جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
لماذا يتم تضخيم أزمة دارفور الآن مقال يتناول الأسباب الحقيقية للتدخل الغربي في أزمة دارفور، فما هي أبعاد هذا التدخل ومراميه؟ ولماذا قفزت أزمة دارفور
يسجل الكتاب أن أزمة دارفور لقيت صدى إعلاميًّا واسعًا بسبب الخلفيات الاستراتيجية والأطماع الغربية، وهكذا تم إحصاء (17) مليون مادة خبرية في عشرين شهرًا خلال عام 2005م وبداية عام 2004م في أربع وكالات أنباء فقط هي: وكالة الأنباء الفرنسية, ووكالة الأسوشيتدبرس, ووكالة رويتر, والـ(بي بي سي)، 5% فقط منها أقرب إلى الاعتدال في معالجتها للمشكلة.
لكن لماذا كل هذا الاهتمام العالمي، ولماذا قفزت أزمة دارفور إلى واجهة الأحداث بتلك السرعة بينما كان يجري استتباب السلام؟
منذ بداية الأزمة تغيرت مواقف كل من بريطانيا والولايات المتحدة من الترحيب بالمحاولات السودانية لحل النزاع إلى الهجوم، مدفوعين بالأزمات التي نشبت إثر احتلال كل من أفغانستان والعراق، من أجل الضغط في منطقة أخرى..
وهكذا بدأت بعض وكالات الأنباء تبث أخبارًا عن دارفور فيها الكثير من المبالغات، وتنشر صورًا مؤثرة على الرأي العام العالمي، وأخذ المسئولون الأمريكيون والأمميون يُدلون بتصريحات تهوِّل من الأزمة، مثل التصريح الشهير لـ(موكيش كابيلا) المنسق الخاص للأمم المتحدة السابق في السودان الذي قال فيه: "إن أزمة دارفور أخطر مأساة إنسانية على الإطلاق"، ثم أردف ذلك بتصريح آخر لـ(بي بي سي) وصف فيه ما يحصل في دارفور بأنه"إبادة عرقية".
أما أخطر تصريح فهو ما أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عام 2003م قبيل زيارته للسودان، والذي قال فيه: "إن ما يجري في دارفور أسوأ بكثير مما حصل في رواندا".
وليس خافيًا علينا أن المنظمات الطوعية والإغاثية في العالم مرتبطة بأجندات إدارية لإبقاء نفسها واستدامة أهدافها ووجودها وكذلك التأثير الغربي المتعمد، فهناك منظمات إغاثية جاءت من أوربا والولايات المتحدة،ومنظمات عالمية أخرى تنتمي إلى عدد من البلدان،وتهتم بالإغاثة وحقوق الإنسان ووضع حد للانتهاكات،ومنظمات مثل: منظمة العفو الهيومان رايتس ووتش "الرقابة الإنسانية", والعديد من المنظمات العاملة في السودان, وأطباء بلا حدود.
مثل هذه المنظمات تعمل على إبقاء نفسها على الصورة دائمًا عبر حملات لجمع الأموال والتبرعات، وبالتالي هناك شك في مصلحتها الحقيقية في استدامة أي نزاع؛ حتى يكتب لها البقاء, وهناك أطروحات أكاديمية كبيرة في أوكسفورد وغيرها, تؤكد أن منظمات الإغاثة تستهلك التمويل الذي بيدها لإدارة عملها أكثر من أعمال الإغاثة الإنسانية, وتصل مصروفاتها الإدارية إلى70 -80%، والباقي يذهب للمحتاجين، وهو شيء مضحك..
ومع أن الجميع مسلمون، وأن الخلافات بين القبائل في إقليم "دارفور" قديمة، وكلها بسبب الاعتداءات التي تحدث من الرعاة على حقول المزارعين؛ لأجل إطعام قطعانهم، ويتم حلها بمجالس عرفية أحكامها ملزمة للطرفين، رغم كل ذلك إلا أن القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا نسجت خيوط حرب عرقية، وحوادث اغتصاب يقوم بها مسلمون ضد مسلمين آخرين ومسلمات، وقامت هذه الدول للدفاع عن حقوق هؤلاء المظلومين المسلمين ضد إخوانهم الظالمين المسلمين أيضًا.
