التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يعتقد بعض المؤرخين أنه من الأفضل عدم الحديث عن أخطاء السلطان محمد الفاتح حفاظًا عليه كمثل أعلى للأمة، ولكن الفاتح كغيره من البشر له أخطاء.
يعتقد بعض المؤرِّخين أنَّه من الأفضل عدم الحديث عن أخطاء القائد الكبير حفاظًا عليه كمَثَلٍ أعلى للأمَّة، وبالتالي يتجاهلون الحديث تمامًا عن هذه الأخطاء، أو يبحثون عن مسوِّغات، قد تكون غير مقنعة بالمرَّة، لتبرير ما فعله من خطأ، في محاولةٍ منهم لإظهاره بصورةٍ ملائكيَّةٍ ناصعة.
هذا في الواقع منهجٌ غير صحيح..
فأيُّ قائدٍ مهما كان عظيمًا فهو في النهاية بشر، وتجري عليه كلُّ أحكام البشر، ومنها الخطأ بأنواعه؛ أعني الأخطاء المقصودة وغير المقصودة، والأخطاء الدينيَّة الشرعيَّة، وكذلك الأخطاء الدنيويَّة المادِّيَّة، والأخطاء في حقِّ نفسه، وفي حقِّ أسرته، وفي حقِّ أمَّته.. كلُّ هذه الألوان من الخطأ تحدث مع عموم الناس مهما كانوا عظماء وأتقياء، ويُغطِّي ذلك كلَّه تقريرُ رسول الله ﷺ لهذه الحقيقة عندما قال كما رَوَى أَنَسُ بن مالك رضي الله عنه: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[1].
وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ هذا يُصيب جميع البشر، ولفظ «كل» لم يترك أحدًا من الخليقة، كما أنَّ الرسول ﷺ لم يقل: «كل بني آدم مخطئ»، إنَّما قال: «خطَّاء»، وهو كثير الخطأ، فعموم البشر إِذَنْ يُكثرون من الأخطاء. نعم تتفاوت الأخطاء؛ فهناك الكبير وهناك الصغير، وهناك العارض العابر، وهناك الكثير المتكرِّر، لكن يبقى المحكُّ الرئيس للمقارنة بين الناس هو التوبة؛ أي الإقلاع عن هذا الخطأ، وعدم تكراره، وهو ما ذكره الرسول ﷺ تعليقًا على تقريره بعموم حدوث الخطأ من كلِّ البشر عندما قال: «وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».
والفاتح -كغيره من البشر- له أخطاء، ولكن ينبغي القول: إنَّ الحكم عليه بالخطأ أمرٌ يحتاج إلى احتياطاتٍ خاصَّة؛ وذلك لاعتباراتٍ كثيرةٍ منها؛ عدم الاطلاع الكامل على الظروف المحيطة بالحدث، فقد يكون فعله خطأً في ظرفٍ ما، فإذا اطَّلعنا على كامل الظروف صار ما فعله صوابًا، ومنها عدم توفُّر المعلومات الكافية في أحيانٍ كثيرة، فيعتمد المؤرِّخ على الظنِّ والتحليل، وليس على المعلومة الموثَّقة، ومنها أنَّ القادة الكبار الذين يسبقون عصرهم في التفكير والقرارات قد يفعلون بعض الأشياء التي يراها الجميع خطأ وتكون هي الصواب بعينه، ولقد كان جميع المعاصرين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه يرونه مخطئًا في حرب المرتدِّين لاعتباراتٍ كثيرة، ولكن حربهم كانت هي الصواب بعينه، بل كان يرى معظم الصحابة أنَّ تعيين رسول الله ﷺ ل زيد بن حارثة رضي الله عنه قائدًا لجيش مؤتة، أو تعيين أسامة بن زيد قائدًا لبعث الشام، هو أمرٌ مخالفٌ للصواب، ولكنَّه كان الصواب بعينه، وهو ما ذكره رسول الله ﷺ -فيما رواه عبد الله بن عمر- حين قَالَ: «إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ (أي إمارة أسامة بن زيد)، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ (أي زيد بن حارثة)، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ،...»[2].
والشاهد أنَّ الناس -أي الصحابة- كانوا «يطعنون» في إمارة زيد بن حارثة رضي الله عنه، وفي إمارة أسامة بن زيد، فهو من وجهة نظرهم قرارٌ يستحقُّ النقد، ولكن الواقع الذي أكَّده رسول الله ﷺ مخالفٌ لذلك..
نقول هذا الكلام لنكون عند تحليلنا لأخطاء الفاتح، أو لغيره من عظماء الأمَّة، أو عظماء التاريخ بشكلٍ عامٍّ، حريصين؛ لكي لا نسهب في وصف الحدث بالخطأ مع احتمال أن يكون صوابًا ونحن لا ندري.. وأفضل الأمور في هذا الجانب هو التوسُّط المحمود؛ فلا نتغافل عن الأخطاء تمامًا فنُخْرِج القائد في صورةٍ ملائكيَّةٍ غير واقعيَّة، ولا نتكلَّف في الوقت نفسه في حصر الأخطاء وتعديدها ظنًّا منَّا أنَّ هذا الانتقاص من القائد هو الأكثر عدلًا في وصفه.
كيف نحكم على قائدٍ عظيمٍ كالفاتح بخطأ في مسألةٍ ما؟!
إنَّ هذا يكون بمراجعة أقوال وأحكام المؤرِّخين المعاصرين له، والمؤرِّخين الذين جاءوا بعده بفترةٍ وجيزة؛ لأنَّ هؤلاء أكثر الناس اطِّلاعًا على الظروف التي أخذ فيها القائد قراره، كما يكون ذلك بمراجعة أحكام المؤرِّخين الآخرين الذين جاءوا عبر مراحل التاريخ المختلفة حتى زماننا الآن، خاصَّةً إنْ كان هؤلاء المؤرِّخون يتميَّزون بالتحليل العميق، والقدرة على القراءة بين السطور، وأيضًا كانوا يتميَّزون بالإنصاف والعدل والنزاهة، وكذلك بالإحاطة العلميَّة وسعة الأفق.
يُساعد أيضًا على تحليل القرارات والأخطاء النظر إلى النتائج، وقد تكون هناك نتائج سريعة حدثت في عهد القائد نفسه، أو نتائج مؤجَّلة حدثت بعد سنوات، وأحيانًا بعد قرون؛ فالنظر إلى هذه النتائج يُعطينا فكرةً عن صحَّة القرار أو خطئه.
أيضًا يكون الحكم بالخطأ أو الصواب على القائد بمقارنته بأفعال وقرارات المماثلين له في المركز والمكانة والظرف التاريخي؛ أي مقارنته بقادة معاصرين له، أو قادة آخرين مرُّوا في مراحل التاريخ المختلفة وتشابهت ظروف حياتهم مع حياة القائد الذي نحن بصدد تحليل أعماله وقراراته.
وقبل كلِّ ذلك وبعده ينبغي النظر إلى قواعد القرآن والسُّنَّة في الحكم على الأشخاص، وعلى الأعمال والأقوال، وهذا يتطلَّب خلفيَّة شرعيَّة جيِّدة حتى يُمكن الحكم بالصواب أو بالخطأ على فعلٍ ما؛ لأنَّه أحيانًا تسمح الشريعة بأمرٍ ما ويظنُّ المؤرِّخ أنَّها لا تسمح بذلك فيُلقي اللوم على القائد، ويكون الصواب أنَّه متَّبِعٌ للشريعة، مثل اعتقاد بعض المؤرِّخين أنَّه لا يجوز تحويل الكنيسة إلى مسجد، ويكون الصواب أنَّ هذا ليس حكمًا مطلقًا، وأنَّ الشريعة تُجيز ذلك في ظروفٍ معيَّنة، وبالتالي لا يصير هذا خطأً في الحقيقة، وهكذا.
وآخر ما أقوله قبل أن أذكر بعض الأخطاء التي وقع فيها الفاتح وتحليلها بإيجاز، أقول: إنَّ أخطاء الفاتح قليلة ومعدودة، وقد قال علي بن الجهم:
وَمَنْ ذَا الَّذِي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا ... كَفَى الْمـَرءَ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهْ[3]
فإحصاء عدَّة أخطاءٍ للفاتح فيه دلالةٌ على شرفه، وعلوِّ قدره، ونبل مكانته، وإنَّه لفخرٌ للأمَّة أن يكون من أبنائها رجلٌ كالسلطان الفاتح رحمه الله.
***
أوَّلًا: واحدٌ من أكبر أخطاء الفاتح التاريخيَّة في رأيي تعامله مع دولة المماليك المصريَّة، التي كانت تحكم في زمان الفاتح كلَّ مصر والسودان، وأجزاء من ليبيا، بالإضافة إلى الشام كلِّه، والأجزاء الجنوبيَّة الشرقية من الأناضول، فضلًا عن الحجاز وأجزاء من اليمن، ونُشير هنا بإيجاز إلى طبيعة هذا الخطأ وآثاره.
إنَّ الذي يدعونا إلى تكرار الحديث عن هذا الأمر هو الآثار الوخيمة التي نتجت عن توتُّر العلاقة بين العثمانيين والمماليك، التي ما زال بعضها باقيًا حتى زماننا الآن، ممَّا يجعل الخطأ ذا قيمة، مع أنَّه يُمكن أن يُعدَّ من الأخطاء اليسيرة؛ لأنَّه لم يتطوَّر إلى قتالٍ مباشرٍ بين الدولتين، إنَّما غاية ما هنالك أنَّه رسَّخ التوتُّر الذي قاد لاحقًا -بعد وفاة الفاتح- إلى الحرب المباشرة.
إنَّ الصراع بين العثمانيِّين والمماليك هو صراعٌ جيوسياسي في الأساس، والصراع الجيوسياسي هو الصراع السياسي الذي نتج عن أسبابٍ جغرافيَّة؛ بمعنى أنَّه ليس هناك خلفيَّات عَقَدِيَّة، أو اجتماعيَّة، أو اقتصاديَّة، أو غيرها، أو على الأقل ليست هناك خلفيَّات مهمَّة في هذه الوجوه؛ إنَّما نشأ الخلاف بين الفريقين نتيجة ظروفٍ جغرافيَّةٍ معيَّنة، وهي في حالة العثمانيِّين والمماليك كانت ظروفَ تَجَاوُرِ الأناضول مع شمال الشام؛ فالأناضول صار عثمانيًّا إلى حدٍّ كبير، بينما الشام كله مملوكي، ومِنْ ثَمَّ صارت المناطق الجغرافيَّة الفاصلة بين الدولتين بؤرة صراعٍ ومنافسة، وهي إمارات: ذي القادر، وقرمان، وبني رمضان. هذه الإمارات جميعًا كانت تُعطي ولاءها للمماليك، فلمَّا علا نجم العثمانيِّين في الأناضول استطاعوا أن يضمُّوا قرمان إلى ملكيَّتهم، وسعوا إلى تكرار الشيء نفسه مع ذي القادر. كان هذا في زمن بايزيد الأوَّل (1389 -1402م) ثم عادت الأمور إلى سابق عهدها بعد موت بايزيد الأوَّل، وانهيار الدولة العثمانيَّة نتيجة الصدام مع تيمورلنك. هدأت العلاقة بين المماليك والعثمانيِّين زمن محمد چلبي (1413 -1421م)، وكذلك زمن مراد الثاني (1421 -1451م)، ولكنَّها عادت للتوتُّر من جديد زمن محمد الفاتح (1451 -1481م)، والسبب في ذلك هو ضمُّ الفاتح لإمارة قرمان، ومحاولاته المتكرِّرة للتدخل في شئون إمارة ذي القادر.
والصراع، وإن كان جيوسياسيًّا في الأساس، إلَّا أنَّ له أبعادًا أخرى مهمَّة؛ منها تنافس الدولتين الكبيرتين -العثمانيَّة والمماليك- على زعامة العالم الإسلامي، كما أنَّه لا يُستبعد أن يكون الفاتح قد نظر إلى نفسه على أنَّه وارثٌ لكلِّ أملاك الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، على اعتبار أنَّه قيصر الروم الجديد، ومن المعروف أنَّ الشام ومصر كانتا من أملاك البيزنطيِّين قديمًا، فلعلَّه رأى نفسه أحقَّ بقيادتهما من المماليك. يدعم هذا التصوُّر بعض المشاهدات التاريخيَّة التي تُشير إلى رغبة الفاتح في إدخال الشام ومصر في إطار الإمبراطوريَّة العثمانيَّة الجديدة. من هذه المشاهدات مثلًا عدم إرسال السلطان الفاتح تهنئةً للسلطان خشقدم عند ولايته عام 1460م[4]، وكان هذا عُرْفًا متَّبعًا بين الدول الصديقة، أو حتى الدول التي بينها علاقات مصالح، ومنها أنَّ الفاتح خاطب السلطان خشقدم المملوكي في إحدى رسائله بلفظ «أخي»، بينما كان يُخاطب السلطان إينال قبل ذلك بلفظ «أبي»، وفي هذا إشعارٌ للسلطان المملوكي بالمساواة الحاليَّة، وهذا بالطبع أغضب السلطان خشقدم، خاصَّةً أنَّه كان في الثانية والستِّين من عمره، بينما كان الفاتح حينها في الثانية والثلاثين[5]، ومنها رَفْض السفير العثماني الانحناء بين يدي السلطان المملوكي كما هي العادة، ويذكر ابن إياس أنَّ هذه الحادثة هي بداية الوحشة بين العثمانيِّين والمماليك[6].
ومنها أيضًا عرض السلطان الفاتح على دولة المماليك بعض الأموال لرعاية الآبار الموجودة على طريق الحج، وكان في هذا إهانة لدولة المماليك العظيمة، التي تأنف بطبيعة الحال من أخذ مثل هذا المال من دولةٍ منافسةٍ كالدولة العثمانيَّة، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ نفقات إصلاح مثل هذه الآبار هي نفقات قليلةٌ لا تعضل دولة المماليك، وعَدَّها المماليك إساءة أدبٍ مع دولتهم الكبيرة[7]، والحقُّ أنَّ أمثال هذه الوقائع في الكتب كثيرة، ومع ذلك فهي أمورٌ يسيرة لا تقوم من أجلها الحروب، لكن الذي أحدث أثرًا بالفعل هو تنافس الفريقين -العثمانيين والمماليك- على إمارة ذي القادر، وهذا هو الخطأ الأكبر للفاتح؛ حيث إنَّ دَعْم بعض الأنصار عسكريًّا ضدَّ آخرين تدعمهم دولة المماليك يعني «حربًا» غير مباشرةٍ بين الدولتين، ومن المنطقي جدًّا أن تتطوَّر الحرب «غير المباشرة» إلى «مباشرة» في وقتٍ ما، نظرًا إلى حالة الاحتقان الشديدة التي تتولَّد عن مثل هذه الظروف، وهو ما حدث بعد وفاة الفاتح بأربع سنوات، عندما قامت الحرب بين الدولتين في عام 1485م، وهي الحرب التي استمرَّت ستَّ سنواتٍ كاملة، وجرَّت خرابًا كثيرًا على الدولتين.
كان على الفاتح أن يقرأ مثل هذا التطوُّر للتوتُّر الذي بين الدولتين، ويعلم أنَّ المستقبل -سواءٌ في زمانه، أو في زمان مَنْ سيأتي بعده من قادة الدولة العثمانيَّة- سيشهد حربًا خطرة بين العثمانيِّين والمماليك، وهي الحرب التي لا يرغب فيها مطلقًا مسلمٌ تقيٌّ يحرص على الحفاظ على دماء المسلمين، وعلاقاتهم الودِّيَّة، خاصَّةً أنَّ أعداء الأمَّة يتربَّصون بها من كلِّ جانب.
لا أريد أن أُكرِّر ما ذكرته قبل ذلك في الكتاب من حيثيَّات هذا الصراع ونتائجه، لكن ألفتُ النظر إلى أنَّ العداء بين قادة الدولة العثمانيَّة (تركيا الآن)، وبين قادة المماليك (مصر وسوريا الآن) قد يكون له علاقةٌ بالتوتُّر غير المفهوم أحيانًا الذي نراه بين هذه الدول في زماننا المعاصر؛ فالجذور التاريخيَّة على مدار عدَّة قرونٍ حملت شحنًا متتاليًا للنفوس ضدَّ بعضها البعض، ولعلَّ أكثر فترات هذا التوتُّر كانت في عهد سليم الأوَّل عندما غزا الشام ومصر منهيًا الوجود المملوكي تمامًا، ومرسِّخًا كراهيةً بين الشعبين التركي والعربي ظلَّت مستمرَّةً عند البعض عقودًا وقرونًا، وما كان ينبغي لها أن تكون!
***
ثانيًا: كما ذكرنا في الخطأ السابق فإنَّ النتائج الوخيمة لفعلٍ ما تُحدِّد حجم هذا الخطأ، فالآثار الكبيرة جدًّا تحدث غالبًا نتيجة خطأ كبير، أمَّا الأخطاء اليسيرة فإنَّها على الأغلب لا تنتج مثل هذه الآثار، ولقد رأينا في قصَّة موت الفاتح حدثًا كبيرًا لفت أنظارنا إلى أحد أخطاء السلطان الكبير محمد الفاتح، وهذا الحَدَث هو الصراع الذي دار بين أبنائه؛ بايزيد الثاني وچم، من أجل الوصول إلى عرش البلاد! إنَّه فور موت الفاتح، وقبل أن يُدْفن، قامت الحرب من أجل العرش! فأقبل بايزيد الثاني مسرعًا من أماسيا إلى إسطنبول ليُعلن نفسه سلطانًا للدولة العثمانيَّة، أمَّا چم فقد أسرع من قونيَّة إلى بورصا ليُعلن نفسه هناك سلطانًا آخر للدولة نفسها، وكان لكلِّ واحدٍ منهما مؤيِّدون وداعمون[8]!
إنَّ هذا التنافس المذموم كشف عن خطأين كبيرين للفاتح رحمه الله.. أمَّا الأوَّل فهو أنَّه لم يُعْطِ وقتًا كافيًا من عمره للاهتمام بتربية أبنائه بالشكل الذي يليق بهذه الإمبراطوريَّة الكبيرة، وكذلك بالشكل الذي يليق بقائدٍ عظيمٍ مثل الفاتح يُعَدُّ مثالًا يُحتذى لكلِّ المسلمين، وأمَّا الثاني فإنَّه لم يحسم بشكلٍ قطعيٍّ مسألة ولاية العهد، فصارت القضيَّة عائمة غير متَّزنة، وبالتالي متروكة للظروف والأهواء، وليس بهذه الطريقة تُدار الدول الكبرى.
كان بايزيد الثاني وچم يُمثِّلان النقيضين في الشخصيَّة؛ فبايزيد الثاني شديد الالتزام ببنود الشريعة، بل يُمكن أن يُقال: إنَّه متجاوزٌ في هذا إلى حدِّ الإفراط؛ فيرى تحريم أمورٍ كثيرةٍ هي في الواقع من الأمور الحلال، لكن شدَّة تمسُّكه بما يراه موافقًا للشريعة جعلته يُضيِّق على نفسه، وعلى أمَّته في جوانب كثيرة، وكان يُعرف «بالتقي» Pious[9].
وعلى الناحية الأخرى كان چم منفتحًا، إلى درجةٍ يتجاوز فيها كثيرًا من أمور الشريعة، وكان مشهورًا بالشعر الرومانسي، وله ديوانان أحدهما بالتركيَّة والآخر بالفارسيَّة[10].
كان أحدهما -بايزيد الثاني- محبًّا للسلام، إلى درجةٍ تفوق المطلوب أحيانًا[11]، بينما كان الآخر مقبلًا على الحرب إلى درجة خوض حربٍ أهليَّةٍ ضدَّ أخيه بمساعدة فرسان القديس يوحنا، وهو الأمر الذي استغربه المؤرِّخون الأوروبِّيُّون أنفسهم[12].
لقد كانت الصفات الحميدة هي الصفات الوسطيَّة بين الابنين! كان كلٌّ منهما مفرِّطًا في اتِّجاه، وكان على الفاتح أن يُتابع هذا التكوين في حياته. نعم لا يستطيع الأب في كلِّ الأحوال أن «يُشكِّل» أولاده على النحو الذي يُريد، ولكنَّنا لم نلمس محاولات الفاتح بوضوح من خلال سيرته، بمعنى أنَّه كان منشغلًا عن هذه المسألة بمسائل دولته الكثيرة. نُدرك بالطبع أنَّ الفاتح لم يُضيِّع وقتًا فيما لا يُفيد، وكان جلَّ حياته منشغلًا بقضايا مهمَّة للغاية، لكن قضيَّة تربيته الأولاد من القضايا المهمَّة جدًّا التي ينبغي أن تأخذ حيِّزًا كبيرًا من حياة الآباء بشكلٍ عامٍّ، والقادة والزعماء بشكلٍ خاص. وإنَّني أعتقد أنَّ من أهمِّ قضايا «الدولة» حسن تربية أبناء قائدها، خاصَّةً في هذه العهود الملكيَّة التي يتوارث فيها الأبناء حكم البلاد. إنَّ القائد هنا لا يُربِّي ابنًا عاديًّا؛ إنَّما يُربِّي سلطانًا سيقود أمَّة الإسلام، وهذا ينبغي أن يكون من الأولويَّات..
الغريب أنَّ طفولة الفاتح وشبابه لم تكن على هذه الصورة التي شاهدناها في طفولة وشباب أولاده؛ لأنَّنا رأينا أنَّ مرادًا الثاني كان شديد الاهتمام بتربية الفاتح، ووفَّر له من العلماء والموجِّهين ما أخرج الفاتح على هذه الصورة البهيَّة التي رأيناها، بل ترك له الحكم ليُمارسه في حياة أبيه، فيكون مؤهَّلًا لقيادة البلاد بعد موت الأب. لماذا لم يُمارس الفاتح هذا السلوك مع أبنائه؟ هذا يظلُّ سؤالًا بلا إجابةٍ مقنعة!
ثم إنَّ الفاتح أتبع هذا الخطأ بخطأ أكبر عندما لم يُعيِّن بشكلٍ واضحٍ وليَّ عهده، وخليفته في حكم البلاد، وترك ذلك الأمر لظنون الأبناء والوزراء والناس، وهذا أمرٌ عجيبٌ لقائدٍ محنَّكٍ مثل الفاتح، ودولةٍ عظيمةٍ مثل الدولة العثمانيَّة. كان على الفاتح أن يحسم هذا الأمر بشكلٍ لا يترك مجالًا للشك، ولا يفتح أبوابًا للفتنة. يتعجَّب المؤلِّف الأميركي ديڤيد تشيلدرس David Childress من هذا الأمر فيقول: «مات السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1481م بعد أن فشل في توضيح الإجابة عن سؤال الخلافة في زعامة هذه الإمبراطوريَّة العثمانيَّة القويَّة الجديدة»[13]! ترك الفاتح المعاصرين له، والمؤرِّخين من بعده، يسلكون مسالك الظنِّ والتوقُّع لمن ينبغي أن يكون حاكم البلاد بعد وفاة السلطان الكبير. يرى بعضهم أنَّ محمدًا الفاتح كان يُفضِّل (چم) مع كونه الأصغر؛ لشجاعته، وكذلك لانفتاحه وتفهُّمه لواقع البلاد[14][15]. ويرى آخرون أنَّ الفاتح كان يُفضِّل أن يكون بايزيد خليفته، وجزم القَرماني بذلك[16].
لماذا نترك البلاد تعيش هذه الظنون؟!
يزيد في تعقيد الأمر أنَّ الثقافة التركيَّة المغوليَّة لا تجعل بالضرورة الابن الأكبر هو الخليفة للحاكم؛ بل يحكم الأقوى الذي يستطيع أن يُسيطر على الأمور، ويستقر على العرش[17]، وهذا هو الذي أدَّى إلى نشوب الحرب الفعليَّة بين الأخوين بايزيد وچم بعد موت الفاتح مباشرة، خاصَّةً أنَّ قانون الدولة لا ينصُّ على أنَّ الأكبر هو الذي يتولَّى الحكم، وإن كان هذا هو العرفُ السائدُ بشكلٍ عامٍّ في الدنيا آنذاك.
لقد قامت بين الأخوين حربان؛ كانت الأولى في 1481م، والثانية في 1482م، وانتهت الحربان بانتصار بايزيد الثاني، وتمكُّنه من السيطرة على العرش في كامل البلاد، ولجأ چم إلى أعداء الدولة العثمانيَّة، فلجأ أوَّلًا إلى المماليك في مصر، ثم لجأ ثانيةً إلى فرسان القديس يوحنا في رودس، ولكنَّهم غدروا به وقايضوا عليه أخاه بايزيد، الذي قَبِلَ دفعَ خمسٍ وأربعين ألف دوكا ذهبيَّة سنويًّا لهم مقابل احتجازه عندهم[18]!
لقد تركت هذه الحادثة ظلالها المريرة على الدولة العثمانيَّة؛ فكان لها من الآثار الداخليَّة الكثير، حيث اضطرَّ بايزيد الثاني إلى انتهاج سياساتٍ كثيرةٍ مخالفةٍ لِمَا كان من المفترض أن يفعله؛ في محاولةٍ لاجتذاب أنصار چم إليه[19]، ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل أثَّر هذا الصراع في علاقات الدولة العثمانيَّة الخارجيَّة، سواء على الناحية الدبلوماسيَّة أو العسكريَّة، وظلَّ هذا التأثير باقيًا لمدَّة أربع عشرة سنة، إلى أن مات چم عام 1495[20]!
لم تكن لكلِّ هذه الآثار أن تحدث لو حسم الفاتح رحمه الله مسألة ولاية العهد في حياته، خاصَّةً أنَّه يعلم أنَّ الموت يأتي فجأة، وأنَّه -أي محمد الفاتح- أقرب إلى الموت من غيره، وذلك لأسبابٍ أربعة؛ الأول أنَّه كان في آخر حياته يمرض كثيرًا، وكان مرضه شديدًا إلى الدرجة التي تُقعده عن الخروج من قصره لشهور، والثاني هو خروجه المتكرِّر للحملات الجهاديَّة مع فرصة تعرُّضه للقتل في كلِّ واحدةٍ من هذه الحملات الخطرة، والثالث هو تكرار محاولات اغتياله، وقد أحصى بعض المؤرِّخين خمس عشرة محاولةً لاغتيال الفاتح عن طريق البندقيَّة فقط[21]، وسواء كان هذا الإحصاء دقيقًا أو غير ذلك فإنَّه من المتوقَّع لسلطانٍ له كلُّ هؤلاء الأعداء أن تُكرَّر في حقِّه محاولات الاغتيال، أمَّا السبب الرابع فهو أنَّ الموت المبكر في آل عثمان أمرٌ مشتهر؛ فقد مات السلطان مراد الثاني -أبو محمد الفاتح- عن عمرٍ يُناهز سبعة وأربعين عامًا فقط[22][23]، ومات جدُّه السلطان محمَّد الأوَّل، المعروف بمحمد چلبي، وهو في الحادية والأربعين فقط من عمره[24][25]، ومات أبو جدِّه السلطان بايزيد الأوَّل وهو في الرابعة والأربعين من عمره[26][27]، بل مات ابن الفاتح مصطفى في حياة أبيه -كما مرَّ بنا- وهو في الرابعة والعشرين من عمره!
كلُّ هذه الخلفيَّات كانت تدعو الفاتح بقوَّةٍ لحسم مسألة ولاية العهد بشكلٍ كامل، سواء لبايزيد أو چم، أو غيرهما، خاصَّةً أنَّ الإمبراطوريَّة ضخمة، وقيادتها صعبة، وأعداؤها كثيرون، ولهذا لم يكن منتظرًا من الفاتح فقط أن يُوضِّح مَنْ هو وليُّ العهد؛ إنَّما كان المطلوب منه تدريبه بشكلٍ واضحٍ على قيادة الإمبراطوريَّة، وإبرازه للمجتمع العثماني، وكذلك للمجتمع الدولي، لكي تبقى أمور الدولة مستقرَّةً بعد وفاته.
أعلمُ أنَّه قد تكون للفاتح مسوِّغاتٍ لعدم توضيح هذا الأمر للنَّاس، وقد يكون هناك من الملابسات التاريخيَّة ما لا نعلمه أدَّت إلى هذا الوضع، ولكنَّنا كمؤرِّخين نحكم بالظاهر الذي أمامنا، ونُحلِّل بالمعطيات المنطقيَّة، والله أعلم بالصواب.
***
ثالثًا: من أخطاء الفاتح التاريخيَّة التي لم يُعلِّق عليها أحدٌ قط، لكون آثارها لم تظهر في الدولة إلَّا بعد عقودٍ أو قرون؛ هو عدم إدخاله لآلة الطباعة إلى إمبراطوريَّته، مع كونها قد انتشرت في زمانه في أوروبَّا الغربيَّة. اخترع المهندس الألماني جوتنبرج Gutenberg آلة الطباعة في الأربعينيَّات من القرن الخامس عشر، في مدينة ماينز Mainz بألمانيا[28]؛ أي قبل ولاية محمد الفاتح بما يقرب من عشر سنوات، ولأسبابٍ قانونيَّةٍ تأخَّر انتشار الطباعة عدَّة سنواتٍ بعد اختراعها، ثم ما لبثت أن انتقلت من ماينز إلى عدَّة مدنٍ أوروبِّيَّةٍ بشكلٍ سريع[29]. يرى البعض أنَّ اختراع جوتنبرج للحروف المتحرِّكة في آلة الطباعة هو أهمُّ اختراعٍ في تاريخ البشريَّة[30]. في عام 1450م كانت الكتب في أوروبَّا كلِّها مكتوبة بخطِّ اليد، وتُعدُّ بالآلاف القليلة، ولكن بعد اختراع آلة الطباعة -وفي عام 1500م- صارت معظم الكتب تُطبع آليًّا، وصار تعدادها بالملايين[31]. كانت أوَّل المدن التي استقبلت آلة الطباعة بعد ماينز مدينة كولون Cologne الألمانيَّة عام 1464م، ثم بازل Basel بسويسرا عام 1466م، ثم انتقلت إلى المدن الإيطاليَّة: روما Rome عام 1467م، ثم البندقية Venice عام 1469م، ثم في عام 1470م ظهرت آلات الطباعة في باريس Paris بفرنسا، ونورمبرج Nuremberg بألمانيا، وأوتراخت Utrecht بهولندا، ثم في عام 1471م دخلت الطباعة عدَّة مدنٍ إيطاليَّةٍ دفعةً واحدة، وهي مدن ميلانو Milan، ونابولي Naples، وفلورنسا Florence، وعندما جاء عام 1480م كانت محلَّات الطباعة موجودة في أكثر من مائة مدينة أوروبِّيَّة، منها سبعٌ وأربعون مطبعةً في إيطاليا وحدها[32].
أين كانت الدولة العثمانيَّة من هذه الثورة العلميَّة في أوروبَّا؟!
إنَّنا نعلم يقينًا أنَّ الفاتح رحمه الله كان متابعًا لتطوُّر العلوم في أوروبَّا، ونقلنا اتِّصاله بعددٍ من العلماء هناك، وكانت له جواسيس تنقل الأخبار من مدن أوروبَّا، وخاصَّةً إيطاليا، وبالأخصِّ البندقيَّة، وهذه كلها أماكن شهدت المطبعة. إنَّ التكاسل عن إدخال المطبعة إلى الدولة العثمانيَّة في فترة محمد الفاتح كلَّف الدولة الكثير بعد ذلك.. لقد تقدَّم العالم وتخلَّفت الدولة العثمانيَّة، وكلُّ الأقطار التابعة لها بما فيها الأقطار العربيَّة كالشام، ومصر، والجزائر، وغيرها. إنَّ إدخال المطبعة إلى الدولة العثمانيَّة كان يحتاج ذهنًا منفتحًا كذهن السلطان محمد الفاتح رحمه الله، ولمـَّا لم يَقُمْ هو بهذا الدور تلكَّأ عن القيام به مَنْ جاء بعده من السلاطين، بل أصدروا فتوى مريضة حذَّرت من استعمال المطبعة بدعوى أنَّها قد تُؤدِّي إلى تحريف القرآن الكريم أو الكتب الدينيَّة، وظلَّ هذا المنع مستمرًّا إلى أن أفتى شيخ الإسلام عبد الله أفندي بجواز استعمال آلة الطباعة، وكان ذلك في عام 1716م[33]، ولم تستخدم الدولة العثمانية المطبعة إلَّا في عام 1727م[34]؛ أي بعد اختراعها بما يقرب من ثلاثة قرونٍ كاملة!
عن أيِّ شيء نتحدَّث؟!
وأيِّ فجوةٍ في العلوم نَصِف؟!
نحن بالطبع لا نُحمِّل الفاتح وحده هذه الكارثة، بل لعلَّه أقلُّ المتَّهمين فيها؛ لأنَّ الطباعة كانت جديدةً في زمانه نسبيًّا، وكانت موجودةً عند أعدائه، وبينه وبينهم حروبٌ منعت العلاقة الطبيعيَّة، ومع ذلك فنحن لا نعذره في ذلك، لكون التقنية كانت متاحة عن طريق الشراء، والدولة العثمانيَّة لم يكن يعجزها أن تشتري المطابع، وتستجلب العلماء الذين يُدرِّبون المسلمين عليها. لقد كان الأمر يحتاج إلى قرار، وكان الأمل في الفاتح أن يأخذ هذا القرار، فلمَّا مات الفاتح تراجع كلُّ السلاطين بعده عن أخذ هذا القرار، وتخلَّفت الدولة العثمانيَّة خلْف أقرانها الأوروبِّيِّين. لقد أصدر بايزيد الثاني -ابن محمد الفاتح- فرمانًا عام 1485م -أي بعد وفاة الفاتح بأربع سنوات- بمنع دخول المطبعة إلى الدولة العثمانيَّة، وعندما استأذن اليهود في إدخالها للحفاظ على تراثهم الديني سمح بذلك عام 1494م شريطة ألا تُطْبَع بها كتبٌ باللغة العربيَّة أو التركيَّة، وأن يُكتفى بالطباعة باللغة العبريَّة فقط[35][36]!
وعلى نهجه نفسه سار السلاطين العثمانيُّون ما يقرب من ثلاثمائة عام!
أنا أعُدُّ هذا من أكبر أخطاء الفاتح، خاصَّةً أنَّه يعرف قيمة العلم، وكان له القدرة على تقويم الأمر، والانتباه إلى قيمة هذا الاختراع، وهو ما كان سينقل الدولة العثمانيَّة والمسلمين نقلةً نوعيَّةً، ولكن هكذا سارت الأمور!
***
رابعًا: من الأخطاء الكبيرة -في رأيي- للفاتح في عهده، والدولة العثمانيَّة في كلِّ عهودها؛ عدم اهتمامهم بمنهجيَّةٍ واضحةٍ للدعوة إلى الإسلام في الأوساط النصرانيَّة الكثيرة التي تضمُّها الإمبراطوريَّة. لم يكن مقبولًا من دولةٍ كبرى كالدولة العثمانيَّة أن تترك هذا الأمر عشوائيًّا، خاصَّةً في زمن محمد الفاتح الذي يُقدِّر الشريعة، ويُوقِّر القرآن والسُّنَّة، ويُعظِّم من شأن العلماء، ويَعلم مهمَّة الإنسان في هذه الحياة، وخطورة الشرك بالله وعدم الاعتقاد الصحيح فيه. ونحن نُدرك ولا شَكَّ أنَّ الإكراه على الدين مرفوضٌ تمامًا في الشريعة الإسلاميَّة، وأنَّ تسامح الدولة العثمانيَّة -وخاصَّةً محمد الفاتح- مع الأديان الأخرى هو أمرٌ محمود، ولكنَّني لا أرى تعارضًا بين أن تكون الدولة سمحة في تعاملها مع النصارى واليهود، وأن تقوم الدولة بوضع مناهج واضحة لتوصيل الإسلام الصحيح إلى عامَّة الناس في الدولة، ثم بعد ذلك يؤمن من يشاء ويأبى من يشاء، بل على الدولة المسلمة أن تجتهد في تعريف غير المسلمين ممَّن لا يعيشون في حدودها بقواعد الإسلام وعقائده، ولقد أَرسلَ رسولُ الله ﷺ رسائلَ الدعوةِ إلى الإسلام إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، وزعماء مصر، والحبشة، والشام، وغيرها من البقاع، فكيف لا يتحقَّق هذا في الدولة العثمانيَّة وقد بلغت هذه القوَّة والعظمة؟
نعم حدث في زمان الفاتح أن دخل الكثير من أهل البوسنة إلى الإسلام، وكان هذا بسبب سياساتٍ حكيمةٍ أخذها الفاتح، لكن تُشير المصادر الكرواتيَّة والصربيَّة إلى أنَّ هذا التحوُّل في البوسنة من النصرانيَّة إلى الإسلام كان بسبب ضعف المؤسَّسات الكنسيَّة هناك، وليس بسبب قوَّة الدعوة إلى الإسلام[37]، وهو رأيٌ له وجاهته؛ لأنَّ مثال البوسنة ليس متكرِّرًا في الدولة العثمانيَّة، ممَّا يدعم أنَّها حالةٌ فريدة نتيجة ظروفٍ خاصَّةٍ بها.
لم تكن هناك في الواقع برامج تعليميَّة موجَّهة لهذه الطوائف الكثيرة من غير المسلمين، ولم تكن هناك قوافل دعويَّة، ولا إغراءت ماليَّة، ولا توجد في المصادر التي تتحدَّث عن هذه الحقبة ما يُشير إلى أنَّ المسألة كانت في بؤرة اهتمام الدولة.
أعلمُ أنَّ الفاتح وجيشه كانا مهتمَّين بعمليَّات الفتح العسكري، والسيطرة السياسيَّة على مقاليد الأمور، وتوفير الأمن والأمان في البقاع المفتوحة، وأعمال أخرى كثيرة مهمَّة لاستقرار الإمبراطوريَّة، ولكن كان من المفترض أن يكون هناك فريقٌ آخر من العلماء، والدعاة، والمسئولين، يتعامل مع ملفِّ الدعوة بشيءٍ من التخصُّص والإبداع، لتسير عمليَّة نشر الإسلام بشكلٍ متوازٍ مع عمليَّة الفتح والسيطرة العسكريَّة.
إنَّ مقارنة يسيرة بين الفتوح الإسلاميَّة الأولى التي قامت بها دولة الخلافة الراشدة في الشام ومصر، وبين الفتوح الإسلاميَّة الكثيرة التي حدثت في زمن الفاتح رحمه الله، والدولة العثمانيَّة بشكلٍ عامٍّ، تُوضِّح لنا ما نحن بصدد الحديث عنه. لقد كان الشعب في الشام ومصر كلُّه نصرانيًّا، ومع ذلك فقد تحوَّل معظم هذا الشعب للإسلام في غضون سنواتٍ قليلة، وظلَّ ثابتًا على الإسلام إلى يومنا هذا، ولم يكن هناك أيُّ نوعٍ من الإكراه أو الإلزام، وكلُّ ما هنالك أنَّ الفاتحين الأوائل وضعوا الأمر في بؤرة اهتمامهم فابتكروا من الوسائل المناسبة ما يجعلهم يصلون إلى قلوب الناس وعقولهم بالعقيدة الصحيحة، ومِنْ ثَمَّ دخلوا في دين الله أفواجًا.
يتَّضح حجم هذا الخطأ بصورةٍ أكبر عند النظر إلى وضعيَّة بعض أقطار الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، التي مثَّلت خطورةً كبيرةً عليها في مستقبلها بعد ذلك، وأهم هذه الأقطار هي اليونان، فقد ظلَّ جلُّ سكان اليونان على نصرانيَّتهم طوال عهود الدولة العثمانيَّة، ونظرًا إلى إرثهم التاريخي والحضاري واللغوي، فإنَّهم كانت لهم طبيعةٌ خاصَّةٌ منعتهم من الاندماج في الكيان العثماني، ولأنَّ القادة العثمانيِّين -بمن فيهم الفاتح- لم يضعوا برنامجًا واضحًا لتوصيل الإسلام إلى هذا الشعب، مع أنَّ هذه هي إحدى المهامِّ الرئيسة للدولة المسلمة وللحاكم المسلم، كان من المتوقَّع أن تظلَّ هذه المنطقة معزولة عن عقيدة الإسلام في كلِّ عهودها، وهو ما جعلها موطنًا لكلِّ حركات الانقلاب على العثمانيِّين في كلِّ المراحل التاريخيَّة، فإذا أضفنا إلى ذلك الأهميَّة الاستراتيجيَّة الكبرى لهذه المنطقة بحكم سيطرتها على الملاحة في البحر الأبيض المتوسِّط، وبحر إيجة، والبحر الأيوني، والبحر الأدرياتيكي، وكونها حلقة وصلٍ بين الشرق والغرب، كلُّ هذا جعلها محطَّ أنظار القوى العالميَّة الكبرى، كفرنسا، وإنجلترا، وإيطاليا، والنمسا، وروسيا، وكل هؤلاء سعوا للسيطرة على الأمور فيها، وحاربوا الدولة العثمانيَّة على أرضها، وتعاملوا مع سكانها تعاملاتٍ خاصَّةً تُؤذي العثمانيِّين بقوَّة، وما كان لكلِّ هذا أن يحدث لو أولى العثمانيُّون اهتمامًا خاصًّا بهذه المنطقة، فلعلَّها كانت قد تحوَّلت إلى الإسلام، ووفَّرت على المسلمين جهودًا كبيرةً في مستقبلهم. أضف إلى كلِّ سبق قرب اليونان الشديد من الأناضول والقسطنطينيَّة، وهي معاقل الدولة العثمانيَّة، ومِنْ ثَمَّ فعدم الاستقرار بها يُؤذي الدولة في قلبها، وهذا أشدُّ خطورةً ولا شَكَّ.
وما قلناه عن اليونان يُقال كذلك على بلغاريا، ولكن بدرجةٍ أقل، والشاهد أنَّ السلوك العثماني بشكلٍ عامٍّ لم يكن يُعطي الدعوة إلى الإسلام قدرًا يُناسب حجم هذه المهمَّة الشريفة، وهو ما ترك الأقطار النصرانيَّة التي حكمتها الدولة العثمانيَّة عدَّة قرونٍ بنسبة السكان النصاري نفسها الذين كانوا فيها عشيَّة الفتح، أو بنسبٍ قريبةٍ منها، وهو شيءٌ لا بُدَّ أن يلفت النظر.
***
خامسًا: يُضاف إلى الأخطاء الاستراتيجيَّة السابقة أخطاءٌ أخرى عسكريَّة أو سياسيَّة حدثت في حياة الفاتح رحمه الله، ولكن هذا النوع من الأخطاء سيبقى محور جدالٍ طويلٍ بين المتخصِّصين في علوم الحروب والسياسة؛ لأنَّ الآراء فيها كثيرة، والتقويمات تخضع للظروف المعاصرة للمعركة، أو المعاهدة، أو القرار، وقد تكون هناك الكثير من الأمور الخفيَّة التي حدَّدت اتِّجاه القائد في مسألةٍ ما، ولا يطَّلع المؤرِّخون عليها، فيحكمون حكمًا غير صائبٍ على الحدث.
من هذه الأخطاء مثلًا تراخي الفاتح في التعامل مع بوادر تمرُّد استيفين الثالث أمير البغدان؛ فقد ظهرت هذه البوادر منذ عام 1458م، وكانت تشمل عقد معاهداتٍ مع دولٍ أخرى دون إذن الدولة العثمانية، كمعاهدته مع بولندا، وكانت تشمل حروبًا ضدَّ دولٍ أخرى دون موافقة العثمانيِّين، وهذا يُمثِّل خطورةً كبيرةً على الدولة العثمانيَّة؛ لأنَّه يفتح لها جبهات حربٍ لا تُريدها في هذا التوقيت، كحربه مع المجر مثلًا، وتعدِّيَّاتٍ أخرى كثيرة قام بها استيفين الثالث دون ردِّ فعلٍ مناسبٍ من الفاتح، ووصل الأمر إلى تعدِّيه على إمارة الإفلاق وتغيير القيادة فيها، وأيضًا لم يكن هناك ردُّ فعلٍ من الدولة العثمانيَّة! لقد ظلَّت هذه التعدِّيَّات دون استجابةٍ عثمانيَّةٍ من سنة 1458م إلى سنة 1475م عندما حدث أوَّل صدامٍ عسكريٍّ بين الفاتح واستيفين الثالث، وهذا يعني سكوت الدولة العثمانيَّة على هذه التعدِّيَّات مدَّة سبع عشرة سنةً كاملة!
هذا خطأٌ لا ريب في ذلك!
من المؤكَّد أنَّ هناك مسوِّغاتٍ لهذا السكوت، وأهمها أنَّ الدولة العثمانيَّة كانت منشغلةً بأمورٍ أخرى أكثر أهميَّة؛ سواءٌ في اليونان، أو الأناضول، أو البوسنة، أو البندقية، أو الآق قوينلو. نعم من المؤكَّد أنَّ الفاتح كان منشغلًا بأمورٍ عظام، ولكن يبقى الصمت العثماني التام عن مسألة البغدان لمدَّة سبع عشرة سنة أمرًا غير مقبول، خاصَّةً أنَّنا رأينا النتائج بعد ذلك، فهذا التراخي العثماني دفع استيفين الثالث إلى زيادة جرأته على الدولة العثمانيَّة، إلى الدرجة التي يُمكن أن نقول فيها: إنَّ هيبة الدولة عنده قد سقطت، وهذا هو الذي دفعه إلى تكرار تغيير القيادة في الإفلاق العثمانيَّة عدة مرَّات، وهذا تحدٍّ خطرٍ لدولةٍ كبيرةٍ مثل الدولة العثمانيَّة، كما أنَّه رفض دفع الجزية المتَّفق عليها عام 1473م، واستمرَّ في عدم دفعه إيَّاها إلى وفاة الفاتح عام 1481م؛ أي أنَّ مشكلته ظلَّت قائمةً إلى آخر عهد الفاتح وبدايات عهد بايزيد الثاني، ممَّا يُؤكِّد أنَّ الخطأ كان كبيرًا.
مثل هذا الكلام يُقال كذلك على تعامل الفاتح مع مسألة ألبانيا؛ فلئن كان الفاتح معذورًا في هزائمه المتكرِّرة على يد إسكندر بك لكون هذا القائد متميِّزًا بشكلٍ كبير، ويُدرك طبيعة بلاده الجغرافيَّة، والمناخيَّة، والسكانيَّة، والنفسيَّة، فماذا يُمكن أن نقول في عدم فتح ملف ألبانيا بعد موت إسكندر بك عام 1468م إلَّا في عام 1474م عندما أرسل الفاتح حملةً جديدةً إلى البلد المتمرِّد؟! لقد مرَّت ستُّ سنواتٍ كاملة دون ردِّ فعلٍ مناسبٍ من الفاتح تجاه التمرُّد الألباني، وهذه هي أضعف فترات المقاومة الألبانيَّة للدولة العثمانيَّة بعد أن فقدوا قائدهم الملهم إسكندر بك. هذه السنوات الست كانت كافيةً لنبلاء ألبانيا لكي يتأقلموا على حماية بلدهم، وتقوية حصونهم، وإقامة علاقاتٍ قويَّةٍ مع البندقيَّة، ونابولي، والبابا، ممَّا دعم موقفهم، ولهذا كانت لهم القدرة على الانتصار على حملة الدولة العثمانيَّة التي أرسلها الفاتح عام 1474م بقيادة سليمان باشا والي الروملي.
هكذا كان الصمت العثماني مجدَّدًا سببًا في تعرُّض الدولة لهزيمةٍ كبيرة، وكان الأولى أن يطرقوا على الحديد وهو ساخن، فيتوجَّهوا بحملةٍ كبيرةٍ شاملةٍ لضمِّ ألبانيا بعد وفاة إسكندر بك.
من الأخطاء الكبيرة أيضًا إخراج حملةٍ كبيرةٍ لحصار رودس دون جمع معلوماتٍ كافيةٍ عن الجزيرة وتحصيناتها، ممَّا أدَّى إلى فشل الحملة بعد ثلاثة شهورٍ كاملة من حصار الجزيرة، مع فَقْد عددٍ كبيرٍ من الشهداء، فضلًا عن الخسارة المادِّيَّة في السلاح، والسفن، والمال، والوقت.
ولسنا بصدد حصر الأخطاء العسكريَّة في هذه العجالة؛ لأنَّ الجيش العثماني في عهد الفاتح مُنِيَ بخمس وستين هزيمة، ولا شَكَّ أنَّ كثيرًا من هذه الهزائم كانت بسبب أخطاءٍ فنِّيَّةٍ وتقنيَّةٍ من الجيش، أو بسبب قراراتٍ خاطئةٍ من القيادة، بل إنَّه من المؤكَّد أنَّ هناك أخطاء عسكريَّة حدثت في المعارك التي انتصر فيها الجيش العثماني، وهذه طبيعة المعارك العسكريَّة التي تتطلَّب قراراتٍ سريعةً قد يُجانبها التوفيق حتى مع حدوث النصر.
هذه المجموعة من الأخطاء التي ذكرتُها في هذا الفصل، وتشمل خمسة أخطاء كما وضَّحْتُ، هي ما أراه بارزًا في حياة الفاتح، وقد يرى مؤرِّخون آخرون أخطاء غيرها، وقد يرى بعض المؤرِّخين أنَّ ما أعُدُّه أنا من الأخطاء ليس خطأً في الواقع، لكن تبقى الحقيقة واضحة، وهي أنَّ أخطاء الفاتح معدودة، وهذه عظمة كبيرة جعلت العلماء غير المسلمين يُبدون إعجابهم بالفاتح على الرغم من حربه للنصارى في معظم فترات حياته، وهذا ما دعا عالم الدين الأميركي چوشوا هولمان Jushua Hollmann، وأستاذ اللاهوت بكلية كونكورديا Concordia College بنيويورك، أن يصف الفاتح بقوله: « كان الفاتح عالمـًا وفيلسوفًا، ولكنَّه كان في الوقت نفسه قائدًا عسكريًّا عبقريًّا، وسلطانًا قويًّا»[38]! والغريب أنَّ چوشوا هولمان كان يمدح الفاتح بهذه الصفات في معرض حديثه عن دعوة البابا بيوس لمحمد الفاتح إلى النصرانيَّة، وهو موطنٌ عادةً ما يذكر فيه عالمُ الدين خطايا المدعوِّ إلى النصرانيَّة بحجَّة أنَّ تنصُّره سيمسح عنه هذه الخطايا، لكنَّه، ولانبهاره بقلَّة أخطاء الفاتح، مدحه وأثنى عليه بدلًا من ذكر سلبيَّاته![39].
[1] ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر التوبة (4251)، والدارمي، 1987م (2727)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن، وأبو يعلى، 1984م (2922)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن، والحاكم النيسابوري، 1990م (7617) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني، 1985م (2341).
[2] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم (3524)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما (2426).
[3] علي ابن الجهم: ديوان علي بن الجهم، تحقيق: خليل مردم بك، المكتبات المدرسية - وزارة المعارف - السعودية [كتاب]. - بيروت - لبنان : دار الآفاق الجديدة، 1980م صفحة 118.
[4] إيتاج أوزكان السلطان محمد الفاتح [كتاب]. - [مكان غير معروف] : بروج للنشر، 2017 صفحة 209.
[5] Muslu Cihan Yüksel The Ottomans and the Mamluks: Imperial Diplomacy and Warfare in the Islamic World [Book]. - NewYork, USA : I. B. Tauris, 2014.
[6] ابن إياس بدائع الزهور في وقائع الدهور [كتاب] / المترجمون محمد مصطفى. - فيسبادن : فرانز شتاينر ، 1975م صفحة 2/420.
[7] أوزكان، 2017 صفحة 209.
[8] Imber Colin The Ottoman Empire 1300-1650 The Structure of Power [Book]. - New York, USA : Palgrave Macmillan, 2009, p. 87.
[9] Sheehan Sean Turkey [Book]. - NewYork, USA : Marshall Cavendish, 2004, p. 26.
[10] Gürpinar Doğan Ottoman/Turkish Visions of the Nation, 1860-1950 [Book]. - NewYork, USA : The Palgrave Macmillan, 2013, pp. 42-43.
[11] Cragg Kenneth B Christians and Muslims: From History to Healing [Book]. - Boomington, IN, USA : iUniverse, 2011, p. 122.
[12] Frazee Charles A Catholics and Sultans: The Church and the Ottoman Empire 1453-1923 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1983, p. 18.
[13] Childress David Hatcher Pirates and the Lost Templar Fleet [Book]. - Kempton, IL, USA : Adventures Unlimited Press, 2003, p. 36.
[14] Gürpinar, 2013, p. 43.
[15] Imber, 1990, p. 252
[16] القرماني أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، تحقيق: الدكتور أحمد حطيط، الدكتور فهمي السعيد [مكان غير معروف] : عالم الكتب، 1992م صفحة 3/36.
[17] Yurdusev Nuri A Ottoman Diplomacy: Conventional or Unconventional [Book]. - NewYork, USA : Palgrave Macmillan, 2004, p. 68.
[18] Ágoston Gábor and Masters Bruce Alan Encyclopedia of the Ottoman Empire [Book]. - New York, USA : Infobase Publishing., 2010, p. 83.
[19] Atçıl Abdurrahman Scholars and Sultans in the Early Modern Ottoman Empire [Book]. - Cambridge, UK : Cambridge University Press, 2017, p. 86.
[20] Isom-Verhaaren Christine and Schull Kent F. Living in the Ottoman Realm: Empire and Identity, 13th to 20th Centuries [Book]. - Bloomington, Indiana, USA : Indiana University Press., 2016, p. 18.
[21] أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/177.
[22] Ágoston, et al., 2010, p. 399.
[23] قال بعض المؤرِّخين: إنَّه تُوفِّي وله من العمر 49 سنة، القرماني، 1992م صفحة 3/27، وفريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، المترجمون تحقيق: إحسان حقي. - بيروت، لبنان : دار النفائس ، 1981م صفحة 159، وحليم، 1988م صفحة 62، وهذا الحساب بالسنوات الهجرية، وهو يوازي 47 عامًا بالحساب الميلادي، وقال أوزتونا: تُوفِّي في سراي أدرنة سلطان المجاهدين، أبو الخيرات غازي السلطان مراد خان الثاني بعد مرض دام 4 أيام، كان عمره يتجاوز الـ46 سنة و8 أشهر. أوزتونا، 1988م صفحة 1/129.
[24] Somel Selcuk Aksin The A to Z of the Ottoman Empire [Book]. - Lanham, MD, USA : the Scarecrow press, 2010, p. 179.
[25] قال محمد فريد: فأسلم الروح وعمره 43 سنة، فريد، 1981م صفحة 152، وقال أوزتونا: تُوفِّي في سنِّ 39 سنة، أوزتونا، 1988م صفحة 1/119.
[26] Somel, 2010, p. 40.
[27] فريد، 1981م صفحة 146.
[28] Winckler Paul A Reader in the History of Books and Printing [Book]. - Englewood, Colorado, USA : Information Handling Services, 1983, p. 266.
[29] Drees Clayton J. The Late Medieval Age of Crisis and Renewal, 1300-1500 [Book]. - Westport, CT, USA : Greenwood press, 2001, p. 205.
[30] Crompton Samuel Willard The Printing Press: Transforming Power of Technology [Book]. - philadelphia, PA, USA : Chelsea House Publishers, 2004, p. 18.
[31] Man John The Gutenberg Revolution, [Book]. - London, UK : Transworld Publishers,, 2002, p. 305.
[32] Howard Nicole The Book: The Life Story of a Technology [Book]. - Westport, CT, USA : Greenwood Publishing Group, 2005, pp. 45-46.
[33] الطناحي: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي مع محاضرة عن التصحيف والتحريف [كتاب]. - القاهرة : مكتبة الخانجي، 1984م صفحة 28.
[34] Somel, 2010, p. 236.
[35] Lewis Bernard The Middle East: A Brief History of the Last 2,000 Years [Book]. - NewYork, USA : Scribner, 1995, p. 268.
[36] صابات: تاريخ الطباعة في الشرق العربي- مصر : دار المعارف، 1966م، 1966م الصفحات 23-24.
[37] Nielsen Jørgen Religion, Ethnicity and Contested Nationhood in the Former Ottoman Space [Book]. - Leiden, The Netherlands : Brill, 2012, p. 257.
[38] Hollmann Joshua The Religious Concordance: Nicholas of Cusa and Christian-Muslim Dialogue [Book]. - Leiden, The Netherlands : Brill,, 2017, p. 117.
[39] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م، 2/ 968- 983.
التعليقات
إرسال تعليقك