جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
يقع الصومال ضمن القرن الإفريقي وله الأهمية البالغة لشركات النفط العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج، ولأنه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شريان
يقع الصومال ضمن القرن الإفريقي وله الأهمية البالغة لشركات النفط العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج، ولأنه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شريان الحياة التجارية، إضافة لثرواته الدفينة وغير المستغلة ومنها النفط ويبلغ حده البحري10.320كم لكن إثيوبيا دولة داخلية ليس لها من منفذ بحري، ودول الجوار الملاصقة له هي جيبوتي، إثيوبيا، وكينيا، بينما السودان قريب والصلات بين السودان والصومال قديمة وعديدة.
ولو عدنا للتاريخ لوجدنا في عام1515انتصر الصومال على الأحباش الاسم القديم الذي أطلق على الإثيوبيين فكان طلبهم من الدول الأوروبية مساعدتهم فتدخلت في تلك الأيام البرتغال ووصلت قواتها إلى سواحل الصومال وأنهت الاحتلال .
إذاً الصراع قديم وامتد قروناً بين أخذ ورد ، وللتدليل على العداء المستحكم بين البلدين الجارين وبعد عدة شهور من انهيار نظام الرئيس سياد بري عام 1991 انهار نظام"هيلامريام"في إثيوبيا ويوم فراره من أديس أبابا قال:"لو كان لشعب إثيوبيا نصف عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلا عليهم فقد نجحت في إسقاط حكومة عدوهم، وها هي الصومال اليوم بلا دولة ولا نظام"، ويكمل قوله رئيس الوزراء الحالي"ميليس زيناوي"بإعلانه صراحة عن ضرورة تغيير مناهج التعليم في الصومال وإلا ستصبح طالبان جديدة في القرن الإفريقي.
العداء قديم أضيف له ضم هدية بريطانيا إقليم (أوغادين) الصومالي لإثيوبيا، والحروب المتجددة دوماً بينهما وكان آخرها في تسعينات القرن الماضي ليتوجها العدوان الأخير وإعلانها الحرب على المحاكم الإسلامية رغم الادعاءات بأنها حرب للدفاع عن النفس، و قد مهد للتدخل طلب الحكومة المؤقتة بحجة أنها استقدمت مدربين لتدريب جنودها، والدوافع الحقيقية للحرب تتمثل في الأهداف الإثيوبية الأساسية تجاه الصومال لإبقائه مقسماً، وإقامة جمهورية فيدرالية صومالية، وأن يتنازل الصوماليون عن "أوغادين"، والحكومة المركزية المطيعة يجب أن تبقى ضعيفة وأن تحد من تحالفها مع السودان حتى لا تكون في القرن الإفريقي حكومتان قويتان إسلاميتان، ويدعم إثيوبيا في توجهاتها كل من كينيا وأوغندا، بينما تدعم إريتريا الصومال لأنها كانت من ضمن مناطق الاحتلال الإثيوبي واستقلت عنه في أواخر القرن الماضي، ولا زالت إثيوبيا تريد استعادة أرض تزعم أنها احتلتها إريتريا بعد أن أعطيت لها من قبل لجنة ترسيم الحدود التابعة للأمم المتحدة عام2002.
وكينيا، وقد أهدتها أيضاً بريطانيا أرضاً صومالية(إقليم النفد)قال رئيسها السابق"أراب موي"خلال زيارة له لواشنطن مجيباً على سؤال وجه له لماذا لا يوجد في الصومال دولة موحدة؟!...فكان رده:"كينيا وإثيوبيا لن تكونا صادقتين في المصالحة الصومالية لأنهما تخافان إذا وجدت دولة صومالية أن تعيد نزاعها معهما للسيطرة على أراض منهما"وكان بذلك يخفي حقيقة ما سلب من أرض الصومال.
وجيبوتي الإقليم الذي احتلته فرنسا من الصومال ونال استقلاله عن الصومال يتطلع إلى جعل الصومال دولة قوية تساعدها على حماية ذاتها لأنها دولة ضعيفة عدد سكانها 500ألف نسمة انضم إليهم300 ألف نسمة من اللاجئين الصوماليين.
من كل هذا تتضح بجلاء العوامل الأساسية لصراع قديم...قديم ولا بد أنه سيستمر طالما لم تخفف تأثيرات الأسباب المحركة له مؤقتا لإزالتها نهائيا فهي متمركزة بين البلدان المتجاورة حدودياً وإقليمياً من خلال زرع الاستعمار لعواملها، فتقديمه الأراضي هدية مجانية لبلد مجاور غير مراع لحقوق وطنية ثابتة ولا لانتماءات عرقية أو فكرية، بل ومن الأكيد المؤكد تقصده ذلك لزرع الفتن والمشاكل التي تتحرك أو يحركها بذاته ليبقى الحقد مسيطراً على الشعوب لاستنزاف إمكاناتها حتى تبقى في حالة من الوهن والضعف.
الصومال تكونت مقوماته عبر تاريخ قديم ممتد في عمر الزمن فكانت له خصوصياته الطابعة المطبعة له فعشائره متعددة يجمعها معتقد الإسلام وإثيوبيا يتناقض تكوينها مع التكوين الصومالي ومثلها غينيا، إضافة لطموح إثيوبي لإعادة سيطرتها ولإيجاد منفذ بحري لها على البحر ، والعداء يبلغ شدة لا متناهية بين إريتريا والحبشة إذ كانت الأولى مستعمرة إثيوبية استقلت عنها في النصف الثاني من القرن الماضي.
مثل هذه التناقضات تفسح المجال للاعبين غرباء آخرين للاستفادة منها وتحقيق غاياتهم ومراميهم وطموحاتهم.من هنا تبرز أدوار أمريكا وإسرائيل والاتحاد الإفريقي .
والإستراتيجية الأمريكية لم تعد بحاجة إلى المزيد من التوضيح فأحداث المنطقة ومآسيها كشفت دورها في طمعها اللانهائي بالنفط، وخلخلة وإضعاف المنطقة العربية بل إصرارها الدؤوب على المزيد من الإضعاف لتحصل على ما تريده من ثرواتها النفطية والمادية، وإبقاء أنظمتها تحت السيطرة لا قبل ولا قدرة لهم لرفض ولو جزء من إملاءاتها صغرت أم كبرت واستهدافها الرئيسي يتركز على محاولات تشويه الذاكرة العربية أو محوها من خلال حربها على الإسلام العماد والركن الأساسي للشخصية العربية، وكنز ثقافتها تحت مسمى الإرهاب.
وتتلاقى إسرائيل العدو المحلي مع هذه الأهداف جملة وتفصيلا ًولذا كان التحالف الاستراتيجي بين البلدين، فهي الأداة المنفذة في أغلب الأحيان للسياسات الاستعمارية منذ بدء نشوئها، والثمن المعطى لها في الخطط الأساسية الأمريكية دعمها لإبقائها أقوى من مجموع دول المنطقة ولتحقيق زيف أحلامها التوراتية ، والمبادئ العامة للسياسات الأمريكية ثابتة لمدى يطول ويصعب بل يستحيل تغييرها عبر القنوات الدبلوماسية لأنها تعبر عن مصالح الاحتكارات الرأسمالية، فلقد وقفت إلى جانب إريتريا في حربها ضد إثيوبيا يوم كان نظامها أقرب منهجاً وتحالفاً مع الاتحاد السوفيتي، وغيرت سلوكها بعد سقوط النظام بل واعتمدت النظام الجديد المتعاون ومن ثم المتحالف معها الركن والعماد في تحركاتها في هذه البقعة، خاصة على الطرف الصومالي و لأنه في إطار المجموعة العربية المسلمة نهجت معه"دبلوماسية الدولار" في إغداقها الأموال على أمراء الحرب لتعزيز مواقعهم الانفصالية.