وإذا كنا نعلم علم اليقين أن أمريكا وأتباعها من الدول الأوربية تقود حرب "صليبية" على المسلمين في كل مكان من الأرض تصل أيديهما إليه, فما بالهما في قضية "دارفور" تأتيان للتدخل من أجل حماية فريق من المسلمين؟!! إن الأمر يمثل لغزًا لمن لا يدرك الأسباب الحقيقية للتدخل الغربي، ويدفعنا للتساؤل عن أبعاد هذا التدخل ومراميه.
فإن لهذا التدخل أربعة أسباب مهمة وأساسية:
أولها: خوف الدول الصليبية الاستعمارية من انتشار المدِّ الإسلامي في إفريقيا وسطًا وجنوبًا، وخاصة في جنوب السودان، فهذه الدول التي ظلت تدعم التمرد في جنوب السودان طوال عشرين عامًا أو يزيد -حتى استطاعت الوصول لاتفاق السلام الذي يمهد لانفصال الجنوب- تطمح بعد هذا الانفصال إلى تحقيق حُلمها بإقامة دولةٍ مسيحيةٍ في جنوب السودان..
هذه الدولة المستقبلية مُخطَّط لها أن تكون حاجزًا منيعًا أمام انتشار الإسلام في إفريقيا، وأن تمنع التواصل بين المسلمين والشعوب المسلمة المضطهدة وسط وجنوب قارة إفريقيا, مع إبقاء دول الشمال المسلم في حالة قلق وعدم استقرار مستمرَّيْن، عن طريق تصدير الاضطرابات من هذه الدولة التي ستكون مرتعًا لأجهزة الاستخبارات العالمية.
ثانيها: قضية البترول السوداني، ومحاولات الاستيلاء عليه من الشركات الكبرى بهذه الدول الاستعمارية الصليبية، حيث يصل الإنتاج الحالي إلى 350 ألف برميل يوميًّا -في حالة استقرار الوضع السياسي- واحتياطي يصل إلى 3 مليار برميل، وتقع الاكتشافات النفطية بالجنوب، وجنوب شرق، وجنوب غرب، حيث جنوب دارفور، ذي المساحة الشاسعة، والبترول الواعد الذي يمد أمريكا حالياً -من خلال أنبوبة النفط الممتدة بداية من تشاد- بحوالي 16% من احتياجاتها الاستهلاكية اليومية من البترول.
وهناك ما هو أخطر من البترول.. حيث يختلط تراب إقليم دارفور باليورانيوم بكثرةٍ تجعله محط أنظار كل القوى الكبرى عالميًّا وإقليميًّا.
ثالثها: السيطرة على منابع النيل والضغط على مصر والسودان سياسيًّا، حيث سيصبح مصيرهما مرتبطًا بالدولة المسيحية المسيطرة على مجرى النيل، ومن ثَمَّ مرتبطًا بالدول الكبرى، ورغباتها، وعندها يصير القرار السياسي مرهونًا برغبات هؤلاء، وتفقد مصر والسودان استقلاليتهما عمليًّا، أو تضطران لخوض غمار حربٍ أمام القوى الكبرى دفاعًا عن الحياة ذاتها، كذلك تقديم مياه النيل هدية إلى إسرائيل التي مازالت تحلم، وتخطط بوصول مياه النيل إليها؛ ليروي ظمأ المحتلين، وييسر سبل العيش والزراعة لهم بأرخص الأثمان.
رابعها: الاستفادة من خصوبة أراضي السودان سلة غذاء العالم العربي، في توفير الغذاء بأنواعه لكل الدول الاستعمارية المشاركة في إشعال الأزمة، مع إبقاء الوضع في شمال السودان على ما هو عليه من عدم استخدام هذه الأراضي بالصورة التي تخدم السودان، والعالم الإسلامي، وذلك من خلال إبقائه في دوامة الصراع، والضغط عليه باستخدام سلاح المياه.
إذن تبدو الصورة في حقيقتها مختلفة عن الجزء الظاهر منها... الذي تظهر فيه الولايات المتحدة وأوربا، وهي ترتدي عباءة الأم الحنون التي تعطف على المساكين الذين يتعرضون للاضطهاد والإبادة، حيث يظهر الشكل الحقيقي لثعلبٍ ماكر يداور ويناور من أجل التهام ذلك الجزء من العالم الإسلامي، لتنفتح له أبواب أخرى ظل يخطط لفتحها طويلاً حتى آن الأوان.
التعليقات
إرسال تعليقك