جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
يرى بعض المحللين والمراقبين أن حزب الله يتحرك بشكل انفرادي إشارة لحرب يوليو تموز2006، وأنه وصل إلى مستوى دولة داخل دولة
الطائفية في لبنان جعلت منه مستنقعا آسنا للحروب، وميدانا للصراع الداخلي أو لحساب الغير، فتجد الموالاة أو الأكثرية لهم أجندة في لبنان، والمعارضة لها هوى أيضا تختلف أجندته عن الموالاة، فلبنان لا يكاد يتعافى من الصراع الداخلي حتى تُحاك له مكائد تديرها أصابع خفية، فمن حرب إلى حرب، ومن دمار إلى دمار، وللأسف يشارك في هذا الدمار متآمرون من الطابور الخامس من أبناء الوطن الواحد يحتكمون جميعا إلى شريعة الغاب، وأزيز الرصاص، تتوزعهم الأهواء، ويعانون من شقاق لا نظير له، وتناقضات لا نراها في بلدان العالم، وولاءات تقدّم ما هو خاص على ما هو عام، ومن النادر أن نجد من يعمل من أجل حرية التراب اللبناني بصدق دون النظر إلى مستقبليات الكسب، وإعدادات المكانة واستحقاقات السلاح إلا من رحم ربي.
كان لبنان حلبة يخوض فيها الآخرون حروبهم وحجرا تحركه مكائدُ وأطماعُ اللاعبين الكبار في المنطقة، الذين يفوقونه قوة، والذي تغيّر بين الأمس واليوم هم اللاعبون، ومن الواضح أن التطورات الأخيرة على الجبهة اللبنانية جعلت لبنان يوشك أن يكون ساحة لحروب الآخرين، وهي تذكّر بأحداث العام 1968 عندما نزلت القوات الخاصة بالعدوّ الصهيوني في مطار بيروت وأضرمت النيران في أسطول كامل من الطائرات التابعة لشركة الخطوط الجوية الوطنية طيران الشرق الأوسط، بذريعة أن أحد الضالعين في مقتل مواطن صهيوني بمطار أثينا جاء من مخيمات فلسطينية في لبنان، لتعد العدة لرحيل اللاجئين من المقاومة الفلسطينية.
أوحال الحرب
وبين عشيّة وضحاها، يمكن أن تغمس لبنان في أوحال حرب داخلية حين ترتفع وتيرة الصراع للتوجهات والعرقيات، والمذهبية المقيتة، ولكن يبدو أن الذاكرة الجمعية تعي معنى الدمار، ومسلسل القتل، وتدخلات الاستخبارات الصهيونية، وجيش العملاء من الطابور الخامس المتغلغل في الكيان اللبناني.
وآخر الأحداث فرار ضابط في الجيش اللبناني المخترق صهيونيا إلى الكيان الغاصب فقد كشف مصدر أمني لبناني النقاب في 8 يوليو 2009 عن فرار ضابط بالجيش برتبة عقيد يشتبه بأنه جاسوس فرّ إلى الكيان قبل أسبوع من إعلان ذلك، وأحداث في مثل هذا السياق حيث احتجز عقيدان بالجيش اللبناني في تحقيق بشأن عمليات تجسس لحساب الكيان الصهيوني أدى إلي القبض على أكثر من خمسين شخصا! ويعني هذا أن أصابع اليهود تعبث في هذا الكيان الصغير، والذي يشكل نقطة تماس ساخنة مع الكيان الصهوني.
يرى بعض المحللين والمراقبين أن حزب الله صار يتحرك بشكل انفرادي وخاصة بعد صموده لضربات الكيان الصهيوني وهجوم يوليو تموز2006 على التراب اللبناني، وأنه وصل إلى مستوى "دولة داخل دولة" -بفضل الدعم الإيراني السوري-، بالنظر إلى أن قوته العسكرية التي تفوق قوة الجيش اللبناني، وإذا كان حزب الله يعلن أنه يسخّر قوته العسكرية وسلاح المقاومة لحماية لبنان من الاختراق الصهيوني، فهو يحمل أيضا هوية أخرى وأجندة أخرى يحاول باستمرار التوفيق بينها وبين انتمائه للبنان، لكن الفشل يطارده في ذلك المسعى، بالنظر إلى ما تقتضيه المقاومة من ولاءات والتزامات مع أطراف غير لبنانية خاضعة لمعتقد شيعي اثني عشري يخالف معتقدات أهل السنة في أصولها، بل غير مستعد ـ كما يعتقد ـ لقبول أهل السنة لا في لبنان، ولا في غيرها لأن أهل السنة والصحابة منهم ـ كما يزعمون ـ سرقوا الخلافة بدءا من الثقيفة حين أجمع المسلمون على بيعة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ خليفة للمسلمين، فحزب الله يطمح ـ بإيعاز أو دافع ذاتي ـ في إقامة دولة شيعية في لبنان لاوجود للسنة فيها، واحتكاكه بالكيان الصهيوني إنما لأسباب سياسية وإنْ رفع شعارات جهادية لكسب تعاطف المسلمين السنة في العالم.
حزب الله والدعم الخارجي
والمؤكد أنّ حزب الله الذي تلومه أطراف الحكومية اللبنانية ، وتتهمه أطراف أخرى على عدم استشارتهم قبل الإقدام على احتجاز الجنديين الصهيونيين 2006، الذي لم يكن ليتحلى بتلك الجرأة في عمليته، لو لم يكن قد أخذ الضوء الأخضر من جانب الحكومتين السورية والإيرانية"، وهو إن كان قد أقدم على خطوة جريئة سياسيا إلا أنه أدى إلى دمار للبنية التحتية اللبنانية التي كانت مؤشرا لتعافي لبنان من أثر الحرب الأهلية ، وعودة الفارّين من أصحاب الأهواء و"محبي الحياة" الذين سارعوا إلى ترك البلاد عند أول مؤشر للاضطرابات.
وبقيت السيادة -بالقوة- لحزب الله الذي صمد لثلاث وثلاثين يوما أمام الضربات الصهيونية، بل أعلن نصر الله أنه استردّ ما فقده من صواريخ وكما قال نصر الله عقب حرب يوليو تموز: المقاومة أقوى مما كانت عليه عشية 12 تموز/يوليو -بداية الهجوم على لبنان- وأن لدى حزب الله 20 ألف صاروخ، وأكّد أنّ السلاح ليس أبديا وأن كان نزعه أمراً غير وارد " فأي حديث عن نزع سلاح المقاومة في ظل هذه الدولة وهذه السلطة وهذا النظام وهذا الوضع القائم يعني إبقاء لبنان مكشوفا أمام الكيان لتقتل من تشاء وتقصف كيفما تشاء" ولكن يبدو أن نتائج الانتخابات جعلت الأمين العام للحزب يخفف من نبرة الخطاب ليجلس على مائدة التفاوض مع الأغلبية "الأعداء" للتحاور حول السلاح وحمايته للبنان، وقصور الجيش قتاليا في أن يتصدى للجيش الصهيوني الذي يعدّ الأقوى في الشرق الأوسط.
والذي يبسط غطاءه الجوي على المنطقة بأسرها، ويعلن كل حين أنه لا يستثني أحدا من خصوم الكيان في داخل الوطن العربي أو خارجه، لتقف "المقاومة اللغز" أمام هذه السطوة الصهيونية.
فأراد الجيش الصهيوني أن يؤدب لبنان كلها حين عجز عن إيقاف صواريخ حزب الله التي أصابت شمال الكيان الغاصب بالهلع، فأراد أن يقوض ما قد ثم بناؤه من بنية تحتية، كعقاب جماعي لكل اللبنانيين الموالين لحزب الله، وليذيق الشعب اللبناني طعم الفقد والتشرد والدمار، ليؤثر الاستسلام لإرادة الكيان ومقتضياتها، ولتكون تلك ورقة رابحة مستقبلا حين تعقد الانتخابات البرلمانية يونيو 2009، وينتصر تحالف الموالاة ـ الغربي الهوى ـ على تحالف المعارضة، نظرا للحفز الدولي بعدم تمكين حزب الله أن يسيطر على رأي التحالف، وإن كانت النتائج لا تشكل أغلبية، وتحتاج إلى سند ولو من خصوم الأمس، لضمان القيام بمهام الحكومة التي يشكلها الحريري.
