التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بعد سقوط الأندلس تعمد الإسبان اضطهاد الموريسكيين وإجبارهم على اعتناق النصرانية، وأذاقوا من يرفض شتى ألوان العذاب فيما عُرف باسم "محاكم التفتيش" فكانت
ثورات الموريسكيين:
لم تخلُ المنطقة من ثوراتٍ شعبيَّةٍ ومواجهاتٍ محدودة الإمكانيَّات بمنطق «حرب العصابات»، وكان المجاهدون يختبئون في الجبال والأودية والمناطق البعيدة، ثم يشنُّون غاراتهم على القوَّات الإسبانيَّة، وقد نجحوا كثيرًا في إنزال خسائر مؤثِّرة بالإسبان، وقد اشتدَّت هذه الحركات لا سيَّما بعد قرار التنصير الذي اعتمدته إسبانيا، فزاد عدد الثائرين والمنحازين للمجاهدين [1].
وتُعتبر ثورة البَشَرَات (1568–1570) من أهمِّ الأحداث التي وقعت خلال المواجهات المحتدمة بين الموريسكيِّين والإسبان؛ ومن أهمِّ ثورات الموريسكيِّين ضدَّ الحكم الإسباني قاطبةً، وكان السبب الرئيس لتلك الثورة إجراءات القمع التي اتَّخذها ملك إسبانيا فيليب الثاني Philip II ضدَّ الموريسكيِّين.
وفيليب الثاني من سلالة الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا، ففي عام 1504م ماتت ملكة إسبانيا إيزابيلا [2]، وفي عام 1516م تُوفِّي زوجها فرديناند [3]، فصار شارل خنت Charles Ghent، حفيد فرديناند من ابنته خوانا Joanna، ملكًا لإسبانيا تحت اسم شارل الأوَّل، وحيث إنَّ شارل خنت هو حفيد الإمبراطور النمساوي ماكسيميليان الأوَّل Maximilian I من جهة الأب، فإنَّه سيكون إمبراطور النمسا كذلك بعد موت جدِّه، وكان أبوه فيليب الأوَّل هابسبورج Philip I Hapsburg قد مات قبل ذلك في عام 1506.
هذا يعني أنَّ موت ماكسيميليان سيجعل الوريث شارل خنت إمبراطورًا لإسبانيا والنمسا معًا، وهي إمبراطوريَّةٌ رهيبةٌ بهذا التصوُّر! ولقد حدث هذا بالفعل عام 1519م، ومات ماكسيميليان، وتلقَّب شارل خنت بشارل الخامس([4]) (أي أن شارل الخامس في النمسا، هو نفسه شارل الأوَّل في إسبانيا). وفي عام 1556م تنازل شارل الخامس عن حكم إسبانيا لابنه فيليب الثاني Philip II [5]، الذي تربَّع على العرش الإسباني في الفترة ما بين عامي (1556 و1598م).
كانت بداية إرهاصات ثورة البشرات في عام 1566م، حيث أصدر فيليب الثاني مرسومًا يحظر على موريسكي غرناطة لغتهم ولباسهم وثقافتهم [6]، ويذكر المؤرِّخ الإسباني أورتادو دي مندوثا -الذي عاش في إسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، وعاصر تلك الأحداث- مضمون ذلك المرسوم بقوله:
«وقد أمرهم الملك بأن يكفُّوا عن استخدام اللغة الموريسكيَّة، وبذلك فقدوا التعامل والاتصال فيما بينهم، كما منعهم من الانتفاع بخدمة العبيد السود، فقضى على أملهم في أن ينجب لهم هؤلاء أبناء، وحظر عليهم اللباس الموريسكي، الذي كان يُكلِّفهم أموالًا كثيرة، وأجبرهم على التحدُّث باللغة القشتاليَّة مهما كلَّفهم ذلك من عناء، وألزموا النساء أن تكشف وجوههن، وأن تُفتح أبواب البيوت، بعد أن جرت العادة على إغلاقها، ممَّا خلق جوًّا من المعاناة الشديدة في أوساط الناس الغيورة.
وقد سرت شائعة أنهم كانوا سيأخذون أبناء الموريسكيين ويرسلونهم إلى قشتالة، كما قاموا بحظر الحمامات، والتي كانت تشكل بالنسبة إليهم وسيلة مهمة للنظافة والترفيه. كما منعوهم من الموسيقى والأغاني وإقامة الأعياد واحتفالات الزواج الخاصة بهم، كما حرموهم من الاجتماعات التي كانوا ينظمونها للترفيه وشغل أوقات الفراغ [7]، وقد أتت هذه الأوامر فجأةً وجملةً واحدةً دون أن يتم التمهيد لها بتفعيل وتشديد قوانين قديمة أو إصدار أوامر أخرى جديدة والموافقة عليها» [8].
ثورة البشرات
بدأت ثورة البشرات (1568م=976هـ)، وكانت الشرارة التي أشعلت الثورة حدوث شغبٍ من الموريسكيِّين اعتراضًا على ظلم بعض جباة الضرائب النصارى، وتطوَّرت الأحداث إلى ثورة، وامتدَّت الثورة بين موريسكيِّ غرناطة، وكانت منطقة البشرات مركز الثورة [9]، ويُقدِّم المؤرِّخان المعاصران لثورة البشرات، أورتادو دي مندوثا Hurtado de Mendoza (1503–1575م) في كتابه "حرب غرناطة"، ومارمول كارباخال Luis del Mármol y Carvajal (1520-1599م) في كتابه "وقائع ثورة الموريسكيين"، وصفًا شافيًا لأحداث ووقائع تلك الثورة [10].
استمرَّت ثورة البشرات مدَّة سنتين إلى عام 1570م، وعلى الرغم من استبسال المسلمين في القتال، فإنَّ الثورة انتهت بهزيمتهم بعد جهدٍ عنيفٍ من الإسبان، وسبب استبسال المسلمين هو أنهم رأوا في تلك الثورة الأمل الأخير للنجاة من الاضطهاد الإسباني لهم، وذلك ما عبَّر عنه المؤرِّخ البريطاني ستانلي لين بول بقوله: «كان صراع العرب شديدًا يائسًا؛ لأنَّ المعركة كانت آخر معركةٍ لهم في آخر مكانٍ يستطيعون الوقوف فيه؛ فقد أحسُّوا أنهم يطاردون، فأخذوا في هجماتهم الأولى، والغضب ملء خياشيمهم، ينتقمون لما نالهم من ضروب الإهانة والاضطهاد في مدى مائة عام، فثارت قريةٌ بعد قرية في وجوه الإسبان» [11].
المقال من كتاب: قصة الأندلس من البداية إلى السقوط، دار التقوى للطبع والنشر والتوزيع، 2021م، (طبعة مزيدة ومنقحة).
للحصول على الكتاب: ت: 01116500111 - أو من خلال صفحة: دار أقلام للنشر والتوزيع والترجمة.
[1] مجهول: نبذة العصر، ص132، والمقري: نفح الطيب، 4/527، 528، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/345.
[2] ماثيو كار: الدين والدم: إبادة شعب الأندلس، ص172
[3] نيقولاي إيڤانوڤ: الفتح العثماني للأقطار العربية 1516 – 1574، ص101.
[4] Bryan Givens: ‘All things to all men’: political messianism in late medieval and early modern Spain Givens, p. 62.
[5] Brian A. Pavlac & Elizabeth S. Lott: The Holy Roman Empire: A Historical Encyclopedia, vol. 1, p. 36.
[6] ﭼون ﭼوليوس نورويش: الأبيض المتوسط «تاريخ بحر ليس كمثله بحر»، ص401.
[7] أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ص37.
[8] أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ص38.
[9] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص157.
[10] انظر: أورتادو دي مندوثا: حرب غرناطة، ترجمة: إيمان عبد الحليم، سلوى محمود، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المركز القومي للترجمة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2008م، ومارمول كارباخال: وقائع ثورة الموريسكيين، ترجمة: وسام محمد جزر، مراجعة وتقديم: جمال عبد الرحمن، المركز القومي للترجمة – القاهرة، الطبعة الأولى، 2012م.
[11] ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ص157.
التعليقات
إرسال تعليقك