جاءت في سورة البقرة خمس قصص إحياء بعد الموت من أصل ستة في القرآن الكريم، أي بنسبة 83.3 %، وهي نسبة كبيرة.
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87] كيف ظنَّ يونس عليه السلام هذا الظنَّ وهو نبي كريم؟ حيَّرت هذه الآية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، جاء فِي «الْكَشَّافِ»: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: «لَقَدْ ضَرَبَتْنِي أَمْوَاجُ الْقُرْآنِ الْبَارِحَةُ فَغَرِقْتُ فَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسِي خَلَاصًا إِلَّا بك. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ فَقَرَأَ مُعَاوِيَةُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَوَ يَظُنُّ نَبِيءُ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنَ الْقَدْرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ». يَعْنِي التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ، وهناك عدة تفاسير لذه الآية:
التفسير الأول: يعني من القَدْر، وليس من القُدْرَة أَيْ: نُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ. يُروَى نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطَّلَاقِ:7]. وَقَالَ عَطَاءٌ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ الْحَبْسَ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} (الرَّعْدِ: 26)، أَيْ يُضَيِّقُ.
التفسير الثاني: من التقدير أي القضاء تفسير البغوي - قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (بمعنى نُقَدِّر) أَيْ لَنْ نَقْضِيَ بِالْعُقُوبَةِ (أي لن نقدِّر عليه عقوبة)، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يُقَالُ: قَدَّرَ اللَّهُ الشَّيْءَ تَقْدِيرًا وَقَدَرَ يَقْدِرُ قَدْرًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} (الوَاقِعَةِ: 60) فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ، دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ} بِالتَّشْدِيدِ.
التفسير الثالث: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ (من الله) مَعْنَاهُ: أَفَظَنَّ أَنَّهُ يُعْجِزُ رَبَّهُ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
التفسير الرابع: قَرَأَ يَعْقُوبُ يُقْدَرَ [بِضَمِّ الْيَاءِ] على المجهول خفيف. كل المعاني السابقة، ولكن بشكل مخفَّف.
التفسير الخامس: وهو غير مقبول، وقال به البعض، وفيه أن الشيطان استزله، فغاضب ربه لأنه لم يُنْزِل عليهم العقوبة، فخرج من القرية، ولأجل هذا التأويل الخاطئ حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم من الانتقاص من يونس بن متَّى، ففي البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»[1]، قال ابن حجر: يَحْتَمِلُ أَنَّ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَبْدَ الْقَائِلَ هُوَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَهُ تَوَاضُعًا.
ويدعم الاختيار الأول ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ"[2][3].
[1] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء (4327)
[2] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء (4328)
[3] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك