التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
استمر حصار القسطنطينية في عهد السلطان محمد الفاتح أربعة وخمسين يومًا، ومِنْ ثَمَّ كان لا بُدَّ من البحث عن طرق ابتكارية لتحقيق الفتح.
الأحد 13 مايو، والاثنين 14 مايو:
بعد سبعةٍ وثلاثين يومًا من القصف المستمر (من 6 أبريل إلى 12 مايو) كان لا بُدَّ من وقفةٍ لتحليل النتائج التي وصل إليها الجيش العثماني. نعم الحصار الطويل يُؤثِّر بشدَّةٍ في البيزنطيِّين وأعوانهم، لكنَّه ليس بلا خسائر على الطرف العثماني؛ فالوقت الذي يمرُّ يُكلِّفهم جهدًا، وأموالًا، وأرواحًا، وخاصَّةً أنَّه في الأيَّام الأخيرة من الحصار -أعني ابتداءً من يوم 7 مايو إلى 12 مايو- فَقَد العثمانيُّون عدَّة آلافٍ من الجنود في المحاولتين غير الناجحتين لاقتحام المدينة. إنَّه بتحليل الموقف تتبدَّى لنا بعض الحقائق:
أوَّلًا: على الرغم من قوَّة المدافع العثمانيَّة، فإنَّ الإصلاح البيزنطي لِمَا يتهدَّم من الأسوار كان فاعلًا بدرجةٍ كبيرة، وكان من الواضح -كما يقول المؤرِّخ الأميركي ماريوس فيليبيدس Marios Philippides- أنَّ الأثر النفسي للمدافع العثمانيَّة كان أكبر بكثيرٍ من الأثر الفعلي له كسلاحٍ هجومي[1]. إنَّ هذا الكلام يعني أنَّه مع مرور الوقت، ومع اعتياد البيزنطيِّين لصوت المدافع وانفجاراتها، سيُصبح العمل تحت قصفها أمرًا عاديًّا، وسيفقد العثمانيُّون عنصر الفزع الذي كان مؤثِّرًا جدًّا في البداية، وهذا يُفسِّر ارتفاع كفاءة البيزنطيِّين في إصلاح الأسوار مع مرور الوقت مع أنَّه من المتوقَّع عكس ذلك؛ حيث إنَّ كثرة القصف كان من المفترض أن تُؤدِّي إلى تهالك الأسوار بشكلٍ أكبر، كما أنَّ مرور الوقت ينبغي أن يقود إلى إنهاك قوى فرق الإصلاح البيزنطيَّة، لكن الواقع المشاهَد كان غير ذلك.
ثانيًا: لم يستطع العثمانيُّون التغلُّب على مشكلة عدم القدرة على استمرار إطلاق المدافع لفترةٍ طويلة، بل كان لا بُدَّ من إعطاء المدافع فرصةً كي تبرد، ثم يُعاد إطلاقها، وهذا جعل كفاءة القصف غير كاملة، وكان يُعطي فرصةً للبيزنطيِّين لإصلاح الأسوار[2].
ثالثًا: الهجوم العسكري الذي يتبع عمليَّة القصف وهدم جزءٍ من الأسوار دومًا يعود على الجيش العثماني بالخسارة، وهذه الخسارة متصاعدة؛ فالخسارة في المحاولة الثانية كانت أعلى من الخسارة في المحاولة الأولى، وكانت الخسارة في المحاولة الثالثة أكبر من الخسارتين الأوليين معًا، ويُنتظر إذا حاول الجيش محاولةً رابعةً بالطريقة نفسها أن تكون الخسائر أعظم.
رابعًا: على الرغم من إدخال الجيش العثماني لنصف أسطوله إلى خليج القرن الذهبي، فإنَّ قصف الأسوار الشماليَّة لم يكن بالقوَّة التي نراها في قصف الأسوار الغربيَّة؛ والسبب في ذلك أنَّ السفن العثمانيَّة صغيرةٌ ولا يُمكن تحميل المدافع الكبرى عليها، كما أنَّ الجيش العثماني المرابط في الخليج بقيادة زاجانوس باشا لا يستطيع إيصال ضرباتٍ محكمةٍ من مدافعه الثقيلة؛ لأنَّ القذائف تحتاج إلى أن تجتاز الخليج بكامله قبل أن ترتطم بالأسوار، وهذا كان يُضعفها، أو يجعلها غير دقيقةٍ في الإصابة.
خامسًا: نصف الأسطول العثماني الآخر -وهو النصف الخارجي الذي يرسو في ميناء العمودين- لم يكن مشاركًا في عمليَّة الحصار بأيِّ صورة، وبالتالي فهو يُعَدُّ طاقةً مهدرةً لم يُحسَن استغلالها بعد.
سادسًا: إلى هذه اللحظة كان الجيش العثماني متماسكًا على المستوى الداخلي؛ بمعنى أنَّه ليست هناك انشقاقات أو خلافات تُؤدِّي إلى انقسامٍ في الجيش، ولكن طول فترة الحصار، وكثرة الشهداء، وتعرُّض محاولات الاقتحام للفشل، كلُّ هذا قد يرفع من أسهم أولئك الذين يدعون إلى فكِّ الحصار، والتوصُّل إلى حلٍّ سلميٍّ مع القسطنطينية، وفي مقدِّمتهم الصدر الأعظم خليل باشا جاندرلي، فيُخْشَى في المرحلة القادمة أن تنقسم القوى المؤثِّرة في الجيش العثماني على نفسها، وهذه ستكون بداية الخسارة الحقيقيَّة.
سابعًا: الوقت ليس في صالح الجيش العثماني! ليس هذا على مستوى عمليَّة فتح القسطنطينيَّة فقط، ولكن على مستوى الدولة بشكلٍ عامٍّ؛ فانشغال الجيش العثماني بعمليَّة الفتح كلَّ هذا الوقت قد يُؤثِّر في مناطق أخرى في الدولة المترامية الأطراف، وقد يكون هذا التأثير كبيرًا، وأبرز الأمثلة على خطورة بقاء الجيش العثماني حول أسوار القسطنطينيَّة ما حدث أثناء الحصار من أزمةٍ في غرب الدولة! فقد جاءت الأخبار إلى معسكر السلطان بتعرُّض الجيش العثماني الموجود في مقدونيا إلى هزيمةٍ كبيرةٍ على يد إسكندر بك في منطقةٍ اسمها بولوج Polog شمال غرب مقدونيا[3]. لقد استغلَّ المتمرِّد الألباني إسكندر بك انشغال الجيش العثماني في القسطنطينيَّة فغزا مقدونيا؛ محاولًا توسيع المساحة التي يُسيطر عليها غرب الدولة العثمانيَّة[4]. اصطدم معه قائد الجيش العثماني في مقدونيا في سهل بولوج بجيشٍ قوامه أربعة عشر ألف مقاتل[5]، وعلى الرغم من زيادة عدد الجيش العثماني على جيش إسكندر بك فإنَّ الألبان حقَّقوا النصر بسبب وجود عاصفةٍ شديدةٍ لم يتوقَّع العثمانيُّون أن يُباغتهم إسكندر بك فيها، فكانت الخسارة العثمانيَّة كبيرة؛ حيث قُتِل منهم ثلاثة آلاف، وفي مقدِّمتهم قائدهم إبراهيم باشا، وكانت هذه الهزيمة في 22 أبريل 1453م[6]. وحيث إنَّ المسافة بين القسطنطينيَّة وبولوج حوالي سبعمائة كيلو متر، فإنَّ الخبر قد وصل إلى السلطان محمد الثاني بعد أسبوعين تقريبًا؛ أي في الأسبوع الأوَّل من شهر مايو، ولا يُتَوقَّع أن يكون هناك تأخُّرٌ في الإبلاغ لأنَّ المسألة خَطِرَة؛ إذ قُتِل القائد نفسه، وهُزِم الجيش، ومن المحتمل أن يتفاقم الأمر بإكمال إسكندر بك عمليَّة غزو مقدونيا.
لم تكن هزيمة الجيش العثماني في مقدونيا بالأمر الهيِّن في هذه الظروف، خاصَّةً أنَّ اسم إسكندر بك تردَّد داخل القسطنطينيَّة في هذه الأيَّام؛ فقد اقترح فريقٌ من القادة والوزراء في أوائل مايو فكرة خروج الإمبراطور قُسطنطين الحادي عشر خفيةً من القسطنطينيَّة إلى المورة اليونانيَّة، وهناك يستطيع أن يُجنِّد الجنود من اليونان، ويضمَّ إليه قوَّات أخويه تُوماس وديمتريوس، ويستعين بقوَّات إسكندر بك الألباني، فضلًا عن الدعم الأوروبِّي إنْ وصل، وعندها يُمكن بهذه الجموع أن يعود ويرفع الحصار عن القسطنطينيَّة. كان الاقتراح قويًّا، ودعمه بقوَّة القائد الچنوي چوستينياني، لكن الإمبراطور رفضه خوفًا من عدم قدرته لاحقًا على استرداد القسطنطينيَّة إذا سقطت الآن[7]. هذا يعني أنَّ هناك احتمالًا أن يتواصل الإمبراطور مع إسكندر بك فيكون في ذلك تشتيتٌ للجيش العثماني، خاصَّةً إذا ما تدخَّل البابا والغرب في المعادلة.
إنَّ كلَّ ما سبق يعني أنَّ استمرار الجيش العثماني في النهج والاستراتيجيَّة أنفسهما؛ أي في محاولة الاقتحام بعد قصف جزءٍ من السور الغربي، لن يُحقِّق الفائدة المرجوَّة، وهي سرعة فتح المدينة قبل تطوُّر الأحداث، ومِنْ ثَمَّ كان لا بُدَّ من البحث عن طرقٍ ابتكاريَّةٍ جديدة إلى جوار القصف المستمرِّ للأسوار، يُمكن أن تُحقِّق نفعًا سريعًا.
كانت الأفكار المقترحة في هذا الصدد أربعة، وكانت كالآتي:
1. محاولة حفر أنفاق تحت الأسوار لاقتحام المدينة عن طريقها.
2. محاولة اقتحام السلسلة الحديديَّة بالأسطول العثماني الخارجي لزيادة القوَّة العثمانيَّة المهاجِمة، وتشتيت المقاومة البيزنطيَّة.
3. محاولة بناء برجٍ خشبيٍّ ضخمٍ بارتفاع الأسوار وتحريكه بالقرب منها لقتال البيزنطيِّين على مستوى الارتفاع نفسه بدلًا من القتال من أسفل.
4. الإسراع من الانتهاء من الجسر العائم الذي بدءوا في تصميمه يوم 23 أبريل لكي يتمكَّنوا من وضع مدافع ثقيلة عليه يُمكن أن تُؤثِّر في الأسوار الشماليَّة للمدينة.
وُضِعَت هذه الاقتراحات الأربعة قيد التنفيذ فورًا، ومِنْ ثَمَّ كانت هي محور عمل الجيش العثماني في الأيَّام التالية، بالإضافة إلى استمرار قصف الأسوار بلا توقُّفٍ، عسى أن يكون انهيارها داعمًا لهذه الأفكار!
***
الثلاثاء 15 مايو:
غالبًا بدأ الجيش العثماني في محاولة حفر الأنفاق تحت الأسوار في هذا اليوم أو في اليوم الذي بعده[8]. استعان الجيش العثماني ببعض المهندسين الصربيِّين من مدينة نوڤو بردو Novo Brdo[9]، وهي مدينةٌ مشتهرةٌ بمناجم الفضَّة، ولذا كان المهندسون على درجةٍ عاليةٍ من الحِرَفِيَّة في حفر الأنفاق، وقد حفروا في البداية نفقًا بالقرب من بوَّابة كاريزيان Charisian Gate لمناسبة الأرض هناك، ولكنَّهم قرَّروا تركه بعد ذلك لطول المسافة التي ينبغي حفرها، ولصعوبة الحفر تحت الخندق الموجود خارج الأسوار، ولهذا اتَّجه الجيش العثماني لحفر خنادق أخرى عند المنطقة الشماليَّة من الأسوار الغربيَّة بالقرب من قصر بلاكيرني حيث الأسوار أحاديَّة وليست ثلاثيَّة، وبالتالي تكون المسافة المطلوب حفرها أقصر[10].
الأربعاء 16 مايو، والخميس 17 مايو:
في يوم 16 مايو اكتشف البيزنطيُّون النفق الذي كان الجيش العثماني قد بدأ في حفره، ومِنْ ثَمَّ دُمِّر فورًا، وعندما علم الإمبراطور البيزنطي بهذا الأمر كلَّف قائد جيشه نوتاراس بمسئوليَّة البحث عن أنفاقٍ مشابهةٍ وتدميرها، وقد استعان القائد البيزنطي بمهندسٍ ألمانيٍّ متخصِّصٍ اسمه چوهانس جرانت Johannes Grant، وكان هذا المهندس من فرقة القائد الچنوي چوستينياني، وكان ماهرًا للغاية في هندسة الأنفاق، ومن هنا بدأت عمليَّة تتبُّع الأنفاق العثمانيَّة فورًا[11]. وضع البيزنطيُّون قوارير ماء كبرى على مسافاتٍ متفاوتةٍ على الأسوار، وبدءوا في مراقبة حدوث أيِّ اهتزازاتٍ بها، فكانوا بهذه الطريقة يكتشفون المكان الذي يجري الحفر تحته[12]!
لقد كانت حربًا من طرازٍ خاص! لم تقف عند حدود السلاح والأجساد، بل تعدَّتها إلى العقول والأفكار!
في هذا اليوم نفسه أيضًا، واليوم الذي بعده -أعني 16 و17 مايو- أَقْبَل الأسطول العثماني من ميناء العمودين، وهو يدُّق الطبول، ويعزف الموسيقى العسكريَّة، ويصيح الصيحات العالية، حتى وصل إلى السلسلة الحديديَّة، وقام بشبه استعراضٍ عسكريٍّ وكأنَّه يعزم على اقتحام الخليج، ولكنَّه عاد أدراجه لصعوبة تجاوز السلسلة الحديديَّة[13]، ويبدو أنَّ الغرض من هذا العرض العسكري كان إحداث أثرٍ نفسيٍّ عند البيزنطيِّين يُشعرهم أنَّ البحر غير آمن، وبالتالي صعوبة وصول معوناتٍ خارجيَّة.
الجمعة 18 مايو:
استمرَّ قصف منطقة الميزوتيكيون في هذا اليوم، وقد أدَّى هذا القصف إلى انهيار جزءٍ من أبراج بوابة سان رومانوس[14]، لكن لم يكن هذا هو العمل الوحيد في هذا اليوم، فقد عمل المهندسون العثمانيُّون عملًا عجيبًا مساء هذا اليوم، وهو بناء برجٍ خشبيٍّ كبير يتحرَّك على عجلات، ومُغَطَّى بجلود الجِمال، ويصل ارتفاعه إلى مستوى أعلى من الأسوار، وبه مسطَّحات تسمح للجنود بالبقاء فيها، والواقع أنَّ الكتب تمتلأ بالوصف التفصيلي لهذا البرج الضخم الذي سيُمكِّن مَنْ قَاتَل فوقه مِن رؤية داخل المدينة بوضوح[15][16]، لكن أعجب الأمور في قصَّة هذا البرج هو سرعة بنائه، ولقد ذكر باربارو في يوميَّاته -وهو منبهرٌ من سرعة إتمامه- أنَّ نصارى القسطنطينيَّة كلَّهم لو اجتمعوا لبنائه فإنَّهم لن يتمُّوا هذا العمل في شهرٍ كامل، بينما بناه الأتراك في أربع ساعاتٍ فقط[17]!
ومع أنَّ العمل كان متقنًا، والآمال المعقودة عليه كبيرة، فإنَّ الردَّ البيزنطي جاء حاسمًا!
لقد تسلَّل في جنح الظلام مجموعةٌ من الجنود النصارى، ووضعوا بعض الموادِّ المتفجِّرة بالقرب من البرج، ثم استخدموا النيران اليونانيَّة في إشعال المتفجِّرات، وما هي إلَّا لحظات وأمسكت النيران الملتهبة بالبرج، فاحترق، وانهار، في الليلة نفسها التي بُنِي فيها[18]!
السبت 19 مايو:
أتمَّ الجيش العثماني في هذا اليوم بناء الجسر العائم الواصل بين ضفَّتي القرن الذهبي الشماليَّة والجنوبيَّة[19][20]، وكان بطولٍ يتجاوز المائتي متر، وعرضٍ حوالي مترين وربع[21]، وكان هذا العرض يسمح بمرور خمسةٍ من الجنود متجاورين[22]، بالإضافة إلى أنَّه يسمح بوضع بعض المدافع المتوسِّطة، ولقد نقل الجيشُ فور إتمامه بعضَ مدافع زاجانوس باشا الموجودة في شمال القرن الذهبي إلى الجسر العائم لتكون قريبةً من الأسوار الشماليَّة للمدينة، فيتم بذلك قصف متزامن لهذه الأسوار مع الأسوار الغربيَّة للمدينة[23].
الأحد 20 مايو إلى الثلاثاء 22 مايو:
في الأيَّام الخمسة الماضية نُفِّذت كلُّ الاقتراحات التي اتَّفق عليها القادة في يومي 13 و14 مايو، ولكنَّها في معظمها تعرَّضت لإخفاقات؛ فالنفق الذي حُفِر دمَّره البيزنطيُّون في اليوم نفسه، وكذلك أُحْرِق البرج الخشبي، ولم تستطع سفن الأسطول العثماني اختراق السلسلة الحديديَّة، كما أنَّ الجسر العائم لم يكن يسمح بحمل المدافع الثقيلة، ومِنْ ثَمَّ كانت القذائف المطلقة من فوقه لا تُمثِّل خطرًا داهمًا على الأسوار!
هل يأس الجيش العثماني من هذه الإخفاقات؟!
الواقع إنَّ هذا لم يحدث قط؛ بل كان الجيش يعمل بمثابرةٍ وكفاءةٍ وكأنَّه لم يتعرَّض لإخفاقٍ قط، ولم يُقرِّر فشل اقتراحٍ من هذه الاقتراحات التي سعوا في تطبيقها إلَّا بعد المحاولة عدَّة مرَّاتٍ للتَّيَقُّن من النتائج..
بالنسبة إلى الأنفاق مثلًا فإنَّ المصادر تذكر أنَّ الجيش العثماني لم يحفر نفقًا أو نفقين؛ إنَّما حفر أربعة عشر نفقًا كاملًا[24]! وهذا جهدٌ كبيرٌ خاصَّةً مع طبيعة الأرض الصخريَّة، ومحاولات الحفر من مكانٍ بعيدٍ جدًّا عن الأسوار حتى لا يكتشفه البيزنطيُّون، ومع ذلك فالبيزنطيُّون كانوا بالمرصاد لكلِّ هذه الأنفاق، ولقد حفر المدافعون عن المدينة بقيادة المهندس الألماني أنفاقًا مضادَّةً «Counter-mines» لاعتراض أنفاق العثمانيِّين، وكانوا من خلال هذه الأنفاق يقتحمون النفق العثماني فيحرقون الدعامات الخشبيَّة له فينهار على العمَّال والجنود فيدفنهم أحياء، أو كانوا يُشعلون النيران بطريقةٍ تُوَجِّه الدخان إلى داخل الأنفاق العثمانيَّة حتى يختنق العمال، أو كانوا أحيانًا يُغْرِقون الأنفاق بالمياه، وكان الأمر يصل أحيانًا إلى التقاتل المباشر بين الجنود تحت الأرض في داخل الأنفاق[25]!
إنَّه بعد كلِّ هذا الجهد لم يصل نفقٌ إلى داخل المدينة[26]!
أمَّا بالنسبة إلى الأبراج الخشبيَّة فقد بنى الجيش العثماني عددًا منها، ولكن استطاع البيزنطيُّون أن يحرقوا بعض هذه الأبراج، واضطرَّ العثمانيُّون إلى سحب بقيَّة الأبراج[27][28].
ومع أنَّ الأسطول العثماني كان يُدرك أنَّ عبوره للسلسلة الحديديَّة يُعَدُّ مستحيلًا، فإنَّه حاول مرَّةً أخرى في يوم 21 مايو، وهو بالحماسة نفسها، وكأنَّه لم يتعرَّض لإخفاقٍ سابقٍ في المحاولات الماضية[29].
لقد علَّقت المؤلِّفة الأميركية روث فيلدمان Ruth Feldman على هذا الجهد من الجيش العثماني بقوله: «لا يوجد شيءٌ يُمكن عمله لإيقاف إصرار العثمانيِّين على التقدُّم»[30]!
لقد كانت كلمةً موجزة، لكنَّها تصف بعمق مجريات الأحداث!
***
الأربعاء 23 مايو:
ثمانية وأربعون يومًا حتى الآن مرَّت، وما زال القصف مستمرًّا، ولم تتوقَّف محاولات الاختراق، سواءٌ بالأشكال التقليديَّة أم بالطرق الابتكاريَّة، ولكن كان الوضع كما هو يوم بداية الحصار تقريبًا!
لم يتوقَّف العثمانيُّون عن الهجوم، ولم يتوقَّف البيزنطيُّون وأعوانهم عن الدفاع!
نعم قَلَّت المؤن بشكلٍ كبيرٍ في المدينة المحاصَرة، وأُنهك المدافعون إنهاكًا عظيمًا، لكن على الجانب الآخر تعب الجيش العثماني جدًّا، وسقط منه الكثير من الشهداء.. في البرِّ والبحر..
لقد كانت التضحيَّات جسيمة!
وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ [النساء: 104]
لقد كان الألم متساويًا في الجبهتين!
ماذا يفعل السلطان محمد الثاني إزاء هذا الموقف؟!
لقد كان السلطان يُريد حسم الأمر بأسرع طريقة ممكنة، ولهذا كان يفكر في عمليَّةٍ كبرى يستخدم فيها كلَّ الإمكانات المتاحة، بحيث يُنهي المسألة في وقتٍ قصيرٍ حتى لو كانت التضحيَّات كبيرة، لكن مع ذلك كان يُراوده الأمل في تجنيب المسلمين مثل هذا الصدام المروِّع الذي قد يكون الثمن فيه باهظًا، فأراد أن يخطو خطوةً أخيرةً لعلَّها تُحقِّق النفع، وهذه الخطوة هي محاولةٌ دبلوماسيَّةٌ نهائيَّةٌ تسعى لتسليم المدينة دون قتال!
لقد فشلت المحاولات الدبلوماسيَّة السابقة، ولكن الآن الوضع متأزِّمٌ جدًّا في المدينة؛ فالصراعات الفكريَّة والعقديَّة والتاريخيَّة بين الطوائف المختلفة المحصورة في داخل المدينة بدأت تتفاقم تحت الضغط؛ فاليونانيُّون ضدَّ اللَّاتين بشكلٍ عامٍّ، والبنادقة ضدَّ الچنويِّين، والأرثوذكس ضدَّ الكاثوليك، والقادة أنفسهم في صراعات[31]، وكان نقص الغذاء يُمثِّل عاملًا خَطِرًا يُهدِّد المدينة، وقد وصل الأمر إلى ظهور بوادر عصيان ومظاهرات في المدينة، وبدأ بعض الجنود يتركون أماكنهم في الحراسة اعتراضًا على الوضع المتفاقم[32]. لا شَكَّ أنَّ هذه الأخبار كانت تصل إلى السلطان محمد الثاني بصورةٍ أو بأخرى، ومِنْ ثَمَّ كانت عنده قناعةٌ بجدوى المحاولة الدبلوماسيَّة في ظلِّ هذه الظروف.
بقي أن يختار السلطان شخصيَّةً مناسبةً تقوم بهذه السفارة، ولقد وقع اختياره على أمير سينوب، وهو إسماعيل بن إسفنديار[33]، أو قاسم بن إسفنديار في روايةٍ أخرى[34]، والسرُّ في اختياره هو أنَّ إمارة سينوب كانت إمارةً مستقلَّةً منذ زمنٍ طويل، وكانت على علاقاتٍ طيِّبةٍ بالدولة البيزنطيَّة، وكان الإمبراطور البيزنطي يستقبل أمراء هذه الإمارة كأصدقاء، ومِنْ ثَمَّ فيُمكن للحوار الودِّيِّ بينهما أن يصل إلى نتيجةٍ لا يصل إليها عامَّة السفراء، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ أمير سينوب كان على علاقة مصاهرة بالسلطان محمد الثاني؛ فسفارته تُمثِّل تقديرًا للإمبراطور البيزنطي يُمكن أن يُرضي كبرياءه، هذا كله فضلًا عن أنَّ إمارة سينوب كانت مشاركةً للسلطان محمد الثاني في الحصار لكنَّها لم تكن في هذا الوقت جزءًا من الدولة العثمانيَّة؛ فأميرها وكأنَّه وسيطٌ بين الطرفين، وليس ممثِّلًا للدولة العثمانيَّة[35][36].
استقبل الإمبراطورُ أميرَ سينوب استقبال الأصدقاء، واستمع بهدوءٍ لمقالته، وكان أمير سينوب يتحدَّث إلى الإمبراطور بطريقة الصديق الناصح لا مبعوث العدو، أو نذير الحرب، وكان يتحدَّث بهدوءٍ ورَوِيَّةٍ ومنطق محاولًا استخدام كلِّ إمكاناته الدبلوماسيَّة في التوصُّل لأفضل نتيجة..
ماذا قال أمير سينوب؟!
«إذا كان وضع المدينة كما هو واضحٌ بلا أملٍ فلماذا يُطيل الإمبراطور مآسي الحرب، ويُعرِّض شعبه للتَّبعات المرعبة لاجتياح هذا المكان؟ إنَّ السلطان يُكِنُّ خالص وعميق الاحترام للإمبراطور، وسيسمح له بالانسحاب دون أذى -مع بلاطه، ونبلائه، وكنوزه- إلى أيِّ مكانٍ يُريد أن يذهب إليه. بل أكثر من هذا؛ فإنَّ السلطان يُقدِّم مرَّةً أخرى للإمبراطور سيادة المورة اليونانيَّة. كل سكان القسطنطينيَّة يُسْمَح لهم أيضًا -إذا أرادوا خيار الذهاب- أن يرحلوا مع كلِّ ما يُمكن حمله من أملاك، ومَنْ أراد منهم البقاء فإنَّ السلطان يضمن له الأمان لروحه وما يملك. لا بُدَّ أن يَعُدُّ الإمبراطور أنَّ هذه هي آخر دعوةٍ من السلطان له بتسليم المدينة. لو رُفِضَت فالرُّعب الذي سيُصيب المدينة لا يُمكن أن يُمْنَع».
كان هذا هو العرض الدبلوماسي، ثم تكلَّم أمير سينوب كصديقٍ ناصحٍ للإمبراطور فقال: «إنَّ الأسوار في الناحية الغربيَّة قد تهدَّمت في أكثر من موضع، وهناك أربعة أبراجٍ قد دُمِّرت تمامًا، والحامية الصغيرة قد أُنْهِكت للغاية، وليس هناك أملٌ في وصول مساعدةٍ عاجلةٍ للمدينة»[37]!
كان كلام أمير سينوب منطقيًّا من الناحية العقليَّة، لكنَّ الإمبراطور رفض هذا العرض تمامًا، وقال أنَّه مستعدٌّ لأيِّ تنازلٍ إلَّا تسليم القسطنطينيَّة[38].
ما الذي كان يدفع الإمبراطور إلى هذا الاتِّجاه المتصلِّب؟!
أهو أملٌ في أن تكون هناك مساعدةٌ أوروبِّيَّةٌ قادمةٌ في الطريق تُعيد ضبط المعادلة؟!
أهو اليقين في أنَّ الجيش العثماني يُعاني هو الآخر، وأنَّ المسألة تحتاج إلى قليلٍ من الصبر، ثم سيتغيَّر الحال؟!
أهو الإحساس أنَّ سعي السلطان محمد الثاني للحلِّ الدبلوماسيِّ هي علامةٌ على عدم قدرة الجيش العثماني على إتمام عمليَّة الفتح، وبالتالي لا داعي مطلقًا للتسليم؟!
أهو الكبرياء الإمبراطوري الذي لا يقبل أن يُقدِّم تنازلًا لم يفعله واحدٌ من الأباطرة من آبائه وأجداده على مرِّ العصور؟!
أهو الدين الذي يمنعه من تسليم معقل الأرثوذكسيَّة في العالم للمسلمين؟!
أهو النُصْحُ الذي يأتيه من هنا أو هناك يدفعه إلى المثابرة إلى النهاية؟!
أهو الخوف من عدم تحقُّق سيادته على المورة، وتكون النتيجة أن يفقد كلَّ شيء؟!
إنَّ السبب يكمن في واحدٍ من هذه الأسباب، أو فيها جميعًا، وأيًّا ما كان السبب فالنتيجة صارت محتومة! إنَّنا نتَّجه إلى حربٍ هائلة!
عاد أمير سينوب بالرفض البيزنطي لعرض السلام المشروط!
أدرك السلطان أنَّ الحلَّ الدبلوماسيَّ قد وصل إلى طريقٍ مسدود، ولم يكن أمامه إلَّا استكمال العمل العسكري بكلِّ قوَّة. يفترض بابينجر أنَّ الغرض من السفارة لم يكن الوصول إلى حلٍّ سلميِّ؛ إنَّما كان عملًا استخباراتيًّا يهدف إلى دراسة الواقع داخل القسطنطينيَّة[39]، بينما يرى رنسيمان أنَّ محمدًا الثاني كان «يُرضي ضميره» في تقديم السلام قبل اجتياح المدينة[40]، والواقع أنَّني أرى أنَّ السلطان كان يعلم أنَّ العمليَّة العسكريَّة التي ستُحقِّق الفتح ستكون باهظة الثمن، ومِنْ ثَمَّ فهو كان يسعى جاهدًا إلى دفع الإمبراطور للتسليم، أمَّا ضميره فكان مستريحًا من البداية لأنَّه قدَّم السلام في بداية الحصار، ومسوِّغات حربه كانت شرعيَّة، ومقبولة حتى على المستويات الدوليَّة وأعراف زمانه؛ لأنَّ الإمبراطور ودولته هم الذين خالفوا عهدهم معه، ومِنْ ثَمَّ صار قتالهم حتميًّا على دولة ترعى كرامتها، وتُحافظ على سيادتها.
إِذَنْ كان على الإمبراطور أن يستعدَّ لمزيدٍ من الحصار، ومحاولات الاقتحام، لكن لم تكن هذه هي آلامه فقط؛ فقد جاءت في هذا اليوم أخبارٌ سيِّئَةٌ أخرى! لقد عادت السفينة التي خرجت يوم 3 مايو للبحث عن الإغاثة الأوروبِّيَّة، وذكر طاقمها أنَّ بحر إيجة كلَّه لا توجد به أيُّ سفن إعانة، وبالتالي فالأمر قد يتطلَّب أسابيع أخرى إن كانت هناك في الأصل مساعدةٌ قادمة[41]!
***
الخميس 24 مايو، والجمعة 25 مايو:
شهدت هذه الأيَّام ضراوةً كبرى في القصف العثماني سواءٌ بالمدافع أم البنادق، وكذلك الرمي بما لا يُحصى من السِّهام[42]، وكان هذا ردَّ فعلٍ طبيعيٍّ لفشل مفاوضات الأمس، ولإثبات الجدِّيَّة في التهديد الذي حُمِّل للمدينة.
على الجانب الآخر فإنَّ القسطنطينيَّة عاشت أيَّامًا صعبة، وتراكمت عليها الأحزان في هذه الفترة بشكلٍ غير مسبوق؛ فالحصار الطويل، والقصف المستمر، ونقص الغذاء، وتأخُّر المعونة، والصراعات الداخلية؛ كلُّ ذلك أدَّى إلى شعورٍ بالاكتئاب عند القيادة والشعب، وهذا الشعور قادهم إلى تأويل كلِّ الأحداث بصورةٍ متشائمةٍ جعلتهم يدخلون في حزنٍ أكبر، واكتئابٍ أعظم، وقد ظهر هذا التأويل المتشائم في عدَّة حوادث تزامنت سويًّا بشكلٍ عجيب!
أمَّا الحادثة الأوَّل فهي ظاهرة خسوف القمر[43]! وَعَدَّه الكثير من أهل القسطنطينيَّة نذير شؤمٍ يقضي بخسارة المدينة أو هلاكها[44]، وسبب هذا الاعتقاد نبوءةٌ عجيبةُ كان أهل القسطنطينيَّة يتناقلونها، وينسبونها إلى مؤسِّس القسطنطينيَّة الإمبراطور قسطنطين الأوَّل، وذكر فيها أنَّ المدينة ستسقط عندما يُظلم جزءٌ من القمر في وقتٍ ينبغي أن يكون كاملًا[45]! وهذه الليلة تتوافق مع 15 جمادى الأولى، أي ينبغي أن يكون القمر كاملًا، فكان هذا الخسوف مخوِّفًا لأهل المدينة بشدَّة؛ بل قال بعضهم: «إنَّ القمر أخذ شكل الهلال بعد خسوفه -وهذا يحدث مع الخسوف الجزئي- وأنَّ هذا الهلال يرمز للهلال الذي يضعه العثمانيُّون في أعلامهم، فهذه إشارةٌ إلى امتلاك العثمانيِّين للمدينة»[46]! ولقد رجعتُ إلى موقع وكالة ناسا الفضائيَّة فتأكَّدتُ من حدوث خسوفٍ جزئيٍّ للقمر في هذه الفترة، ووجدتُ وصفًا تفصيليًّا له ولمدَّة حدوثه[47]، فكان هذا من أعجب الأمور! فلا أدري كيف ذكر قسطنطين الأوَّل مثل هذه النبوءة! هل رآها في رؤيا؟ أم قرأها في توراة أو إنجيل؟ أم هي مجرَّد توافقٍ غير مبنيٍّ على شيء؟ عمومًا، وبصرف النظر عن أصل النبوءة، فإنَّ حدوث الخسوف بهذه الصورة في هذا التوقيت أصاب عزائم أهل القسطنطينيَّة بشكلٍ كبير!
أمَّا الحادثة الثانية فهي حادثة ظهور ضوء أحمر على قبَّة كنيسة آيا صُوفيا Hagia Sophia، وقد ظهر هذا الضوء من أسفل القبَّة ثم صعد إلى أعلاها، ويرى كثيرٌ من المؤرِّخين أنَّ هذا الضوء يُمكن أن يكون انعكاسًا لنيران المعسكر العثماني[48][49]، ولكنَّ الواقع أنَّ هذا احتمالٌ بعيد؛ لأنِّي وجدتُ أنَّ المسافة بين كنيسة آيا صُوفيا وأقرب نقطة في المعسكر العثماني تزيد على خمسة كيلو مترات، ممَّا يجعل انعكاس الضوء من هذه المسافة البعيدة أمرًا غير محتمل، وذهب البعض إلى احتمالٍ أبعد، وهو أنَّ هذا انعكاسٌ لضوء بركانٍ انفجر في هذه الأيَّام على مسافةٍ بعيدةٍ جدًّا من القسطنطينيَّة[50]!
لا أعلم على وجه الحقيقة التفسير المنطقي لهذه الظاهرة، ولكنَّ أهل القسطنطينيَّة فسَّروها آنذاك على نحوٍ يدفعهم إلى النهاية! لقد اعتقدوا أنَّ هذا هو الضوء المقدَّس الموجود بالكنيسة مع المـَلَك الحامي للمدينة (Guardian Angel of the city)، وأنَّ هذا المـَلَك ذهب للأبد، وبالتالي ستسقط المدينة[51]!
والحادثة الثالثة كانت غريبةً كذلك! لقد أراد البيزنطيُّون أن يُقيموا قدَّاسًا كبيرًا يُعظِّمون فيه السيِّدة مريم عليها السلام، التي يُسمُّونها حامية المدينة Protectress، فأحضروا صورةً عظيمةً لها كانوا يضعونها في قصر بلاكيرني قرب الأسوار بهدف حماية المدينة من العثمانيِّين، وطافوا بهذه الصورة في الشوارع في احتفالٍ كبيرٍ تمهيدًا لأخذها إلى الكنيسة لحضور القدَّاس والصلاة، وبينما هم في طوافهم انزلقت الصورة من فوق أكتاف الرجال، ووقعت على الأرض، وعندما أرادوا رفعها كانت ثقيلةً كالرصاص، فلم يتمكَّنوا من ذلك إلَّا بعد اجتماع عددٍ كبيرٍ من الرجال، ففهم البيزنطيُّون عندها أنَّ السيدة مريم ترفع يدها عن حماية المدينة[52][53]! وبعد نجاحهم في رفع الصورة واستعدادهم للذهاب إلى الصلاة، جاءت الحادثة الرابعة!
كانت الحادثة الرابعة هي نزول المطر بشدَّةٍ كبيرةٍ مصحوبًا بقطعٍ ثلجيَّةٍ كالصخور (Hail)، وكانت كثافته هائلة لدرجة أنَّه أغرق الشوارع، بل كان الطوفان يسحب الأطفال من أيدي أهاليهم، فكان الوضع خطرًا للغاية، فاضطرَّ البيزنطيُّون إلى العودة السريعة إلى منازلهم ولم يقم أحدٌ بالصلاة في هذه الليلة، وأُلْغِي القدَّاس[54][55]!
أمَّا الحادثة الخامسة فكانت في اليوم التالي لهذه الأحداث جميعًا، وهي أنَّ الضباب الكثيف غطَّى المدينة بكاملها، وفي وقتٍ لم يَعْتَدْ فيه البيزنطيُّون على مثل هذا الضباب، ولم يكن في هذا اليوم رياح فلم يتحرَّك الضباب من المدينة طوال اليوم، وانعدمت الرؤية تمامًا[56]! لم يترك البيزنطيُّون المكتئبون هذه الحادثة تمرُّ دون تفسيرٍ مؤلم؛ فقد زعموا أنَّ الضباب ما هو إلَّا ستارٌ ليُخفي رحيل العناية الإلهيَّة عن المدينة[57]!
والآن ما القول في تزامن هذه الأحداث جميعًا في يومين متتاليين؟!
البعض يقول مصادفة[58]، ولكنَّ الواقع أنَّ الأمور تجري بالمقادير؛ فجَمْعُ كلِّ هذه الحوادث في يومين يدخل في إطار الآية الكريمة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31]، والذي يقرأ القرآن الكريم يفهم كيف يُمكن للمطر أو الضباب أو الرياح أو غير ذلك من عوامل طبيعيَّة، أن يُحدث أثرًا في اتِّجاهٍ معيَّنٍ بإذن الله تعالى، فكان هذا التزامن لهذه الأحداث كسرًا لمعنويَّات البيزنطيِّين، حكومةً وشعبًا، وذلك تمهيدًا لحدثٍ كبيرٍ سيكون بعد أيَّامٍ قلائل، وهو فتح القسطنطينيَّة التي بشَّر رسول الله ﷺ بفتحها منذ أكثر من ثمانية قرون، وسقوط الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة التي دامت أكثر من ألف عام، وتغيُّر مسار التاريخ بشكلٍ كبير، وظهور دولةٍ إسلاميَّةٍ كإحدى أكبر الدول المؤثِّرة في حركة الأحداث، ليس في أوروبَّا وحدها، ولكن في العالم بأسره.
ويُضاف إلى ما ذكرتُه في الفقرة السابقة أنَّ ردَّ فعل البيزنطيِّين لهذه الحوادث كان يصبُّ في الاتجاه نفسه؛ فكلُّ حادثةٍ من هذه الحوادث كان يُمكن أن تُفْهَم على محملٍ آخر، بمعنى أنَّه كان من الممكن أن تُؤَوَّل الحادثة بشكلٍ يرفع معنويَّات البيزنطيِّين بدلًا من إحباطهم؛ فالضوء الغريب يُمكن أن يكون مَلَكًا جاء لحماية المدينة بدلًا من مَلَكٍ ترك المدينة، والضباب ممكن أن يكون حمايةً للبلد لا غطاءً لذهاب العناية الإلهيَّة، وهكذا، ويدعم هذا أنَّ السلطان محمدًا الثاني رأى بنفسه الضوء الأحمر الغريب الذي أصاب قبَّة آيا صُوفيا، وتعجَّب له، لولا أنَّ مَنْ معه مِن العلماء فسَّروا له ذلك بأنَّه علامةٌ على أنَّ الإيمان الحقَّ -أي الإسلام- سيُضيء هذا المعقل النصراني الكبير[59]! فالحادثة واحدة، لكن التأويل مختلفٌ في الطرفين، لقد أراد الله لفكر البيزنطيِّين أن يتَّجه هذا الاتِّجاه المتشائم، ولو اختاروا غيره لكان من الممكن أن تتغيَّر عزائمهم وطاقتهم إلى المقاومة بشكلٍ أكبر بدلًا من الهزيمة النفسيَّة القاتلة، التي وصلت إلى قناعات ثابتة عندهم بأنَّ المدينة ستسقط لا محالة، وقد وصل الأمر إلى أنَّهم استدعوا من الذاكرة بعض النبوءات التي تقول إنَّ القسطنطينيَّة ستسقط بعد سبعة آلاف سنة من بداية الخلق، وهذا التاريخ يتوافق مع سنة 1492م، وحيث إنَّ عام 1453م يسبق هذا التاريخ بتسعٍ وثلاثين سنةً فإنَّ البيزنطيِّين قالوا -دعمًا لأجواء التشاؤم- أنَّه يبدو أنَّ الحسابات قد أخطأت قليلًا في تحديد السنة، ومِنْ ثَمَّ فالسقوط سيكون في 1453م بدلًا من 1492م[60]!
إلى هذه الدرجة وصل إحباط الناس في المدينة، مع أنَّهم كانوا من الممكن أن يستغلُّوا النبوءة نفسها في تحميس الناس أنَّه ما زالت هناك تسعٌ وثلاثون سنةً في عمر مدينتهم، فإنَّهم لجئوا إلى هذا التأويل استكمالًا لمسيرة اليأس التي قرَّروا خوضها!
كان من الواضح أنَّ المدينة تتَّجه إلى حتفها!
***
السبت 26 مايو:
سَرَت شائعاتٌ كبيرةٌ في الجيش العثماني أنَّ جيوش أوروبَّا الغربيَّة -وكذلك المجر- في طريقها إلى القسطنطينيَّة[61]، بل ذكر أوزتونا أنَّه جاء في هذا اليوم وفدٌ جديدٌ من المجر يؤكِّد أنَّ هذه ليست مجرَّد شائعات، بل إنَّ جيشًا نصرانيًّا كبيرًا على وشك اجتياز الدانوب في اتِّجاه القسطنطينيَّة، وأنَّ أسطول البندقيَّة العسكري على وشك دخول مضيق الدردنيل[62]، وفي الوقت نفسه جاءت أخبار ببوادر ثورةٍ وتمرُّدٍ في الأناضول[63]، كما جاءت أخبار بتعاون إبراهيم بك أمير قرمان مع البندقيَّة، واتِّفاقهم على عملٍ مشتركٍ ضدَّ الدولة العثمانيَّة فور وصول أسطول البنادقة[64]!
كان لا بُدَّ من أخذ قرارٍ حاسمٍ وسريع. دعا السلطان محمد الثاني إلى اجتماعٍ مهمٍّ لقيادات الدولة والجيش لتحديد الخطوة القادمة للجيش[65].
كان أوَّل المتحدِّثين هو الصدر الأعظم خليل جاندرلي ، الذي وقف على قدميه وأعلنها واضحةً «لا بُدَّ من رفع الحصار»، ثم عرض حجَّته بتصميمٍ بالغ، فذكر أنَّ الجيش العثماني لم يُحقِّق أيَّ نجاحٍ حتى هذه اللحظة، ولم يدخل جنديٌّ واحدٌ إلى القسطنطينيَّة، والقصف لمدَّة سبعة أسابيع لم يُحقِّق شيئًا، بل حدثت عدَّة تراجعات في الجيش العثماني، وأمراء الغرب يُمكن أن يأتوا في أيِّ لحظة، والبندقيَّة أخرجت أسطولها العظيم، وقد تُدْفَع چنوة إلى أن تفعل مثلها. ثم طلب الصدر الأعظم من السلطان أن يفرض بعض الشروط المقبولة على الإمبراطور، ويسحب جيشه قبل التعرُّض لكوارث مستقبليَّة[66]!
جلس الصدر الأعظم بعد مقالته المحبطة! كان السلطان غير سعيدٍ بهذا الطرح، لكنَّه كان يُريد أن يعرف آراء المجلس بكامله، خاصَّةً قادة الجيش الذين سيقومون بمهمَّة الحرب إذا حدثت. قام زاجانوس باشا وقال في منتهى الحماسة: «إنَّ مخاوف الصدر الأعظم ليست حقيقيَّة»، ثم ذكر أنَّ هناك فارقًا ضخمًا بين قوَّة الجيش العثماني ومثيله البيزنطي، وأنَّ قوَّة المدافعين النصارى في تآكلٍ مستمر، وأنَّهم قريبون جدًّا من الإنهاك الكامل، ثم أظهر زاجانوس باشا ازدراءه الكبير للقوى الأوروبِّيَّة المختلفة؛ فقال: «إنَّ الچنويِّين منقسمون إلى أحزاب، والبنادقة يتعرَّضون لهجماتٍ من دوق ميلانو Milan، ولن يتمكَّن أيٌّ منهم من تقديم أيِّ مساعدة»[67]، ثم أضاف زاجانوس باشا أنَّه على فرض أنَّ الأسطول البندقي قادمٌ فإنَّ الجيش العثماني قادرٌ على مواجهته، وأخيرًا بشَّر زاجانوس باشا السلطانَ محمدًا الثاني بأنَّ هناك علاماتٍ كثيرةً حدثت في اليومين السابقين جعلت عزيمة البيزنطيِّين تنهار، وأنَّ هذه بشريات الفتح، وذكَّره أنَّ الإسكندر الأكبر -الذي كان من القدوات العسكريَّة للسلطان- قد فتح العالم بنصف هذا الجيش العثماني، وهو واثقٌ من قدرات السلطان على تحقيق ذلك[68].
نزلت هذه الكلمات بردًا وسلامًا على قلب السلطان، ولكنَّه انتظر ردَّ فعل بقيَّة الحضور، فقام الشيخ آق شمس الدين ودعم بشدَّة رأي زاجانوس باشا، وأكَّد أنَّه رأى رؤيا تُبشِّر بالفتح، وذكر حديث رسول الله المبشِّر بذلك[69]، كما وجد هذا الرأي قبولًا واسعًا عند بقيَّة قادة الجيش، وخاصَّةً الشباب منهم، كما أيَّده بقوَّةٍ قائدُ قوَّات الباشي بازوك[70]، وكان تأييد هذا الأخير مهمًّا جدًّا؛ لأنَّ قوَّاته لم تكن نظاميَّة؛ إنَّما كانت تُجْمَع وقت الحرب، ولها أعمالٌ أخرى غير القتال، وقد لا تكون راغبةً جدًّا في إكمال الحصار، فكان دعمه دلالةً على أنَّه من باب أولى أن يكون الجيش العثماني النظامي ما زال حريصًا على إتمام العمليَّة العسكريَّة.
على الرغم من أنَّ السلطان محمدًا الثاني كان يميل بقوَّةٍ إلى رأي زاجانوس باشا، فإنَّه لم يُرِد أن يتسرَّع في قرار الهجوم النهائي إلَّا بعد أن يطمئنَّ إلى معنويَّات الجيش بشكلٍ عامٍّ وليس قيادته فقط، فأرسل زاجانوس باشا ليقوم باستطلاع رأي عامَّة القوَّات، وفي آخر اليوم عاد زاجانوس باشا بالأخبار السعيدة؛ فمعنويَّات كافَّة الجنود في السماء، وهم متحمِّسون بشدَّة للهجوم العامِّ[71]، بل ذكر أنَّ كلَّ الجنود يُريدون لهذا الهجوم أن يكون فوريًّا عاجلًا لا مؤجَّلًا[72].
عند سماع هذه الكلمات اطمئنَّ السلطان محمد الثاني وقام في نشاطٍ قائلًا: «انتهى وقت التردُّد. لنُحدِّد وقت المعركة»، ثم التفت إلى زاجانوس باشا وقال له: «جهِّز الجيش، وحَاصِرْ جالاتا حتى لا تُساعد العدو، وانتهِ من كلِّ الإعدادات بسرعة»[73]!
لقد صار الهجوم الأخير وشيكًا للغاية[74].
[1] Philippides Marios and Hanak Walter K. The Siege and the Fall of Constantinople in 1453 [Book]. - UK : Ashgate Publishing, Ltd, 2011.., 2011, p. 486.
[2] Norwich John Julius Viscount A Short History of Byzantium [Book]. - New York, USA : Vintage Books, 1997., p. 376.
[3] Stojčev Vanče Military History of Macedonia [Book]. - Skopje, Macedonia : Military Academy, 2004., vol. 1, p. 190.
[4] Franco Demetrio Comentario de le cose de' Turchi, et del S. Georgio Scanderbeg, principe d' Epyr [Book]. - Venice : Altobello Salkato, 1480., p. 317.
[5] Brackob A. K Scanderbeg: A History of George Castriota [Book]. - las vegas, N V, USA : Histria, 2018., p. 100.
[6] Francione Gennaro Skënderbeu, një hero modern : (Hero multimedial) [Skanderbeg, a modern hero (Hero multimedia)] (in Albanian) [Book] / ed. Aliaj Donika and Aliaj Tasim. - Tiranë, Albania : Naim Frashëri, 2003., p. 108.
[7] Mijatović Čedomilj Constantine, The Last Emperor of the Greeks [Book]. - London, UK : Sampson Low, Marston & Company, 1892., p. 173.
[8] Bartusis Mark C The Late Byzantine Army: Arms and Society [Book]. - Philadelphia, USA : University of Pennsylvania Press, 1997, p. 133.
[9] Uyar Mesut and Erickson Edward J A Military History of the Ottomans: From Osman to Atatürk [Book]. - Santa Barbra, USA : ABC CLIO, 2009., p. 34.
[10] Runciman Steven The Fall of Constantinople 1453 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1965., p. 118.
[11] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009., p. 38.
[12] Madden Thomas F Istanbul: City of Majesty at the Crossroads of the World [Book]. - New York, USA : Penguin Book, 2016., p. 246.
[13] Freely, 2009, p. 38.
[14] Mijatović Čedomilj Constantine, The Last Emperor of the Greeks [Book]. - London, UK : Sampson Low, Marston & Company, 1892., p. 183.
[15] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007., p. 91.
[16] Mijatović, 1892, p. 182.
[17] باربارو: الفتح الإسلامي للقسطنطينية (يوميات الحصار العثماني 1453) المترجمون دراسة وترجمة وتعليق: حاتم عبد الرحمن الطحاوي. - القاهرة : عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 2002م صفحة 154.
[18] Freely, 2009, p. 39.
[19] Feldman, 2007, p. 90.
[20] Freely, 2009, p. 39.
[21] Mijatović, 1892, p. 183.
[22] أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية [كتاب] / المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/135.
[23] Runciman, 1965, p. 118.
[24] Mijatović, 1892, p. 185.
[25] Runciman, 1965, pp. 117-118.
[26] Madden, 2016, p. 246.
[27] Feldman, 2007, p. 92.
[28] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978., p. 86
[29] Mijatović, 1892, p. 184.
[30] Feldman, 2007, p. 92.
[31] Philippides, et al., 2011, p. 627.
[32] Feldman, 2007, p. 92.
[33] Mijatović, 1892, p. 187.
[34] أوزتونا، 1988م صفحة 1/136.
[35] Mijatović, 1892, p. 187.
[36] Babinger, 1978, p. 90
[37] Mijatović, 1892, pp. 188-189.
[38]Angold Michael The Fall of Constantinople to the Ottomans: Context and Consequences [Book]. - New York, USA : Routledge, 2014, p. 7.
[39] Babinger, 1978, p. 90.
[40] Runciman, 1965, p. 122.
[41] Feldman, 2007, p. 92.
[42] Freely, 2009, p. 39.
[43] Gregory Timothy E. A History of Byntizaum [Book]. - west Sussex, UK - Wiley-Blackwell, Malder, M A, USA : Wiley- Blackwell, 2010., p. 402.
[44] Freely, 2009, p. 39.
[45] Harris Jonathan Constantinople: Capital of Byzantium [Book]. - New York, USA : Bloomsbury, 2017., p.192.
[46] Goodwin Godfrey The Janissaries [Book]. - London, UK : Saqi Books, 2006., p. 115.
[47] https://eclipse.gsfc.nasa.gov/LEhistory/LEhistory.html.
[48] Nicol Donald M. The Last Centuries of Byzantium, 1261-1453 [Book]. - Cambridge, UK : Cambridge University Press, 1993., p. 385.
[49] Stacton David The World on the Last Day [Book]. - London : Faber and Faber, 1965., p. 217.
[50] Schenk Gerrit Jasper Historical Disaster Experiences [Book]. - Switzerland : Springer, 2017., p. 111.
[51] Nicol, 1993, p. 385.
[52] Runciman, 1965, p. 120.
[53] Nicol, 1993, p. 385.
[54] Runciman, 1965, p. 120.
[55] Harris, 2017, p.192.
[56] Crowley, 2005, p. 177.
[57] Runciman, 1965, p. 120.
[58] Nicol, 1993, p. 385.
[59] Runciman, 1965, p. 120.
[60] Harris, 2017, p .192.
[61] İnalcık Halil Mehmed the Conqueror (1432-1481) and His Time [Article] // Speculum. - Chicago, USA : The University of Chicago Press, 1960., vol. 35, no. 3, p. 411.
[62] أوزتونا، 1988م صفحة 1/136.
[63] Gregory, 2010, p. 396.
[64] أوزتونا، 1988م صفحة 1/136.
[65] Freely, 2009, p. 40.
[66] Runciman, 1965, pp. 123-124.
[67] Crowley, 2005, pp. 183-184.
[68] Runciman, 1965, p. 124.
[69] أوزتونا، 1988م الصفحات 1/136-137.
[70] Runciman, 1965, p. 124.
[71] Crowley, 2005, p. 184.
[72] Runciman, 1965, p. 124.
[73] Crowley, 2005, p. 184.
[74] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441ه= 2019م، 1/ 222- 238.
التعليقات
إرسال تعليقك