التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
زخر التاريخ الإسلامي بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة بالكثير من المواقف التكافلية والإغاثية، التي شملت كافَّة مظاهر التعاون
زخر التاريخ الإسلامي بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة بالكثير من المواقف التكافلية والإغاثية، التي شملت كافَّة مظاهر التعاون والتآخي داخل المجتمع المسلم، وهذا يُؤَكِّد لنا ابتداءً أنَّ أمر التكافل الاجتماعي والإغاثة لم يكن مقتصرًا على صدر الإسلام؛ وإنَّما امتدَّ ليشمل كلَّ فترات التاريخ الإسلامي، ثم هو يُؤَكِّد لنا -أيضًا- معنًى آخر غايةً في الأهميَّة، وهو أنَّ أمر الإغاثة والتكافل بكلِّ صوره أمرٌ عملي، وقابلٌ للتطبيق على أرض الواقع، إلَّا أنَّنا إذا أردنا حصر هذه المواقف وجدنا ذلك أمرًا أقرب إلى الاستحالة منه إلى الإمكان، ومن ثَمَّ آثرنا أن نذكر طرفًا منها، آخذين من كلِّ بستانٍ زهرة، يفوح من شذاها عَبَق حضارتنا، وإنسانيَّة تاريخنا، فكان ما يلي:
التكافل والإغاثة في الدولة الطولونية (254 – 270هـ)
الدولة الطولونية أنشأها أحمد بن طولون (254 - 270هـ) في مصر، وقد اهتمَّ اهتمامًا عظيمًا بالفقراء، وكان يتصدَّق كلَّ شهر بألفي دينار. وعن ذلك يقول المقريزي: "وكانت صدقاته على أهل المسكنة والستر، وعلى الضعفاء والفقراء متواترة، وكان راتبه لذلك في كلِّ شهر ألفي دينار سوى ما يطرأ عليه من النذور، وصدقات الشكر على تجديد النعم، وسوى مطابخه التي أُقيمت في كلِّ يومٍ للصدقات في داره وغيرها، يذبح فيها البقر والكباش، ويغرف للناس في القدور والفخار والقصاع على كلِّ قدرٍ أو قصعةٍ لكلِّ مسكين أربعة أرغفة في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر، وكانت تُعمل في داره، ويُنادى من أحب أن يحضر دار الأمير فليحضر، وتُفتح الأبواب ويدخل الناس الميدان، وابن طولون في المجلس الذي تقدَّم ذكره ينظر إلى المساكين، ويتأمَّل فرحهم بما يأكلون ويحملون، فيسرَّه ذلك، ويحمد الله على نعمته"[1].
ولقد قال له مرَّةً إبراهيم بن قراطغان، وكان على صدقاته: أيَّد الله الأمير، إنَّا نقف في المواضع التي تفرق فيها الصدقة، فتخرج لنا الكف الناعمة المخضوبة نقشًا، والمعصم الرائع فيه الحديدة، والكف فيها الخاتم[2]. فقال: يا هذا، كل من مَدَّ يده إليك فأعطه، فهذه هي اللطيفة المستورة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، فاحذر أن تردَّ يدًا امتدَّت إليك، وأَعْطِ كلَّ من يطلب منك[3].
وقد نسج خمارويه بن أحمد بن طولون (270-282هـ) على منوال أبيه؛ حيث مدَّ يد المساعدة إلى الفقراء والمعوزين[4]، يدلُّ على ذلك ما ذكره المقريزي: أنَّ نفقات مطبخه -المعروف بمطبخ العامَّة- بلغت نحو ثلاثة وعشرين ألف دينار في كلِّ شهر[5].
التعليقات
إرسال تعليقك