ومسئول الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية وبعد زيارته لكينيا وإثيوبيا وجيبوتي حيث أوجد الأمريكيون قواعد لهم في الأخيرة ، وبعد عودته عقد مؤتمراً صحفياً في جنوب إفريقيا قال فيه:"لولا مخافة إزعاج بعض أصدقائنا العرب لكلفنا إثيوبيا بملف الصومال"، ومن جيبوتي قال قائد القوات الأمريكية للمراكز العسكرية فيها:"قررنا أن تكون إثيوبيا مندوبتنا لحماية الحدود الصومالية من تسلل الإرهابيين ورصد تحركاتهم"، وسابقا جربت أمريكا التدخل المياشرفي الصومال عام1994تحت عنوان حفظ السلام وبغطاء أممي لكنها انسحبت بعد أن قتل18جندياً لها مُثل بجثثهم وسحل بعضها في شوارع مقديشو ولم تطل مدة بقائها، وعن ذلك يقول"جون بريندر غاس"عضو مجلس الأمن القومي والخارجية:"لقد تفجرت شظايا السياسة الأمريكية في وجوهنا، وعززنا صفوف الذين كنا قلقين من وجودهم"، وهكذا فالمصالح تتلاقى والتحالفات تجد المتنفس لبرامجها فيأتي الدور الإسرائيلي في محاولات هدمه للإسلام والحد من امتداده في هذه البقعة فيقيم تحالفاً شبه دائم مع إثيوبيا، وبدعمها أثناء الحرب الدائرة بينها وبين إريتريا لضمها ميناء عصب وغالبية سكانه من المسلمين بناء على قرار لجنة الأمم المتحدة و وجود مجموعة يهودية في إثيوبيا(يهود الفلاشا) يعزز ويقوي التحالف .
وهكذا وقبل النجاحات التي حققتها المحاكم الصومالية من بدايات لتوحيد الوطن وإلغاء أدوار الأمراء، كان الصومال في زوايا النسيان ولم يكن يهتم أحد به بينما، وفجأة و مع بدايات تصحيح الأوضاع وخوفاً من نجاحها ولإعادتها إلى سابق عهدها صحت فجأة الحكومة الانتقالية من سباتها الذي استمر لأكثر من عامين، وطالبت بقوى دولية للحماية وتنادت أمريكا لعقد اجتماع للدول المعنية بالقرن الإفريقي لتغطي مراميها من خلاله، وانعقد مجلس الأمن ورفع حظر السلاح عن الصومال والذي قرره سابقاً ليتيح لإثيوبيا بالدخول والتدخل ، وذهب الخجل الأمريكي من مخافة إزعاج الأصدقاء العرب كما قال مندوب وزارة الخارجية، وكلفت إثيوبيا بما يسمى الحرب بالوكالة فالتجربة الأمريكية القديمة مرعبة وأوضاعها في العراق وأفغانستان لا تحتمل مغامرات جديدة، لكنها دعمت القوات الإثيوبية الغازية بالأسلحة وبمعلومات استخبارية عن مواقع جنود المحاكم الإسلامية، وطبيعي أن تتحالف كل القوى المعارضة مصالحها ضد عودة الصومال إلى وضع مقبول وممكن له فكان الدعم الإقليمي المعادي إرثاً، أما عن الموقف العربي فمنذ أن أصبح التضامن العربي في حده الأدنى فلم يعد للعرب موقف موحد ولم يعد هناك من يتكلم عن الصومال بعدما انشغل العرب بقضايا أكثر سخونه.
أشار تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة الأخير والذي يصدر كل عام أضيف الصومال الى ما قبل نهايات سلم التصنيف فأعطاها الرقم161من بين الدول المتدينة مستويات معاشها وحياتها الـ163في العالم.
لقد سبقت الصومال أدنى دولة بدرجتين وبيّن التقرير أن من كل أربعة أطفال يموت طفل قبل بلوغ خمس سنوات، ويشرب أقل من25% منهم ماءً نظيفاً، والتعليم في أدنى مستوياته فرغم قلة الأطفال الملتحقين بالمدارس الأهلية كما ذكرنا فإن واحداً من ثمانية يكمل تعليمه بعد المرحلة الابتدائية، وعن الأوضاع الصحية فالحديث عنها مؤلم ومحزن.
وفي الأيام الأخيرة وفي رد لوزير خارجية " جيبوتي " محمود علي يوسف على سؤال صحفي - هل انتهت المحاكم الإسلامية ؟ أجاب " إن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستحمل إلينا اجابة على هذا السؤال مضيفا إن الحملات العسكرية جربت في الصومال سابقا ولم تنجح ولم تأت إلا بمزيد من الدمار والخراب للصوماليين.
التعليقات
إرسال تعليقك