فالانتخابات استطاعت الأغلبية أن ترجّحها لصالحها، ولكنها لن تستطيع أن تنحي حزب الله والأطراف الأخرى عن اللعبة السياسية ، فالمصالح تحتّم تواجد معاهدة تصالح داخل لبنان لتجنيبه عرقلة تطيح بالحكومة وتشكيلها وإن كان تشكيل الحكومة سيطول وقته سعيا لإرضاء الكثيرين وليس حزب الله فقط، بل الموارنة ، والدروز، فضلا عن الجهات الأخرى التي تحسبها بمقاييس الكسب أو الخسارة، فالسعي على أشده ، ومحاولات الضغط الخارجي المرفوضة ربما تؤثر في اللحظات الأخيرة على هوية الحكومة المرتقبة، ولا ننسى أن سورية تسعى لإثبات أهميتها الاستراتيجية في المنطقة كلاعب لا يمكن لطرف خارجي أن يتجاوزه أو تتجاهله، بل بالإمكان الاعتماد عليه في بعض المناطق المضطربة كلبنان والعراق.
سوريا وإيران قد لا تكونان معنيتين مباشرة بالمعارك، إلا أنهما لاعبان إستراتيجيان يأملان في استغلال الصراع ودعم موقعهما الإقليمي، فحزب الله، في كل الأحوال، لا يمكنه أن يستغني عن طهران، حيث القيادة الروحية والمرجعية الدينية والإمداد العسكري والمساعدات المالية، كما أنه يعتمد على الدعم السياسي السوري.
ثم إن الأزمة على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية تسمح لطهران بالبروز كمدافع عن الحقوق العربية، وهي تتوقع أن يؤدي تأجيج النيران في الصراع الصهيوني-العربي إلى تحويل الاهتمام عنها بشأن ملفها النووي. وفي حال انهيار الحكومة اللبنانية، فإن السوريين سيرون في ذلك فرصة لاستعادة موقعهم في لبنان.
طموحات صهيونية
وقد كشف الكيان عن طموحاتها في لبنان، فهي لا تريد مجرّد معاقبة حزب الله، وإنما القضاء عليه كتهديد عسكري منافس بشكل نهائي، فهي تريد حدودا آمنه لبنانيا، وتتنازل عن مزارع شبعا، ومستعدة للإقدام على ما هو أبعد من ذلك معاهدة سلام تضمن أمن شمال الكيان الصهيوني، وبحسب إعلاميين، فإن الجنرالات والدبلوماسيين الصهاينة يقولون: إن هجماتهم هي مجرّد جهد لتنفيذ ما فشلت الأمم المتحدة والحكومة الصهيونية من تحقيقه، وهو تطبيق لقرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 1559 الذي يدعو في أحد بنوده إلى "تجريد كافة الميليشيات من أسلحتها".
ونختم بأن أمريكا وإن كانت تسعى للحوار مع حزب الله بطريقة غير رسمية -أو رسمية مستقبلا-، وإن كانت وسيلتها الاتحاد الأوروبي أو أطراف أخرى محايدة، فإنّ تقارب أمريكا لطهران -نظريا للآن- في حد ذاته تقارب لحزب الله، ولن يرفض نصر الله، ما يكون من اتفاقات سرّية أو معلنة بعد تغيير الإدارة الأمريكية مرحليا من وجهة نظرها تجاه بعض القضايا، وإن كانت تأثيرات أمنية تخالف هذا التوجُّه بغية تحييد حزب الله ونز ع سلاحه على غرار ما يثيره العنوان البارز الذي بثته وكالات الأنباء "حزب الله أكبر تهديدا لأمريكا من القاعدة" حيث حذّر مايكل شيرتوف وزير الأمن الداخلي الأمريكي السابق في كتاب له أنّ حزب الله الشيعي يشكّل خلال السنوات المقبلة تهديدا أكبر للولايات المتحدة من تنظيم القاعدة الإرهابي، واعتبر شيرتوف ـ الذي قاد في ظل إدارة جورج بوش الجهودَ الهادفة إلى الوقاية من هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية من نوع اعتداء 11 سبتمبر 2001، ـ اعتبر أن حزب الله هو أفضل تجهيزا وتدريبا وفي موقع سياسي أفضل مما هو عليه تنظيم القاعدة كما ورد في كتاب لمايكل شيرتوف يصدر في سبتمبر2009 أنّ "القاعدة وتنظيمها يشكلان بالنسبة لنا التهديد الفوري الأكثر جدّية، ولكن لن يصبح التهديد الأكثر جدية على المدى الطويل".
التعليقات
إرسال تعليقك