الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
ذكر بعض المفسِّرين أن أخوة يوسف عليه السلام صاروا أنبياء، وأنهم قد أوحي إليهم بعد عفو يعقوب ويوسف عليهما السلام عنهم.
ذكر بعض المفسِّرين كعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والسُّدِّي، ومقاتل، وأبي عمرو بن العلاء[1]، والبغوي، وابن عطية أن أخوة يوسف عليه السلام صاروا أنبياء، وأنهم قد أوحي إليهم بعد عفو يعقوب ويوسف عليهما السلام عنهم.
علتهم في ذلك الآيات التي جاءت في القرآن في حقِّ الأسباط، وفهم أن الأسباط هم أولاد يعقوب عليه السلام.
1- قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
2- وقال تعالى أيضًا {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء: 163].
أولًا: أولاد يعقوب ليسوا هم الأسباط، فالسِّبْط (بالكسر) هو ولد الابن والابنة، وعلى هذا فالأسباط ليسوا أبناء يعقوب المباشرين، لكنهم أبناء أبنائه (أحفاده). على هذا فليس المقصود في الآية (لغويًّا) أخوة يوسف، بل المقصود أبناؤهم، أو بطبيعة الحال بعض أبنائهم، ولفظ الأسباط لم يرد إلا في أثناء عهد موسى عليه السلام، وذلك عندما تكوَّنت القبائل على أساس الأصل المتفرِّع من يعقوب عليه السلام. قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [الأعراف: 160]، ومن هنا ظهر معنى الأسباط، أي قبائل بني إسرائيل، وليس أولاد يعقوب المباشرين. إذن الأمر ليس كما نُقِل عن بعض المفسِّرين من أن الأسباط هم يوسف وأخوته، بل هي القبائل التي تفرَّعت منهم.
ثانيًا: ليس هناك نصٌّ صريح من القرآن، ولا من السُّنَّة الصحيحة يشير إلى نبوتهم.
ثالثًا: وهو مهم جدًّا: لا يصحُّ أن يكون أخوة يوسف عليه السلام أنبياء لأن:
1- جرمهم كان كبيرًا، بسعيهم وتخطيطهم المتعمَّد لقتل يوسف عليه السلام وهو طفل لم يفعل شيئًا لهم، أو بإلقائه في البئر، وعدم مراعاة الرحم، ولا الأب.
2- عدم الاكتراث بنبوة أبيهم واحتمال إخباره بالوحي، ووقوعهم في هذا الفعل دون وجل من الله أن يكشف خطيئتهم،
3- أخطر الأمور أنه ثبت عليهم الكذب:
a. على أبيهم في مسألة "أكله الذئب"،
b. على يوسف في مسألة: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل،
هذا خطأ جسيم في حقِّ المؤمن: ففي البخاري عَنْ أَبِي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"، فاجتمعت فيهم الصفات الثلاث؛ فقد كذبوا في أمر الذئب، ووعدوا أباهم بالحفاظ على يوسف فأخلفوا، وائتمنهم أبوهم على يوسف فخانوا الأمانة خيانة عظيمة.
وفي رواية في البخاري عَنْ عبد اللَّه بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا"، فالفجور في الخصومة أقل مما فعله أخوة يوسف بإلقائه في البئر.
وخطأ ممنوع تمامًا في حقِّ الأنبياء بشكل عام، والكذب لا يجوز في حقِّ الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها، فهذه نقيصة تطعن في النبوة، فلو صاروا أنبياء لتشكَّك الناس في نبوتهم.
لهذا كله نقطع بأن أخوة يوسف ليسوا أنبياء، ولا يمكن أن نفهم صفات الأنبياء من خلال دراسة سيرتهم[2].
[1] وأبي عمرو بن العلاء (تابعي)
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك