ملخص المقال
كن حيوانا، قصة قصيرة تؤصل لخلق جعله الله في عموم المخلوقات من الإنس والجن والحيوان، ولكن ما تنصل منه كثير من الناس، فما هو ذلك الخلق؟
عاشَا معًا مدة قصيرة من الزمن .. مدة لا تزيد عن شهر .. تشاركا فيها في كل شيء.
فكانا يأكلانِ في طبق واحد، ويشربانِ من إناء واحد، ويلتحفانِ سماءً واحدة، ويفترشان أرضًا واحدة.
تسمع صوتيهما يتحادثانِ في جُنح الليل فتعرف شدةَ الصداقة التي تكوَّنت بينهما رغم أنهما من جنسينِ مختلفين، إلا أنك تُحِس بتناغمٍ وانسجام بينهما، قلّما تجدُه في أي علاقة.
وحينما ترى كلاًّ منهما يفترش الأرض بجوارِ صاحبه، كأنك ترى حبيبينِ استظلّا بسماءٍ صافية، على شاطئِ بحرٍ هادئ، تغمرهما أشعة الشمس الدافئة.
يرقُبان بأعينِهما ما يدور حولهما، ولا يحركان ساكنًا لشيء أيًّا كان، هما فقط يستجمَّان في أشعة الشمس أمام مخبزٍ "فلاحيّ" بسيط، ناعمين بالهدوء والسكينة.
لا يختلفان أبدًا، ولا تتعالى أصواتهما في عراك، يسبِّحان اللهَ معًا في سكينةٍ ووقار.
لعلك حسِبتَني أتكلَّم عن إنسانين.
لا والله، إنما تكلَّمتُ عن حمارٍ وخروف.
عندما كنا صغارًا، كان جدِّي قد اشترى خروفًا ليضحِّيَ به في عيد الأضحى، وربَطه بجوار حمارِه خلف المنزل الفلاحي الجميل، اشتراه قبل شهرٍ من يوم النحر، فربط هذا الخروفَ بجوار الحمار، يؤنِسُ كلُّ منهما وحدة الآخر، ولو كنت مكان الحمار، لطرتُ، أو لأصبحتُ حصانًا من شدة فرَحي بهذا الضيف الذي جاء على شوقٍ ليسلِّي وَحْدتي.
ولما آنَ وقت الذبح، جاء جَدِّي وأخوالي بعد صلاة العيد ليفرِّقا الصديقينِ الحميمين عن بعضهما البعض، أخذوا الخروف وقيَّدوه من يديه ورِجْليه، وسمَّوْا وكبَّروا، ثم أعملوا السكّين في رقبته، ثم فوجِئْنا بالحمار يتحرَّك حركات غريبة في مكانه، ويُصدر أصواتًا غريبة، قد توحي بالغضب أو الخوف أو الإشفاق أو الحزن.
لما رأيناه هكذا علِمْنا أننا أخطأنا لكوننا حسِبنا هذه الحيوانات لا تُحِس ولا تشعُر بأية مشاعر، ولا تعقِل أيَّ شيء حولها، لقد حزن الحمار على ذبحِ رفيقٍ له لم يعاشِرْه سوى شهر واحد.
خطَر على بالك شيء الآن؟ ما هو؟
نعم، إنه نفسُ ما خطَر ببالي حين تذكرتُ تلك الواقعة، لقد حزن الحيوانُ على قتلِ رفيقه، في حين لا يحزن بعضُ البشر في زماننا هذا على قتل إخوانهم في الدِّين أو الوطن، أو قتل أي إنسان كان، بدون وجه حق، لقد أثبتت الحيواناتُ أنها أرقُّ قلبًا، وأكثر رحمةً، وأسلم فِطْرة من كثير من البشر كرَّمهم الله بالعقل والمشاعر.
نعم، قد يكون حيوانٌ خيرًا عند الله من إنسان ذي قلب ميت.
مرَّ يهوديٌّ على إبراهيم بن أدهم فقال: يا إبراهيم، ألحيتُك خيرٌ مِن ذَنَب كلبي، أم ذَنَب كلبي خير من لحيتك؟ فرد عليه إبراهيمُ بن أدهم في هدوء المؤمن: إن كانت في النار، فذَنَبُ كلبك خيرٌ منها، وإن كانت في الجنة، فهي خيرٌ من ذَنَب كلبك.
لذلك أخي الكريم، إن كنتَ لم تحزَنْ ولم تغضبْ لقتل كثير من إخوانك، قُتِلوا بغير حق، وإن كنتَ لا تستطيع أن تكون إنسانًا ذا فطرة سليمة، فأنصَحُك نصيحة لا أخدَعُك فيها:
كُنْ حيوانًا!
المصدر: شبكة الألوكة
التعليقات
إرسال تعليقك