ذكر بعض المفسِّرين أن أخوة يوسف عليه السلام صاروا أنبياء، وأنهم قد أوحي إليهم بعد عفو يعقوب ويوسف عليهما السلام عنهم.
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
ذكر الله تعالى عددًا من القصص للأنبياء السابقين في القرآن الكريم فيها أحكام فقهية واضحة، فهل يُطَبَّق حكمها في الإسلام؟
ذكر الله تعالى عددًا من القصص للأنبياء السابقين في القرآن الكريم فيها أحكام فقهية واضحة، فهل يُطَبَّق حكمها في الإسلام؟
جمهور علماء المسلمين، باستثناء بعض الشافعية، وغيرهم، يقولون بأخذ شرع مَنْ قبلنا إذا لم يتعارض مع شرعنا، وأدلتهم في هذا كثيرة، وقد حكم الرسول ﷺ في قضية الرُّبَيِّع بنت النضر بما جاء في القرآن حكاية عن شرع اليهود: {والسِّنَّ بالسِّنِّ}، وبقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}، وعارض البعض بحجة قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} {المائدة: 48}، ولكن الحجة مع الجمهور.
ومع ذلك فحتى لو القصة متعارضة فإن فيها فائدة ما، بل فائدة كبيرة، وإلا لما ذكرها الله تعالى في كتابه المحفوظ.
قصة لداود وسليمان:
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78، 79][1].
والقصة جاءت عند البيهقي، والحاكم وغيرهما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَرْمٌ قَدْ أَنْبَتَتْ عَنَاقِيدُهُ فَأَفْسَدَتْهُ الْغَنَمُ، قَالَ: فَقَضَى دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: غَيْرَ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تَدْفَعُ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ فَيَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، وَتَدْفَعُ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَيُصِيبَ مِنْهَا، حَتَّى إِذَا عَادَ الْكَرْمُ كَمَا كَانَ دَفَعْتَ الْكَرْمَ إِلَى صَاحِبِهِ، وَدَفَعْتَ الْغَنَمَ إِلَى صَاحِبِهَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]".
هنا قام سليمان بعقاب صاحب الغنم عقابًا محدودًا؛ لأنه سيقوم برعاية الكرم فترة حتى يعود إلى ما كان، وسيخسر في هذه المدَّة ألبان غنمه وصوفها، ولكنها خسارة مؤقتة، وستعود إليه أغنامه بعد مدة يسيرة، بعكس عقاب داود الذي كان دائمًا وكبيرًا.
الآن: هل يُطَبَّق هذا الحكم في الإسلام؟
هناك استفادة منه، ولكن لا يُطَبَّق بحذافيره:
عند أبي داود وغيره، عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ[2]، عَنْ أَبِيهِ[3]، أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ عَلَيْهِمْ، «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ».
قال ابن عبد البر في "التمهيد": هذا الحديث وإن كان مرسلاً، فهو حديث مشهور، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقّوه بالقبول، وجرى في المدينة به العملُ.
مَا أَفْسَدَتِ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَهْلِهَا وَمَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ ضَمِنَهُ مَالِكُهَا لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ يَحْفَظُونَهَا بِالنَّهَارِ وَأَصْحَابُ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ، وقال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: عدم الضمان بالنهار مشروط بعدم وجود مَالِكِ الدَّابَّةِ مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ،
وَذَهَبَ الأحناف إِلَى أَنَّ الْمَالِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا، وهذه ليست مخالفات للحديث النبوي، إنما قالوا ذلك لعلمهم بحديث آخر للنبي ﷺ، فعند البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «العَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ..»، والجُبَار هو الهدر، فلا ضمان على صاحبها، وأخذ الأحناف بهذا الحديث السابق، ولم ينظروا إلى حديث البراء لأنه ضعيف لإرساله. وأخذ به المالكية والشافعية لعمل أهل المدينة به كما قال ابن عبد البر.
وروى البيهقي عن الشَّعبِىِّ عن شُرَيحٍ أنَّه كان يُضَمِّنُ ما أفسَدَتِ الغَنَمُ باللَّيلِ، ولا يُضَمَّنُ ما أفسَدَت بالنَّهارِ، ويَتأوَّلُ هذه الآيَةَ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78]، وكانَ يقولُ: النَّفشُ باللَّيلِ.
عمومًا القضية خلافية بين العلماء، ولكن الشاهد أن الفقه لا يعتمد على آية واحدة أو حديث، إنما هو مجموع عدة أمور، وتحليل لعدة مواقف، ومنها يأخذ الفقيه حكمًا، وبالتالي هذا أمر مستحيل على عامة الناس غير المتخصِّصين مهما كانوا أذكياء وحكماء.
لعل في هذا التوضيح ما يجعل عموم الناس يتركون القضاء لأهله، فإن المسألة تحتاج إلى علم، وإلى ذكاء ودراية، فضلًا عن التوفيق من رب العالمين.
[1] النفش هو الرعي ليلًا.
[2] حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ: تابعي
[3] سعد بن محيصة، مختلف في صحبته
التعليقات
إرسال تعليقك