أغيثوا الصومال المسلم من خطر الجفاف والمجاعة التي تفتك بالحرث والنسل هناك، فما دورنا في إغاثة الصومال؟ وما حقيقة دور منظمات التنصير والتبشير هناك؟
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
الأمور تجري بالمقادير، والله عز وجل يُدَبِّر الأمر لأوليائه، ويُمَهِّد لهم الطريق لعبادته، وقد يُحْدِث الله عز وجل أمورًا بعيدة تمامًا عن ساحة كفاح
الأمور تجري بالمقادير، والله عز وجل يُدَبِّر الأمر لأوليائه، ويُمَهِّد لهم الطريق لعبادته، وقد يُحْدِث الله عز وجل أمورًا بعيدة تمامًا عن ساحة كفاح المسلمين يُصبح لها في المستقبل آثار ضخمة على الحركة الإسلامية الصادقة، وهذا من لطيف صنعه سبحانه وتعالى، ومن قوة إحكامه وهيمنته جل وعلا، وقد رأينا ذلك كثيرًا في السيرة النبوية، وسنراه في مواقف كثيرة إن شاء الله، وبين أيدينا الآن موقف يُفَسِّر لنا هذا المعنى، ويُطمئن قلوب المؤمنين لروعة تدبير ربِّ العالمين وحكمته.
قالت أم سلمة رضي الله عنها في وصفها لكلام النجاشي عندما أعلن تأمينه للوفد المسلم وردَّه لهدايا قريش: «رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا، فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ».
كان هذا الكلام مبهمًا عند الرواة حتى فسَّرته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لابن أختها عروة بن الزبير رحمه الله ورضي عن أبيه وأمه، كما جاء في رواية ابن إسحاق:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَوْلُهُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَلِكَ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا النَّجَاشِيَّ، وَكَانَ لِلنَّجَاشِيِّ عَمٌّ، لَهُ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ مَمْلَكَةِ الْحَبَشَةِ، فَقَالَتِ الْحَبَشَةُ بَيْنَهَا: لَوْ أَنَّا قَتَلْنَا أَبَا النَّجَاشِيِّ وَمَلَّكْنَا أَخَاهُ فَإِنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْغُلَامِ، وَإِنَّ لأَخِيهِ مِنْ صُلْبِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَتَوَارَثُوا مُلْكَهُ مِنْ بَعْدِهِ، بَقِيَتِ الْحَبَشَةُ بَعْدَهُ دَهْرًا، فَغَدَوْا عَلَى أَبِي النَّجَاشِيِّ فَقَتَلُوهُ، وَمَلَّكُوا أَخَاهُ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ حِينًا. وَنَشَأَ النَّجَاشِيُّ مَعَ عَمِّهِ، وَكَانَ -أي النجاشي- لَبِيبًا حَازِمًا مِنَ الرِّجَالِ، فَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَنَزَلَ مِنْهُ بِكُلِّ مَنْزِلَةٍ، فَلَمَّا رَأَتِ الْحَبَشَةُ مَكَانَهُ (مِنْهُ) قَالَتْ بَيْنَهَا: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبَ هَذَا الْفَتَى عَلَى أَمْرِ عَمِّهِ، وَإِنَّا لَنَتَخَوَّفُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا، وَإِنْ مَلَّكَهُ عَلَيْنَا لَيَقْتُلَنَا أَجْمَعِينَ، لَقَدْ عَرَفَ أَنَّا نَحْنُ قَتَلْنَا أَبَاهُ. فَمَشَوْا إلَى عَمِّهِ فَقَالُوا: إمَّا أَنْ تَقْتُلَ هَذَا الْفَتَى، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَإِنَّا قَدْ خِفْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، قَالَ: وَيْلَكُمْ! قَتَلْتُ أَبَاهُ بِالأَمْسِ، وَأَقْتُلهُ الْيَوْمَ! بَلْ أُخْرِجُهُ مِنْ بِلَادِكُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجُوا بِهِ إلَى السُّوقِ، فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ مِنَ التُّجَّارِ بِسِتِّماِئَةِ دِرْهَمٍ، فَقَذَفَهُ فِي سَفِينَةٍ فَانْطَلَقَ بِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ الْعَشِيُّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَاجَتْ سَحَابَةٌ مِنْ سَحَائِبِ الْخَرِيفِ فَخَرَجَ عَمُّهُ يَسْتَمْطِرُ تَحْتَهَا، فَأَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ فَقَتَلَتْهُ. قَالَتْ: فَفَزِعَتِ الْحَبَشَةُ إلَى وَلَدِهِ، فَإِذَا هُوَ مُحَمَّقٌ[1]، لَيْسَ فِي وَلَدِهِ خَيْرٌ، فَمَرَجَ[2] عَلَى الْحَبَشَةِ أَمْرُهُمْ. فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: تَعْلَمُوا وَاللَّهِ أَنَّ مَلِكَكُمُ الَّذِي لَا يُقِيمُ أَمْرَكُمْ غَيْرُهُ لَلَّذِي بِعْتُمْ غَدْوَةً، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ الْحَبَشَةِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوهُ الآنَ. قَالَتْ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ، وَطَلَبِ الرَّجُلِ الَّذِي بَاعُوهُ مِنْهُ حَتَّى أَدْرَكُوهُ، فَأَخَذُوهُ مِنْهُ، ثُمَّ جَاءُوا بِهِ، فَعَقَدُوا عَلَيْهِ التَّاجَ، وَأَقْعَدُوهُ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ، فَمَلَّكُوهُ. فَجَاءَهُمُ التَّاجِرُ الَّذِي كَانُوا بَاعُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ: إمَّا أَنْ تُعْطُونِي مَالِي، وَإِمَّا أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا: لَا نُعْطِيكَ شَيْئًا. قَالَ: إذَنْ وَاللَّهِ أُكَلِّمُهُ. قَالُوا: فَدُونَكَ وَإِيَّاهُ. قَالَتْ: فَجَاءَهُ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، ابْتَعْتُ غُلَامًا مِنْ قَوْمٍ بِالسُّوقِ بِسِتِّماِئَةِ دِرْهَمٍ، فَأَسْلَمُوا إلَيَّ غُلَامِي وَأَخَذُوا دَرَاهِمِي، حَتَّى إذَا سِرْتُ بِغُلَامِي أَدْرَكُونِي، فَأَخَذُوا غُلَامِي، وَمَنَعُونِي دَرَاهِمِي. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: لَتُعْطُنَّهُ دَرَاهِمَهُ، أَوْ لَيَضَعَنَّ غُلَامُهُ يَدَهُ فِي يَدِهِ، فَلَيَذْهَبَنَّ بِهِ حَيْثُ شَاءَ. قَالُوا: بَلْ نُعْطِيهِ دَرَاهِمُهُ. قَالَتْ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي رِشْوَةً حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَ النَّاسَ فِيهِ[3].
لقد رأينا في هذه القصة العجب العجاب!!
فالعجب في قصة أبي النجاشي، الذي انقلب عليه قومه فقتلوه أولًا، مع رجاحة عقله وعدل سيرته، ولم يفعلوا ذلك لشيء إلا لتخوف من مستقبل لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ثم انقلبوا بعد ذلك على ابنه يُريدون قتله!
والعجب من عمِّه الذي تولَّى الملك بعد خلع النجاشي، فقَبِل أن يُباع ابن أخيه في سوق العبيد، وهو يعلم أن هذا الغلام أحقُّ بالملك منه في شرعهم وقوانينهم!
والعجب من رجال الدولة الذين فكروا في إعادة النجاشي الابن إلى الحكم بعد رؤية الحمقى من أولاد الملك الجديد يُضَيِّعون أمر الحبشة.
والعجب من قدرة الوزراء والأمراء على الوصول إلى النجاشي -بترتيب ربِّ العالمين- وإعادته إلى الحكم في الحبشة.
ثم العجب كل العجب من ارتباط هذه القصة القديمة جدًّا بموقف المسلمين وهم يطلبون اللجوء للنجاشي، ودفع الظلم عنهم!
لقد رسَّخت هذه القصة المأسوية التي مرَّ بها النجاشي مبدأ العدل في حياته، وعانى بنفسه الظلم الشديد فأبى أن يُوقع الظلم على أحد، وأعاده الله إلى الملك دون أن يحاول هو أن يعود إليه، وما أخذ الله منه شيئًا في سبيل إعادته، وهذا قول النجاشي عندما عرض عليه عمرو بن العاص الهدايا كرشوة يردُّ بسببها المسلمين إلى مكة، فقال: «فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ» -أي هدايا عمرو- «وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ» -وكان رأي الناس قتله أو بيعه بلا رجعة- «فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ». أي أسمع كلامهم -ويقصد كلام البطارقة الذين نصحوه بردِّ المسلمين إلى مكة- الذي يأمرني بظلم المسلمين.
إن الملاحظة العجيبة فعلًا أن المسلمين عند زيارتهم للنجاشي لا يعرفون هذه القصة، ولا يبنون عليها تحليلاتهم ولا حساباتهم؛ ولكن تقدير ربِّ العالمين وتمهيده للمؤمنين جعل مثل هذه القصة تحدث منذ عشرات السنين، حتى يستدعيها النجاشي في هذا الموقف الفارق في حياة المسلمين فتصبح سببًا في نجاة الوفد. قال تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}[الأحزاب: 38].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] محمَّق: هو الذي لا ينتج منه إلا أحمق. النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب 10/30.
[2] مرج الأمر: اختلط واضطرب. ابن منظور: لسان العرب، 2/364، وقال السهيلي: وهذا يدل على طول المدة في مغيبه عنهم. انظر: السهيلي: الروض الأنف 3/156.
[3] ابن إسحاق: السير والمغازي ص216، 217، وابن هشام: السيرة النبوية 1/339، 340، والبيهقي: دلائل النبوة 2/304، والنويري: نهاية الأرب في فنون الأدب 16/250، والذهبي: تاريخ الإسلام 1/194، 195، 2/134، 135، وقال الصوياني: إسناده صحيح رواه ابن إسحاق، ومن طريقه البيهقي (2/301) وأحمد (الفتح الرباني 20/224) حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذان الإسنادان صحيحان. انظر: الصوياني: السيرة النبوية 1/133.
التعليقات
إرسال تعليقك