الحضارة

لقد أطلق الإنسان لنفسه العنان في تكييف وتطبيع البيئة وفقًا لرغباته، واندفع في كل الاتجاهات غير مبالٍ بأي أضرار ألحقها بالبيئة التي يعيش فيها. وكان من الممكن أن يستمر الإنسان على حاله من الإهمال والفوضى دون أن يدري أو يهتم بأنه جاوز الحدود التي وضعها الله، والتي تضمن السلامة لكل الكائنات على الأرض إلى قيام الساعة، ولكن ما لمسه الإنسان من آثار مرعبة، بدأت تظهر بشكل جليّ في واقعنا المعاصر، يجعلنا نتوجه إلى دراسة المشكلة، وإيجاد حلول للقضاء على هذا التلوث أو التخفيف من آثاره، ومن ثَمَّ وضع خطط وآليات لتدارك الأمر قبل وقع الكارثة.

وأحد أخطر السلبيات الناتجة عن التقدم العلمي والصناعي الذي استطاع الإنسان تحقيقه في العصر الحديث، هو تلوث الهواء، وبالطبع لم تظهر مشكلة تلوث الهواء بين يومٍ وليلة، بل ظلَّت تتراكم على مرِّ السنين دون أن يلحظها أحد، حتى بدأت آثار تفاقمها تلوح في الأفق، وهنا فطن الإنسان إلى كمِّ الدمار الذي ألحقه بالبيئة المحيطة به[1].

مشكلة تلوث الهواء

عندما نتكلَّم عن تلوث الهواء إنَّما نقصد بشكلٍ أساسي ذلك الهواء اللازم لجميع الكائنات الحيَّة، وهو الواقع في الطبقة السفلى من طبقات الغلاف الجوي[2]. ويتكوَّن الهواء في هذه الطبقة من غازات النيتروجين بمقدار 78.21%، وغاز الأوكسجين بنسبة 20.96%، وثاني أكسيد الكربون 04.%، والباقي غازات خاملة وبخار الماء[3].

قد توصَّل العلماء إلى الفوائد التي تعود على الإنسان والبيئة من ثبات مكونات الهواء؛ فالأكسجين يُعدُّ ضروريًّا لجميع العمليات الحيوية وعمليات الأكسدة في الجسم، ويستطيع كلٌّ من الإنسان والحيوان أن يحتمل انخفاض نسبة الأوكسجين في الهواء حتى 15%، فإذا استمرَّت نسبة الأوكسجين في الانخفاض إلى 12% يُؤدِّي ذلك إلى زيادة معدل التنفس وضربات القلب، ومع وصول النسبة إلى 7% يفقد الإنسان والحيوان الحياة نتيجة الاختناق.

مثل الأكسجين فإنَّ للنيتروجين فوائده؛ مثل الحفاظ على ثبات الضغط الجوي، وكذلك ثاني أكسيد الكربون وباقي مكونات الهواء، وأيِّ خللٍ في نسب هذه المكونات يتسبب في أضرارٍ للإنسان وللبيئة بكاملها[4].

تعلو الطبقة السفلى طبقةً أخرى تُسمَّى الوسطى ويبلغ سمكها حوالي 80 كيلو متر، ويتركز في الطبقة الوسطى معظم غاز الأوزون؛ الذي يقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس نحو الأرض فلا يصل منها سوى نسبة قليلة تُساعد في القضاء على الميكروبات ولكنَّها لا تضر بالإنسان والنبات والحيوان، ولعلَّ ذلك يوضِّح لنا سرَّ ذلك الاهتمام العالمي بخطورة حدوث ثقوب في طبقة الأوزون[5].

بداية مشكلة تلوث الهواء

قد بدأت مشكلة تلوث الهواء منذ أن بدأ الإنسان يستعمل الفحم في الوقود والتدفئة؛ حيث ينجم عن هذه العملية تصاعد الغازات الضارة وفي مقدمتها الغازات الكبريتية، وحتى بعد اختراع الكهرباء واستخدامها كوسيلة للإضاءة والتدفئة وسائر الأغراض أصبح الوقود الذي يُستعمل في تشغيل محطات الكهرباء مصدرًا آخر من مصادر تلوث الهواء.

ثُمَّ تفاقمت المشكلة بعد ذلك في عصر الصناعة، وذلك بدخول مصانع تكرير البترول وصهر المعادن على الخط؛ حيث شاركت الغازات والأبخرة المتصاعدة منها في تلويث الهواء.

مع التطور الصناعيِّ تمَّ استخدام كمياتٍ هائلةٍ من مختلف أنواع الوقود، بجانب الفحم استُخدمت مقطرات زيت البترول والغاز الطبيعي، وعند إحراق هذه الأنواع المختلفة من الوقود نتج عنها -وما زالت- كمياتٌ هائلة من الغازات السامَّة التي تتصاعد إلى الهواء على هيئة دخان كثيف محمَّل بكثيرٍ من الرماد والشوائب[6].

بالتقدم في علوم الطبِّ تكشَّفت الآثار المدمِّرة التي يُحدثها تلوث الهواء على صحَّة الإنسان؛ حيث جاء في تقرير معهد بلاك سميث[7] لعام 2008م تفصيلٌ للآثار الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، بدءًا من الربو والالتهاب الرئوي المزمن وأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة، ومرورًا بأمراض القلب والأوعية الدموية، وانتهاءً بالوفاة[8].

على سبيل المثال فقد بلغ المعدل السنوي للوفيات الناجمة عن تلوث الهواء في ولاية كاليفورنيا الأمريكية 18 ألف شخص[9]!!

ذلك على الرغم من أنَّ كاليفورنيا لا تندرج ضمن قائمة الأماكن الأكثر تلوُّثًا في العالم، فقد جاء ترتيب أكثر عشرة أماكن تلوثًا في العالم في نهاية عام 2007م على النحو التالي:

1- مدينة ينفين الصينية (Linfen).

2-  مدينة تياينج الصينية (Tian ying).

3- مدينة سوكيندا الهندية (Sukinda).

4- مدينة فابي الهندية (Vapi).

5- مدينة لا أورويا التابعة لجمهورية بيرو (La Oroya).

6- مدينة دزيرجينسك الروسية (Dzerzhinsk).

7- مدينة نوريلسك الروسية (Norilsk).

8- مدينة تشيرنوبل الأوكرانية (Chernobyl).

9- مدينة سومجيت الأذربيجانية (Sumgayit).

10- مدينة كابوي الزامبية (Kabwe)[10].

للحديث عن أهمِّ مصادر تلوُّث الهواء في واقعنا المعاصر رأينا تقسيم ملوِّثات الهواء من حيث قوة تأثيرها على البيئة إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول: الملوِّثات الأساسية، والقسم الثاني: الملوِّثات الثانوية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] عبد الرحمن جيرة: الإسلام والبيئة، ص92.

[2] هي الطبقة التي تعلو سطح الأرض مباشرة وارتفاعها لمسافة 12 كيلو مترًا، وهي طبقة من أربع طبقات للغلاف الجوي؛ الطبقة السفلى، ثُمَّ الوسطى، ثُمَّ طبقة الأثير، ثُمَّ العليا.

[3] محمد نبهان سويلم: التلوث البيئي وسبل مواجهته، ص33.

[4] عبد الكريم الحسني الحجازي، موقع أفكار علمية www.afkaaar.com.

[5] محمد نبهان سويلم: التلوث البيئي وسبل مواجهته، ص34.

[6] عبد الرحمن جيرة: الإسلام والبيئة، ص92.

[7] معهد أمريكي يختص بدراسة شئون البيئة في العالم http://blacksmithinstitute.org.

[8] التقرير متاح بصيغة pdf على الموقع الخاص بالمعهد على شبكة الإنترنت http://www.blacksmithinstitute.org/.

 [9]California Air Resources Board (CARB). Methodology for Estimating Premature Deaths Associated with Long-term Exposure to Fine Airborne Particulate Matter in California: Staff Report. October 24, 2008. Available at:

http://www.arb.ca.gov/research/health/pm

[10] مجلة تايم الأمريكية www.time.com.

http://97.105.52.213/ar/artical/3408007/تلوث-الهواء-مشكلة-عالمية