِ مطعونٍ في توثيقِهِ إذا اتفقا في اسمٍ أو كنيةٍ أو لقبٍ أو نسبةٍ. ومن هذا الفن إلى تواريخ المُدن فألفوا في ترَاجم أهل بغداد ودمشق والقاهرة ومكةَ والمدينةَ وبيت المقدس وحلبَ ومروَ ونَيسابورَ وخوارزم وقِزْوينَ والمَوصلَ وغرناطة وإشبيلية وقرطبة وأهلِ جزيرَةِ الأندلس بعامةٍ وأهل صقلية .. . وغير ذلك.
ومن هذا الفنِّ معاجمِ الشُّيوخ، فكثير من العلماء يدون أسماء شيوخه ومروياته عنهم، وكثيرًا ما يكون المُعجم حافلًا فيه من الأَخبارِ والرجالِ وأسماءِ الكُتُبِ والأسانيد ما لم يَرد في غيره من الفَوائد العلمية.
ويلحق بهذا الفن كُتُبُ الرحلات، وهى أشبَهُ بالمعاجم إلا أنها أكثرُ تفصيلًا في وصفِ مجالس العلمِ. ووصفِ معالمِ الطريقِ، وهى أشبهُ بالمذكرات اليومية. كما يلحق به تراجم رجالِ العمر سواءً كانُوا شيوخا أو لم يكونوا كذلك.
ومن هذا الفن طبقاتُ العلماء على اختلاف تخصصاتهم فلأهل التَّفسير طبقات وللقُراء طبقات وللمُحَدِّثين طبقات وللفُقهاء طبقات وللنَّحْوِيين طبقات وللشُّعراء طبقات وللأطباء والحُكماء وحتى ذوو العاهات ألفوا في تراجمهم مؤلفات خاصةً، مثل كتاب "الشعور بالعور" ترجم فيه لكلِّ من كان أعور، وكتاب "نكت الهيمان في نكت العميان" وهما لصَلاحِ الدِّين الصَّفَدِيِّ.
التعليقات
إرسال تعليقك